المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أسباب تلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام] : - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[أسباب تلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام] :

بِغَنَمٍ فَحَلَبْنَاهَا عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنَا بِهِ قَالَ: وَكُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الرَّمْلِ فَنَجْمَعُهُ وَنَحْلِبُ عَلَيْهِ فَنَعْبُدُهُ، وَكُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْحَجَرِ الْأَبْيَضِ فَنَعْبُدُهُ زَمَانًا ثُمَّ نُلْقِيهِ1.

وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَعْبُدُ حَجَرًا، فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الرِّحَالِ، إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ هَلَكَ فَالْتَمِسُوا رَبًّا. قَالَ: فَخَرَجْنَا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ نَطْلُبُهُ إِذَا نَحْنُ بِمُنَادٍ يُنَادِي: إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا رَبَّكُمْ أَوْ شَبَهَهُ، فَإِذَا حَجَرٌ فَنَحَرْنَا عَلَيْهِ الْجَزُورَ2.

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ: كُنْتُ مِمَّنْ يَعْبُدُ الْحِجَارَةَ فَيَنْزِلُ الْحَيَّ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَهٌ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فَيَأْتِي بِأَرْبَعَةِ أَحْجَارٍ فَيَنْصِبُ ثَلَاثَةً لِقَدَرِهِ وَيَجْعَلُ أَحْسَنَهَا إِلَهًا يَعْبُدُهُ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يَجِدُ مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يرتحل، فيتركه ويأخد غَيْرَهُ3.

وَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَجَدَ حَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِنُشْبَةِ قَوْسِهِ فِي وُجُوهِهَا وَعُيُونِهَا وَيَقُولُ:"جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ" وَهِيَ تَتَسَاقَطُ عَلَى وُجُوهِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَحُرِقَتْ4.

[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي خَاتِمَةِ كِتَابِهِ "الْإِغَاثَةِ":

فَصْلٌ 5:

وَتَلَاعُبُ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَهُ أَسْبَابٌ عَدِيدَةٌ، وتلاعب بِكُلِّ قَوْمٍ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ: فَطَائِفَةٌ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا مِنْ جِهَةِ تَعْظِيمِ الْمَوْتَى

1 ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان مسندا من طريق حنبل وسنده صحيح "2/ 220". ورواه أبو نعيم في الحلية "2/ 306" وفي سير أعلام النبلاء "4/ 254، 255". وأبو رجاء تابعي أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره.

2 رواه أبو بكر بن أبي شيبة وإسناده حسن. انظر إغاثة اللهفان "2/ 220".

3 رواه ابن سعد في طبقاته "4/ 217" وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف، ورواه الواقدي من طريقه "سير أعلام النبلاء 2/ 460".

4 انظر إغاثة اللهفان "2/ 221".

5 إغاثة اللهفان "2/ 222".

