المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]] - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا، قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا، إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} [الْجِنِّ: 20-23] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الْأَحْقَافِ: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 144] الْآيَاتِ، وَقَدْ تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، إِلَى آخَرِ خُطْبَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، كَثِيرَةٌ النُّصُوصُ فِيهِ، بَلْ لَيْسَتِ النُّصُوصُ إِلَّا فِيهِ وَفِي مُتَعَلِّقَاتِهِ وَمُكَمِّلَاتِهِ.

[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

"فَغَرَّهُمْ" أَيْ: أَكْثَرَ الْأُمَّةِ بَعْدَمَا سَمِعُوا الزَّوَاجِرَ وَالنَّوَاهِيَ "إِبْلِيسُ" لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَعَاذَنَا مِنْهُ "بِاسْتِجْرَائِهِ" أَيْ: بِاسْتِهْوَائِهِ إِيَّاهُمْ وَاسْتِدْرَاجِهِ لَهُمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْهَلَكَاتِ شَيْئًا فَشَيْئًا، كَمَا فَعَلَ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَوْمِ نُوحٍ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَتَاهُمْ عَلَى مَا يهوون إما بغلو وأما بِجَفَاءٍ، لَا يُبَالِي مَا أَهْلَكَ الْعَبْدَ بِهِ سَوَاءٌ قَصَرَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ حَتَّى لَا يَدْخُلَهُ وَلَا يَسْلُكَهُ أَوْ جَاوَزَهُ بِهِ حَتَّى يَتَّبِعَ سَبِيلَ الضلال فتفرق به عَنْ سَبِيلِهِ، فَالَّذِينَ أَبْغَضُوا الرُّسُلَ مِنَ الْكُفَّارِ وَعَادُوهُمْ وَنَابَذُوهُمْ بِالْمُحَارَبَةِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ زَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثِلَةَ وَالْمَقَايِيسَ، وَأَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ بِشْرٌ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوهُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ وَيَتَنَقَّصُوا شُيُوخَهُمْ بِذَلِكَ وَتَكُونَ لَهُمُ الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالَّذِينَ صَدَّقُوا الرُّسُلَ وَاتَّبَعُوهُمْ أَتَى الْكَثِيرَ مِنْ خُلُوفِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الْغُلُوَّ فِيهِمْ بِالْكَذِبِ وَالْقَوْلِ عَلَيْهِمْ بِالْبُهْتَانِ وَرَفْعِهِمْ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِمُ الَّتِي أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ عز وجل، وَأَتَاهُمْ بِذَلِكَ فِي صُورَةِ مَحَبَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ حَتَّى جَعَلَهُمْ مِثْلَهُ فِي الْبُعْدِ عَنِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا عِبَادُ اللَّهِ الْمُخْلَصُونَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ صِرَاطَهُ

1 تقدمت في كلام المصنف في علو الله على خلقه.

ص: 534

الْمُسْتَقِيمَ، فَلَمْ يَقْصُرُوا عَنْهُ وَلَمْ يَسْتَبْدِلُوا بِهِ غَيْرَهُ، بَلِ اسْتَمْسَكُوا بِهِ وَاعْتَصَمُوا:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 101]{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النِّسَاءِ: 69] .

