المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إلى لبنان (1) نُشرت سنة 1937   لقيني الأستاذ عز الدين التنوخي (وكنت - مع الناس

[علي الطنطاوي]

الفصل: ‌ ‌إلى لبنان (1) نُشرت سنة 1937   لقيني الأستاذ عز الدين التنوخي (وكنت

‌إلى لبنان

(1)

نُشرت سنة 1937

لقيني الأستاذ عز الدين التنوخي (وكنت قادماً من سفر) فقال لي: هَلُمّ!

قلت: إلى أين؟

قال: إلى الجبل، نزور أمير البيان ورجل الإسلام، شكيب أرسلان.

قلت: ما أعدل والله بزيارته شيئاً، ولكني آتٍ من سفر ولم أبلغ داري.

قال: اطمئن، فإن الدار في محلها لم تَطِرْ، وما عليك أن تراها غداً؟

قلت: صحيح.

وسرت معه. ولم أعد أرى السفر شيئاً، لأني أصبحت -في هذه السنين الأواخر- كذلك الذي كان «موكَلاً بفضاء الله

(1) في الطبعة الجديدة التي أصدرتها دار المنارة من هذا الكتاب سنة 1988 كتب الشيخ يقول: "هذه المقالة كُتبت من أكثر من نصف قرن، يوم كان لبنان لبنان، لم تمسه الحدثان ولم تعبث به يد الزمان. كانت أدباً فصارت تاريخاً، وكانت للمتعة فصارت للعبرة"(مجاهد).

ص: 283

يذرعه»؛ فلا أكاد ألقي عصا التسيار وأحط الرحال من سفر حتى أتهيأ لآخر (1)؛ أطوّف ما أطوّف ثم آوي إلى هذه الغرفة الصغيرة، أجلس بين ركام الكتب أحسب ما كسبته من هذا العناء الطويل، فلا أجدني كسبت إلا صورة في الذاكرة أضمها إلى صورة، وذكرى في النفس أقرنها بذكرى، وصفحة في دفتري أضيفها إلى صفحة؛ أسعد بتدوينها وأسرّ ببقائها، وإن كنت لا أدوّن إلا الأقل مما أراه وأشعر به ولا أذكر إلا التافه مما يمر بي، وإن كنت أعلم أن صور الذاكرة إلى امّحاء وذكريات النفس إلى ضياع وقصص الدفتر إلى السكين والنار، لا يزهّدني ذلك فيها ولا يصرفني عنها، لعلمي أن الحياة نفسها ستموت والوجود سيعدم، ولا يبقى في الوجود إلا الموجد.

* * *

(1) ما أعجب الإنسان! نشر جدّي هذه المقالة وهو في الثامنة والعشرين، وقبلها ببضع سنين ارتحل تلك الرحلة الشهيرة إلى الحجاز (وخبرها في كتابه «من نفحات الحرم»)، ثم ذهب إلى العراق مدرّساً سنة 1936 فطوّف في أرجائه؛ من بغداد إلى كركوك في أقصى الشمال إلى البصرة في أقصى الجنوب، ثم انتقل إلى بيروت فأمضى فيها السنة التي صدرت فيها هذه المقالة، ثم عاد إلى دمشق ثم إلى العراق مرة أخرى، ثم قُدِّر له أن يقطع نصف محيط الأرض فيصل إلى أقصى أندونيسيا بعد ذلك بسنوات

ثم دارت السنون وتغير به الحال حتى صار يستثقل الانتقال من دار في البلد إلى دار، ويرى السفر إلى جدة (وقد استقر به المقام في مكة) سفراً يصرف بالاستعداد له أسبوعاً، وأمضى آخر عشرين سنة من حياته لم يخرج فيها من مكة إلا إلى جدة أو من جدة إلا إلى مكة، رحمه الله (مجاهد).

ص: 284

وكنا خمسة في السيارة: الأستاذ التنوخي، والأستاذ الشيخ بهجة البيطار، والأستاذ الشيخ بهجة الأثري، والشيخ ياسين الرواف، معتمد المملكة السعودية في دمشق سابقاً، وأنا.

خرجنا من دمشق مع الغروب. وكان اليوم جمعة، وكانت ليلة قمراء، فسالت الطرق بالدمشقيين -على عادتهم في مثل هذه الليالي- فامتلأت جوانب بردى، والمرجة الخضراء، والربوة، ووادي الشاذروان (أجمل أودية الدنيا وأحلاها) بخير الفتيان وأجمل الفتيات وأحلى الأطفال؛ فلم يكن أمتع للعين ولا أشهى للقلب من ذلك المشهد.

