المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإيمان قول وعمل: - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌الإيمان قول وعمل:

‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَامِرٍ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ عَامِرٍ أَوْ أَبِي عَامِرٍ أَوْ أَبِي مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فِي غَيْرِ صُورَتِهِ، يَحْسَبُهُ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عليه السلام، ثُمَّ وَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَفِيهِ: فَلَمَّا وَلَّى أَيِ: السَّائِلُ، فَلَمَّا لَمْ نَرَ طَرِيقَهُ بَعْدُ قَالَ أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"سُبْحَانَ اللَّهِ -ثَلَاثًا- هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ"1. وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَبْلَهُ فَقَدْ خَرَّجَهَا غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى رِوَايَاتِ الْأُمَّهَاتِ لِشُهْرَتِهَا وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ، مِنْهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ2 وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ3 وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ4 رضي الله عنهم، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَيَسَّرَ مِنَ النُّصُوصِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ عِنْدَ ذِكْرِهَا فِي الْمَتْنِ، فَنَقُولُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

اعْلَمْ بِأَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلْ

فَاحْفَظْهُ وَافْهَمْ مَا عَلَيْهِ ذَا اشْتَمَلْ

"اعْلَمْ" يَا أَخِي وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ وَالْمُسْلِمِينَ "بِأَنَّ الدِّينَ" الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ورضيه لأهل سمواته وَأَرْضِهِ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا بِهِ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ، وَلَا يَرْغَبُ عَنْهُ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، وَلَا أَحْسَنَ دِينًا مِمَّنِ

1 أحمد "4/ 129" وفيه شهر كالمتقدم، وحسنه الحافظ في الفتح "1/ 116".

2 ذكره الترمذي في حديث ابن عمر رضي الله عنهما "5/ 8/ ح2610" في الإيمان، باب ما جاء في وصف جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام.

3 رواه البخاري في خلق أفعال العباد "191" والبزار "كشف الأستار 1/ 20، 21" وفيه الضحاك بن نبراس وهو لين الحديث، ومع ذلك قال الحافظ في الفتح: إسناده حسن.

4 أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفيه خالد بن يزيد العمري، ولا يصلح للصحيح "الفتح 1/ 116".

ص: 587

الْتَزَمَهُ وَاتَّبَعَهُ هُوَ "قَوْلٌ" أَيْ: بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ "وَعَمَلٌ" أَيْ: بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ جَامِعَةٌ لِأُمُورِ دِينِ الْإِسْلَامِ:

الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْقَلْبِ وَهُوَ تَصْدِيقُهُ وَإِيقَانُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزُّمَرِ: 33، 34] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الْأَنْعَامِ: 75] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الْحُجُرَاتِ: 15] صَدَّقُوا ثُمَّ لَمْ يَشُكُّوا. وَفِي حديث الدرجات العلا: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ"1. وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [الْبَقَرَةِ: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} [الْبَقَرَةِ: 136] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشُّورَى: 15] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً" 2 الْحَدِيثَ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ"3.

1 البخاري "6/ 320" في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ومسلم "4/ 2177/ ح2831" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء.

2 البخاري "13/ 392" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ومسلم "1/ 177، 178/ ح191" في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

3 البخاري "13/ 473، 474" في التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء، ومسلم "1/ 182-184/ ح193" في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة.

ص: 588

وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُكَذِّبِينَ: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: 10] وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُرْتَابِينَ الشَّاكِّينَ: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 167] وَقَالَ فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 41] وَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [الْمُنَافِقُونَ: 1] أَيْ: فِي قَوْلِهِمْ نَشْهَدُ -أَيْ: كَذَبُوا- إِنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ، إِنَّمَا هُوَ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَقِيَّةً وَنِفَاقًا وَمُخَادَعَةً.

الثَّانِي: قَوْلُ اللِّسَانِ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْإِقْرَارُ بِلَوَازِمِهَا، قَالَ اللَّهُ:{وَقُولُوا آمَنَّا} [الْبَقَرَةِ: 136]{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ} [الْقَصَصِ: 53]{وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشُّورَى: 15] وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزُّخْرُفِ: 86]{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الْأَحْقَافِ: 13] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ" 1 وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَنَذْكُرُ وَمَا لَا نَذْكُرُ.