"فَخَالَفُوهُ" أَيِ: الَّذِينَ اسْتَهْوَاهُمُ الشَّيْطَانُ خَالَفُوا النَّصَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ "جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ" مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ وَمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ "وَلَمْ يَجْتَنِبُوا" ذَلِكَ وَلَا شَيْئًا، فَنَهَى عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل وَهَؤُلَاءِ لَا يَحْلِفُونَ إِلَّا بِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ عَلَى الْكَذِبِ وَلَا يَحْلِفُونَ بِالنِّدِّ فَيَكْذِبُونَ. وَنَهَى أَنْ تُقْرَنَ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَيَهْتِفُونَ بِاسْمِهِ فِي الْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَيَسْأَلُونَ مِنْهُمْ قَضَاءَ الْحَوَائِجِ دُونَ ذِي الْجَلَالِ، بَلْ يَعْتَقِدُ فِيهِمُ الْغُلَاةُ مِنْهُمْ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْكَوْنِ وَالْمُدَبِّرُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ. وَدَعَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَدُعَائِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَدَعَوْا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، حَتَّى دَعَوُا الرَّسُولَ الْآتِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ مَعَ اللَّهِ عز وجل. وَنَهَى عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَهَؤُلَاءِ يَعْكُفُونَ عَلَيْهَا وَيُصَلُّونَ عَلَيْهَا وَإِلَيْهَا، بَلْ وَلَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ عز وجل، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُفَضِّلُونَ الصَّلَاةَ فِيهَا عَلَى مَسَاجِدِ اللَّهِ عز وجل الَّتِي بُنِيَتْ لِذَلِكَ. وَنَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ أَوْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ قَدْ ضَرَبُوا عَلَيْهَا الْقِبَابَ وَزَخْرَفُوهَا، وَحَبَسُوا عَلَيْهَا الْعَقَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَأَوْقَفُوهَا، وَجَعَلُوا لَهَا النُّذُورَ وَالْقُرُبَاتِ، وَكَمْ عِبَادَةٍ إِلَيْهَا دُونَ اللَّهِ صَرَفُوهَا، وَنَهَى عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا وَلَعَنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْغَضَبِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ بَنَوْا عَلَيْهَا وَرَأَوْهَا مِنْ أَكْبَرِ حَسَنَاتِهِمْ وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بِنَائِهِمْ عَلَيْهَا إِلَّا مَوْتُ أَهْلِهَا أَوْ حُلْمٌ يَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِيهِ أَوْ خَيَالٌ أَوْ سَمَاعُ صَوْتٍ فَيُسَارِعُونَ إِلَى ذَلِكَ أَسْرَعَ مِنْ مُسَارَعَةِ أَهْلِ الدِّينِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَنَهَى عَنْ إِيقَادِ السُّرُجِ عليها وهؤلاء يوقفون الْوُقُوفَ عَلَى تَسْرِيجِهَا وَيَجْعَلُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشُّمُوعِ وَالْقَنَادِيلِ مَا لَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسَاجِدِ اللَّهِ، وَكَأَنَّمَا نَدَبَهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِكَ بِتِلْكَ اللَّعْنَةِ الَّتِي عَنَى بِهَا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى

ص: 535

ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ" 1 الْحَدِيثَ، وَهَؤُلَاءِ يَضْرِبُونَ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ أَوْ مَنْ يَظُنُّونَهُمْ صَالِحِينَ مَسَافَةَ الْأَيَّامِ وَالْأَسَابِيعِ وَالشُّهُورِ، وَيَرَوْنَ ارْتِكَابَ ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ. وَنَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ اتِّخَاذِهَا أَعْيَادًا2، وَهَؤُلَاءِ قَدْ اتَّخَذُوهَا أَعْيَادًا وَمَعَابِدَ لَا بَلْ مَعْبُودَاتٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ عز وجل، وَوَقَّتُوا لَهَا الْمَوَاقِيتَ زَمَانًا وَمَكَانًا وَصَنَّفُوا فِيهَا مَنَاسِكَ حَجِّ الْمَشَاهِدِ وَحَجُّوا إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُحَجُّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، بَلْ رَأَوْهَا أَوْلَى بِالْحَجِّ مِنْهُ وَرَأَوْا مَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَاسِكِهَا أَعْظَمَ جُرْمًا مِمَّنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، حَتَّى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ حَجَّ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ أَوْ أَكْثَرَ يُبَايِعُ مَنْ شَهِدَ أَحَدَ الْمَشَاهِدِ أَنْ يُعَاوِضَهُ بِجَمِيعِ حِجَجِهِ بِتِلْكَ الزِّيَارَةِ فَيَمْتَنِعُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَيَخْشَعُونَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُخْشَعُ عِنْدَ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ" 3 وَهَؤُلَاءِ قَدْ أَطْرَوْا مَنْ هُوَ دُونَهُ مَنْ أَمَّتِهِ بِكَثِيرٍ بَلْ قَدْ أَطْرَوْا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ أَعْظَمَ مِنْ إِطْرَاءِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، بَلْ جَعَلُوهُ هُوَ الرَّبُّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ" 4. هؤلاء قَدِ اسْتَغَاثُوا بِغَيْرِ اللَّهِ سِرًّا وَجَهْرًا وَهَتَفُوا بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأَخْلَصُوا لَهُمُ الدُّعَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عز وجل وَصَرَفُوا إِلَيْهِمْ جُلَّ الْعِبَادَاتِ؛ مِنَ الصَّلَاةِ وَالنَّذْرِ وَالنُّسُكِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ أَنْكَرَ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ قَالَ: لَوْلَا اللَّهُ وَفُلَانٌ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ: يَا فُلَانُ مَا لِي سِوَاكَ، وَيَقُولُ: قَدِ اسْتَغَثْتُ اللَّهَ فَلَمْ يُغِثْنِي حَتَّى اسْتَغَثْتُ فُلَانًا فَأَغَاثَنِي؟! وَإِنَّهُ لَيَعْصِي اللَّهَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا يَنْسِبُونَهُ إِلَى وَلِيِّهِ من الأكاذيب المختلقة وَالْحِكَايَاتِ الْمُلَفَّقَةِ وَتَرَى أَكْثَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ الْمَبْنِيَّةِ لِلصَّلَوَاتِ مُعَطَّلَةً حِسًّا وَمَعْنًى، وَفِيهَا مِنَ الْأَزْبَالِ وَالْكِنَاسَاتِ وَالْأَوْسَاخِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، فَإِذَا أَتَيْتَ قِبَابَ الْمَقَابِرِ وَالْمَسَاجِدَ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا رَأَيْتَ بِهَا مِنَ الزِّينَةِ وَالزَّخَارِفِ وَالْأَعْطَارِ وَالزَّبْرَقَةِ وَالسُّتُورِ الْمُنَقَّشَةِ الْمُعَلَّمَةِ

