الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ
وَيُنْصَبُ الْجِسْرُ بِلَا امْتِرَاءِ
…
كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَنْبَاءِ
يَجُوزُهُ النَّاسُ عَلَى أَحْوَالِ
…
بِقَدْرِ كَسْبِهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ
فَبَيْنَ مُجْتَازٍ إِلَى الْجِنَانِ
…
وَمُسْرِفٍ يُكَبُّ فِي النِّيرَانِ
وَيُنْصَبُ الْجِسْرَ وَهُوَ الصِّرَاطُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ بِلَا امْتِرَاءِ بِلَا شَكٍّ كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَنْبَاءِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يَجُوزُهُ يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى أَحْوَالِ مُتَفَاوِتَةٍ بِقَدْرِ كَسْبِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ مِنْ إِحْسَانٍ أَوْ إِسَاءَةٍ أَوْ تَخْلِيطٍ فَـ هُمْ بَيْنَ مُجْتَازٍ عَلَيْهِ إِلَى الْجِنَانِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى تَفَاوُتِ دَرَجَاتِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ فِي الْبُطْءِ وَالْإِسْرَاعِ وَمُسْرِفٍ عَلَى نَفْسِهِ يُكَبُّ فِي النِّيرَانِ فَلَا يَنْجُو، وَمِنْهُمْ مَنْ تَلْفَحُهُ وَتَمَسُّهُ النَّارُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مَرْيَمَ: 71] وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الْحَدِيدِ: 12-15] .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ الْبُرْسَانِيِّ عَنْ أَبِي سُمَيَّةَ قَالَ اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ بَعْضُنَا لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ وَقَالَ بَعْضُنَا يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ يَرِدُونَهَا جَمِيعًا
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُرَّةَ يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا، وَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَالَ صُمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مَنْ بَرْدِهِمْ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا"1.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَمَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا الْوُرُودَ عَلَى النَّارِ قَالَ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ2.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَاضِعًا رَأْسَهُ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ فَبَكَى فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ قَالَتْ رَأَيْتُكَ تَبْكِي فَبَكَيْتُ، قَالَ إِنِّي ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَلَا أَدْرِي أَأَنْجُو مِنْهَا أَمْ لَا3.
وَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ مُخَاصَمَتِهِ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْوُرُودُ الدُّخُولُ فَقَالَ نَافِعٌ لَا، فَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 98] أَوَرَدُوهَا أَمْ لَا وَقَالَ {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هُودٍ: 98] أَوَرَدُوهَا أَمْ لَا أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَسَنَدْخُلُهَا فَانْظُرْ هَلْ نَخْرُجُ مِنْهَا أَمْ لَا، وَمَا أَرَى اللَّهَ تَعَالَى مُخْرِجَكَ مِنْهَا بِتَكْذِيبِكَ، فَضَحِكَ نَافِعٌ4.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو
1 رواه أحمد 3/ 328 329 ورجاله ثقات غير أبي سمية، قال الحافظ مقبول.
ولذلك قال ابن كثير غريب ولم يخرجوه.
2 الحسن بن عرفة ابن كثير 3/ 132 وابن جرير 16/ 109.
3 عبد الرزاق في مصنفه، ورجاله ثقات.
4 أخرجه عبد الرزاق وابن جرير 16/ 108 109 وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث وفيه رجل مبهم، ويشهد له الذي بعده.
رَاشِدٍ وَهُوَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ فقال له يابن عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مَرْيَمَ: 71] قَالَ أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا رَاشِدٍ فَسَنَرِدُهَا، فَانْظُرْ هَلْ نُصْدِرُ عَنْهَا أَمْ لَا1 وَعَنْهُ رضي الله عنه فِي {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مَرْيَمَ: 71] قَالَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِفِرْعَوْنَ {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هُودٍ: 98] الْآيَةَ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَرْيَمَ: 86] فَسَمَّى الْوُرُودَ عَلَى النَّارِ دُخُولًا، وَلَيْسَ بِصَادِرٍ2.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مَرْيَمَ: 71] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرِدُ النَّاسُ كُلُّهُمْ ثُمَّ يُصْدِرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ" 3 وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مَرْفُوعًا وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا قَالَ: "يَرِدُ النَّاسُ جَمِيعًا الصِّرَاطَ، وُرُودُهُمْ قِيَامُهُمْ حَوْلَ النَّارِ ثُمَّ يُصْدِرُونَ عَنِ الصِّرَاطِ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الطَّيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَأَجْوَدِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ مَرًّا رَجُلٌ نُورُهُ عَلَى مَوْضِعِ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ يَمُرُّ فَيَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاطُ، وَالصِّرَاطُ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ الْقَتَادِ، حَافَّتَاهُ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ" 4 الْحَدِيثَ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مَرْيَمَ: 71] قَالَ: "الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ، فَتَمُرُّ الطَّبَقَةُ الْأُولَى كَالْبَرْقِ وَالثَّانِيَةُ كَالرِّيحِ وَالثَّالِثَةُ
1 ابن جرير 16/ 111.
