المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أركان الإسلام الخمسة] : - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[أركان الإسلام الخمسة] :

[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

فَقَدْ أَتَى الْإِسْلَامُ مَبْنِيًّا عَلَى

خَمْسٍ فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلَا

أَوَّلُهَا الرُّكْنُ الْأَسَاسُ الْأَعْظَمُ

وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْأَقْوَمُ

رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ

بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا تَنْفَصِمْ

وَثَانِيًا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ

وَثَالِثًا تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ

وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ

وَالْخَامِسُ الْحَجُّ على من يستطع

وَهَذِهِ أَرْكَانُ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مَرْتَبَةِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قَوْلِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ.

فَالْقَوْلِيَّةُ: الشَّهَادَتَانِ، وَالْعَمَلِيَّةُ: الْبَاقِي. وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

بَدَنِيَّةٌ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ، وَمَالِيَّةٌ وَهِيَ الزَّكَاةُ، وَبَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ وَهُوَ الْحَجُّ. وَقَوْلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُهُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالنُّصُوصُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ: قِسْمٌ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا، وَقِسْمٌ يَخُصُّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْهَا.

فَلْنَبْدَأْ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَعَ حَلِّ أَلْفَاظِ الْمَتْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ السَّابِقُ ذِكْرُهُ عَنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَمِنْهَا حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ

ص: 613

رَمَضَانَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْجِهَادُ حَسَنٌ. هَكَذَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.

وَمِنْهَا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ" 2 وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَكَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ" قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: "اللَّهُ" قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: "اللَّهُ" قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: "اللَّهُ" قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ" قَالَ: فَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ" قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ صَدَقَ" قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ" قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ" قَالَ: ثُمَّ وَلَّى فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا، لَا أَزْيَدُ عَلَيْهِنَّ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ3. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: أَمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، قَالَ: وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ4.

1 رواه البخاري "1/ 49" في الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، ومسلم "1/ 45/ ح16" في الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

2 رواه أحمد "4/ 363 و364" ورواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

3 رواه البخاري "1/ 148، 149" في العلم، باب ما جاء في العلم، ومسلم واللفظ له "1/ 41، 42/ ح12" في الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام، وأحمد "3/ 143 و193".

4 عند البخاري "1/ 148" في العلم، باب {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} .

ص: 614

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ "أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: "الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا" فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا" فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ" هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ1. وَلَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه "أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "مَا لَهُ مَا لَهُ".

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَرِبَ مَا لَهُ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ" وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ2.

وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه "أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: "تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ" قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أَنَّ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا" 3.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَفِقِ رضي الله عنه فِي وِفَادَتِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"قُلْتُ: ثِنْتَانِ أَسْأَلُكَ عَنْهُمَا: مَا يُنَجِّينِي مِنَ النَّارِ وَمَا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِهِ قَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَأَطْوَلْتَ، فَاعْقِلْ عَنِّي إِذًا: اعْبُدِ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ

1 رواه البخاري "4/ 102" في الصوم، باب وجوب الصوم، وغيرها، ومسلم "1/ 40، 41/ ح11" في الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.

2 رواه البخاري "3/ 261" في الزكاة، باب وجوب الزكاة، ومسلم "1/ 42، 43/ ح13" في الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة.

3 رواه البخاري"3/ 261" في الزكاة، باب وجوب الزكاة، ومسلم "1/ 44/ ح14" في الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة.

ص: 615

شَيْئًا وَأَقِمِ الصَّلَاةَ وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَصُمْ رَمَضَانَ، وَمَا تُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكَ النَّاسُ فَافْعَلْ بِهِمْ وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكَ النَّاسُ فَذَرِ النَّاسَ مِنْهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ1. وَفِي رِوَايَةٍ:"لَئِنْ كُنْتَ قَصَّرْتَ فِي الْخُطْبَةِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ: اتَّقِ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ"2.