ص: 469

الَّذِينَ صَوَّرُوا تِلْكَ الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ عليه السلام؛ وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُتَّخِذِينَ عَلَى الْقُبُورِ الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ، وَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى الْقُبُورِ، وَسَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ قَبْرَهُ وَثَنًا يُعْبَدُ، وَنَهَى أُمَّتَهُ أَنْ يَتَّخِذُوا قَبْرَهُ عِيدًا، وَقَالَ:"اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" 1 وَأَمَرَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ وَطَمْسِ التَّمَاثِيلِ. قُلْتُ: وَسَنَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ الْمُسْنَدَةَ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا خِلَافَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، إِمَّا جَهْلًا وَإِمَّا عِنَادًا لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَلَمْ يَضُرُّهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى عَوَامِّ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا خَوَاصُّهُمْ فَإِنَّهُمُ اتَّخَذُوهَا بِزَعْمِهِمْ عَلَى صُوَرِ الْكَوَاكِبِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْعَالَمِ عِنْدَهُمْ، وَجَعَلُوا لَهَا بُيُوتًا وَسَدَنَةً وَحُجَّابًا وَحَجًّا وَقُرْبَانًا، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا فِي الدُّنْيَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ فَمِنْهَا بَيْتٌ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ بِأَصْبَهَانَ كَانَتْ بِهِ أَصْنَامٌ أَخْرَجَهَا بَعْضُ مُلُوكِ الْمَجُوسِ وَجَعَلَهُ بَيْتَ نَارٍ، وَمِنْهَا بَيْتٌ ثَانٍ وَثَالِثٌ وَرَابِعٌ بِصَنْعَاءَ بَنَاهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اسْمِ الزُّهْرَةِ فَخَرَّبَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه. وَمِنْهَا بَيْتٌ بَنَاهُ قَابُوسٌ الْمَلِكُ عَلَى اسْمِ الشَّمْسِ بِمَدِينَةِ فَرْغَانَةَ، فَخَرَّبَهُ الْمُعْتَصِمُ، وَأَشَدُّ الْأُمَمِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الشِّرْكِ الْهِنْدُ. قَالَ يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ: إِنَّ شَرِيعَةَ الْهِنْدِ وَضَعَهَا لَهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: بَرْهُمَنْ وَوَضَعَ لَهُمْ أَصْنَامًا وَجَعَلَ أَعْظَمَ بُيُوتِهَا بَيْتًا بِمَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ السِّنْدِ، وَجَعَلَ فِيهِ صَنَمَهُمُ الْأَعْظَمَ وَزَعَمَ أَنَّهُ بِصُورَةِ الْهُيُولِي الْأَكْبَرِ، وَفُتِحَتْ هَذِهِ الْمَدِينَةُ فِي أَيَّامِ الْحَجَّاجِ وَاسْمُهَا الْمِلْتَانُ. إِلَى أَنْ قَالَ رحمه الله: وَأَصْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ مُشْرِكِي الصَّابِئَةِ وَهُمْ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام الَّذِينَ نَاظَرَهُمْ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَكَسَرَ حُجَّتَهُمْ بِعَمَلِهِ، وَآلِهَتَهُمْ بِيَدِهِ فَطَلَبُوا تَحْرِيقَهُ. وَهَذَا مَذْهَبٌ قَدِيمٌ فِي الْعَالَمِ وَأَهْلُهُ طَوَائِفُ شَتَّى فَمِنْهُمْ عُبَّادُ الشَّمْسِ زَعَمُوا أَنَّهَا مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَهَا نَفْسٌ وَعَقْلٌ، وَهِيَ أَصْلُ نُورِ الْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَتَكُونُ الْمَوْجُودَاتُ السُّفْلِيَّةُ كُلُّهَا عِنْدَهُمْ مِنْهَا، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مَلَكُ الْفَلَكِ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَالسُّجُودَ وَالدُّعَاءَ. وَمِنْ شَرِيعَتِهِمْ فِي عِبَادَتِهَا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا لَهَا صَنَمًا بِيَدِهِ جَوْهَرٌ عَلَى نَوْعِ النَّارِ، وَلَهُ بَيْتٌ خَاصٌّ قَدْ بَنَوْهُ

1 حديث وسيأتي.

ص: 470

بِاسْمِهِ وَجَعَلُوا لَهُ الْوُقُوفَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْقُرَى وَالضِّيَاعِ، وَلَهُ سَدَنَةٌ وَقُوَّامٌ وَحَجَبَةٌ يَأْتُونَ الْبَيْتَ وَيُصَلُّونَ فِيهِ لَهَا ثَلَاثَ كَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَيَأْتِيهِ أَصْحَابُ الْعَاهَاتِ فَيَصُومُونَ لِذَلِكَ الصَّنَمِ وَيُصَلُّونَ وَيَدَعُونَ وَيَسْتَسْقُونَ بِهِ، وَهُمْ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَجَدُوا كُلُّهُمْ، وَإِذَا غَرَبَتْ وَإِذَا تَوَسَّطَتِ الْفَلَكَ. وَلِهَذَا يُقَارِفُهَا الشَّيْطَانُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ لِتَقَعَ عِبَادَتُهُمْ وَسُجُودُهُمْ لَهُ؛ وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَحَرِّي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قَطْعًا لِمُشَابِهَةِ الْكُفَّارِ ظَاهِرًا1، وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ2.

قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل عِبَادَةَ الشَّمْسِ عَنْ أَهْلِ سَبَأٍ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ فِي عَهْدِ بَلْقِيسَ، كَمَا حَكَى قَوْلَ الْهُدْهُدِ حَيْثُ قَالَ:{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النَّمْلِ: 24] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَهَدَاهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْإِسْلَامِ عَلَى يَدِ نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ عليه السلام حيث قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النَّمْلِ: 44] .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "فَصْلٌ"3 وَطَائِفَةٌ أُخْرَى اتَّخَذَتْ لِلْقَمَرِ صَنَمًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَالْعِبَادَةَ وَإِلَيْهِ تَدْبِيرُ هَذَا الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ، وَمِنْ شَرِيعَةِ عُبَّادِهِ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا لَهُمْ صَنَمًا عَلَى شَكْلِ عِجْلٍ وَيَجُرُّهُ أَرْبَعَةٌ، وَبِيَدِ الصَّنَمِ جَوْهَرَةٌ، وَيَعْبُدُونَهُ وَيَسْجُدُونَ لَهُ وَيَصُومُونَ لَهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ يَأْتُونَ إِلَيْهِ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الْأَكْلِ أَخَذُوا فِي الرَّقْصِ وَالْغِنَاءِ وَأَصْوَاتِ الْمَعَازِفِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ أَصْنَامًا اتَّخَذُوهَا عَلَى صُوَرِ الْكَوَاكِبِ وَرُوحَانِيَّاتِهَا بِزَعْمِهِمْ، وَبَنَوْا لَهَا هَيَاكِلَ وَمُتَعَبَّدَاتٍ لِكُلِّ كَوْكَبٍ مِنْهَا هَيْكَلٌ يَخُصُّهُ وَصَنَمٌ يَخُصُّهُ وَعِبَادَةٌ تَخُصُّهُ، وَمَتَى أَرَدْتَ الْوُقُوفَ عَلَى هَذَا فَانْظُرْ فِي كِتَابِ "السِّرِّ الْمَكْتُومِ فِي مُخَاطَبَةِ النُّجُومِ" الْمَنْسُوبِ لِابْنِ خَطِيبِ الرَّيِّ4 تَعْرِفُ

1 انظر تفصيل ذلك بما لا تجده في غيره في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم". لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

2 إغاثة اللهفان إلى "2/ 223".

3 إغاثة اللهفان من "2/ 224".

4 هو الفخر الرازي محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، وكتابه هذا مختلف في نسبته إليه؛ فبعضهم نسبه إلى علي بن أحمد الحرالي. انظر كشف الظنون "989" وقد شط السبكي رحمه الله في الكلام عليه حين قال:"وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السر". وقد جزم الملطي أنه له ورد عليه في كتاب سماه: "انقضاض البازي في انفضاض الرازي".

ص: 471

عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَكَيْفِيَّةَ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَشَرَائِطَهَا، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مَرْجِعُهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَإِنَّهُمْ لَا تَسْتَمِرُّ لَهُمْ طَرِيقٌ إِلَّا بِشَخْصٍ خَاصٍّ عَلَى شَكْلٍ خَاصٍّ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا اتَّخَذَ أَصْحَابُ الرُّوحَانِيَّاتِ وَالْكَوَاكِبِ أَصْنَامًا زَعَمُوا أَنَّهَا عَلَى صُوَرِهَا، فَوَضْعُ الصَّنَمِ إِنَّمَا كَانَ فِي الْأَصْلِ عَلَى شَكْلِ مَعْبُودٍ غَائِبٍ فَجَعَلُوا الصَّنَمَ على شكله وهيئته وَصُورَتِهِ؛ لِيَكُونَ نَائِبًا مَنَابَهُ وَقَائِمًا مَقَامَهُ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَاقِلًا لَا يَنْحِتُ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا بِيَدِهِ ثُمَّ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إِلَهُهُ وَمَعْبُودُهُ.