1 تقدم ذكره.

2 تقدمت أدلته.

3 تقدم قبل قليل.

4 تقدم قبل قليل.

ص: 536

الْمُرَصَّعَةِ وَالْأَبْوَابِ الْمُفَصَّصَةِ الْمُحْكَمَةِ، وَلَهَا مِنَ السَّدَنَةِ وَالْخُدَّامِ مَا لَمْ تَجِدْهُ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، والداخل إِلَيْهَا وَالْخَارِجُ مِنْهَا مِنَ الزُّوَّارِ مَا لَا تُحْصِيهِمُ الْأَقْلَامُ وَعَلَيْهَا مِنَ الْأَكْسِيَةِ وَالرَّايَاتِ وَالْأَعْلَامِ مَا لَوْ قُسِّمَ لَاسْتَغْنَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْوُقُوفِ الْمُحْبَسَةِ عَلَيْهَا وَالْأَمْوَالِ الْمَجْبِيَّةِ إِلَيْهَا مِنَ الثِّمَارِ وَالنُّقُودِ وَالْأَنْعَامِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. فَأَيُّ فَاقِرَةٍ عَلَى الدِّينِ أَصْعَبُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ؟! وَهَلْ جَنَى الْأَخَابِثُ عَلَى الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ؟! وَهَلِ اسْتَطَاعَ الْأَعْدَاءُ مِنْ هَدْمِ قَوَاعِدِ الدِّينِ مَا هَدَمَهُ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالُ؟! وَهَلْ تَلَاعَبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدٍ مَا تَلَاعَبَ بِهَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ؟! فَأَيُّ مُنَافٍ لِلتَّوْحِيدِ وَأَيُّ مُنَاقِضٍ لَهُ أَقْبَحُ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ! تَاللَّهِ مَا قَوْمُ نُوحٍ وَلَا عَادٌ وَلَا ثَمُودُ وَلَا أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ بِأَعْظَمَ شِرْكًا وَلَا أَشَدَّ كُفْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِيدِ وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِأَحَقَّ مِنْهُمْ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ خَيْرًا مِنْ أُولَئِكَ وَلَا بَرَاءَةَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ وَمَا بَطْشُهُ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هُودٍ: 102] .

فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ قَدْ غَلَوْا وَزَادُوا

وَرَفَعُوا بِنَاءَهَا وَشَادُوا

بِالشِّيدِ وَالْآجُرِّ وَالْأَحْجَارِ

لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ

"فَانْظُرْ" أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ "إِلَيْهِمْ" وَإِلَى أَعْمَالِهِمْ "قَدْ غَلَوْا" فِي أَهْلِ الْقُبُورِ الْغُلُوَّ الْمُفْرِطَ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ "وَزَادُوا" عَمَّا حَذَّرَهُمْ عَنْهُ الرُّسُلُ "وَرَفَعُوا بِنَاءَهَا" أَيْ: بِنَاءَ الْقُبُورِ الْمَنْهِيَّ عَنْ مُجَرَّدِهِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ "وَشَادُوا" أَيْ: ضَرَبُوهُ "بِالشِّيدِ" وَهُوَ الْجِصُّ "وَالْآجُرِّ" اللَّبِنُ الْمَحْرُوقُ "وَالْأَحْجَارِ" الْمُنَقَّشَةِ الْمُزَخْرَفَةِ "لَا سِيَّمَا" بِزِيَادَةٍ "فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ" الْقَرِيبَةِ بَعْدَ ظُهُورِ دَوْلَةِ الْعَبِيدِيِّينَ1 الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ: ظَاهِرُهُمُ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُمُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ، فَاعْتَنَوْا

1 وهي الدولة التي تسمَّت باسم الفاطميين؛ نسبة لآل البيت، وأنى لهم ذلك وسيدهم يهودي "عبد الله بن ميمون القداح" وهي دولة إسماعيلية نزاريَّة ومنها انبثقت الدرزية الملحدة بأمر إمامها الحاكم بأمر الله الفاطمي، وملكت في مصر حتى أباد شوكتهم الملك المجاهد صلاح الدين الأيوبي.

ص: 537

بِبِنَاءِ الْقِبَابِ عَلَى الْقُبُورِ وَزَخْرَفَتِهَا وَتَشْيِيدِهَا وَجَعْلِهَا مَشَاهِدَ، وَنَدَبُوا النَّاسَ إِلَى زِيَارَتِهَا وَأَتَوْا بِذَلِكَ بِاسْمِ مَحَبَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَكُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنَ الدُّوَلِ الْمُبْتَدِعَةِ زَادَ فِيهَا وَأَحْدَثَ أَكْثَرَ مِمَّا أَحْدَثَ مَنْ قَبْلَهُ، حَتَّى اتَّخَذُوهَا مَسَاجِدَ وَمَعَابِدَ، إِلَى أَنْ عُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ وَفَعَلُوا بِهَا مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ بِأَوْثَانِهِمْ وَزَادُوا كَثِيرًا فَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَأَضَلُّوا مَنْ قَدَرُوا عَلَى إِضْلَالِهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدِّينِ عِنْدَهُمْ إِلَّا اسْمُهُ وَلَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَدَيْهِمْ إِلَّا لَفْظُهُ وَرَسْمُهُ، وَلَكِنَّ الأرض لا تخلو مِنْ مُجَدِّدٍ لِمَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَمُنَبِّهٍ عَلَى مَا يُخِلُّ بِهَا أَوْ يُنَاقِضُهَا مِنَ الْبِدَعِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ -أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرَةً، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تبارك وتعالى، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: 9] .

وَلِلْقَنَادِيلِ عَلَيْهَا أَوْقَدُوا

وَكَمْ لِوَاءٍ فَوْقَهَا قَدْ عَقَدُوا

وَنَصَبُوا الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ

وَافْتُتِنُوا بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ

بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا النَّحَائِرْ

فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرْ

وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ مِنْ مَوْتَاهُمْ

وَاتَّخَذُوا إِلَهَهُمْ هَوَاهُمْ

"وَلِلْقَنَادِيلِ" مِنَ الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا "عَلَيْهَا" أَيْ: عَلَى الْقُبُورِ وَفِي قِبَابِهَا "أَوْقَدُوا" تَعَرُّضًا لِلَّعْنَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِذْ يَقُولُ: "لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ"1. فَأَوْقَفُوا لِتَسْرِيجِهَا الْوُقُوفَ الْكَثِيرَةَ وَجَعَلُوا عَلَيْهَا سَدَنَةً وَخُدَّامًا مُعَدِّينَ لِإِيقَادِهَا، وَوَيْلٌ لِلسَّادِنِ إِنْ طُفِئَ مِصْبَاحُ قَبْرِ الشَّيْخِ "وَكَمْ لواء فوقها قد عَقَدُوا" تَعْظِيمًا لَهَا وَتَأَلُّهًا وَرَغْبَةً وَرَهْبَةً "وَنَصَبُوا" عَلَيْهَا "الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ" لَا سِيَّمَا يَوْمَ عِيدِهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدِ اتَّخَذُوا لِكُلِّ قَبْرٍ عِيدًا أَيْ: يَوْمًا مُعْتَادًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ مِنْ أَقَاصِي الْبِلَادِ وَأَدْنَاهَا كَمَا أَنَّ الْحَجَّ يَوْمَ عَرَفَةَ، مُخَالَفَةً مِنْهُمْ وَمُشَاقَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، إِذْ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا" 2. فَقَدِ اتَّخَذُوا قُبُورَ

1 تقدم.