الثَّالِثُ: عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ النِّيَّةُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْمَحَبَّةُ وَالِانْقِيَادُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ عز وجل وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَلَوَازِمُ ذَلِكَ وَتَوَابِعُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الْأَنْعَامِ: 52]{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [اللَّيْلِ: 20]{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الْإِنْسَانِ: 9]{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الْحَجِّ: 35]{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 60] {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ

1 البخاري "1/ 75" في الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاة} ومسلم "1/ 53/ ح22" في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.

ص: 589

مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزُّمَرِ: 23]{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرَّعْدِ: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} ، {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النِّسَاءِ: 125]{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لُقْمَانَ: 22]{فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الْحَجِّ: 34]{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النِّسَاءِ: 65] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"1.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"2.

وَقَدْ تَقَدَّمَ جُمْلَةٌ مِنْ نُصُوصِ الْإِخْلَاصِ فِي الْكَلَامِ عَلَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُهُ وَمَا يُنَافِيهِ مِنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَمَا يُنَافِي كَمَالَهُ مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ"3.

1 رواه البخاري "1/ 9" في بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وغيرها، ومسلم "3/ 1515/ ح1907" في الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنية".

2 رواه مسلم "4/ 2289/ ح2985" في الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله.

3 تقدم في المجلد الأول تخريجه، وأن إسناده منقطع مرسل ضعيف.

ص: 590

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا

" 1 الْحَدِيثَ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" 2.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكُ وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ"3.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ"4.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ"5 وَهَذَا غَايَةُ الِانْقِيَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ هَوًى غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ النُّصُوصُ فِي التَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْخَشْيَةِ وَالْخُضُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ.

الرَّابِعُ: عَمَلُ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، فَعَمَلُ اللِّسَانِ مَا لَا يُؤَدَّى إِلَّا بِهِ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وعمل الجوارح ما لَا يُؤَدَّى إِلَّا بِهَا مِثْلُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَشْيِ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ كَنَقْلِ الخطا إلى المساجد وإلى الْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْمَلُهُ حَدِيثُ

1 رواه البخاري "1/ 60" في الإيمان، باب حلاوة الإيمان، ومسلم "1/ 66/ ح43" في الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.

2 رواه البخاري "1/ 58" في الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، ومسلم "1/ 67/ ح44" في الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3 رواه الترمذي "5/ 522/ ح3490" في الدعوات، باب 73 وقال: هذا حديث حسن غريب، وأبو نعيم في الحلية "1/ 226" من حديث أبي الدرداء، قلت: وفي سنده عبد الله بن ربيعة بن يزيد الدمشقي وقيل: ابن يزيد بن ربيعة، وهو مجهول، كما قال الحافظ في التقريب. وأخرجه الحاكم "1/ 527" من حديث ثوبان بزيادة فيه وقال: صحيح على شرط البخاري وسكت الذهبي، وفي تصحيحه نظر.

4 رواه أحمد "3/ 424" والبزار "كشف الأستار 2/ 329" قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح "مجمع الزوائد 6/ 124، 125" قلت: فيه عبيد بن رفاعة الزرقي، أخرج له البخاري في أدب المفرد والأربعة فقط، وهو ثقة.

5 تقدم تخريجه في المجلد الأول وأن إسناده ضعيف؛ إذ مداره على نعيم بن حماد.

ص: 591

شُعَبِ الْإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [الرَّعْدِ: 22] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الْكَهْفِ: 27] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الْأَحْزَابِ: 41] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الْأَعْرَافِ: 205] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 111] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الْكَهْفِ: 46] وَهِيَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ" 1، وَقَالَ تَعَالَى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الْأَعْرَافِ: 55] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمُزَّمِّلِ: 20] وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 191] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَةِ: 238] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الْحَجِّ: 77، 78] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الْفَرْقَانِ: 63، 64] الْآيَاتِ، وقال تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمَرِ: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ

1 رواه مالك في الموطأ "1/ 210" مرسلا من طريق ابن المسيب، وأخرجه أحمد في المسند "513، نسخة أبي الأشبال" وإسناده صحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ص: 592

اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التَّوْبَةِ: 111، 112] .

وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَقْرِيرُ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، فَإِذَا حَقَّقْتَ هَذِهِ الْأُمُورَ الْأَرْبَعَةَ تَحْقِيقًا بَالِغًا وَعَرَفْتَ مَا يُرَادُ بِهَا مَعْرِفَةً تَامَّةً وَفَهِمْتَ فَهْمًا وَاضِحًا ثُمَّ أَمْعَنْتَ النَّظَرَ فِي أَضْدَادِهَا وَنَوَاقِضِهَا، تبين لك أن أَنْوَاعُ الْكُفْرِ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَرْبَعَةٍ:

كُفْرُ جَهْلٍ وَتَكْذِيبٍ.

وَكَفْرُ جُحُودٍ.

وَكُفْرُ عِنَادٍ وَاسْتِكْبَارٍ.

وَكُفْرُ نِفَاقٍ.

فَأَحَدُهَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ فِي شَخْصٍ فَظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَنْتَفِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا -قَوْلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُهُ، وَقَوْلُ اللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ- أَوْ يَنْتَفِيَ بَعْضُهَا، فَإِنِ انْتَفَتْ كُلُّهَا اجْتَمَعَ أَنْوَاعُ الْكُفْرِ غَيْرُ النِّفَاقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: 6، 7] .

وَإِنِ انْتَفَى تَصْدِيقُ الْقَلْبِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ فَكُفْرُ الْجَهْلِ وَالتَّكْذِيبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يُونُسَ: 39] وَقَالَ تَعَالَى: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النَّمْلِ: 84] وَإِنْ كَتَمَ الْحَقَّ مَعَ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ فَكُفْرُ الْجُحُودِ وَالْكِتْمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النَّمْلِ: 14] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى

ص: 593

الْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 146، 147] .

وَإِنِ انْتَفَى عَمَلُ الْقَلْبِ مِنَ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِذْعَانِ مَعَ انْقِيَادِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، فَكُفْرُ نِفَاقٍ، سَوَاءٌ وُجِدَ التَّصْدِيقُ الْمُطْلَقُ أَوِ انْتَفَى، وَسَوَاءٌ انْتَفَى بِتَكْذِيبٍ أَوْ شَكٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْبَقَرَةِ: 8-20] .

وَإِنِ انْتَفَى عَمَلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَلْبِ وَالِاعْتِرَافِ بِاللِّسَانِ، فَكُفْرُ عِنَادٍ وَاسْتِكْبَارٍ، كَكُفْرِ إِبْلِيسَ وَكُفْرِ غَالِبِ الْيَهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ أَمْثَالِ: حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَعْبِ بن الأشرف وغيرهما، وَكَفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، وَمُحَالٌ أَنْ يَنْتَفِيَ انْقِيَادُ الْجَوَارِحِ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مَعَ ثُبُوتِ عَمَلِ الْقَلْبِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"1.

وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لَكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ: هُوَ التَّصْدِيقُ عَلَى ظَاهِرِ اللُّغَةِ، أَنَّهُمْ إِنَّمَا عَنَوُا التَّصْدِيقَ الْإِذْعَانِيَّ الْمُسْتَلْزِمَ لِلِانْقِيَادِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِلَا شَكٍّ، لَمْ يَعْنُوا مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ فَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يُكَذِّبْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالسُّجُودِ وَإِنَّمَا أَبَى عَنْ الِانْقِيَادِ كُفْرًا وَاسْتِكْبَارًا، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَفِرْعَوْنُ كَانَ يَعْتَقِدُ صِدْقَ مُوسَى وَلَمْ يَنْقَدْ، بَلْ جَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَصْدِيقِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزُّمَرِ: 33] الْآيَاتِ؟! وَأَيْنَ تَصْدِيقُ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} ، {قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ

1 رواه البخاري "1/ 126" في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم "3/ 1219-1221/ ح107" في المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.

