الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
وقل ربي زدني علمًا:
فلا تستنكف من التعلم، ولا تقنع بما لديك من العلم، فالعلم أساس ترفع عليه قواعد السعادة، ولا تنفتح كنوزه إلا بتدقيق النظر ممن تصدى للإفادة والاستفادة.
فيا أيها المعلم المبارك أعيذك بالله من صنيع بعض المعلمين؛ فما أن ينال الشهادة التي تؤهله للتعليم إلا وينبذ العلم وراءه ظهريًا، إما اشتغالًا عن العلم، أو زهدًا به، أو ظنًا منه أنه قد استولى بالشهادة على الأمد، وأدرك بها الغاية القصوى من العلم.
وما هي إلا مدة ثم ينسى كثيرًا مما تلقاه من العلم أيام الطلب، وإذا تمادى به الأمر كاد أن يعدَّ من جملة العوام.
فما ذلك المسلك بسديد ولا رشيد؛ فلم يقض حق العلم، بل لم يدر ما شرف العلم ذلك الذي يطلبه لينال به رزقًا، أو ينافس به قرينًا، حتى إذا أدرك وظيفة، أو أنس من نفسه الفوز على القرين -أمسك عنانه ثانية، وتنحى عن الطلب جانبًا.
وإنما ترفع الأوطان رأسها، وتبرز في مظاهر عزتها بهمم أولئك الذين يقبلون على العلم بجد وثبات، ولا ينقطعون عنه إلا أن ينقطعوا عن الحياة، لا تحول بينهم وبين نفائس العلوم وعورةُ المسلك، ولا طول مسافة الطريق، بعزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلا أن يغترفوا من العلوم بأكواب طافحة. (1)
فالاشتغال بالعلم، والتزود منه -يثبته، ويزيده، ويفتح أبوابه.
ولو لم يأت من ذلك كله إلا أن الاشتغال بالعلم يقطع عن الرذائل، ويوصل إلى الفضائل.
قال ابن حزم: لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أن يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس -لكان ذلك أعظمَ داعٍ إليه، فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره؟ . (2)
قال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالمًا ما تَعَلَّم، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده -فهو أجهل ما يكون. (3)
كيف لا وهذا رسول الله " وهو المعلَّم والمزكَّى من الله عز وجل يأمره الله أن يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114) .
قال الإمام الشافعي:
(1) انظر السعادة العظمى للشيخ محمد الخضر حسين ص2 ورسائل الإصلاح لمحمد الخضر حسين 1 / 85 و 89.
(2)
الأخلاق والسير ص21.
(3)
تذكرة السامع والمتكلم ص60.
إذا هجع النُّوَّام أسبلت عبرتي
…
وَرَدَّدْتُ بيتًا وهو من ألطف الشعر
أليس من الخسران أن لياليًا
…
تَمُرُّ بلا علمٍ وتحسب من عمري
(1)
.
قال أبو إسحاق الإلبيري في فضل العلم والمواظبة على طلبه:
أبا بكرٍ دعوتُك لو أَجَبْتَا
…
إلى ما فيه حَظُّك إنْ عقلتا
إلى علم تكون به إِمامًا
…
مطاعًا إن نهيت وإن أمرتا
وتجلو ما بعينك من عَشَاها
…
وتهديك السبيلَ إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجًا
…
ويكسوك الجمالَ إذا اغْتَرَبْتَا
ينالك نَفْعُهُ ما دمت حَيًّا
…
ويبقى ذُخْرُه لك إن ذهبتا
هو العَضْبُ المُهَنَّدُ ليس ينبو
…
تصيب به مقاتل من ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لِصًّا
…
خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
فلو قد ذقت من حلواه طعمًا
…
لآثرت التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوىً مطاعٌ
…
ولا دنيا بزخرفها فُتنتا
ولا ألهاك عنه أنيقُ روضٍ
…
ولا خِدْرٌ بِرَبْرَبِهِ (2) كَلِفتا
فَقُوتُ الروح أرواحُ المعاني
…
وليس بأن طعمت وأن شربتا
فواظبْه وخذ بالجد فيه
…
فإن أعطاكه الله أخذتا
(3)
(1) غذاء الألباب للسفاريني 2 / 444
(2)
الربرب: القطيع من البقر الوحشي، حيث شبه النساء الجميلات بالبقر الوحشي.
(3)
ديوان أبي إسحاق الإلبيري الأندلسي حققه د. محمد رضوان الداية ص26.