وَلَعَلَّ ابْنَ الْمُنْتَفِقِ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الصَّحِيحِ، فَإِنَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِزِمَامِهَا، وَفِي آخِرِهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "دَعِ النَّاقَةَ" بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ. وَابْنُ الْمُنْتَفِقِ قَالَ: فَأَخَذْتُ بِخِطَامٍ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: زِمَامَهَا، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: "خَلِّ سَبِيلَ الرَّاحِلَةِ". وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: "خَلِّ طَرِيقَ الرِّكَابِ" فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ وَقَدْ حَفِظَ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ3، وَهُوَ السَّائِلُ أَعْلَمُ بِجَوَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَوْعَى لَهُ وَأَحْفَظُ لَهُ وَأَضْبَطُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ: "اخْرُجِي إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِئْذَانَ فَقُولِي لَهُ: فَلْيَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ "؟ قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ قَالَ: فَأَذِنَ لِي أَوْ قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: بِمَ أَتَيْتَنَا بِهِ؟ قَالَ: "لَمْ آتِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، أَتَيْتُكُمْ بِأَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ" قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تَدَعُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَأَنْ تُصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَأَنْ تَصُومُوا مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا وَأَنْ تَحُجُّوا الْبَيْتَ وَأَنْ تَأْخُذُوا مِنْ مال أغنيائكم فتردوه عَلَى فُقَرَائِكُمْ. قَالَ: فَقَالَ: فَهَلْ بَقِيَ مِنَ الْعِلْمِ شيء لا تعلمه؟ قَالَ: "قَدْ عَلَّمَنِي اللَّهُ عز وجل خَيْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي

1 رواه أحمد "6/ 383" وفي سنده عبد الله بن أبي عقيل، ليس بالمشهور. والحديث يشهد له الذي قبله.

2 رواه أحمد "6/ 383، 384" وهو كالذي قبله.

3 انظر الفتح "3/ 263، 264" في المسألة، وكلام ابن حجر في الرجل المبهم.

ص: 616

الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لُقْمَانَ: 34] " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَئِمَّةٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ طَرَفًا مِنْهُ1.

وَعَنِ السَّدُوسِيِّ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُبَايِعَهُ، فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلَاةَ وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا اثْنَتَانِ فَوَاللَّهِ مَا أُطِيقُهُمَا: الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، فَأَخَافُ إِنْ حَضَرْتُ تِلْكَ جَشِعَتْ نَفْسِي وَكَرِهَتِ الْمَوْتَ، وَالصَّدَقَةُ، فَوَاللَّهِ مَا لِي إلا غنيمة وعشرة ذَوْدٍ هُنَّ رِسْلُ أَهْلِي وَحُمُولَتِهِمْ، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ: "فَلَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ، فَلِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا "؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أنا أبيعك قَالَ: فَبَايَعْتُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ2.

وَعَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَمَنْ جَاءَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُغْنِينَ عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِنَّ جَمِيعًا: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ"3 رَوَاهُ أَحْمَدُ مُرْسَلًا وفي الْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَا يَخْفَى.

وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بَرَزْنَا من المدينة إذ رَاكِبٌ يُوضِعُ نَحْوَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"كَأَنَّ هَذَا الرَّاكِبَ إِيَّاكُمْ يُرِيدُ" قَالَ: فَانْتَهَى الرَّجُلُ إِلَيْنَا فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ"؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِي وَوَلَدِي وَعَشِيرَتِي قَالَ: "فَأَيْنَ تُرِيدُ"؟ قَالَ: أُرِيدُ

1 رواه أحمد "5/ 368، 369" وأبو داود "4/ 245/ ح5177 و5178 و5179" في الأدب، باب كيف الاستئذان؟ والنسائي في عمل اليوم والليلة "ص280/ ح316" باب كيف يستأذن؟.

2 رواه أحمد "5/ 224" والطبراني في الكبير "2/ 44/ ح1233" والأوسط "المجمع 1/ 47" وقال الهيثمي: رجال أحمد موثوقون، ورواه الحاكم "2/ 79، 80" وصححه ووافقه الذهبي.

3 رواه أحمد "4/ 200، 201" وفي إسناده ابن لهيعة وزياد بن نعيم هذا عده بعضهم في الصحابة، وهو مختلف فيه والأقرب أنه تابعي، فالحديث سنده ضعيف لعلتيه.

ص: 617

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فَقَدْ أَصَبْتَهُ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ" قَالَ: قَدْ أَقْرَرْتُ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَتْ يَدُهُ فِي شَبَكَةِ جُرْذَانٍ فَهَوَى بَعِيرُهُ وَهَوَى الرَّجُلِ فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَيَّ بِالرَّجُلِ" فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ فَأَقْعَدَاهُ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُبِضَ الرَّجُلُ قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا رَأَيْتُمَا إِعْرَاضِي عَنِ الرَّجُلِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مَلَكَيْنِ يَدُسَّانِ فِي فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعًا" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الْأَنْعَامِ: 82] " ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "دُونَكُمْ أَخَاكُمْ" قَالَ: فَاحْتَمَلْنَاهُ إِلَى الْمَاءِ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ وَحَمَلْنَاهُ إِلَى الْقَبْرِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَنَابٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْمَتْنُ صَحِيحٌ1. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ.

