المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثالث: وهو عقوبة الساحر شرعا ووعيدا] : - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[المبحث الثالث: وهو عقوبة الساحر شرعا ووعيدا] :

الْآيَةَ1. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَجْتَرِئُ عَلَى السِّحْرِ إِلَّا كَافِرٌ، وَالْفِتْنَةُ هِيَ الْمِحَنُهُ وَالِاخْتِبَارُ2.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [الْبَقَرَةِ: 102] يَعْنِي: مِنْ حَظٍّ وَلَا نَصِيبٍ، وَهَذَا الْوَعِيدُ لَمْ يُطْلَقْ إِلَّا فِيمَا هُوَ كُفْرٌ لَا بَقَاءَ لِلْإِيمَانِ مَعَهُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا ويدخل الْجَنَّةَ، وَكَفَى بِدُخُولِ الْجَنَّةِ خَلَاقًا، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 102] .

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} يُعْنَى: بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ {وَاتَّقَوْا} بِالسِّحْرِ وَسَائِرِ الذُّنُوبِ {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 103] وَهَذَا مِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كُفْرِ السَّاحِرِ وَنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَّقِي: وَلَوْ أَنَّهُ آمَنَ وَاتَّقَى، وإنما قَالَ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَنْ كَفَرَ وَفَجَرَ وَعَمِلَ بِالسِّحْرِ وَاتَّبَعَهُ وَخَاصَمَ بِهِ رَسُولَهُ وَرَمَى بِهِ نَبِيَّهُ وَنَبَذَ الْكِتَابَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ كَافِرًا3. وَالصَّحِيحُ أَنَّ السِّحْرَ الْمُتَعَلَّمَ مِنَ الشَّيَاطِينِ كُلُّهُ كُفْرٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ.

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

"وَحَدُّهُ" أَيْ: حَدُّ السَّاحِرِ "الْقَتْلُ" ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ "بِلَا نَكِيرٍ" بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ مِنْ عُمُومِ النُّصُوصِ فِي الْكُفَّارِ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ "كَمَا أَتَى" ثَابِتًا "فِي السُّنَّةِ الْمُصَرِّحَةِ" الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ" مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ -بِمُهْمَلَتَيْنِ- بن مُوسَى بْنِ الضَّحَّاكِ السُّلَمِيُّ، أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ الْحَافِظُ الضَّرِيرُ، أَحَدُ الْأَعْلَامِ وَصَاحِبُ الْجَامِعِ وَالتَّفْسِيرِ عَنْ خَلْقٍ مَذْكُورِينَ فِي تَرَاجِمِهِمْ

1 ابن كثير "1/ 148". ورواه ابن جرير الطبري "1/ 461".

2 ابن كثير "1/ 148" ورواه ابن جرير الطبري "1/ 462".

3 سيأتي تفصيل كلام الأئمة في هذا، من الإفصاح لابن هبيرة رحمه الله.

ص: 554

مِنْ جَامِعِهِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ شُكْرٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ رَاوِي الْجَامِعِ وَالْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَنَسَفَ وَتِلْكَ الدِّيَارِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُسْتَغْفَرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، مَرْفُوعًا "وَصَحَّحَهُ" مَوْقُوفًا "عَنْ جُنْدُبٍ" هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ الْعَلْقَمِيُّ، أَوِ الْعَلَقِيُّ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا، اتَّفَقَا عَلَى سَبْعَةٍ وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ. رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو مِجْلَزٍ، مَاتَ بَعْدَ السِّتِّينَ، وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:"بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّاحِرِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ" هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ وَكِيعٌ: هُوَ ثِقَةٌ وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفًا وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِذَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ سِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ، فَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا دُونَ الْكُفْرِ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَتْلًا1. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ أَيْ: مَا كَانَ فِيهِ اعْتِقَادُ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَصَرْفُ الْعِبَادَةِ لَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ عُبَّادُ هَيَاكِلِ النُّجُومِ، مِنْ أَهْلِ بَابِلَ وَغَيْرِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. "وَهَكَذَا فِي أَثَرٍ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ" يَعْنِي: السَّحَرَةَ "رُوِيَ عَنْ عُمَرَ" ابْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْعَدَوِيِّ أَبِي حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، ثَانِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَحَدِ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَأَوَّلِ مَنْ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، اتَّفَقَا عَلَى عَشَرَةٍ وانفرد البخاري بتسعة وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَعَنْهُ أَبْنَاؤُهُ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَاصِمٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ وَالْمَوَاقِفَ، وَوَلِيَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، وَفَتَحَ فِي أَيَّامِهِ عِدَّةَ أَمْصَارٍ، أَسْلَمَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ

1 الترمذي "4/ 60/ ح1460" في الحدود، باب ما جاء في حد الساحر، والدارقطني "3/ 114" والطبراني في الكبير "2/ 161/ ح1665" والبيهقي "8/ 136".

وسنده ضعيف فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، والصحيح أنه موقوف على جندب.

ص: 555

رَجُلًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا:"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"1. وَلَمَّا دُفِنَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ذُهِبَ الْيَوْمَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ2. اسْتُشْهِدَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَدُفِنَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، وَمَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ قَدْ أُفْرِدَتْ فِي مُجَلَّدَاتٍ. وَهَذَا الْأَثَرُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ هُوَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامَانِ الْجَلِيلَانِ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَجَالَةَ بْنَ عَبْدَةَ يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، قَالَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ3.

