الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[هُودٍ: 100-102] الْآيَاتِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ"1. وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْخَطَرُ عَلَى مَنْ دَخَلَ دِيَارَهُمْ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِمْ وَزِيَادَةً، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]
وَمَنْ عَلَى الْقَبْرِ سِرَاجًا أَوْقَدَا
…
أَوِ ابْتَنَى عَلَى الضَّرِيحِ مَسْجِدًا
فَإِنَّهُ مُجَدِّدٌ جِهَارَا
…
لِسُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
"وَمَنْ عَلَى الْقَبْرِ" مُتَعَلِّقٌ بِأَوْقَدَ "سِرَاجًا" مَفْعُولُ "أَوْقَدَا" بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ، وَالْمَعْنَى: وَمَنْ أَوْقَدَ سِرَاجًا عَلَى الْقَبْرِ "أَوِ ابتنى" بمعنى: بنى وَزِيدَتِ التَّاءُ فِيهِ لِمَعْنَى الِاتِّخَاذِ "عَلَى الضَّرِيحِ" أَيْ: عَلَى الْقَبْرِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الضَّرْحِ الَّذِي هُوَ الشَّقُّ "مَسْجِدًا" أَوِ اتَّخَذَ الْقَبْرَ نَفْسَهُ مَسْجِدًا وَلَوْ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ "فَإِنَّهُ" أَيْ: فَاعِلُ ذَلِكَ "مُجَدِّدٌ" بِفِعْلِهِ ذَلِكَ "جِهَارًا" أَيْ: تَجْدِيدًا وَاضِحًا مُجَاهِرًا بِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ "لِسُنَنِ" أَيْ: لِطَرَائِقِ "الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" فِي اتِّخَاذِهِمْ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا، وَأَعْيَادًا لَهُمْ يَنْتَابُونَهَا، وَيَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهَا، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ ذَاتَ أَنْوَاطٍ:"اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السَّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ"2. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ"؟ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه-3، وَقَدْ وَقَعَ
1 البخاري "6/ 378، 379" في الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} . وفي المساجد، باب الصلاة في مواضع الخسف، وفي المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم في الحجر، وفي التفسير، باب {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} .
ومسلم "4/ 2286/ ح2980" في الزهد والرقائق، باب "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين".
2 الترمذي "4/ 475/ ح2180" في الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلك، وقال: حسن صحيح، ورواه أحمد "5/ 218" وإسناده صحيح.
3 البخاري "13/ 300" في الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم". وفي الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
ومسلم "4/ 2054/ ح2669" في العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
الْأَمْرُ -وَاللَّهِ- كَمَا أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم بِهِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
كَمْ حَذَّرَ الْمُخْتَارُ عَنْ ذَا وَلَعَنْ
…
فَاعِلَهُ كَمَا رَوَى أَهْلُ السُّنَنْ
بَلْ قَدْ نَهَى عَنِ ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ
…
وَأَنْ يُزَادَ فِيهِ فَوْقَ الشِّبْرِ
وَكُلُّ قَبْرٍ مُشْرِفٍ فَقَدْ أَمَرْ
…
بِأَنْ يُسَوَّى هَكَذَا صَحَّ الْخَبَرْ
"كَمْ" خَبَرِيَّةٌ لِلتَّكْثِيرِ "حَذَّرَ الْمُخْتَارُ" نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ، صلى الله عليه وسلم "عَنْ ذَا" الْفِعْلِ مِنَ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَأَعْيَادًا وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَإِيقَادِ السُّرُجِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةَ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ -أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ- بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ"1. وَفِيهِ عَنْهَا وَهِيَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا" 2. وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"3. وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا
1 البخاري "1/ 523، 524" في الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد؟ وباب الصلاة في البيعة وغيرها.
ومسلم "1/ 375، 376/ ح528" في المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور.
2 البخاري "3/ 200" في الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، وباب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
ومسلم "1/ 376/ ح529" في المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها.
3 البخاري "1/ 532" في الصلاة، باب الصلاة في البيعة، وغيره.
ومسلم "1/ 376/ ح530" في المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها.
الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ1. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ2. وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ3. وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالثَّلَاثَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ4. وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيِّ: نَهَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَوْ يُجَصَّصَ أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ5. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ، رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ6. وَلِلتِّرْمِذِيِّ
1 مسلم "2/ 668/ ح972" في الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة عليها.