وَمِنْ أَسْبَابِ عِبَادَتِهَا أَيْضًا أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَدْخُلُ فِيهَا وَتُخَاطِبُهُمْ مِنْهَا وَتُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ عَنْهُمْ وَتَدُلُّهُمْ عَلَى بَعْضِ مَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يُشَاهِدُونَ الشَّيْطَانَ، فَجَهَلَتُهُمْ وَسَقَطُهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الصَّنَمَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ الْمُخَاطِبُ1، وَعُقَلَاؤُهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ تِلْكَ رُوحَانِيَّاتِ الْأَصْنَامِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهَا الْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهَا هِيَ الْعُقُولُ الْمُجَرَّدَةُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هِيَ رُوحَانِيَّاتُ الْأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ بَلْ إِذَا سَمِعَ الْخِطَابَ مِنَ الصَّنَمِ اتَّخَذَهُ إِلَهًا وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْأَرْضِ مَفْتُونُونَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهَا إِلَّا الْحُنَفَاءُ أَتْبَاعُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَعِبَادَتُهَا فِي الْأَرْضِ مِنْ قَبْلِ نُوحٍ عليه السلام كَمَا تَقَدَّمَ وَهَيَاكِلُهَا وَوُقُوفُهَا وَسَدَنَتُهَا وَحُجَّابُهَا وَالْكُتُبُ المصنفة في شرائع عِبَادَتِهَا طَبَقُ الْأَرْضِ. قَالَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إِبْرَاهِيمَ: 35، 36] ، وَالْأُمَمُ الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْوَاعِ الْهَلَاكِ كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ كَمَا قَصَّ اللَّهُ عز وجل ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَأَنْجَى الرُّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ. وَيَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ كَثْرَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَرْضِ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ

1 انظر تفصيل ذلك في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ص: 472

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّ بَعْثَ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ" 1، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 89]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الْأَنْعَامِ: 116]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ: 103]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الْأَعْرَافِ: 102] ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْفِتْنَةُ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ عَظِيمَةً لَمَا أَقْدَمَ عُبَّادُهَا عَلَى بَذْلِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ دُونَهَا، فَهُمْ يُشَاهِدُونَ مَصَارِعَ إِخْوَانِهِمْ وَمَا حَلَّ بِهِمْ وَلَا يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا حُبًّا لَهَا وَتَعْظِيمًا وَيُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَتَحَمُّلِ أَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي نُصْرَتِهَا وَعِبَادَتِهَا، وَهُمْ يَسْمَعُونَ أَخْبَارَ الْأُمَمِ الَّتِي فُتِنَتْ بِعِبَادَتِهَا وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَاجِلِ الْعُقُوبَاتِ وَلَا يَثْنِيهِمْ ذَلِكَ عَنْ عِبَادَتِهَا، فَفِتْنَةُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ عِشْقِ الصُّوَرِ وَفِتْنَةِ الْفُجُورِ بِهَا، وَالْعَاشِقُ لَا يَثْنِيهِ عَنْ مُرَادِهِ خَشْيَةَ عُقُوبَةٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ يُشَاهِدُ مَا يَحِلُّ بِأَصْحَابِ ذَلِكَ مِنَ الْآلَامِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالنَّكَالِ وَالْفَقْرِ، وغير مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الْبَرْزَخِ، وَلَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلَّا إِقْدَامًا وَحِرْصًا عَلَى الْوُصُولِ وَالظَّفَرِ بِحَاجَتِهِ فَهَكَذَا الْفِتْنَةُ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَأَشَدُّ، فَإِنَّ تَأَلُّهَ الْقُلُوبِ لَهَا أَعْظَمُ مِنْ تَأَلُّهِهَا لِلصُّوَرِ الَّتِي يُرِيدُ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ بِكَثِيرٍ، وَالْقُرْآنُ بَلْ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُصَرِّحَةٌ بِبُطْلَانِ هَذَا الدِّينِ وَكُفْرِ أَهْلِهِ وَأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَأَعْدَاءُ رُسُلِهِ وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وَعُبَّادُهُ وَأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَهُمُ الَّذِينَ حَلَّتْ بِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَنَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقُوبَاتُ وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ هُوَ وَجَمِيعُ رُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا يَقْبَلُ لَهُمْ عَمَلًا، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل لِرَسُولِهِ وَأَتْبَاعِهِ مِنَ الْحُنَفَاءِ دِمَاءَ هَؤُلَاءِ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ حَيْثُ وُجِدُوا، وَذَمَّهُمْ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الذَّمِّ وَتَوَعَّدَهُمْ بِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَةِ، فَهَؤُلَاءِ فِي شِقٍّ وَرُسُلُ اللَّهِ فِي شِقٍّ2. ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

1 أخرجه البخاري "11/ 378" في الرقاق، باب الحشر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

2 إلى "2/ 226" من إغاثة اللهفان.

ص: 473