"وَصَحَّ" نَقْلًا "عَنْ حَفْصَةَ" بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيَّةِ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها "عِنْدَ مَالِكِ" ابن أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَحِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، أَحَدِ الْأَعْلَامِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَحُمِلَ بِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ "مَا" أَيِ: الَّذِي "فِيهِ أَقْوَى" دَلِيلٍ "مُرْشِدٍ لِلسَّالِكِ" وَهُوَ مَا رواه في موطئه فِي "بَابِ مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ مِنْ كِتَابِ الْعُقُولِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا، وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ، قَالَ مَالِكٌ: السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مِثْلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ"ا. هـ.4. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله

1 الترمذي "5/ 617/ ح3682" في المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: حديث حسن صحيح غريب. وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي هريرة.

وأحمد "2/ 53 و95" وإسناده حسن.

2 رواه الطبراني في الكبير "9/ 180/ ح8808 و8809 و8810" وإسناد الثاني صحيح. قال الهيثمي: إسناد هذا إسناد الصحيح، غير أسد بن موسى وهو ثقة.

3 مسند الشافعي "ترتيبه 2/ 89/ ح290" ومسند أحمد "1/ 190، 191" وسنده صحيح.

4 الموطأ "2/ 871" في العقول، باب ما جاء في الغيلة والسحر، وسنده منقطع، رجاله ثقات. =

ص: 556

تَعَالَى: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ كَانَ عِنْدَهُ سَاحِرٌ يَلْعَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَ الرَّجُلِ ثُمَّ يَصِيحُ بِهِ فَيُرَدُّ إليه رأسه، وقال النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يُحْيِي الْمَوْتَى! وَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ صَالِحِ الْمُهَاجِرِينَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَاءَ مُشْتَمِلًا عَلَى سَيْفِهِ وَذَهَبَ يَلْعَبُ لِعْبَهُ ذَلِكَ، فَاخْتَرَطَ الرَّجُلُ سَيْفَهُ فَضَرَبَ عُنُقَ السَّاحِرِ وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُحْيِ نَفْسَهُ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى:{أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 3] فَغَضِبَ الْوَلِيدُ إِذْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فِي ذَلِكَ فَسَجَنَهُ ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ1. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ قَالَ: كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ رَجُلٌ يَلْعَبُ، فَجَاءَ جُنْدُبٌ مُشْتَمِلًا عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَهُ قَالَ: آرَاهُ كَانَ سَاحِرًا2. وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قِصَّةَ عُمَرَ وَحَفْصَةَ عَلَى سِحْرٍ يَكُونُ شِرْكًا3، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَصْلٌ: وَقَدْ ذَكَرَ الْوَزِيرُ أَبُو الْمُظَفَّرِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ وَيَسْتَعْمِلُهُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ قَالَ: إِنْ تَعَلَّمَهُ لِيَتَّقِيَهُ أَوْ لِيَتَجَنَّبَهُ فَلَا يَكْفُرُ، وَمَنْ تَعَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَفَرَ، وَكَذَا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا تَعَلَّمَ

1 ابن كثير "1/ 149" والقصة مع جندب رضي الله عنه. وقد رواها بطولها هذا البيهقي في السنن الكبرى "8/ 136". وسنده حسن فيه ابن لهيعة، ولكن من رواية ابن وهب عنه ومن كلام أبي الأسود.

وقد رواه الحاكم عن الحسن، الحاكم "4/ 361" بسند صحيح. ورواها الدارقطني "3/ 114" وعند البيهقي "8/ 136" عن أبي عثمان النهدي بسند صحيح.

2 ابن كثير "1/ 149" وسنده صحيح، فأبو إسحاق هو السبيعي، وحارثة هو ابن مضرب العبدي تابعي ثقة، فهو شاهد صحيح لما تقدم.

3 السنن الكبرى "8/ 136" وابن كثير "1/ 149".

ص: 557

السِّحْرَ قُلْنَا لَهُ: صِفْ لَنَا سِحْرَكَ، فَإِنَّ وَصَفَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ مَا اعْتَقَدَهُ أَهْلُ بَابِلَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يُلْتَمَسُ مِنْهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَهَلْ يُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: نَعَمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا فَأَمَّا إِنْ قتل بسحره إنسان فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَإِذًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَهُمْ إِلَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُقْتَلُ والحالة هذه قصاص قَالَ: وَهَلْ إِذَا تَابَ السَّاحِرُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: لَا تُقْبَلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ: تُقْبَلُ، وَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْتَلُ كَمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ، يُعْفَى لِقِصَّةِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمَةِ السَّاحِرَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ، وَقَالَ الثَّلَاثَةُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ1. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ- عُمَرُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: يُقْتَلُ سَاحِرُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرُ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَحَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ فَلَمْ يَقْتُلْهَا2. وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ فِي الذِّمِّيِّ: يُقْتَلُ إِنْ قَتَلَ سِحْرُهُ3. وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ أَحَدًا: الْأُولَى أنه يستتاب إن أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ أَسْلَمَ. وَأَمَّا السَّاحِرُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ تَضَمَّنَ سِحْرُهُ كُفْرًا كَفَرَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ، فَإِنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ وَجَاءَنَا تَائِبًا قَبِلْنَاهُ، فَإِنْ

1 ابن كثير "1/ 152" نقلا من كتاب: الإشراف على مذاهب الأشراف. وقد أثبت كلامه هذا مع اختلاف يسير في كتابه الإفصاح عن معاني الصحاح "2/ 226، 227".

2 ابن كثير "1/ 152".

3 القرطبي "الجامع لأحكام القرآن 2/ 49".

ص: 558