2 ابن جرير 9/ 108 109 وأخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور 5/ 535 وإسناده مسلسل بالضعفاء.
3 رواه أحمد 1/ 435 والترمذي 5/ 317/ ح3159 في التفسير باب ومن سورة مريم وقال هذا حديث حسن وابن جرير 16/ 111 وفي سنده إسماعيل السدي، قال شعبة وقد سمعته من السدي مرفوعا، ولكني عمدا أدعه.
4 أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 3/ 139 وقد تقدم ذكر شعبة في هذا، والسدي له أوهام.
كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ وَالرَّابِعَةُ كَأَجْوَدِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ يَمُرُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سِلِّمْ" 1.
وَقَالَ قَتَادَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مَرْيَمَ: 71] قَالَ: "هُوَ الْمَمَرُّ عَلَيْهَا" 2 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وُرُودُ الْمُسْلِمِينَ الْمُرُورُ عَلَى الْجِسْرِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهَا، وَوُرُودُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا3.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ" 4 قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَأَنَّهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مَرْيَمَ: 71] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَسَمًا وَاجِبًا، وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي الرُّؤْيَةِ وَالشَّفَاعَةِ، وَفِيهِ:"وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلَ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ -قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ عز وجل، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَالْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ" 5 الْحَدِيثَ.
وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَفِيهِ: "ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجِسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ" قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ قَالَ: "مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا
1 أخرجه ابن جرير 16/ 110 قال ابن كثير ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس وأبي سعيد وأبي هريرة وجابر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم 3/ 139 140.
2 أخرجه ابن جرير 9/ 110.
3 أخرجه ابن جرير 9/ 111 قلت وهذا أقرب الأقوال إلى الصحة، وله تشهد النصوص والدلائل.
4 رواه البخاري 3/ 118 في الجنائز باب فضل من مات له فاحتسب ومسلم 4/ 2028/ ح2632 في البر والصلة باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه.
5 رواه البخاري 13/ 419 420 في التوحيد باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ومسلم 1/ 163-166/ ح182 في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية.
شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، يَمُرُّ الْمُؤَمَّنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا" 1 الْحَدِيثَ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ" الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ "رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا"2.
وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ رضي الله عنهما فِي حَدِيثِ اسْتِفْتَاحِ الْجَنَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُطَوَّلًا، وَفِيهِ:"وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ قَالَ قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قال: ألم ترو إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَتَشُدُّ الرِّجَالُ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ قَالَ: وَنَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زِحَافًا قَالَ وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا" 3 وَفِيهِ أَيْضًا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ4 وَفِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ الْحَدِيثَ5 وَفِيهِ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ وَيُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ -مُنَافِقٍ
1 رواه البخاري 13/ 419 420 في التوحيد باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ومسلم 1/ 167-171/ ح183 في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية.
2 رواه مسلم 1/ 172-175/ ح187 في الإيمان باب آخر أهل النار خروجا.
3 رواه مسلم 1/ 186 187/ ح195 في الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلا.
4 تقدم تخريجه.
5 تقدم.
أَوْ مُؤْمِنٍ- نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ ينجو المؤمنون فتنجون، أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ" 1 وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الْحَدِيدِ: 12] قَالَ "عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ مِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ فِي إِبْهَامِهِ يَتَّقِدُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً" 2، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنَ أَبْيَنَ وَصَنْعَاءَ فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ"3.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِهِمْ سَتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا وَكُلَّ مُنَافِقٍ نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ تَعَالَى نُورَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا فَلَا يَذْكُرُ عِنْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ أَحَدًا"4.
قُلْتُ وَذَلِكَ مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا
1 مسلم 1/ 177/ ح191 في الإيمان باب معرفة أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
2 ابن جرير 27/ 223 والحاكم في المستدرك 2/ 478 وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور 8/ 52 قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه قال الذهبي على شرط البخاري.
3 أخرجه ابن جرير 27/ 222 وعبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور 8/ 52 وإسناده منقطع ومعناه يشهد له ما تقدم.
4 أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 122/ ح11242
وأخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور 8/ 53 وإسناده موضوع، فيه إسحاق بن بشر وهو وضاع.
إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8] وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّجُودِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ، فَأَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ، فَقَالَ:"أَعْرِفُهُمْ، مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" 1، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاطِ طُفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أَنْ يُطْفَأَ نُورُهُمْ كَمَا طُفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَقَالَ الْحَسَنُ رحمه الله: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الْحَدِيدِ: 12] قَالَ على الصراط اهـ.