وأبو داود "3/ 217/ ح3229" في الجنائز، باب كراهية القعود على القبر. والترمذي "3/ 367/ ح1050" في الجنائز، باب ما جاء في كراهية المشي على القبور. والنسائي "2/ 67" في القبلة، باب النهي عن الصلاة إلى القبر.
2 البخاري "1/ 528، 529" في الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، وفي التطوع، باب التطوع في البيت.
ومسلم "1/ 538/ ح777" في صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.
وأبو داود "2/ 69/ ح1448" في الصلاة، باب في فضل التطوع.
والترمذي "2/ 313/ ح451" في الصلاة، باب ما جاء في فضل التطوع في البيت.
والنسائي "3/ 197" في صلاة الليل، باب الحث على الصلاة في البيوت، والفضل في ذلك.
3 مسلم "1/ 377، 378/ ح532" في المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.
4 مسلم "2/ 667/ ح970" في الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، وأبو داود "3/ 216/ ح3225" في الجنائز، باب في البناء على القبر، والترمذي "3/ 368/ ح1052" في الجنائز، باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها، والنسائي "4/ 86" في الجنائز، باب الزيادة على القبر، وباب البناء على القبر، وباب تجصيص القبور.
5 النسائي "4/ 86" في الجنائز، باب البناء على القبر.
6 أبو داود "3/ 218/ ح3236" في الجنائز، باب في زيارة النساء للقبور، والترمذي "2/ 136/ ح320" في الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجد، والنسائي "4/ 94، 95" في الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، وابن ماجه.
ولم أجده عند ابن ماجه إلا باللفظ الآتي وهو "زوارات" من حديث ابن عباس "1/ 502/ ح1575" في الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور.
وفي سنده أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب وهو ضعيف، والحديث صحيح لشاهده الآتي دون الزيادة:"والمتخذين عليها المساجد والسرج" مع بيان المفارقة بين قوله: زوارات وزائرات. انظر في أحكام الجنائز للعلامة الألباني "ص186، 187".
وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ1، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ2، وَلِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا:"إِنَّ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ" رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ3. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ4. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْخُلُ فَيَدْعُو فِيهَا، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ عَنْ أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ" رَوَاهُ فِي الْمُخْتَارَةِ5. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
1 الترمذي "3/ 371/ ح1056" في الجنائز، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء، وقال: حسن صحيح.
وابن ماجه "1/ 502/ ح1576" في الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور وسنده حسن، والحديث صحيح لشاهده من حديث حسان الآتي والحديث السابق.
2 ابن ماجه "1/ 502/ ح1574" في الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور. وفيه عبد الرحمن بن بهمان، قال عنه الحافظ: مقبول "إذا توبع وإلا فلين" فسنده ضعيف والحديث صحيح لشواهده المتقدمة.
3 أحمد "ح3844، 4143، 4144، 4342" نسخة أحمد شاكر وإسناده حسن من طريقين، ورواه أبو حاتم "اقتضاء الصراط المستقيم ص668" تحقيق ناصر بن عبد الكريم العقل، وابن حبان "موارد ح340 و341".
وقوله: إسناده جيد، هو قول ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم.
4 أبو داود "2/ 218/ ح2042" في المناسك، باب زيارة القبور، وإسناده كما قال.
5 الضياء المقدسي في المختارة "اقتضاء الصراط المستقيم ص297، 298" وأبو يعلى في مسنده "الاقتضاء ص296" وإسماعيل بن إسحاق في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "ح20"، وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تخريج الأذكار.
أَخْبَرَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: رَآنِي الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عِنْدَ الْقَبْرِ، فَنَادَانِي وَهُوَ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها يَتَعَشَّى فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الْعَشَاءِ فَقُلْتُ: لَا أُرِيدُهُ، فَقَالَ: مَا لِي رَأَيْتُكَ عِنْدَ الْقَبْرِ؟ فَقُلْتُ: سَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فَسَلِّمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ، لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، مَا أَنْتُمْ وَمَنْ بِالْأَنْدَلُسِ إِلَّا سَوَاءٌ"1. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" 2. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا.