فسرنا في هذا العالم الساحر مترفّقين متمهلين، لأننا لا نمشي في طريق وإنما نمشي في بحر من العيون والقلوب والمفاتن جمع كل جميل بارع أخّاذ، حتى بلغنا دمّر:

والحور في دمّر أو حول هامتها

حورٌ كَوَاشفُ عن ساق وولدان (1)

فوقفنا نمتع الأنظار بحَوْرِها وحُورِها وشموسها وبدورها، وأنت مهما عرفت دمشق لا تزال ترى فيها أبداً جمالاً تجهله ولا تعرفه، ففي كل يوم جمال جديد وفي كل مكان فتنة جديدة؛ فلا تدري أين تقف وماذا تنظر وأياً تفضل: أوادي الشاذروان، أم جنائن الغوطة، أم جبال بلودان، أم عين الخضراء، أم سهول الزبداني، أم العيون التي لا يحصيها عدد؟

(1) شوقي.

ص: 285

سقى اللهُ ما تحوي دمشقُ وحيّاها

فما أطيبَ اللذّاتِ فيها وأهناها

نزلنا بها واستوقفَتْنا محاسِنٌ

يَحِنّ إليها كلُّ قلبٍ ويهواها

لبسنا بها عَيشاً رقيقاً رِداؤه

ونلنا بها من صفوةِ اللهو أعلاها

سلامٌ على تلك المعاهد إنها

مَحَطُّ صَباباتِ النفوس ومثواها

رعى الله أياماً تَقَضَّتْ بقُربها

فما كان أحلاها لديها وأَمْرَاها (1)

* * *

خلّينا الهامة وجُمرايا، بلدة ابن واسانة (2)، والوادي كله عن أيماننا، وأسندنا إلى الجبل نستقبل الصحراء إلى ميسلون؛ بلاط شهدائنا، ومشهد أبطالنا، ومبدأ تاريخنا الحديث، ومثوى الأسد الرابض يوسف العظمة، الذي وقف هو وأشبال دمشق العُزّل الأقلاّء في وجه ثاني دولة قوية ظافرة، فما ضعفوا ولا استكانوا ولا جبنوا، وما زالوا يقاتلون ويدافعون عن العرين ثابتين ما ثبتت الروح في أجسامهم حتى أعجزهم أن يعيشوا أشرافاً فماتوا أشرافاً؛ فكان موتهم حياة لهذه الأمة التي حفظت العهد وحملت الأمانة، وكانت قبورهم مناراً أحمر في طريق هذا الشعب المجاهد المستميت الذي لن يقف أو يتباطأ حتى يأخذ «الكل» الذي «أعطى» الآن (3)«بعضاً» منه، ولن ينام حتى يرى هذه

(1) ابن النقّار.

(2)

ولابن واسانة هذا قصيدة طويلة جداً من أعجب الشعر القصصي الواقعي، يصف فيها جماعة دعاهم إلى قريته ففعلوا معه الأفاعيل. وهي قصيدة نادرة مثالُها، على بذاءةٍ فيها وأوصافٍ مكشوفة يُستحيا منها.

(3)

أي سنة 1937.

ص: 286

الصحراء قد آضت جنّات ألفافاً، تحمل الزهر الذي لا يُسقى إلا بالماء الأحمر الملتهب تحمل أزهار الحرية.

سيبقى هذا اللحد لتمرّ عليه الأجيال الآتية، الأجيال الحرة العزيزة، فتذكر جهاد أسلافنا وتعرف الثمن الذي دفعوه، ولتعلم أن القوة إن غَلبت الحق حيناً فإن الحق يصنع القوة التي يغلب بها دائماً.

سأذكر ما حييت جدار قبر

بظاهر جلَّق ركب الرمالا (1)

مقيمٌ ما أقامت ميسلون

يذكر مصرع الأُسْدِ الشِّبالا

تغيّبَ عظمةُ العظَمات فيه

وأوّلُ سيّدٍ يلقى النِّبالا

مشى ومشت فيالِقُ من فرنسا

تجُرُّ مَطَارِفَ الظَّفَر اختيالا

أقام نهارَهُ يَلقى ويُلقى

فلمّا زالَ قُرصُ الشّمسِ زالا

فكُفِّنَ بالصّوارِمِ والعَوالي

ووُسِّدَ حيثُ جالَ وحيثُ صالا

إذا مرّتْ به الأجيالُ تترى

سمعتَ لها أزيزاً وابتهالا (2)

* * *

ثم أخذت السيارة تصعد بنا في مسالك ملتوية مستديرة تزيغ الأبصار من استدارتها وعلوها، حتى إذا ظننا أننا بلغنا قُنّة الجبل تكشّفت لنا قُنَن (3)، فإذا نحن لا نزال في الحضيض. وما فتئنا نعلو

(1) هذا البيت لم يظهر في الطبعات السابقة من الكتاب، وقد أخذته من كتاب «في بلاد العرب» الذي نُشرت فيه المقالةُ أوّلَ مرة (مجاهد).

