المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[التعريف بالشرك] : - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[التعريف بالشرك] :

[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

"وَهُوَ" أَيِ: الشِّرْكُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النُّصُوصِ فِيهِ فِي الشَّرْحِ "اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ" مِنْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ نَارٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. "نِدًّا" مِنْ دُونِ اللَّهِ "مُسَوِّيًا بِهِ" اللَّهَ يُحِبُّهُ كَحُبِّ اللَّهِ وَيَخَافُهُ وَيَخْشَاهُ كَخَشْيَةِ اللَّهِ وَيَتَّبِعُهُ عَلَى غَيْرِ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَيُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَيُشْرِكُهُ فِي عبادة الله "مضاهي" بِهِ اللَّهَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 165]، وَحَكَى عَنْهُمْ فِي اخْتِصَامِهِمْ فِي النَّارِ:{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ، تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 96-98] ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عز وجل أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوهُمْ بِهِ فِي خَلْقٍ وَلَا رِزْقٍ وَلَا إِحْيَاءٍ وَلَا إِمَاتَةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ تَدْبِيرِ الْمَلَكُوتِ، بَلْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ لِلَّهِ تَعَالَى بِالرُّبُوبِيَّةِ:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ} [الزُّخْرُفِ: 9] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَلَكِنَّهُمْ سَوَّوْهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي حُبِّهِمْ إِيَّاهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْمَحَبَّةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وفي خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ وَخَشْيَتِهِمْ كَخَشْيَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْخَشْيَةَ لِلَّهِ وَالْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَأَشْرَكُوهُمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَلَمْ يُفْرِدُوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمُ اسْتِقْلَالًا بَلْ زَعَمُوهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَلَكِنِ اعْتَقَدُوا تِلْكَ الشَّفَاعَةَ وَالتَّقْرِيبَ ملكا للمخلوق ويطلبونه مِنْهُ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ بِدُونِ إِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يُونُسَ: 3] وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى اسْتِشْفَاعَهُمْ ذَلِكَ شِرْكًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يُونُسَ: 18] فَجَمَعُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ شِرْكَيْنِ: الْأَوَّلُ: عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ عز وجل، وَالثَّانِي: جَعْلُهُمْ شُفَعَاءَ بِدُونِ إِذْنِ اللَّهِ عز وجل، وَقَالَ تَعَالَى:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

ص: 483

[الزُّمَرِ: 3]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} [الْأَنْعَامِ: 94] ، وَأَيْضًا فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ فِي الرَّخَاءِ، وَأَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَكَانُوا يُخْلِصُونَ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 65]، وَقَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يُونُسَ: 22]، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الْأَنْعَامِ: 63]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الزُّمَرِ: 8]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الرُّومِ: 33]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 67] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الْأَنْعَامِ: 40، 41] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَفِي حَدِيثِ حُصَيْنٍ الْمُتَقَدِّمِ لَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ مِنْ إِلَهٍ "؟ قَالَ: سَبْعَةً: سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَ: "فَمَنْ تَعْبُدُ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ"؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ1. وَلَمَّا رَكِبَ بَعْضُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فَارًّا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

1 تقدم ذكره.

ص: 484

حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ، فَلَمَّا اضْطَرَبَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ وَشَاهَدُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا شَاهَدُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ، فَإِنَّهُ لَا ينجيكم من هذا إِلَّا هُوَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ إِلَّا هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ إِلَّا هُوَ، لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ هَذِهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَدِهِ1. وَهَذَا بِخِلَافِ مُشْرِكِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ مِنْ عُبَّادِ الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي الشِّدَّةِ أَضْعَافَ شِرْكِهِمْ فِي الرَّخَاءِ، حَتَّى إِنْ كَانُوا يُنْذِرُونَ لِهَذَا الْوَلِيِّ فِي الرَّخَاءِ بِبَعِيرٍ أَوْ تَبِيعٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَصَابَتْهُمُ الشِّدَّةُ، زَادُوا ضَعْفَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا لَهُ بَعِيرَيْنِ أَوْ تَبِيعَيْنِ أَوْ شَاتَيْنِ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمْ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ، وَغَلَا بَعْضُهُمْ حَتَّى جَعَلَ مِنْهُمُ الْمُتَصَرِّفَ فِي تَدْبِيرِ الْكَوْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَيَقُولُونَ فِيهِ: إِنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ وَلَا تَسْكُنُ إِلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ، تَعَالَى اللَّهُ وَتَقَدَّسَ وَجَلَّ وَعَلَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ أَوْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أَوْ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

يَقْصِدُهُ عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ

لِجَلْبِ خَيْرٍ أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ

أَوْ عِنْدَ أَيِّ غَرَضٍ لَا يَقْدِرُ

عَلَيْهِ إِلَّا الْمَالِكُ الْمُقْتَدِرُ

مَعْ جَعْلِهِ لِذَلِكَ الْمَدْعُوِّ

أَوِ الْمُعَظَّمِ أَوِ الْمَرْجُوِّ

فِي الْغَيْبِ سَلَّطَانًا بِهِ يَطَّلِعُ

عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ يَفْزَعُ

1 الصحابي هو عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه وحديثه رواه النسائي "7/ 105، 106" في تحريم الدم، باب الحكم في المرتد، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وسنده حسن.