2 تقدم.

ص: 538

مَنْ هُوَ دُونَهُ أَعْيَادًا، وَمَنْ فَاتَهُ يَوْمُ ذَلِكَ الْعِيدِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ فَاتَهُ الْمَشْهَدُ وَفَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَفِي ذَلِكَ الْعِيدِ تُنْصَبُ الزِّينَةُ الْبَاهِرَةُ وَتُدَقُّ الطُّبُولُ وَالْأَعْوَادُ، وَيَجْتَمِعُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي مَيْدَانٍ وَاحِدٍ لَابِسِينَ زِينَتَهُمْ، قَدْ عُطِّرَ كُلٌّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ وَلَبِسَ أَطْيَبَ مَا يَجِدُ، وَتُجْبَى الْأَمْوَالُ مِنَ الْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا مِنْ نُقُودٍ وَثِمَارٍ وَأَنْعَامٍ وَخَرَاجَاتٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُهُ وَلَمْ تُنْفَقْ فِي مَرْضَاتِهِ، بَلْ فِي مَسَاخِطِهِ "وَافْتُتِنُوا" فِي دِينِهِمْ "بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ" النَّخِرَةِ، فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ عز وجل، دُعَاءً وَتَوَكُّلًا وَخَوْفًا وَرَجَاءً وَنَذْرًا وَنُسُكًا وَغَيْرَ ذَلِكَ "بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا" أَيْ: فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ "النَّحَائِرَ" مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إِذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ أَوْ طَلَبُوا حَاجَةً مِنْ شِفَاءِ مَرِيضٍ أَوْ رَدِّ غَائِبٍ أَوْ نَحْوِ ذلك، وأكثرهم يسمها لِلْقَبْرِ مِنْ حَيْثُ تُوْلَدُ وَيُرَبِّيهَا لَهُ إِلَى أَنْ تَصْلُحَ لِلْقُرْبَةِ فِي عُرْفِهِمْ، وَلَا يَجُوزَ عِنْدَهُمْ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا وَلَا خَصْيُهَا وَلَا وِجَاؤُهَا لَا يَذْهَبُ شَيْءٌ مِنْ دَمِهَا؛ إِذْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نَقْصٌ فِيهَا وَبَخْسٌ "فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرِ" أَيْ: كَفِعْلِ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَسْيِيبِهِمُ السَّوَائِبَ وَتَبْحِيرِ الْبَحَائِرِ وَجَعْلِ الْحَامِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُمْ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ، غَيْرَ أَنَّ أُولَئِكَ سَمَّوْهُمْ آلِهَةً وَشُفَعَاءَ وَسَمَّوْا مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ بِهِمْ عِبَادَةً، وَهَؤُلَاءِ سَمَّوْهُمْ سَادَةً وَأَوْلِيَاءَ وَسَمَّوْا دُعَاءَهُمْ إِيَّاهُمْ تَبَرُّكًا وَتَوَسُّلًا، وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ فِي فِعْلِهِ بِاللَّهِ عز وجل، وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ شِرْكًا وَأَشَدُّ لِأَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي الرَّخَاءِ وَفِي الشِّدَّةِ، بَلْ هُمْ فِي الشِّدَّةِ أَكْثَرُ شِرْكًا وَأَشَدُّ تَعَلُّقًا بِهِمْ مِنْ حَالَةِ الرَّخَاءِ، وَأَمَّا مُشْرِكُو الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى فَيُشْرِكُونَ فِي الرَّخَاءِ وَيُخْلِصُونَ لِلَّهِ فِي الشِّدَّةِ، كَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 65] وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ. "وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ" الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ عز وجل "مِنْ مَوْتَاهُمْ" مِنْ جَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ "وَاتَّخَذُوا إِلَهَهُمْ هَوَاهُمْ" وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ بَلْ فِي جَمِيعِ مَعَاصِي اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا هَوَى أَمْرًا أَتَاهُ، وَلَمْ يَأْتِهِمُ الشَّيْطَانُ مِنْ غَيْرِ بَابِ الْهَوَى وَلَمْ يَصْطَدْ أَحَدًا بِغَيْرِ شَبَكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْهَوَى يُعْمِي عَنِ الْحَقِّ وَيُضِلُّ عَنِ السَّبِيلِ أَتْبَاعَهُ وَهُوَ سَبَبُ الشَّقَاوَةِ، كَمَا أَنَّ الْتِزَامَ الشَّرِيعَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا سَبَبُ السَّعَادَةِ، فَهُمَا ضِدَّانِ لَا