(2)

شوقي.

(3)

القُنَن والقِنان: جمع قُنّة، وهي من أي شيء أعلاه (مجاهد).

ص: 287

ونتسلق وندور حتى حاذينا بلودان، درة المصايف الشامية، وبدا لنا فندقها الفخم الذي بنته الحكومة ليملأ الخزانةَ مالاً والجيوبَ ذهباً، فملأ النفوسَ فساداً والأخلاقَ انحطاطاً، لما أنشؤوا فيه من بلايا وطامات زعموها حضارة ورقياً!

ثم عدنا نهبط، وهذه سنة الحياة:«ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع» ، ولا علا رجل إلا هبط، إلا رجلاً علا بعلمه وبأخلاقه ومواهبه، فذاك الذي لا يهبط أبداً بل يزداد رفعة، لأن علمه لن يُنسى وأخلاقَه لن تذهب ومواهبَه لن تضيع، أما من علا على قوائم الكرسي وأعناق الشعب فأَحْرِ به أن يسقط مهما استمر علوُّه وطال بقاؤه.

أقول: إننا ما زلنا نهبط حتى انتهينا إلى سهل البقاع الخصب الأفيَح الجميل، الذي يفصل لبناننا «الشرقي» الأجرد المهيب الرهيب، الذي ادّرع المهابة واتّشح بوشاح الخلود، ولاحت عليه سمات الجلال والجد والوقار، ولبنانهم «الغربي» المرح الفرح الأخضر الجميل، الذي اتّزر بالسحر وارتدى رداء الشعر. وكلاهما أخّاذ فاتن، ولكن الأول جليل والثاني جميل، والجنات الخالدات والفراديس الباقيات في دمشق، على سفح لبنان الشرقي

قال شوقي:

نُبِّئْتُ لبنانُ جنّاتُ الخلود وما

نُبّئتُ أنّ طريقَ الخُلدِ لبنانُ

وأنت حين يحتويك لبنان الغربي تحسّ بجماله وروعته، ولكنك تشعر أنك أنت له وأنك جزء منه، ولكنك تحس حين تكون في لبناننا أنه هو لك وأنه جزء منك، وشتان بين ما تكون

ص: 288

أنت في قلبه وما يكون هو في قلبك. وأنت حين تكون في لبنان الغربي تجد يد الإنسان لم تُبقِ من جمال الطبيعة إلا قليلاً، وتجد ما تجد أكثره في المدن الكبرى، ولكنك حين تكون في لبنان الشرقي تجد الطبيعة الحلوة الفاتنة التي لم تبدلها يد الإنسان، وإنما أحاطتها بإطار يحفظها ويظهر جمالها.

ثم إن الجبلين كانا جبلاً واحداً صدعته حوادث أرضية (جيولوجية) من زمن قديم، والأمتين فيهما أمة واحدة، ولكنك واجد في هذه المسافة التي لا تتجاوز الساعتين جمهوريتين مختلفتين وعَلَمين متباينين، وحدوداً كحدود ألمانيا وفرنسا. ألقاب مملكة

وسبحان خالق الهر وخالق الأسد، وخالق كل شيء!

* * *

وأنخنا رواحلنا (أعني وَقَفنا سيارتنا، ولم يكن معنا رَواحلُ ولا رِحال) في شتورة، عروس السهل، نستريح فيها قليلاً قبل أن نتسلق بالسيارة الجبل الذي لا تبلغ الطير ذراه. وإذا أنت شئت أن تتصور مبلغ ما نعلو فتصور شارعاً طوله قرابة كيلين اثنين، قد وقف على رأسه وكنت أنت فوقه تطل على الدنيا من علٍ!