1 رواه أحمد 4/ 359" وفي إسناده أبو جناب، قال ابن حجر: ضعفوه لكثرة تدليسه "التقريب "2/ 346" وقد عنعن هنا، ورواه الطبراني في الكبير "ح2329""2/ 319" وفيه أبو اليقظان وحمزة الثمالي، وكلاهما ضعيف.

ص: 618

[الشَّهَادَتَانِ] :

"أَوَّلُهَا" أَوْ أَوَّلُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ "الرُّكْنُ الْأَسَاسُ الْأَعْظَمُ".

الرُّكْنُ فِي اللُّغَةِ: الْجَانِبُ الْأَقْوَى وَهُوَ بِحَسَبِ مَا يُطْلَقُ فِيهِ كَرُكْنِ الْبِنَاءِ وَرُكْنِ الْقَوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَمِنَ الْأَرْكَانِ مَا لَا يَتِمُّ الْبِنَاءُ إِلَّا بِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَقُومُ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَّا بِهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِهَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأُمُورِ: أَرْكَانٌ وَدَعَائِمُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ

" فَشَبَّهَهُ بِالْبُنْيَانِ الْمُرَكَّبِ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ، وَهَذَا الرُّكْنُ هُوَ أَصْلُ الْأَرْكَانِ الْبَاقِيَةِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا "الْأَسَاسُ" الَّذِي لَا يَقُومُ الْبِنَاءُ إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إِلَّا بِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ "الْأَعْظَمُ" هَذِهِ الصِّيغَةُ مُشْعِرَةٌ بِتَعْظِيمِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ وَإِنَّمَا هَذَا أَعْظَمُهَا؛ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ إِلَّا بِهِ.

"وَهُوَ الصِّرَاطُ" الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ "الْمُسْتَقِيمُ" الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مُعْتَدِلٌ جَلِيٌّ نَيِّرٌ "الْأَقْوَمُ" أَيِ: الْأَعْدَلُ، مَنْ سَلَكَهُ أَوْصَلَهُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَمَنِ انْحَرَفَ عَنْهُ هَوَى فِي قَعْرِ الْجَحِيمِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ الرُّكْنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ "رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ" هَذَا مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ أَيِ: الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَتَانِ، وَهُمَا: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِهِمَا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا بِمُنَاقَضَتِهِمَا إِمَّا بِجُحُودٍ لِمَا دَلَّتَا عَلَيْهِ أَوْ بِاسْتِكْبَارٍ عَمَّا اسْتَلْزَمَتَاهُ. وَلِهَذَا لَمْ يَدْعُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَيْءٍ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا دُونَهُمَا، فَبِالشَّهَادَةِ الْأُولَى يَعْرِفُ الْمَعْبُودَ وَمَا يَجِبُ لَهُ، وَبِالثَّانِيَةِ يَعْرِفُ كَيْفَ يَعْبُدُهُ وَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَصِلُ إِلَيْهِ، وَكَيْفَ يُؤْمِنُ بِالْعِبَادَةِ أَحَدٌ قَبْلَ تَعْرِيفِهِ بِالْمَعْبُودِ، وَكَيْفَ يُؤَدِّيهَا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ؟

فَفِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى تَوْحِيدُ الْمَعْبُودِ الَّذِي مَا خَلَقَ الْخَلْقَ إِلَّا لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَفِي الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ تَوْحِيدُ الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يُوصَلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا

ص: 619

مِنْهُ، وَلَا يَقْبَلُ دِينًا مِمَّنِ ابْتَغَى غَيْرَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَإِنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي خَلَقَ الْخَلْقَ لَهَا وَقَضَى عَلَيْهِمْ إِفْرَادَهُ تَعَالَى بِهَا هِيَ أَمْرٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهُ، اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا، وَمَعْرِفَةُ مَحَابِّهِ تَعَالَى وَمَرْضَاتِهِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 31] . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ تَحْقِيقَ الشَّهَادَتَيْنِ وَبَيَانَ تَلَازُمِهِمَا وَتَوْضِيحَ نَوَاقِضِهِمَا، وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ وَحَرَّرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ هُنَا.

