الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
24 -
حسن المنطق:
فحسن المنطق، وروعة البيان من مظاهر المروءة الصادقة، ومن أعظم الأسباب الداعية لقبول الحق.
ولهذا قيل: كلما كان اللسان أبين كان أحمد. (1)
بل لقد ذكر الله تبارك وتعالى جميل بلائه في تعليم البيان، وعظيم نعمته في تقويم اللسان، فقال:{الرَّحْمَنُ} {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن:1 -4) .
ومدح القرآن بالبيان والإفصاح، وبحسن التفصيل والإيضاح، وبجودة الإفهام وحكمة الإبلاغ، وسمَّاه فرقانًا، كما سمَّاه قرآنًا. (2)
ولهذا يحسن بالمعلم -وأداته الأولى اللسان - أن يهذب ألفاظه، وأن يجمل كلامه؛ ليقع موقعه في القلوب، وليفهم الطلاب عنه ما يريد تبيانه.
كل ذلك مشروط بألا يتقصد حوشي الكلام، ولا يتعمد التقعير فيه.
وبالجملة فليحرص على تجنب السوقي القريب، والحوشي الغريب؛ حتى يكون كلامه حالًا بين حالين، كما قال بعض الشعراء:
عليك بأوساط الأمور؛ فإنها
…
نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعبًا
(3)
(1) البيان والتبيين للجاحظ 1 / 11.
(2)
البيان والتبيين 1 / 8.
(3)
العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيرواني 1 / 199 وانظر البيان والتبيين 1 / 255.
قال أبو هلال العسكري: وأجود الكلام ما يكون جزلًا سهلًا، لا ينغلق معناه، ولا يستبهم مغزاه، ولا يكون مكدودًا مستكرهًا، ومتوعرًا متقعِّرًا، ويكون بريئًا من الغثاثة، عاريًا من الرثاثة.
والكلام إذا كان لفظه غثًّا، ومعرضه رثًّا -كان مردودًا ولو احتوى على أجلِّ معنًى وأنبله، وأرفعه، وأفضله. (1)
نظر معاوية إلى ابن عباس رضي الله عنهما فأتبعه بصره ثم قال متمثلًا:
إذا قال لم يترك مقالًا لقائل
…
مصيب ولم يثنِ اللسان على هُجْرِ
يُصَرِّفُ بالقول اللسان إذا انتحى
…
وينظر في أعطافه نظر الصقر
(2)
قال ابن عبد البر: ومن أحسن ما قيل في مدح البلاغة من النظم قول حسان بن ثابت في ابن عباس:
صموتٌ إذا ما الصمت زيَّن أهله
…
وفتَّاق أبكار الكلام المختَّمِ
وعى ما وعى القرآن من كل حكمة
…
ونيطت له الآداب باللحم والدمِ
(3)
(1) كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري ص67.
(2)
بهجة المجالس 1 / 58، والتمهيد لابن عبد البر 5 / 179.
(3)
التمهيد 5 / 178، وانظر أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة للكاتب ص99 -103.