ص: 594

لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 76] مِنْ تَصْدِيقِ مَنْ قَالُوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الْبَقَرَةِ: 285] ؟! وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

كَفَاكَ مَا قَدْ قَالَهُ الرَّسُولُ

إِذْ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ جِبْرِيلُ

عَلَى مَرَاتِبٍ ثَلَاثٍ فَصَّلَهْ

جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِهِ مُشْتَمِلَهْ

الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ

وَالْكُلُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْكَانِ

"كَفَاكَ" أَيُّهَا الطَّالِبُ الْحَقَّ "مَا قَدْ قَالَ الرَّسُولُ" مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم "إِذْ" حِينَ "جَاءَهُ يَسْأَلُهُ" عَنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ وَشَرَائِعِهِ "جِبْرِيلُ" عليه السلام كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ "عَلَى مَرَاتِبٍ ثَلَاثٍ فَصَّلَهْ" فِي تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ الصَّرِيحَةِ "جَاءَتْ" أَيِ: الثَّلَاثُ الْمَرَاتِبُ "عَلَى جَمِيعِهِ" أَيْ: عَلَى جَمِيعِ الدِّينِ "مُشْتَمِلَهْ" وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْأُمُورَ "الدِّينَ" فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"1.

[مَرْتَبَةُ الْإِسْلَامِ] :

"الْإِسْلَامِ" بِالْخَفْضِ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلِ مَرَاتِبَ، وَيُقَالُ لَهُ: بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفَانِ عَلَيْهِ. هَذِهِ هِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَمَا وَافَقَ لَفْظَهُ.

وَالْإِسْلَامُ لُغَةً: الِانْقِيَادُ وَالْإِذْعَانُ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَلِإِطْلَاقِهِ حَالَتَانِ:

"الْحَالَةُ الْأُولَى" أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْإِفْرَادِ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ يُرَادُ بِهِ الدِّينُ كُلُّهُ أُصُولُهُ وفروعه من اعتقاداته وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آلِ عِمْرَانَ: 19] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: 3] وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 85] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}

1 طرف من حديث تقدم تخريجه وطرقه، والباب معقود عليه.

ص: 595

[الْبَقَرَةِ: 208] أَيْ: فِي كَافَّةِ شَرَائِعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَتَخَلَّيْتُ" 1 الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ يَسْلَمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ عز وجل، وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ" قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ" قَالَ: وَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ" 2 فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم الْإِيمَانَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَفْضَلُهُ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَمُحِيَتْ عَنْهُ كُلُّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا" 3 الْحَدِيثَ. فَإِنَّ الِانْقِيَادَ ظَاهِرًا بِدُونِ إِيمَانٍ لَا يَكُونُ حُسْنَ إِسْلَامٍ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ، فَكَيْفَ تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٌ أَوْ تُمْحَى عَنْهُ سَيِّئَاتٌ؟! وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

"الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ" أَنْ يُطْلَقَ مُقْتَرِنًا بِالِاعْتِقَادِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ يُرَادُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ الظَّاهِرَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الْحُجُرَاتِ: 14] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَ لَهُ سَعِيدٌ رضي الله عنه: مالك عَنْ فُلَانٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَوْ مُسْلِمٌ" 4 يَعْنِي أَنَّكَ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَى إِيمَانِهِ وَإِنَّمَا اطَّلَعْتَ عَلَى إِسْلَامِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: "لَا تَقُلْ: مُؤْمِنٌ وَقُلْ: مُسْلِمٌ" 5 وَكَحَدِيثٍ عُمَرَ هَذَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.

1 رواه أحمد "5/ 4 و5" والنسائي "5/ 4، و5" في الزكاة، باب وجوب الزكاة و"5/ 82، 83" فيه، باب من سأل بوجه الله عز وجل، وابن ماجه "2/ 848/ ح2537" في الحدود، باب المرتد عن دينه، مختصرا، وسنده صحيح.

2 رواه أحمد "4/ 114" والطبراني في الكبير "المجمع 1/ 64" قال الهيثمي: ورجاله ثقات.

3 رواه النسائي "8/ 105، 106" في الإيمان، باب حسن إسلام المرء. قال الخطيب: حديث ثابت. وقد ذكره البخاري تعليقا "1/ 98" من حديث أبي سعيد، وانظر تغليق التعليق "2/ 44".

4 رواه البخاري "1/ 79" في الإيمان، باب إذا لم يكن على الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل، ومسلم "1/ 132/ ح150" في الإيمان، باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه.

5 رواه النسائي "8/ 103، 104" في الإيمان، باب تأويل قوله عز وجل:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} .

ص: 596