علونا في جبال شَجْراء ضاحكة، نجتاز القرى المتناثرة على السفوح والذرى، ونرى الينابيع تتدفق من أعالي الصخور وتسيل في بطون الأودية حالمة سكرى. وما زلنا في علو ولفّ ودوران حتى بلغنا «ظهر البيدر» حيث صرنا فوق السحاب، لا على المجاز أو المبالغة -كما يقول الشعراء- بل على الحقيقة التي

ص: 289

يشاهدها الناس كلهم؛ فقد كان السحاب يمس الذرى التي تحتنا ويلفح وجوهنا ويحجب عنا السهل والسفوح. وكنا نعلو عليه أحياناً فلا يبلغنا ولا يمسنا، ونراه يمر من تحتنا أشبه شيء بالغبار الأبيض تحمله الريح، حتى درنا تلك الدورة الكبيرة وأشرفنا على وادي «صوفر-حمّانا» العظيم، أوسع أودية لبنان وأجملها، وقد ازدهى بالصنوبر وانتثرت على سفوحه عشرات القرى ولاحت مبانيها العظيمة وقصورها الشُّم.

والرّوابي توسّدَتْ راحةَ السّحـ

ـبِ ونامت على وشاحٍ مُرقَّقْ

والذُّرى البيضُ في العَلاءِ نسورٌ

حوَّمَتْ تكشِفُ الخَفيَّ المُغَلَّقْ

نَشَرتْ في الفضاء أَجْنُحَهَا الزّه

ـرُ فأسْنَى بها الوجودُ وأشْرَقْ

والقُرى غَلْغَلَتْ بأخبِيَةِ الغَيْـ

ـبِ وضاعت بين الغَمَامِ المُنَمَّقْ

واليَنابيعُ ضاحِكاتٌ من الزَّهـ

ـوِ تَرَامَى فيها السَّنَا وتَألَّقْ

وتراءَى البحرُ البَعيدُ كحُلْمٍ

مُبْهَمٍ راجِفِ الخَيالِ مُلَفَّقْ

سرقَتْهُ السّماءُ في الأفُقِ النّائي

فَمَنْ أبصَرَ الخِضَمّاتِ (1) تُسْرَقْ؟ (2)

* * *

تمر على الإنسان ساعات، بل لحظات، ينسى فيها هذا العالَم المادي وهذه الحياة القصيرة الناقصة، ويحس كأنه يعيش بنفسه حياة أكمل وأجمل، تخالط نفسَه مشاعرُ لا عهد له بها ولا يقدر على وصفها، وتغمر قلبَه لذّةٌ لا يعرف أي شيء هي،

(1) الخِضَمُّ هو البحر الواسع (مجاهد).

(2)

أنور العطار.

ص: 290

فيشعر أنه انتقل إلى عالم سحري جني عجيب، كهذه اللحظات التي تمر علينا في غمرة التأمل النفسي، أو في نشوة الحب، أو حين الاستغراق في العبادة والمناجاة. هذه هي اللحظات التي تمرّ عليك حين تشرف على وادي «صوفر-حمّانا» أو تجلس في الشاغور أو تصعد إلى عين الصحة في فالوغا.

لست أريد الدعاية للبنان، وما لبنان في حاجة إلى دعاية، وما في لبنان سرير في فندق أو غرفة في دار إلاّ وقد امتلأت، حتى إننا لم نجد في صوفر (وقد وصلناها ليلاً) مكاناً نبيت فيه، وكلما دخلنا فندقاً خرجنا منه بخفي صاحبنا حنين الإسكاف

حتى قادنا المطاف إلى فندق لطيف معتزل قاعد في منتصف الطريق بين صوفر وبحمدون، ولم يكن بعده فندق نأوي إليه. فتعلقنا بصاحبه وتوسلنا إليه وأطمعناه حتى رضي أن يعد لنا مكاناً في الردهة (الصالون) فقبلنا، ووُضعت سرر صغار كسرر الجند وطلبة المدارس الداخلية جاء بها من بيته، فحمدنا الله عليها.

* * *

ولما دخلنا (الأوتيل): عمامتان عاليتان على رأسَي البهجتين، بهجة العراق وبهجة الشام، وعقال نجدي فخم على هامة أمير من أمراء نجد، ونحن الاثنان «المُطربَشان» ، الأستاذ عز الدين وأنا، تعلقت بنا الأنظار ودارت حولنا الأبصار، وحفّ بنا شباب يسلمون علينا، فقلنا: وعليكم السلام يا إخواننا.

فما راعنا إلا أنهم ضحكوا وضحك الحاضرون، فقلت لأحدهم: من فضلك قل لي، لماذا تضحك؟ هل تجد في هيئتي

ص: 291

ما يضحك يا سيدي؟

فازداد الخبيث ضحكاً، فهممت به فوثب الحاضرون وقالوا: يا للعجب! أتضرب فتاة؟

وإذا هي «فتاة» بثياب الرجال! وفررنا ونحن مستحيون نحاول ألاّ نعيدها كرّة أخرى.