وَقَدْ أَنْكَرَ الصِّرَاطَ وَالْمُرُورَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى مِنَ الْخَوَارِجِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَتَأَوَّلُوا الْوُرُودَ بِرُؤْيَةِ النَّارِ لَا أَنَّهُ الدُّخُولُ وَالْمُرُورُ عَلَى ظَهْرِهَا وَذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَوْ بِالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ وَرَدُّوا الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْوُرُودِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَالشَّفَاعَةِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِيمَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ مَارَى ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما هُوَ الدُّخُولُ وَقَالَ نَافِعٌ لَيْسَ الْوُرُودُ الدُّخُولَ، فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَوْلَهُ تَعَالَى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 98] أَدَخَلَهَا هَؤُلَاءِ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ يَا نَافِعُ أَمَا وَاللَّهِ أَنْتَ وَأَنَا سَنَرِدُهَا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَنِي اللَّهُ مِنْهَا، وَمَا أَرَى اللَّهُ عز وجل أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْهَا بِتَكْذِيبِكَ2.
1 أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 478 وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور 8/ 52 وهو حديث صحيح في سند الحاكم عبد الله بن صالح كاتب الليث، تابعه عند ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 4/ 330 ابن أخي ابن وهب.
2 تقدم ذكره سابقا، وتمامه فضحك نافع أي استهزاء.
فَصْلٌ: فِيمَا وَرَدَ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ
وَالنَّارُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَهُمَا
…
مَوْجُودَتَانِ لَا فَنَاءَ لَهُمَا
أَيْ وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الْإِيمَانُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْبَحْثُ فِيهِ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ كَوْنُهُمَا حَقًّا لَا رَيْبَ فِيهِمَا وَلَا شَكَّ، وَأَنَّ النَّارَ دَارُ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَالْجَنَّةَ دَارُ أَوْلِيَائِهِ.
وَهَذَا هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِنَا حَقٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التَّحْرِيمِ: 6-8] الْآيَاتِ
وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الْبَقَرَةِ: 25] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آلِ: عِمْرَانَ 131-133] الْآيَاتِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا
أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النِّسَاءِ: 55-57] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُسَ: 7 8] وَقَالَ تَعَالَى: فِي أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النِّسَاءِ: 120-122] وَقَالَ تَعَالَى: لِإِبْلِيسَ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الْحِجْرِ: 42-46] الْآيَاتِ.
وَغَيْرُهَا كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ شَهِيرَةٌ، كُلَّمَا يَذْكُرُ الْجَنَّةَ عَطَفَ عَلَيْهَا بِذِكْرِ النَّارِ وَكُلَّمَا يَذْكُرُ أَهْلَ النَّارِ عَطَفَ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتَارَةً يَعِدُ وَيَتَوَعَّدُ، وَتَارَةً يُخْبِرُ عَمَّا أَعَدَّ فِي الْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ لِأَوْلِيَائِهِ وَيُخْبِرُ عَمَّا أَرْصَدُ فِي النَّارِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ لِأَعْدَائِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَنْ رَامَ اسْتِقْصَاءَهُ فَلْيَقْرَأِ الْقُرْآنَ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ بِتَدَبُّرٍ وَقَلْبٍ شَهِيدٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٍ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حُقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ" زَادَ فِي رِوَايَةٍ "مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيُّهَا شَاءَ" 1 وَوَافَقَهُ عَلَى إِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
1 رواه البخاري 6/ 474 في الأنبياء باب قول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} ومسلم 1/ 57/ ح28 في الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة.
وَلَهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حُقٌّ وَالنَّارُ حَقُّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكُ زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" 1 هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ التَّهَجُّدِ.
وَقَدْ رَوَيَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَنَ الشَّهَادَةَ بِحَقِّيَّةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِحَقِّيَّةِ اللَّهِ وَحَقِّيَّةِ رُسُلِهِ عليهم السلام وَحَقِّيَّةِ وَعْدِهِ الصَّادِقِ وَهُمَا أَيِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ مِنْ وَعْدِهِ الصَّادِقِ الَّذِي أَقْسَمَ عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِّيَّتِهِ ووقوعه في غيرما مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ هَذَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ بِالتَّصْدِيقِ بِهِمَا وَالشَّهَادَةِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَقُولُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ النَّارِ {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [يس: 63 64] وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا} [الطُّورِ: 13-15] الْآيَاتِ وَغَيْرَهَا وَتَقَدَّمَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ فَحَدِّثْنِي مَا الْإِيمَانُ قَالَ "الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ، وَتُؤْمِنَ بِالْمَوْتِ وَبِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ" 2 الْحَدِيثَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
1 رواه البخاري 3/ 3 في التهجد باب التهجد بالليل وفي الدعوات وفي التوحيد ومسلم 1/ 532/ ح769 في صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه
2 تقدم تخريجه