الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
43 -
تربيتهم على الاعتزاز بالدين:
فأجل ما يربى عليه الطلاب أن يربوا على الدين القويم، والعقيدة الصحيحة؛ حتى ينشأوا معتزين بالإسلام لا يرضون به بدلًا، ولا يبغون عنه حِولًا.
وإن مما لا يقبل جدلًا ولا حوارًا أن من اتفق له في كِنِّ الصبا، وخِدر الغرارة أن يربى على أدب الشريعة البيضاء، حتى يتعود وتصبح تلك الآداب له ملكة وسليقة -كان هو السعيد الكامل، وما عليه إلا أن يكثر من حمد الله على تلك الموهبة العظيمة، والمنة الجليلة.
وإن من تربيتهم على الاعتزاز بالدين أن يقادوا بزمام التربية إلى مواقع العبر من تاريخهم، وإلى مواطن القدوة الصالحة من سلفهم، وإلى منابت العز والمجد من مآثر أجدادهم الأولين.
قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: ربوهم على أن يعيشوا بالروح في ذلك الجو المشرق بالإسلام وآدابه وتاريخه ورجاله، ذلك الجو الذي يستوي ماضيه ومستقبله في أنهما طرفا حقٍّ لا يشوبه الباطل، وحاشيتا جديدٍ لا يبليه الزمن.
وعلى أن يعيشوا بالبدن في الزمن الذي يدين بالقوة، ويُدِلُّ بالبأس، وعلى أن يعيشوا بالروح في ذلك الزمن المشرق العامر بالحق والخير والفضيلة، وعلى أن يلبسوا لبوس عصرهم الذي يبني الحياة على قاعدتين: إن لم تكن آكلًا كنت مأكولًا؛ وكن قويًا تحترم. (1)
وإذا وصلت التربية الدينية إلى النفوس من طريقها الصحيح، وقام على التربية معلمون ربانيون مخلصون -رسخت الفضائل في نفوس الطلاب، وقرَّت بها قرار ذات الصدع تحت ذات الرجع، فلا ترى من جرَّاء تلك التربية إلا حياء وعفافًا، وأمانة وصدقًا، واستصغارًا للعظائم، وغيرة على الحقائق والمصالح، وما شئت بعدُ من عزة النفس وكبر الهمة.
تلك الخصال التي لا تنبت أصولها، ولا تعلو فروعها إلا أن يتفيأ عليها ظلال الهداية ذات اليمين وذات الشمال.
(1) عيون البصائر ص300.
وكم أخرجت مدارس الإسلام، ومجالس القوامين على هدايته من رجال يلاقون الأسود فيصرعونها، ويجارون الرياح فيسبقونها، يخفضون أجنحتهم؛ تواضعًا للمستضعفين، ويرفعون رؤوسهم؛ عزة على الجبارين، تعترضهم الأخطار فيخوضون غمارها، وتعتل عقول أو قلوب فيضعون الدواء موضع عللها، عدل كأنه القسطاس المستقيم، وسخاء كأنه الغيث النافع العميم، وحرص في طلب العلم وإن كان بمناط الثريا، وطموح إلى المعالي وإن انتبذت وراء الفلك الدَّوَّار مكانًا قصيًّا. (1)
(1) انظر رسائل الإصلاح 1 / 6 و42.