"فَاثْبُتْ" أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُرِيدُ نَجَاةَ نَفْسِهِ مِنَ النَّارِ وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ النَّيِّرِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ، وَلَا تَسْتَوْحِشْ مِنْ قِلَّةِ السَّالِكِينَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْحَرِفَ عَنْهُ فَتَهْلِكَ مَعَ الْهَالِكِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ:"يَا آدَمُ" فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ:"أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" فَيَقُولُ: مِنْ كَمْ؟ فَيَقُولُ: "مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ" فَالنَّاجِي حِينَئِذٍ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ1، فَاغْتَنِمْ أَنْ تَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْآحَادِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَغْتَرَّ بِجُمُوعِ الضَّلَالَةِ فَتَكُونَ مِنْ حَطَبِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.

"وَاعْتَصِمْ" أَيِ: اسْتَمْسِكْ "بِالْعُرْوَةِ" أَيْ: بِالْعَقْدِ الْأَوْثَقِ فِي الدِّينِ وَالسَّبَبِ الْمُوَصِّلِ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ "الْوُثْقَى" تَأْنِيثُ الْأَوْثَقِ "الَّتِي لَا تَنْفَصِمُ" أَيْ: لَا تَنْقَطِعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنَّهَا هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: 256] وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَهَادَةَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْإِيمَانَ بِهِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ فِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى فَهُوَ شَرْطٌ فِي الثَّانِيَةِ.

1 يومئ إلى حديث رواه البخاري "11/ 388" في الرقاق، باب قوله عز وجل:{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} وفي الحج والتوحيد والأنبياء، ومسلم "1/ 201/ ح222" في الإيمان، باب قوله:"يقول الله لآدم: "أخرج بعث النار، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين".

ص: 620

[الصَّلَاةُ] :

"وَثَانِيًا" مِنَ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ "إِقَامَةُ الصَّلَاةِ" بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَلَوَازِمِهَا "وَثَالِثًا تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ" إِعْطَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ اقْتِرَانُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ بِالتَّوْحِيدِ وَتَقْدِيمُهُمَا بَعْدَهُ عَلَى غَيْرِهِمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَمْرًا وَخَبَرًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الْبَقَرَةِ: 2، 3] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الْبَقَرَةِ: 277] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النُّورِ: 56] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [الْبَيِّنَةِ: 5] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 5] وَفِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" وَفِي رِوَايَةٍ: "فَلْيَكُنْ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةَ اللَّهِ عز وجل، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ تَعَالَى فَأَخْبِرْهُمْ

" الْحَدِيثَ.

1، 2 رواه البخاري "3/ 357" في الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد على الفقراء حيث كانوا، وفي المغازي والمظالم والتوحيد. ومسلم "1/ 50، 51/ ح19" في الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

ص: 621

وَلْنَذْكُرْ طَرَفًا مِنَ النُّصُوصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى انْفِرَادِهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ نُصُوصِ الزَّكَاةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[فَضْلُ الصَّلَاةِ] :

اعْلَمْ هَدَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى جُلِّ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ مِنَ الِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ وَالِانْقِيَادِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ عز وجل وَإِسْلَامِ الْوَجْهِ لَهُ وَالصُّمُودِ إِلَيْهِ وَالِاطِّرَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَلَى أَقْوَالِ اللِّسَانِ وَأَعْمَالِهِ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْأَدْعِيَةِ وَالتَّعَوُّذِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِغَاثَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالِاعْتِذَارِ مِنَ الذَّنْبِ إِلَيْهِ وَالْإِقْرَارِ بِالنِّعَمِ لَهُ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ، وَعَلَى عَمَلِ الْجَوَارِحِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هَذَا مَعَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الشَّرَائِطِ وَالْفَضَائِلِ -مِنْهَا الطَّهَارَةُ الْحِسِّيَّةُ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ الْحِسِّيَّةِ، وَالْمَعْنَوِيَّةُ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ وَسَائِرِ الْأَرْجَاسِ- وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَنَقْلُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجْتَمِعُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" 1 وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَعَانِي الْإِيمَانِ سَمَّاهَا اللَّهُ إِيمَانًا فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 143] .

