المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]] - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

بَلْ إِنَّهَا قَسِيمَةُ الْأَزْلَامِ

فِي الْبُعْدِ عَنْ سِيمَا أُولِي الْإِسْلَامِ

"وَإِنْ تَكُنْ" أَيِ: التَّمَائِمُ "مِمَّا سِوَى الْوَحْيَيْنِ" بَلْ مِنْ طَلَاسِمِ الْيَهُودِ وَعُبَّادِ الْهَيَاكِلِ وَالنُّجُومِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمُسْتَخْدِمِي الْجِنِّ وَنَحْوِهُمْ أَوْ مِنَ الْخَرَزِ أَوِ الْأَوْتَارِ أَوِ الْحِلَقِ مِنَ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ "فَإِنَّهَا شِرْكٌ" أَيْ: تَعَلُّقُهَا شِرْكٌ "بِدُونِ مَيْنِ" أَيْ: شَكِّ، إذ ليست هي مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُبَاحَةِ وَالْأَدْوِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ، بَلِ اعْتَقَدُوا فِيهَا اعْتِقَادًا مَحْضًا أَنَّهَا تَدْفَعُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْآلَامِ لِذَاتِهَا؛ لِخُصُوصِيَّةٍ زَعَمُوا فِيهَا كَاعْتِقَادِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فِي أَوْثَانِهِمْ "بَلْ إِنَّهَا قَسِيمَةُ" أَيْ: شَبِيهَةُ "الْأَزْلَامِ" الَّتِي كَانَ يَسْتَصْحِبُهَا أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَيَسْتَقْسِمُونَ بِهَا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ قِدَاحٍ، مَكْتُوبٌ عَلَى أَحَدِهَا: افْعَلْ وَالثَّانِي: لَا تَفْعَلْ وَالثَّالِثِ: غُفَلٌ، فَإِنْ خَرَجَ فِي يَدِهِ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ مَضَى لِأَمْرِهِ، أَوِ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلْ تَرَكَ ذَلِكَ، أَوِ الْغُفَلُ أَعَادَ اسْتِقْسَامَهُ. وَقَدْ أَبْدَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى -وَلَهُ الْحَمْدُ- خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ: صَلَاةَ الِاسْتِخَارَةِ وَدُعَاءَهَا.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ التَّمَائِمَ الَّتِي مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ شَرِيكَةٌ لِلْأَزْلَامِ وَشَبِيهَةٌ بِهَا، مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ الْفَاسِدُ وَالْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ "فِي الْبُعْدِ عَنْ سِيمَا أُولِي الْإِسْلَامِ" أَيْ: عَنْ زِيِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ عَنْ هَذَا وَهَذَا، وَالْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنَّ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا، وَهُمْ أَجَلُّ شَأْنًا وَأَقْوَى يَقِينًا مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى غَيْرِ اللَّهِ أَوْ يَثِقُوا بِغَيْرِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

فَصْلٌ: مِنَ الشِّرْكِ فِعْلُ مَنْ يَتَبَرَّكُ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ بُقْعَةٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ نَحْوِهَا يَتَّخِذُ ذَلِكَ الْمَكَانَ عِيدًا وَبَيَانُ أَنَّ الزِّيَارَةَ تَنْقَسِمُ إِلَى سُنِّيَّةٍ وَبِدْعِيَّةٍ وَشِرْكِيَّةٍ

هَذَا وَمِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ

مِنْ غَيْرِ مَا تَرَدُّدٍ أَوْ شَكِّ

مَا يَقْصِدُ الْجُهَّالُ مِنْ تَعْظِيمِ مَا

لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَنْ يُعَظَّمَا

كَمَنْ يَلُذْ بِبُقْعَةٍ أَوْ حَجَرِ

أَوْ قَبْرِ مَيْتٍ أَوْ بِبَعْضِ الشَّجَرِ

ص: 512

مُتَّخِذًا لِذَلِكَ الْمَكَانِ

عِيدًا كَفِعْلِ عَابِدِي الْأَوْثَانِ

"هَذَا" أَيِ: الْأَمْرُ وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ "وَمِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ" الَّتِي لَا يَفْعَلُهَا غَيْرُهُمْ وَلَا تَلِيقُ إِلَّا بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ وَأَفْئِدَتِهِمُ الضَّعِيفَةِ وَقُلُوبِهِمُ الْمَطْبُوعِ عَلَيْهَا وَأَبْصَارِهِمُ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهَا "مَا" أَيِ: الَّذِي "لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ" عز وجل فِي كِتَابِهِ وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ "بِأَنْ يُعَظَّمَا" بِأَلْفِ الْإِطْلَاقِ، وَأَنْ وَمَدْخُولُهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ أَيْ: لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِتَعْظِيمِهِ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ الَّذِي مَنَحَهُ إِيَّاهُ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ وَلَا بَيْنَ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، فَيَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي فَعَلَهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ، وَيُكَذِّبُ الرُّسُلَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ، وَيُوَالِي أَعْدَاءَ اللَّهِ وَهُوَ يَظُنُّهُمْ أَوْلِيَاءَهُ، كَفِعْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يُجَاهِرُونَ اللَّهَ بِالْمَعَاصِي وَيُكَذِّبُونَ كِتَابَهُ وَيُغَيِّرُونَهُ وَيُبَدِّلُونَهُ وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَيَنْسِبُونَ لِلَّهِ سبحانه وتعالى الْوَلَدَ وَيَفْعَلُونَ الْأَفَاعِيلَ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَهُمُ الْبُغَضَاءُ إِلَى اللَّهِ وَأَعْدَاؤُهُ. وَسَبَبُ هَذَا كُلِّهِ -فِي الْأُمَمِ الْأُولَى وَالْأُخْرَى- هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنِ الشَّرِيعَةِ وَعَدَمُ الِاهْتِمَامِ لِمَعْرِفَةِ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ مِنَ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَمَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِعْلُهُ وَمَا يَجِبُ تَرْكُهُ "كَمَنْ يَلُذْ ببقعة" أي: يعذ بِهَا وَيَخْتَلِفُ إِلَيْهَا وَيَتَبَرَّكُ بِهَا وَلَوْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهَا، وَتَقَدَّمَ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ مَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَعْظِيمِهِ، كَتَعْظِيمِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ بِالْحَجِّ إِلَيْهِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ مِنَ الْمَشَاعِرِ وَالْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ عز وجل الَّذِي أَمَرَ بِذَلِكَ، لَا لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ ذَاتِهَا كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ1. وَكَذَلِكَ التَّعْظِيمُ أَيْضًا نَفْسُهُ إِنَّمَا أَرَدْنَا مَنْعَ تَعْظِيمٍ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهِ، لَا الْمَأْذُونِ فِيهِ،

1 البخاري "3/ 462" في الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، وفي باب تقبيل الحجر الأسود "3/ 475"، ومسلم "2/ 925/ ح1270" في الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود.

ص: 513

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِتَعْظِيمِ الرُّسُلِ، بِأَنْ يُطَاعُوا فَلَا يُعْصَوْا، وَيُحَبُّوا، وَيُتَّبَعُوا، وَأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ عز وجل وَمَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ عز وجل، فَهَذَا تَعْظِيمٌ لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ إِلَّا بِهِ إِذْ هُوَ عَيْنُ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا عُظِّمُوا لِأَجْلِ عَظَمَةِ الْمُرْسِلِ سبحانه وتعالى وَأُحِبُّوا لِأَجْلِهِ وَاتُّبِعُوا عَلَى شَرْعِهِ، فَعَادَ ذَلِكَ إِلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ عز وجل، فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا عَظَّمَ رَسُولًا مِنَ الرُّسُلِ بِمَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهِ وَرَفَعَهُ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عز وجل وَغَلَا فِيهِ حَتَّى اعْتَقَدَ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الْإِلَهِيَّةِ لَانْعَكَسَ الْأَمْرُ، وَصَارَ عَيْنَ التَّنَقُّصِ وَالِاسْتِهَانَةِ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، كَفِعْلِ اليهود والنصارى الذين ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ مِنْ غُلُوِّهِمْ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَعِيسَى وَعُزَيْرٍ، فَكَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَتَنَقَّصُوا الرَّبَّ عز وجل بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ وَغَيْرِ ذلك، وكذبوا الرسول فِي قَوْلِهِ:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مَرْيَمَ: 30] فَصَارَ ذَلِكَ التَّعْظِيمُ فِي اعْتِقَادِهِمْ هُوَ عَيْنُ التَّنَقُّصِ وَالشَّتْمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المرسلين. "أو حجر، أَوْ قَبْرِ مَيْتٍ، أَوْ بِبَعْضِ الشَّجَرِ" أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُيُونِ وَنَحْوِهَا وَلَوْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عِنْدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى عِبَادَتِهَا ذَاتِهَا كَمَا فَعَلَ إِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ- بِقَوْمِ نُوحٍ حَيْثُ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِتَصْوِيرِ صَالِحِيهِمْ ثُمَّ بِالْعُكُوفِ عَلَى قُبُورِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَعِبَادَةِ اللَّهِ عِنْدَهَا، إِلَى أَنْ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَتِهَا ذَاتِهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَعَبَدُوهَا "مُتَّخِذًا لِذَلِكَ الْمَكَانِ" مِنَ الْقُبُورِ وَالْأَشْجَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبِقَاعِ وَغَيْرِهَا "عِيدًا" أَيْ: يَنْتَابُهَا وَيَعْتَادُ الِاخْتِلَافَ إِلَيْهَا "كَفِعْلِ عَابِدِي الْأَوْثَانِ" فِي تَعْظِيمِهِمْ أَوْثَانَهُمْ وَاعْتِيَادِهِمْ إِلَيْهَا؛ وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعُكُوفَ عَلَى الْأَشْجَارِ وَتَعْلِيقَ الْأَسْلِحَةِ بِهَا عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ "تَأَلُّهًا" كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عَلَيْهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا:"ذَاتُ أَنْوَاطٍ" فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السَّنَنُ، قُلْتُمْ -وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ- كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، قَالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ"1. وَلَقَدْ عَمَّتِ الْبَلْوَى

1 الترمذي "4/ 475/ ح2180" في الفتن، باب ما جاء: لتركبن سنن من كان قبلكم وقال: حسن صحيح.

ورواه أحمد "5/ 218"، ابن حبان "الإحسان 8/ 248" والحاكم "4/ 455" وقال صحيح ووافقه الذهبي.

ص: 514