ص: 539

يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ إِلَّا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تَدُلُّ عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَأْمُرُ بِهَا، وَتُحَذِّرُ مِنْ مَسَاخِطِ اللَّهِ وَتَنْهَى عَنْهَا، وَالْهَوَى بِضِدِّ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ" 1 يَعْنِي: لِمُخَالَفَةِ أَسْبَابِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِلْهَوَى "وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ" 2 لِمُوَافَقَةِ أَسْبَابِهَا مِنَ الْمَعَاصِي لِلْهَوَى. فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَيْلٌ لِمَنْ قَدَّمَ هَوَاهُ عَلَى ذَلِكَ، لَقَدْ هَلَكَ.

قَدْ صَادَهُمْ إِبْلِيسُ فِي فِخَاخِهِ

بَلْ بَعْضُهُمْ قَدْ صَارَ مِنْ أَفْرَاخِهِ

يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ

بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَبِاللِّسَانِ

"قَدْ صَادَهُمْ" مِنْ الِاصْطِيَادِ بَلْ مِنْ مُطَاوِعِ اصْطَادَ؛ لِأَنَّ التَّاءَ الَّتِي قُلِبَتْ طَاءً هِيَ لِمَعْنَى الطَّلَبِ وَأَمَّا حَذْفُهَا فَيَدُلُّ عَلَى وُصُولِ الطَّالِبِ إِلَى مَطْلُوبِهِ "إِبْلِيسُ فِي فِخَاخِهِ" الَّتِي نَصَبَهَا لَهُمْ كَمَا نَصَبَهَا لِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ تَزْيِينِ الْمَعَاصِي وَتَصْوِيرِهَا فِي صُورَةِ الطَّاعَاتِ، فَأَوَّلُ مَا زَيَّنَ لِقَوْمِ نُوحٍ العكوف على صور صَالِحِيهِمْ لِيَتَذَكَّرُوا عِبَادَتَهُمُ اللَّهَ تَعَالَى فَيَقْتَفُوا أَثَرَهُمْ فِيهَا، وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى عَبَدُوهَا كَمَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِسُفَهَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلُ مَا أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِبِنَاءِ الْقِبَابِ عَلَى الْقُبُورِ بِاسْمِ مُحِبَّةِ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ بِالْعُكُوفِ عَلَيْهَا وَعِبَادَةِ اللَّهِ عز وجل عِنْدَهَا تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا بِتِلْكَ الْبِقَاعِ الَّتِي فُضِّلَتْ بِهِمْ، إِذْ دُفِنُوا فِيهَا ثُمَّ بِعِبَادَتِهِمْ أَنْفُسِهِمْ دُونَ اللَّهِ عز وجل، ثُمَّ اسْتَرْسَلُوا فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ أَثْبَتُوا لِلْمَخْلُوقِ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، فَصَارَ الْأَمْرُ كَمَا تَرَى فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَفِي كُلِّ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَفِي كُلِّ زَمَنٍ تَشِيعُ وَتَزِيدُ وَفِي كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ "بَلْ بَعْضُهُمْ قَدْ صَارَ مِنْ أَفْرَاخِهِ" الْمُسَاعِدِينَ لَهُ الدَّاعِينَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ حِزْبَهُ؛ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ "يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ" مِنَ الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا "بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَبِاللِّسَانِ" فَمِنْ دَعَايَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَطَالِبِ وَيُدْخِلُونَهَا الْقَبْرَ إِلَى الْقُبَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهِ فِي سَرَادِيبَ مُعَدَّةٍ تَحْتَهَا فَإِذَا

1، 2 مسلم "4/ 2174/ ح2823" في صفة الجنة في فاتحته، ورواه البخاري بلفظ: حجبت في الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات "11/ 320" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 540