ولما خرجت في الليل لمحت في طريقي واحدة من هؤلاء النسوة فحيتني، فقلت لها: مساء الخير يا مدموازيل.

فقالت: مادموازيل إيش يا وقح؟

قلت في نفسي: إنها متزوجة، وقد ساءها أن دعوتها بالمدموازيل (الآنسة)، وأسرعت فتداركت الخطأ وقلت: بردون مدام.

قالت: مدام في عينك قليل الأدب، بأي حق تمزح معي؟ أنا (فلان) المحامي.

قلت: بردون، بردون!

ووليت هارباً، فذهبت إلى صاحب (الأوتيل) فرجوته أن يعمل لنا طريقة للتفريق بين الرجل والمرأة، فدُهش مني ووجم لحظة، ثم قدّر أني أمزح فانطلق ضاحكاً.

قلت: إني لا أمزح ولكني أقول الجِدّ. وقصصت عليه القصة.

قال: وماذا نعمل؟

ص: 292

قلت: لوحات صغيرة مثلاً من النحاس، كالتي توضع على السيارات لبيان رقمها أو على الدراجات

يُكتب عليها «رجل» أو «امرأة» ، تُعلَّق في الصدر تحت الثدي الأيسر، أو تُتّخَذ حلية من الذهب أو الفضة عليها صورة ديك مثلاً ودجاجة، أو

أو شاة وخروف أو شيء آخر من علامات التذكير والتأنيث

فراقه اقتراحي وقبله على أنه نكتة، ولكنه لم يفكّر بالعمل به لأنه لم يجد حاجة إلى هذا التفريق ما دام المذهب الجديد يقول بمساواة الجنسين!

* * *

ولم نُطل الإقامة في صوفر لأننا لم نجد الأمير فعدنا أدراجنا إلى دمشق، نحمد الله على أننا لا نزال نعيش في بلد فيه النساء نساء والرجال رجال (1).

* * *

(1) كان هذا سنة 1937، قبل أن «تستجمل» الناقةُ و «تسترجل» المرأة، وتقعد مقعد الرجل من كرسي التدريس في الجامعة ومكتب الوظيفة في الديوان، وستكون غداً هي «النائبة» ، ثم تكون «القاضية» ! وقبل أن «يستأنِث» الرّجل فلا ينكر منكراً ولا يمنع ممنوعاً!

ص: 293

إلى القرّاء الكرام

لقد بذلتُ في تصحيح هذا الكتاب غايةَ ما استطعت من الجهد، لكنّي لا آمَنُ أن يكون فيه خطأ سهوتُ عنه، لأن الكمال ليس لأحد من البشر، إنما هو من صفات خالق البشر. فأرجو أن يَمُنّ عليّ قارئه (وقارئ سائر كتب جدّي التي صحّحتُها وأعدت إخراجها من قريب) فينبّهني إلى أي خطأ سهوت عنه لكي أتداركه في الطبعات الآتيات، وأنا أشكره وأدعو له اللهَ بأن يجزل له الأجر والثواب.

مجاهد مأمون ديرانية

mujahed@al-ajyal.com

ص: 294

المحتويات

مقدمة الطبعة الثالثة 5

أحسن كما أحسن الله إليك 7

حديث عن دمشق 15

رمضان 23

مزعجات رمضان 31

أين أرباب الأقلام؟ 37

نحن المذنبون 45

كل شيء للناس 51

لا تؤجِّلْ 57

الحبّ والزواج 65

السنّ المناسبة للزواج 71

طريق السعادة 75

لصوص الوقت 85

الوظيفة والموظَّفون 91

الوعد الشرقي 97

شغِّلوا الطلاّب في عطلة الصّيف 105

مشكلة الزواج 111

أسباب المشكلة 119

إبراهيم بك هنانو قال لي 127

من حديث المزعجات 135

ص: 295

في الفندق 143

بين المعلّم والتلميذ 149

إلى الطلاّب 153

الوصايا 161

نساؤنا ونساء الإفرنج 169

صناعة «المَشْيَخَة» 177

هذا نذير للناس 183

هذا هو الدواء 195

الإذاعات العربية 207

صور دمشقية سوداء من ربع قرن 215

رسالة 221

صور من تاريخنا العلمي 229

الطلاّب والعطلة 243

في الزواج 251

حديث العيد 259

مجنون 267

موضوع إنشاء 275

من عبث التلاميذ 279

إلى لبنان 283

ص: 296