المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: فيما جاء في الميزان - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌فصل: فيما جاء في الميزان

‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

وَالْوَزْنُ بِالْقِسْطِ فَلَا ظُلْمَ وَلَا

يُؤْخَذُ عَبْدٌ بِسِوَى مَا عَمِلَا

فَبَيْنَ نَاجٍ رَاجِحٌ مِيزَانُهُ

وَمَقْرِفٍ أَوْبَقَهُ عُدْوَانُهُ

وَالْوَزْنُ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ بِالْقِسْطِ الْعَدْلِ فَلَا ظُلْمَ عَلَى أَحَدٍ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّ الْحَاكِمَ فِيهِ هُوَ الْعَدْلُ الْحَكِيمُ الَّذِي حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ عَلَى عِبَادِهِ مُحَرَّمًا، فَلَا يُهْضَمُ أَحَدٌ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلَا يُؤْخَذُ عَبْدٌ بِسِوَى مَا عَمِلَا الْأَلِفُ لِلْإِطْلَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17] وقال تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 47] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لُقْمَانَ: 16] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النِّسَاءِ: 40]

فَبَيْنَ نَاجٍ رَاجِحٌ مِيزَانُهُ إِلَخْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الْأَعْرَافِ: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 102] الْآيَاتِ.

ص: 844

وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} [الْقَارِعَةِ: 6-11] وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْفِ: 105]

وَفِي التِّرْمِذِيَّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ:"أَنَا فَاعِلٌ"، يَعْنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ قَالَ: "اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ" قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ" قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنِّي لَا أخطئ هذه الثلاثة الْمُوَاطِنَ" 1، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ، وَفِيهِ "وَعِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَثْقُلَ أَوْ يَخِفَّ" 2 الْحَدِيثَ.

وَالْقَوْلُ فِي الْمَوْزُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ أَنَّهُ الْأَعْمَالُ نَفْسُهَا هِيَ الَّتِي تُوزَنُ، وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ تَجَسَّمُ فَتُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ.

وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الصَّحِيحِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سبحان اللَّهِ الْعَظِيمِ"3.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا

1 رواه أحمد 3/ 178 والترمذي 4/ 621/ ح2433 في صفة القيامة باب ما جاء في شأن الصراط وقال هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قلت وهو كما قال.

2 تقدم تخريجه سابقا.

3 رواه البخاري 11/ 206 في الدعوات باب فضل التسبيح ومسلم 4/ 2072/ ح2694 في الذكر والدعاء باب فضل التهليل والتسبيح.

ص: 845

الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ" قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ1، وَمُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ.

وَفِيهِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ" وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ "كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا" 2 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يجيء ثواب قراءته، كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فَسَّرُوا، إِذْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "وَأَهْلِهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا" فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّهُ يَجِيءُ ثواب العمل3 اهـ.

قُلْتُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْآتِي هُوَ الْعَمَلَ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآتِيَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ نَفْسُهُ فَحَاشَا وَكَلَّا وَمَعَاذَ اللَّهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى صِفَتُهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَالَّذِي يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَعَمَلُهُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: 96] .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:"تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ" قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ، يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ

1 رواه مسلم 1/ 553/ ح804 في صلاة المسافرين باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.

2 رواه مسلم 1/ 554/ ح805 في صلاة المسافرين باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة.

3 الترمذي 5/ 160 161/ ح2883 في فضائل القرآن باب ما جاء في سورة آل عمران.

ص: 846

مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ مُقْلَتَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ من وراء تجارته، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنَ الْوَقَارِ، ويكسى والداه حلتين لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدنيا فيقولان بم كُسِينَا هَذَا فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذَا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا" 1. وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ ذَاتُهَا الَّتِي تُوزَنُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ صَحَائِفَ الْأَعْمَالِ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ.

وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا، أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ قَالَ لَا يَا رَبِّ قَالَ أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ قَالَ فَبُهِتَ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَحْضِرُوهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تَظْلِمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ قَالَ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ قَالَ وَلَا يَثْقُلُ شَيْءٌ مَعَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" 2 وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ

1 رواه أحمد 5/ 361 والحاكم في المستدرك شطره الثاني 1/ 140 وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

2 رواه أحمد 2/ 213 والترمذي 5/ 24 25/ ح2639 في الإيمان باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله وقال هذا حديث حسن غريب وابن ماجه 2/ 1437/ ح4311 في الزهد باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، وهو حديث صحيح.

ص: 847

وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَوْزُونَ ثَوَابُ الْعَمَلِ، وَهُوَ اطِّرَادُ مَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَعْنَى حَدِيثِ النَّوَّاسِ.

الرَّابِعُ أَنَّ الْمَوْزُونَ هُوَ الْعَامِلُ نَفْسُهُ.

وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا روى أحمد عن عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه صَعِدَ شَجَرَةً يَجْتَنِي الْكَبَاثَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، هُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ"1.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحُ بعوضة وقال اقرءوا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْفِ: 105] " 2، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ الْعَظِيمِ، فَيُوزَنُ بِحَبَّةٍ فَلَا يَزِنُهَا قَالَ وَقَرَأَ {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْفِ: 105] " رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ3.

وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَخْطِرُ فِي حُلَّةٍ لَهُ، فَلَمَّا قَامَ عَلَى النَّبِيِّ قَالَ:"يَا بُرَيْدَةُ، هَذَا مِمَّنْ لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا"4.

قُلْتُ وَالَّذِي اسْتُظْهِرَ مِنَ النُّصُوصِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ الْعَامِلَ وَعَمَلَهُ وَصَحِيفَةَ

1 رواه أحمد 1/ 114 وإسناده حسن، وله شواهد من حديث ابن مسعود وقرة بن إياس وغيرهم، والكباث هو النضيج من ثمر الأراك.

2 رواه البخاري 8/ 426 في تفسير سورة الكهف باب قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} ومسلم 4/ 2147/ ح2785 في صفات المنافقين باب صفة القيامة والجنة والنار.

3 أخرجه ابن جرير 9/ 35 والبيهقي في الشعب كما في الدر المنثور 5/ 466 وابن أبي حاتم ابن كثير 3/ 113 وفي سنده صالح مولى التوءمة، صدوق اختلط، وتابعه عند البخاري الأعرج، فهو حديث صحيح.

4 رواه البزار كشف الأستار 3/ 365.

قال الهيثمي وفيه عون بن عمارة وهو ضعيف المجمع 5/ 128 قال البزار عون لم يكن بالحافظ، ولم يتابع على هذا.

ص: 848

عَمَلِهِ كُلُّ ذَلِكَ يُوزَنُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي بَيَانِ الْقُرْآنِ قَدْ وَرَدَتْ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قِصَّةِ صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ وَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ فَيُمَايِلُ بِهِ الْمِيزَانُ قَالَ فَيُبْعَثُ بِهِ إِلَى النَّارِ قَالَ فَإِذَا أَدْبَرَ إِذَا صَائِحٌ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ عز وجل يَقُولُ لَا تُعَجِّلُوا فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَهُ، فيؤتى ببطاقة فيها لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَتُوضَعُ مَعَ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ" 1 فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُوضَعُ هُوَ وَحَسَنَاتُهُ وَصَحِيفَتُهَا فِي كِفَّةٍ وَسَيِّئَاتُهُ مَعَ صَحِيفَتِهَا فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا غَايَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا تَفَرَّقَ ذِكْرُهُ فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الْوَزْنِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يَكْذِبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي وَأَضْرِبُهُمْ وَأَشْتُمُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَحْسِبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا، لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلًا لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ الَّذِي بَقِيَ قِبَلَكَ" فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَبْكِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَيَهْتِفُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا لَهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} " فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ فِرَاقِ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي عَبِيدَهُ- إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ2

1 تقدم تخريجه سابقا.

2 رواه أحمد 6/ 280 والترمذي 5/ 320/ ح3165 في التفسير باب ومن سورة الأنبياء عليهم السلام وابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر المنثور 5/ 632 قال الترمذي حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان قلت هو ثقة، والحديث صحيح.

ص: 849