أَتَى إِلَيْهِمُ الْجَاهِلُ الْمَفْتُونُ وَوَقَفَ عَلَى الْحَاجِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَطْلُوبٌ مُعَيَّنٌ قَالَ لَهُ: أَدْخِلْ يَدَكَ فَمَا خَرَجَ فِيهَا فَهُوَ الْبَابُ الَّذِي تُرْزَقُ مِنْهُ لَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ خَرَجَ فِي يَدِهِ تُرَابٌ فَحَارِثٌ، وَإِنْ خَرَجَ قُطْنٌ فَحَائِكٌ، وَإِنْ خَرَجَ فَحْمٌ أَوْ نَحْوُهُ فَحَدَّادٌ أَوْ صَائِغٌ، وَإِنْ خَرَجَ آلَةُ حِجَامَةٍ فحجام، وإن خرح كَذَا وكذا، على قواعدهم يَعْرِفُونَهَا، وَمَخْرَقَةٍ لَهُمْ يَأْلَفُونَهَا، وَإِنْ كان له مَطْلُوبٌ مُعَيَّنٌ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ مِنَ الشَّيْخِ؟ قَالَ: أُرِيدُ كَذَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُوجَدُ فِيهَا أُدْخِلُ الْقَبْرَ وَإِلَّا قَالَ: ارْجِعِ الْآنَ وَمَوْعِدُكَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ فَإِنَّ الشَّيْخَ الْآنَ مَشْغُولٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ مَعَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ تَعْظِيمِ الشَّيْخِ، فَلَا يُكَرِّرُ الطَّلَبَ أَدَبًا مَعَهُ، فَلَا يَأْتِي فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إِلَّا وَقَدِ اسْتَعَدَّ له بمطلوبه، فإدا جَاءَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ خَرَجَ فِيهَا ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ فَحِينَئِذٍ خَرَجَ يُنَادِي: شَيْءٌ لِلَّهِ يَا شَيْخُ فُلَانُ وَكُلَّمَا وَجَدَ أَحَدًا أَرَاهُ ذَلِكَ وَقَالَ: هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ الشَّيْخِ فُلَانٍ وَعَطَايَاهُ، فَيَجْمَعُونَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ وَالشَّعْوَذَةِ مَا لَا يُحْصَى، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَحْتَالُوا لِأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَحَسْبُ، بَلِ احْتَالُوا لِسَلْبِ دِينِهِمْ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ إِلَى دَائِرَةِ الْكُفْرِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِقُبُورِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ عُرِفُوا فِي الدُّنْيَا بِالْأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ، بَلْ أَيُّ قَبْرٍ تَمَثَّلَ فِيهِ الشَّيْطَانُ أَوْ حُكِيَتْ لَهُ حكاية أو رئيت لَهُ رُؤْيَا صِدْقًا كَانَتْ أَوْ كَذِبًا، فَقَدِ اسْتَحَقَّ عِنْدَهُمْ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ الْقِبَابُ وَيُعْكَفَ عِنْدَهُ وَيُنْذَرَ لَهُ وَيُذْبَحَ عَلَيْهِ وَيَسْتَشْفِيَ بِهِ الْمَرْضَى وَيُسْتَنْزَلَ بِهِ الْغَيْثُ وَيُسْتَغَاثَ بِهِ فِي الشَّدَائِدِ وَيُسْأَلَ مِنْهُ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ وَيُخَافَ وَيُرْجَى وَيُتَّخَذَ نِدًّا مِنْ دون الله عر وَجَلَّ، تقدس وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ وَالْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ رَأَيْتَ عَلَى الْقُبُو

رِ عُكُوفَهُمْ صُبْحًا وَبِالْإِمْسَاءِ

وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ تَرَى أَعْيَادَهُمْ

جَمْعُ الرِّجَالِ مَعًا وَجَمْعُ نِسَاءِ

وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدًا

بُنِيَتْ عَلَى الْمَوْتَى بِأَيِّ بِنَاءِ

قَدْ زُخْرِفَتْ بِحِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ

بِالشِّيدِ قَدْ ضُرِبَتْ مَعَ الْإِعْلَاءِ

وَرُءُوسُهَا قَدْ زُيِّنَتْ بِأَهِلَّةٍ

مِنْ أَنْفَسِ الْمَنْقُوشِ دُونَ مِرَاءِ

قَدْ أُسْرِجَتْ وَلَكَمْ عَلَى تَسْرِيجِهَا

وَقَفُوا الشُّمُوعَ لَهَا بِأَيِّ أَدَاءِ

ص: 541

كَمْ سَادِنٍ قَدْ وَكَّلُوهُ بِشَأْنِهَا

طِيبًا وَتَنْظِيفًا وَشَأْنَ ضِيَاءِ

وَيْلٌ لَهُ لَوْ قَدْ أَخَلَّ بِبَعْضِ ذَا

مَاذَا يُقَاسِي مِنْ ضُرُوبِ بَلَاءِ

وَلَكَمْ عَلَيْهَا رَايَةٌ قَدْ نُشِّرَتْ

أَلْوَانُهَا سَلَبَتْ لِقَلْبِ الرَّائِي

وَكَرَائِمُ الْأَنْعَامِ تُنْحَرُ سُوحَهَا

مَنْذُورَةٌ يُؤْتَى بِهَا لِوَفَاءِ

لَمْ يُفْرِدُوا رَبَّ السَّمَاءِ بِدَعْوَةٍ

بَلْ لِلْقُبُورِ تَجَاوَبُوا بِنِدَاءِ

يَدْعُونَهُمْ فِي كَشْفِ كُلِّ مُلِمَّةٍ

فِي الْجَهْرِ قَدْ هَتَفُوا وَفِي الْإِخْفَاءِ

وَيُعَظِّمُونَهُمُو بِكُلِّ عِبَادَةٍ

يَا صَاحِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ

وَتَرَاهُ بِالرَّحْمَنِ يَحْلِفُ كَاذِبًا

وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَبِالْأَسْمَاءِ

لَكِنَّهُ لَا يستطيع الحلف

بالمقبور ذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَرَاءِ

زَادُوا عَلَى شرك الذين إليهمو

بُعِثَ الرَّسُولُ بِأَصْدَقِ الْأَنْبَاءِ

إِذَا يُخْلِصُونَ لَدَى الْكُرُوبِ وَهَؤُلَا

ءِ فَشِرْكُهُمْ فِي شِدَّةٍ وَرَخَاءِ

بَلْ فِي الشَّدَائِدِ شِرْكُهُمْ أَضْعَافُ مَا

قَدْ أَشْرَكُوا فِي حَالَةِ السَّرَّاءِ

فَتَرَاهُ يَنْذِرُ فِي الرَّخَاءِ بِبَدْنَةٍ

وَبِبَدْنَتَيْنِ لَدَى اشْتِدَادِ بَلَاءِ

وَجَمِيعُ مَا يَأْتِيهِ فِي سَرَّائِهِ

فَلَهُ بِهِ الْأَضْعَافُ فِي الضَّرَّاءِ

تَاللَّهِ مَا ظَفِرَ اللَّعِينُ بِمِثْلِهَا

مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الشِّرْعَةِ الْغَرَّاءِ

حَتَّى إذا ما هيئوا لِعَدُوِّهِمْ

سَبَبَ الدُّخُولِ وَسُلَّمَ الْإِغْوَاءِ

طَمِعَ الْعَدُوُّ بِهِمْ لِنَيْلِ مُرَادِهِ

مِنْهُمْ فَغَرَّ الْقَوْمَ بِاسْتِجْدَاءِ

لَمَّا أَسَاءُوا الظن بالوحيين

لكن أَحْسَنُوهُ بِزُخْرُفِ الْأَعْدَاءِ

لَمْ يَهْتَدُوا بِالنَّصِّ قَطُّ بَلِ اقْتَفَوْا

آرَاءَ مَنْ قَدْ كَانَ عَنْهَا نَائِي

نَبَذُوا الْكِتَابَ فَلَمْ يُقِيمُوا نَصَّهُ

إِذْ كَانَ مَيْلَهُمُو إِلَى الْأَهْوَاءِ

وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ قَدْ صَارَتْ لَهُمْ

دِينًا، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شُرَكَاءِ

وَطَرَائِقُ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ صَيَّرُوا

سُبُلًا مَكَانَ الْمِلَّةِ السَّمْحَاءِ

يَا رَبِّ ثَبِّتْنَا عَلَى دِينِ الْهُدَى

وَعَلَى سُلُوكِ طَرِيقِهِ الْبَيْضَاءِ

ص: 542