"وَقَدْ نَهَى" النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "عَنِ ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ" بِالْبِنَاءِ أَوْ نَحْوِهُ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِهَا وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَكَمَا سَيَأْتِي مِنَ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَتِهَا "وَأَنْ يُزَادَ فِيهِ فَوْقَ شِبْرٍ" كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَوْ يُجَصَّصَ3.
"وَكُلُّ قَبْرٍ مُشْرِفٍ" يَعْنِي: مُرْتَفِعٍ "فَقَدْ أَمَرَ" النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "بِأَنْ يُسَوَّى" بِالْأَرْضِ أَوْ بِمَا عَدَاهُ مِنَ الْقُبُورِ الَّتِي لَمْ تُجَاوُزِ الشَّرْعَ فِي ارْتِفَاعِهَا "هَكَذَا صَحَّ الْخَبَرُ" وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودَسَ فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا4. وَلَهُ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسْدِي قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ
1 سعيد بن منصور في سننه "الاقتضاء ص298، 299" وإسماعيل بن إسحاق في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "ح30" دون قوله: "لعن الله اليهود
…
" وإسناده مرسل قوي، والحديث صحيح لشواهده.
وقوله: "ثم ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء" من كلام الحسن بن الحسن.
2 الموطأ "1/ 172" في قصر الصلاة، باب جامع الصلاة من حديث عطاء بن يسار مرسلا، والحديث صحيح لشواهده المتقدمة وغيرها.
3 تقدم قبل قليل.
4 مسلم "2/ 666/ ح968" في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر.
أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرَفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ1.
وَحَذَّرَ الْأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ
…
فَغَرَّهُمْ إِبْلِيسُ بِاسْتِجْرَائِهِ
فَخَالَفُوهُ جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا
…
مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَجْتَنِبُوا
"وَحَذَّرَ" النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "الْأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ" أَيِ: الْغُلُوِّ فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"2. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ" 3. وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا وَسَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عز وجل" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ4. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا فَقَالَ: "السَّيِّدُ اللَّهُ تَعَالَى" قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا فَقَالَ: "قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ" 5 وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حِمَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَنَابَ التَّوْحِيدِ. وَكَمَا قَالَ لِمَنْ قَالَ: تعالوا بنا نستغث بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، قَالَ:"إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ"6. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
1 مسلم "2/ 666/ 969" في الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر.
2 البخاري "6/ 422" في الأنبياء، باب قوله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} وغيره، وليس هذا اللفظ عند مسلم، وأصل هذا الحديث عنده دون هذه الجملة.
3 النسائي "5/ 268" في الحج، باب التقاط الحصا. وابن ماجه "2/ 1008/ ح3021" في المناسك، باب قدر حصا الرمي. وأحمد "1/ 215 و347" وإسناده صحيح.
4 النسائي في عمل اليوم والليلة "ح248" وإسناده جيد كما قال.
5 النسائي في عمل اليوم والليلة "ح245" و"246" و"247" وسنده صحيح. ورواه أبو داود "ح4806" وأحمد "4/ 25".
6 رواه الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت "المجمع 10/ 162" وفي سنده ابن لهيعة. ورواه أحمد من طريقه "5/ 317" الشطر الأول ولكن قال: "لا يقام لي، إنما يقام لله تبارك وتعالى".
وَتَعَالَى قَدْ بَيَّنَ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فِي حَقِّ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنَّهُ هُوَ تَصْدِيقُ خَبَرِهِمْ وَامْتِثَالُ أَمْرِهِمْ وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِمْ وَاتِّبَاعُهُمْ عَلَى شَرِيعَتِهِمْ وَمَحَبَّتُهُمْ هُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ وَتَوَابِعُ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَوْا إِلَيْهِ؛ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْهُمُ الرُّبُوبِيَّةَ وَلَا دَعَوْا إِلَى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 79، 80] وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النِّسَاءِ: 172] الْآيَاتِ، وَقَالَ:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [الْمَائِدَةِ: 75] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزُّخْرُفِ: 59] وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْمَائِدَةِ: 17] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 26-29] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عليه السلام: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [الْأَنْعَامِ: 50] وَقَالَ لِصَفْوَةِ خَلْقِهِ وَخَاتَمِ رُسُلِهِ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الْأَعْرَافِ: 188] وَقَالَ تَعَالَى لَهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 128] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي