المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أنواع العبادة الخوف من الله - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌من أنواع العبادة الخوف من الله

يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِرٍ: 60] . وَقَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الْأَعْرَافِ: 55، 56] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [الْبَقَرَةِ: 186]، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ" 1، وَفِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ" وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ2، وَمَعْنَى "مُخُّ الْعِبَادَةِ" أَيْ: خَالِصُهَا. وَفِيهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِرٍ: 60] وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ3. وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ" 4. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ" وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ5.

"خَوْفٌ" أَيْ: وَ‌

‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

عز وجل، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

1 الترمذي "5/ 455/ ح3370" في الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، وابن ماجه "2/ 1258/ ح3829".

والبخاري في الأدب المفرد "2/ 712"، وابن حبان "2/ 115"، والحاكم "1/ 490" وسنده حسن.

2 الترمذي "5/ 456/ ح3371" في الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، وقال: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف.

3 الترمذي "5/ 374/ ح3247" في التفسير، باب ومن سورة المؤمن، وأبو داود "2/ 76/ ح1479" في الصلاة، باب الدعاء، وسنده صحيح.

4 الترمذي "5/ 456/ ح3373" في الدعاء باب2.

وابن ماجه "2/ 1558/ ح3827" في الدعاء، باب فضل الدعاء، البخاري في الأدب المفرد "2/ 658" والحاكم، والبزار كلهم من طريق أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة، وهو لين الحديث.

5 الترمذي "4/ 667/ ح2516" في صفة القيامة، باب رقم 60 وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 443

{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 175] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَنِ: 46] وَقَالَ تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} وَقَالَ عز وجل: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الْإِسْرَاءِ: 57] وَقَالَ تبارك اسمه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمَرِ: 9] الْآيَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لَا أَدْرِي، وَاللَّهِ لَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ" 2 وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا" 3 وَفِيهِ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ. أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ"4. وَلَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَخْرِجُوا مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامِي" 5 وَلَهُ

1 أحمد "5/ 173" وابن ماجه "2/ 1402/ ح4190" في الزهد، باب الحزن والبكاء.

والترمذي "4/ 556/ ح2312" في الزهد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا" وسنده حسن.

2 البخاري "3/ 114" في الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه.

3 الترمذي: "4/ 715/ ح2601" في صفة جهنم، باب رقم 10 وابن عدي في الكامل "7/ 2660" والقضاعي في مسند الشهاب "ح791، 792"، كلهم من طريق يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة وسنده ضعيف جدا، فيحيى متروك وأبوه مجهول، وأخرجه ابن المبارك في الزهد "ح28" وأحمد في الزهد "ص231" وفيه الحسن البصري وهو مدلس وقد عنعن. وقد حسنه العلامة الألباني لشواهده السلسلة الصحيحة "ح950".

4 الترمذي "4/ 633/ ح2450" في صفة القيامة، باب 18، وسنده ضعيف فيه أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف، وبكير بن فيروز لم يوثقه غير ابن حبان. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر.

5 الترمذي "4/ 412/ ح2594" في صفة جهنم، باب ما جاء أن للنار نفسين وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد، وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم "1/ 70".

وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وفيه المبارك بن فضالة وهو مدلس وقد صرح بالتحديث عند الحاكم، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى.

ص: 444

هُوَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشِةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [الْمُؤْمِنُونَ: 60] هُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قال: "لا يابنة الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 61] "1. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ قَالَ: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا" 2، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ" 3، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

"تَوَكُّلٌ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَهُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ

1 الترمذي "5/ 327-328/ ح3174" في التفسير، باب ومن سورة "المؤمنون".

وابن ماجه "2/ 1404/ ح4198" في الزهد، باب التوق من العمل. والحاكم "2/ 392" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قلت: إسناده منقطع، فهو من رواية عبد الرحمن بن سعد الهمداني عن عائشة ولم يدركها. "انظر جامع التحصيل ت429".

ورواه كذلك من طريقه أحمد "6/ 159 و205" وابن جرير في تفسيره "18/ 33".

ورواه ابن جرير في تفسيره من حديثها رضي الله عنها وفي سنده مبهم وهو الراوي عنها.

ورواه كذلك عنها بسند فيه انقطاع من رواية العوام بن حوشب عنها.

ورواه ابن جرير من حديث أبي هريرة، ورجاله ثقات سوى محمد بن حميد الرازي؛ فإنه سيئ الحفظ.

2 لم يروه الترمذي بهذا اللفظ وإنما روي عنده باللفظ الآتي، وهذا رواه الطبراني في الكبير عن عقبة بن عامر "17/ 286/ ح790". وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح "المجمع 7/ 36". ورواه ابن سعد في الطبقات "1/ 435 و436" عن قتادة مرفوعا: قال الشيخ الألباني: وإسناده صحيح لولا أنه مرسل.

3 الترمذي "5/ 402/ 3297" في التفسير، باب: ومن سورة الواقعة. وفي الشمائل "ح48" وأبو يعلى في مسنده "ح108" وابن سعد في الطبقات "1/ 435" والحاكم "2/ 343" وأبو نعيم في الحلية. وقال الحاكم: إسناده على شرط البخاري ووافقه الذهبي. انظر: العلل للدارقطني "س17" والعلل للرازي "ح1826 و1894" والمقاصد الحسنة "ح606" والسلسلة الصحيحة "ح955".

ص: 445

عَلَيْهِ وَثِقَتُهُ بِهِ وَإِنَّهُ كَافِيهِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الْمَائِدَةِ: 23] فَجَعَلَهُ تَعَالَى شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ كَمَا وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ أَهْلُهُ، إِذْ قَالَ تَعَالَى:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا} [يُونُسَ: 84] الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى عَنْ رُسُلِهِ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: {وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إِبْرَاهِيمَ: 11، 12] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ هُودٍ عليه السلام: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هُودٍ: 56] الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ عليه السلام إِذْ قال لقومه: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} [يُونُسَ: 71] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هُودٍ: 88] . وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النَّمْلِ: 79] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هُودٍ: 123] . وَقَالَ تَعَالَى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [الْمُزَّمِّلِ: 9] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التَّوْبَةِ: 129] . وَقَالَ تَعَالَى فِي مَدْحِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آلِ عِمْرَانَ: 173] . وَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الْأَنْفَالِ: 2] . وَقَالَ تبارك وتعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشُّورَى: 36] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاقِ: 3] أَيْ: كَافِيهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَرِ: 36] الْجَوَابُ: بَلَى، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ

ص: 446

اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آلِ عِمْرَانَ: 173] : قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حِينَ:{قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آلِ عِمْرَانَ: 173]1. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِلَا حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" 2، وَفِي السُّنَنِ: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ" قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَمَا مِنَّا إِلَّا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ3. وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لو أنكم تتوكلون عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" 4، وَفِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ:"وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ" 5 وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لَوْ أَخَذَ النَّاسُ بِهَا لَكَفَتْهُمْ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطَّلَاقِ: 2] 6، وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

1 البخاري "8/ 229" في التفسير، تفسير سورة آل عمران، باب: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.

2 البخاري "11/ 305" في الرقاق، باب من يتوكل على الله فهو حسبه.

ومسلم "1/ 198/ ح218" في الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب.

3 الترمذي "4/ 160/ ح1614" في السير، باب ما جاء في الطيرة. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود "4/ 17/ ح3910" في الطب، باب في الطيرة.

4 الترمذي "4/ 573/ ح2344" في الزهد، باب رقم 33 وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه "2/ 1394/ ح4164" في الزهد، باب التوكيل واليقين. وابن حبان "موارد ح2548" والحاكم "4/ 318" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

5 الترمذي "4/ 667/ ح2516" في صفة القيامة، باب رقم 60. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

6 أحمد "5/ 178، 179" وابن ماجه "2/ 1411/ ح4220" في الزهد، باب الورع والتقوى. والدارمي "2/ 303". والنسائي في التفسير "مصباح الزجاجة 3/ 301". وأحمد بن منيع في مسنده، وإسناده منقطع بين أبي السليل وأبي ذر.

ص: 447

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ قَلْبَ ابْنِ آدَمَ لِكُلِّ وَادٍ شُعْبَةٌ، فَمَنْ أَتْبَعَ قَلَبَهُ الشُّعَبَ كُلَّهَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ بِأَيِّ وَادٍ هَلَكَ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ الشُّعَبَ"1، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.

"كَذَا الرَّجَاءُ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الرَّجَاءُ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 110] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الْعَنْكَبُوتِ: 5] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يُونُسَ: 7] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ:"أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ"2. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنِ النَّارَ" 3، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَاءِ الْمَكْرُوبِ: "اللِّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ" الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ4.

"وَرَغْبَةٌ وَرَهْبَةٌ خُشُوعُ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الرَّغْبَةُ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ عز وجل مِنَ الثَّوَابِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الرَّجَاءِ، وَالرَّهْبَةِ مِمَّا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعِقَابِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنَى الْخَوْفِ. وَالْخُشُوعُ هُوَ التَّذَلُّلُ لِلَّهِ عز وجل، قَالَ تَعَالَى فِي

1 ابن ماجه "2/ 1395/ ح4166" في الزهد، باب التوكل واليقين. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، صالح بن رزيق ليس له إلا هذا الحديث، قال في الميزان: حديثه منكر "مصباح الزجاجة 3/ 285".

2 تقدم ذكره.

3 البخاري "11/ 301" في الرقاق، باب الرجاء مع الخوف.

4 أبو داود "4/ 324/ ح5090" في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، وأحمد "5/ 42" وإسناده حسن.

ص: 448

آلِ زَكَرِيَّا عليهم السلام: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 90] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الْإِسْرَاءِ: 109] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [الْبَقَرَةِ: 45، 46] وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 2] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [الْبَقَرَةِ: 40] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الانشراح: 8] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ عِنْدَ النَّوْمِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ" الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ1. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي خُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عز وجل، وَتُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَتَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ، وَتَجْمَعُوا الْإِلْحَافَ بِالْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 90] 2. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: "خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي" 3 وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

الْخُشُوعُ لِلَّهِ "وَخَشْيَةٌ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَشْيَةُ، وَهِيَ مُرَادِفَةٌ لِلْخَوْفِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [الْبَقَرَةِ: 150] وَقَالَ تَعَالَى فِي مَدْحِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 57] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [الْمَعَارِجِ: 27] الْآيَاتِ.

1 البخاري "13/ 462" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} . ومسلم "4/ 2081/ ح56 و57 و58" في الذكر، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.

2 ابن أبي حاتم في تفسيره "ابن كثير 3/ 203" وسنده ضعيف فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي أبو شيبة وهو ضعيف. ورواه الحاكم "2/ 383، 384" وقال: صحيح الإسناد، ولم يوافقه الذهبي للعلة المتقدمة.

3 مسلم "1/ 534/ ح771" في صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

ص: 449

وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} [الْأَنْعَامِ: 51] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 1-3] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 11] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزُّمَرِ: 23] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى:{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ السَّاعَةِ:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النَّازِعَاتِ: 45] وَقَالَ تَعَالَى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الْأَعْلَى: 10] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لُقْمَانَ: 33] الْآيَةَ. وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ" 1 وَفِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رِضَى اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: قَطْرَةِ دُمُوعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَطْرَةِ دَمٍ تُهْرَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا الْأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَثَرُ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى" وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ2 وَفِي الصَّحِيحِ: "إِنَّ أَخْشَاكُمْ وَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ أَنَا"3.

1 الترمذي "4/ 171/ ح1633" في فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله. وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي "6/ 12" في الجهاد، باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه، وأحمد "2/ 505" والحاكم "4/ 260" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

2 الترمذي "4/ 190/ ح1669" في فضائل الجهاد، باب رقم 26. وقال: حديث حسن غريب، وهو كما قال فيه الوليد الفلسطيني: صدوق يخطئ كما قال الحافظ.

3 البخاري "9/ 104" في النكاح، باب الترغيب في النكاح.

ومسلم "2/ 779/ ح1108" في الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.

ص: 450

الْحَدِيثَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

"إِنَابَةٌ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْإِنَابَةُ وَهِيَ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ، وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزُّمَرِ: 54] وَقَالَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ شُعَيْبٍ: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هُودٍ: 88] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشُّورَى: 10] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الْمُمْتَحِنَةِ: 4] وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزُّمَرِ: 17] وَقَالَ عَنْ عَبْدِهِ دَاوُدَ عليه السلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ سَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا فِي بَابِهِ.

"خُضُوعٌ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخُضُوعُ وَهُوَ وَالْخُشُوعُ والتذلل بمعنى واحد، وَتَقَدَّمَتِ الْآيَاتُ والأحاديث فيه. و"الاستعاذة" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الِاسْتِعَاذَةُ، وَهِيَ الِامْتِنَاعُ بِاللَّهِ عز وجل وَالِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ، قَالَ عز وجل:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النَّحْلِ: 98] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 97، 98] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الْأَعْرَافِ: 200] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الْفَلَقِ: 1، 2] السُّورَةَ، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [النَّاسِ: 1-4] السُّورَةَ، وَقَالَ عَنْ كَلِيمِهِ مُوسَى عليه السلام:{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غَافِرٍ: 27] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ عليه السلام: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} [الدُّخَانِ: 20] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَبِسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ

ص: 451

وَنَفْثِهِ" 1. وَقَالَ: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ" 2، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ" 3 وَقَالَ:"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ" 4، وَاسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، وَمِنَ الرَّدِّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَمِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

"وَالِاسْتِعَانَةُ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الِاسْتِعَانَةُ، وَهِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ مِنَ اللَّهِ عز وجل، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الْفَاتِحَةِ: 4] أَيْ: لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِكَ، وَنَبْرَأُ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ دُونَكَ وَمِنْ عَابِدِيهِ، وَنَبْرَأُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا بِكَ، فَلَا حَوْلَ لِأَحَدٍ عَنْ مَعْصِيَتِكَ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِكَ، إِلَّا بِتَوْفِيقِكَ وَمَعُونَتِكَ. وَقَالَ عَنْ نَبِيِّهِ يَعْقُوبَ عليه السلام:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوسُفَ: 18] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 112] وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ5. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ،

1 رواه أبو داود "1/ 127/ ح466" في الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، وسنده صحيح وليس فيه الجملة الأخيرة: من همزه

ولعل الشيخ جمع بين حديثين فهي عند أبي داود في باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء "ح764" وفي سنده عاصم بن عمير لم يوثقه غير ابن حبان.

2 مسلم "4/ 2080/ ح2709" في الذكر والدعاء، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، من حديث أبي هريرة.

3 مسلم "1/ 352/ ح486" في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود.

4 مسلم "4/ 2199، 2200/ ح2867" في صفة الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة، أو النار.

5 الترمذي "4/ 667/ ح2516" في صفة القيامة، باب رقم 59، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 452

وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" 1، وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" 2، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

"كَذَا اسْتِغَاثَةٌ بِهِ سُبْحَانَهُ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الِاسْتِغَاثَةُ بِاللَّهِ عز وجل، وَهِيَ طَلَبُ الْغَوْثِ مِنْهُ تَعَالَى، مِنْ جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الْأَنْفَالِ: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النَّمْلِ: 62] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشُّورَى: 28] الْآيَةَ، وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ" 3، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُومُوا بِنَا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ"4. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي الِاسْتِسْقَاءِ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا" 5 وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

"وَالذَّبْحُ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الذَّبْحُ نُسُكًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَةٍ

1 مسلم "4/ 2052/ ح2664" في القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجر.

2 الحديث ليس عند الترمذي، إنما عند:

أبي داود "2/ 86/ ح1522" في الوتر، باب في الاستغفار، والنسائي "3/ 53" في السهو، باب نوع آخر من الدعاء، وإسناد صحيح.

3 رواه قريبًا منه دون قوله: "يا بديع السماوات والأرض" والحاكم في مستدركه "1/ 509" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يوافقه الذهبي بل قال: منقطع، والقاسم بن عبد الرحمن وأبوه ليسا بحجة.

4 الطبراني في الكبير "مجمع الزوائد 10/ 162" وفيه ابن لهيعة.

5 تقدم ذكره.

ص: 453

وَعَقِيقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الْكَوْثَرِ: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الْأَنْعَامِ: 163] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الْحَجِّ: 36] الْآيَاتِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ" 1 الْحَدِيثَ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "دَخَلَ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ" قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يُجَاوِزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ أُقَرِّبُ. فَقَالُوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا، فَقَرَّبَ ذُبَابًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ فَدَخَلَ النَّارَ. فَقَالُوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ عز وجل، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ"2.

"وَالنَّذْرُ" أَيْ: وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ النَّذْرُ لِلَّهِ عز وجل، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الْإِنْسَانِ: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [الْبَقَرَةِ: 270] الْآيَةَ. وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا 3. وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،

1 مسلم "3/ 1567/ ح1978" في الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله.

2 أحمد في الزهد "ص15" وأبو نعيم في الحلية "1/ 203" وكلاهما عن سلمان موقوفا، وسنده صحيح. وابن القيم عزاه إلى أحمد مرفوعًا ولم أجده.

3 البخاري "11/ 581" في الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، وأبو داود "3/ 232/ ح3289" في الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية، والترمذي "4/ 104/ ح1526" في النذور والأيمان، باب من نذر أن يطيع الله فليطعه، والنسائي "7/ 17" في الأيمان والنذور، باب النذور في المعصية، وابن ماجه "1/ 687/ ح2126" في الكفارات، باب النذر في المعصية.

ص: 454

فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي بِالنَّذْرِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي ذَكَرَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قرنه "ثم يجيء قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ"2. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ" وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا3، وَلَعَلَّهُ هُوَ النَّذْرُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مُبْهَمًا فَسَّرَتْهُ رِوَايَةُ الصَّحِيحِ، وَفِي حَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دِينٌ أَكَنْتَ قَاضِيَهُ"؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: "فَاقْضِ اللَّهَ؛ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ" 4 وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِوَفَاءِ النَّذْرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَمِنْ شَرْطِ النَّذْرِ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ طَاعَةً، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطِيقُهُ الْعَبْدُ، وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَمْلِكُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يُعْبَدُ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ذَرِيعَةً إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِمَنْ كَانَ مُعَلِّقًا بِحُصُولِ شَيْءٍ فَلَا يَعْتَقِدُ النَّاذِرُ تَأْثِيرَ النَّذْرِ فِي حُصُولِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ" الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ5 وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي

1 ابن ماجه "1/ 687/ ح2129" في الكفارات، باب الوفاء بالنذر وسنده صحيح. وأصله في الصحيحين بذكر النذر، وهو الاعتكاف في المسجد الحرام يوما، وسيأتي قريبا بعد حديث.

2 البخاري "11/ 580، 581" في الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر.

3 البخاري "11/ 582" في الأيمان والنذور، باب إذا نذر أو حلف أنه لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم.

ومسلم "3/ 1277/ ح1656" في الأيمان، باب نذر الكافر وماذا يفعل إذا أسلم؟

4 البخاري "11/ 584" في الأيمان والنذور، باب من مات وعليه نذر.

5 أبو داود "3/ 228/ ح3274" في الأيمان، باب اليمين في قطيعة الرحم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وإسناده حسن.

ص: 455

فَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ:"لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هُوَ بَرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ" 2 فَأَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِ مَا لم يكن مطيقه ولم يَكُنْ مَشْرُوعًا، وَأَمَرَهُ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يُطِيقُهُ وَلِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ3. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَقَالَ: "كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ"؟ فَقَالُوا: لَا قَالَ: "فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ"؟ قَالُوا: لَا قَالَ: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ4. وَفِي سَدِّ الذَّرَائِعِ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَلَعْنِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا الْخَامِسُ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُهُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ" 5 وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ. وَفِيهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ" 6 وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:

1 البخاري "4/ 78" في الحج، باب من نذر المشي إلى الكعبة.

ومسلم "3/ 1264/ ح1644" في النذر، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة.

2 البخاري "11/ 586" في الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك، وفي معصية.

3 رواه أبو داود "3/ 239/ ح3316" في الأيمان والنذور، باب في النذر فيما لا يملك. ورواه مسلم "3/ 1262/ ح1641" في النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله. والنسائي "7/ 28" في الأيمان والنذور، باب كفارة النذر.

4 أبو داود "3/ 238/ ح3313" في الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، وإسناده صحيح.

5، 6 البخاري "11/ 499" في القدر، باب إلقاء العبد النذر إلى القدر، وفي الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، ومسلم "3/ 1260/ ح1639" في النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئا.

ص: 456

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ، فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ" 1 وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[أَنْوَاعٌ أُخْرَى مِنَ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ] :

"وَغَيْرُ ذَلِكَ" أَيْ: مِنَ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْحُبِّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضِ فِيهِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ لِأَجْلِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِنَا السَّابِقِ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَأَنَّ مَنَاطَهَا الَّذِي لَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهِ هُوَ كَمَالُ الْحُبِّ وَغَايَتُهُ مَعَ غَايَةِ الذُّلِّ، وَلَا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَالْمَحَبَّةُ وَحْدَهَا الَّتِي لَمْ يَكُنْ مَعَهَا خَوْفٌ وَلَا تَذَلُّلٌ كَمَحَبَّةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ، وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ بِدُونِ مَحَبَّةٍ لِلْمَخُوفِ مِنْهُ كَالْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي الْعَمَلِ كَانَ عِبَادَةً: إِنْ كَانَتْ لِلَّهِ فَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْمَطَالِبِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَالشِّرْكُ الْأَكْبَرُ الْمُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. وَلِذَا قُلْنَا:"وَصَرْفُ بَعْضِهَا" أَيْ: شَيْءٍ مِنْهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ "لِغَيْرِ اللَّهِ" كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ قَبْرٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، كُلُّ ذَلِكَ "شِرْكٌ" أَكْبَرٌ "وَذَاكَ" إِشَارَةٌ إِلَى الشِّرْكِ هُوَ "أَقْبَحُ الْمَنَاهِي" عَلَى الْإِطْلَاقِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الْأَحْقَافِ: 5] الْآيَاتِ، أَيْ: لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ

1 البخاري "11/ 499" في القدر، باب إلقاء العبد النذر إلى القدر، وفي الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، ومسلم "3/ 1261/ ح1640" في الأيمان والنذور، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئا.

ص: 457

رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 117] وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لُقْمَانَ: 13] فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَا أَعْظَمَ ظُلْمًا مِنْ شِكَايَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ -الَّذِي هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ ضُرٍّ أَوْ فَاتَهُ مِنْ خَيْرٍ- إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُهُ وَلَا يَسْمَعُهُ وَلَا يُبْصِرُهُ وَلَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِدَاعِيهِ مِنْ ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا حَيَاةٍ وَلَا نُشُورٍ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَعُدُولُهُ عَمَّنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، وَيَفْزَعُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ إِلَى مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ الْبَتَّةَ:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فَاطِرٍ: 13-14] وَصَرْفُهُ عِبَادَةَ خَالِقِهِ -الَّذِي خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَرَبَّاهُ بِنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَحَفِظَهُ وَكَلَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَحَمَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَخَاوِفِ وَالْأَخْطَارِ- لِمَخْلُوقٍ مِثْلِهِ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُسَخَّرٌ مُدَبَّرٌ مَرْبُوبٌ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ، لَا يُبْدِي حَرَاكًا وَلَا يَنْفَكُّ مِنْ قَبْضَةِ اللَّهِ عز وجل، بَلْ هُوَ خَلْقُهُ وَمِلْكُهُ، مَخْلُوقٌ لِعِبَادَتِهِ، فَيَرْفَعُهُ مِنْ دَرَجَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّأَلُّهِ إِلَى جَعْلِهِ مَأْلُوهًا مَعْبُودًا" {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الرُّومِ: 28] الْآيَةَ، هَذَا وَاللَّهِ أَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَقْبَحُ الْجَهْلِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ؛ وَلِذَا لَمْ تَدْعُ الرُّسُلُ إِلَى شَيْءٍ قَبْلَ التَّوْحِيدِ، وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ التَّنْدِيدِ، وَلَمْ يَتَوَعَّدِ اللَّهُ عَلَى ذَنَبٍ أَكْبَرَ مِمَّا جَاءَ عَلَى الشِّرْكِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"1.

وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْأَحَادِيثِ قَرِيبًا مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ الْمُوَحِّدِينَ،

1 البخاري "8/ 163" في تفسير سورة البقرة، باب قول الله تعالى:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وفي كتب عدة.

ومسلم "1/ 90/ ح86" في الإيمان، باب الشرك أعظم الذنوب، وبيان أعظمها بعده.

ص: 458