ص: 485

"يَقْصِدُهُ" أَيِ: الْمُتَّخِذُ ذَلِكَ النِّدِّ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَقْصِدُ نِدَّهُ "عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ" بِهِ مِنْ خَيْرٍ فَاتَهُ أَوْ شَرٍّ دَهَمَهُ "لِجَلْبِ خَيْرٍ" لَهُ أَوْ "لِدَفْعِ الشَّرِّ" عَنْهُ "أَوْ عِنْدَ" احْتِيَاجِ "أَيِّ غَرَضٍ" مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْحَالُ أَنَّهُ "لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى ذَلِكَ الْغَرَضِ "إِلَّا الْمَالِكُ الْمُقْتَدِرُ" وَهُوَ اللَّهُ سبحانه وتعالى "مَعَ جَعْلِهِ" أَيِ الْعَبْدِ "لِذَلِكَ الْمَدْعُوِّ أَوِ الْمُعَظَّمِ أَوِ الْمَرْجُوِّ" مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ قَبْرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ جِنِّيٍّ "فِي الْغَيْبِ سُلْطَانًا" أَيْ: يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ سُلْطَانًا غَيْبِيًّا فَوْقَ طَوْقِ الْبَشَرِ "بِهِ يَطَّلِعُ" أَيْ بِذَلِكَ السُّلْطَانِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ فِيهِ "عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ" إِلَى ذَلِكَ النِّدِّ "يَفْزَعُ" فِي قَضَاءِ أَيِّ حَاجَةٍ؛ مِنْ شِفَاءِ مَرِيضٍ أَوْ رَدِّ غَائِبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَرَى أَنَّهُ يَسْمَعُهُ إِذَا دَعَاهُ وَيَرَى مَكَانَهُ وَيَعْلَمُ حَاجَتَهُ وَيَقْضِيهَا بِقُدْرَةٍ اعْتَقَدَهَا فِيهِ مَعَ اللَّهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا يَرْفَعُهُ عَنْ دَرَجَةِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى دَرَجَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَيَجْعَلُهُ مُسْتَحِقًّا الْعِبَادَةَ مَعَ اللَّهِ. وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لَكَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الشِّرْكَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الشِّرْكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَلَا بُدَّ، وَيَتَبَيَّنُ لَكَ عِظَمُ ذَنَبِ الشِّرْكِ وَأَنَّهُ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُهُ وَلَا يَقْبَلُ لِأَحَدٍ مَعَهُ عَمَلًا وَأَنَّهُ لَا أَشْدَّ هَلَكَةً مِنْهُ، وَمَا أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ إِلَّا بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ الْغَابِرَةُ وَأُعِدَّتْ لَهُمُ النِّيرَانُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالشِّرْكِ وَالْإِبَاءِ عَنِ التَّوْحِيدِ، وَلَا نَجَا الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ إِلَّا بِالْتِزَامِ التَّوْحِيدِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ، فَمَا هَلَكَ قَوْمُ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ وَلَا عَادٌ بِالرِّيحِ الْعَظِيمِ وَلَا ثَمُودُ بِالصَّيْحَةِ وَلَا أَهْلُ مَدْيَنٍ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِلَّا بِالشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَهَكَذَا الْأُمَمُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عُصَاةُ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَلَمْ يُخَلَّدْ غَيْرُهُمْ فِيهَا أَبَدًا مُؤَبَّدًا إِلَّا بِالشِّرْكِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِمَّا عَاقِلٌ أَوْ غَيْرُ عَاقِلٍ؛ فَالْعَاقِلُ كَالْآدَمِيِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، وَيَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: رَاضٍ بِالْعِبَادَةِ لَهُ، وَغَيْرُ رَاضٍ بِهَا. فَالْأَوَّلُ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الطَّوَاغِيتِ، وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ عَابِدِيهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا

ص: 486

مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [الْبَقَرَةِ: 166]، وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ إِبْلِيسَ:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، وَقَالَ فِي شَأْنِ فِرْعَوْنَ:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هُودٍ: 98]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فُصِّلَتْ: 29]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ: 128] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالْقَسَمُ الثَّانِي وَهُوَ مَنْ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ وَغَيْرَ رَاضٍ بِالْعِبَادَةِ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَعِيسَى وَمَرْيَمَ وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَهُمْ بُرَآءُ مِمَّنْ عَبَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عِيسَى عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [الْمَائِدَةِ: 116] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمَلَائِكَةِ:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سَبَأٍ: 40]، وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ كُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى وَأُمِّهِ وَعُزَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مُطْلَقًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا، فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا} [الْفَرْقَانِ: 17-19] ، الْآيَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ

ص: 487

الْآيَاتِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِلِ مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَعْقِلُ فَيَشْمَلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ، لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 98، 99]، وَلَكِنَّ الْأَحْجَارَ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ بِهَا مَنْ عَبَدَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التَّحْرِيمِ: 6] الْآيَةَ، وَكَمَا يُعَذَّبُ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ بِهِمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التَّوْبَةِ: 34، 35] .

وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الشَّفَاعَةِ بِطُولِهِ وَفِيهِ: "يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؛ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ"1. وَفِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ؛ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ" 2 الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ: "أَلَا لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ عَبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا مُثِّلَتْ لَهُ آلْهِتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عُزَيْرٍ، وَيُجْعَلُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، ثُمَّ يَتْبَعُ هَذَا الْيَهُودُ وَهَذَا النَّصَارَى، ثُمَّ قَادَتْهُمْ آلِهَتُهُمْ إِلَى النَّارِ" وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} 3. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عند الدارقطني وَالطَّبَرَانِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ

1 تقدم ذكره.

2 تقدم ذكره.

3 سيأتي بطوله وكلام الأئمة عليه.

ص: 488