وَهِيَ ثَانِيَةُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فِي الْفَرْضِيَّةِ، فَإِنَّهَا فُرِضَتْ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ بَعْدَ عَشْرٍ مِنَ الْبِعْثَةِ لَمْ يَدْعُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَهَا إِلَى شَيْءٍ غَيْرِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، فَفُرِضَتْ خَمْسِينَ ثُمَّ خَفَّفَهَا اللَّهُ عز وجل إِلَى خَمْسٍ كَمَا تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ بِذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهِيَ ثَانِيَةٌ فِي الذِّكْرِ فَمَا ذُكِرَتْ

1 رواه أحمد "3/ 128 و199 و285" والنسائي "7/ 61" في عشرة النساء، باب حب النساء، والحاكم "2/ 160" وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي من حديث أنس.

ص: 622

شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ فِي آيَةٍ مِنَ الْآيَاتِ أَوْ حَدِيثٍ مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا وَبُدِئَ بِهَا بَعْدَ التَّوْحِيدِ، قَبْلَ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَكَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَحَدِيثِ "بُنِيَ الْإِسْلَامُ" وَحَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَحَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحَدِيثِ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ

" 1 وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُحْصَى.

وَهِيَ ثَانِيَةٌ فِي آيَاتِ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَفِي آيَاتِ وَعِيدِ الْكُفَّارِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التَّوْبَةِ: 5] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ:{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الْمُرْسَلَاتِ: 46-49] .

وَهِيَ ثَانِيَةٌ فِي مَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1، 2] وَفِي ذَمِّ الْكُفَّارِ بِتَرْكِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ عز وجل: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الِانْشِقَاقِ: 20، 21] وَقَوْلِهِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الْقِيَامَةِ: 31، 32] وَكَذَا فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ بِعَدَمِ اهْتِمَامِهِمْ لَهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النِّسَاءِ: 142] .

وَهِيَ ثَانِيَةٌ فِي حِسَابِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ تُقُبِّلَتْ مِنْهُ تُقُبِّلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَيْهِ سَائِرُ عَمَلِهِ" 2 وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ" أَيْ: بَعْدَ التَّوْحِيدِ.

1 تقدم تخريجها جميعا.

2 رواه الترمذي "2/ 369/ ح413" في الصلاة، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، والنسائي "1/ 232" في الصلاة، باب المحاسبة على الصلاة، وأحمد "5/ 72 و377" والحاكم "1/ 263" من حديث أبي هريرة، وهو حديث صحيح وله شاهد من حديث تميم الداري.

ص: 623

وَهِيَ ثَانِيَةٌ فِيمَا يُذْكَرُ الْمُجْرِمُونَ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا بِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [الْمُدَّثِّرِ: 40-43] الْآيَاتِ. وَالنُّصُوصُ فِي شَأْنِهَا كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ، فَمِنْهَا مَا فِيهِ الْأَمْرِ بِهَا كَقَوْلِهِ:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَةِ: 238] وَقَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [الْعَنْكَبُوتِ: 45] وَقَوْلِهِ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الْإِسْرَاءِ: 78] وَمَا فِي مَعْنَاهَا.

وَمِنْهَا مَا فِيهِ بَيَانُ مَحَلِّهَا مِنَ الدِّينِ، كَالنُّصُوصِ السَّابِقَةِ وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ:"رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سِنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله "1.

ومنها ما فِي ثَوَابِ أَهْلِهَا، كَقَوْلِهِ عز وجل:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 9-11] .

وَمِنْهَا مَا فِيهِ ذِكْرُ نَجَاتِهِمْ مِنَ النَّارِ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ:"فَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودٍ"2.

وَمِنْهَا مَا فِي عِقَابِ تَارِكِهَا، كَقَوْلِهِ عز وجل:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الْمَاعُونِ: 4، 5] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، إِلَّا مَنْ تَابَ} [مَرْيَمَ: 59،

1 رواه أحمد "5/ 231 و237" والترمذي "5/ 11، 12/ ح2616" في الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه "2/ 1314/ ح3973" في الفتن، باب كف اللسان عن الفتنة من حديث معاذ.

2 رواه البخاري "13/ 419" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، ومسلم "1/ 163/ ح182" في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية.

ص: 624

60] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [الْقَلَمِ: 42، 43] .

وَمِنْهَا مَا فِيهِ تَكْفِيرُ تَارِكِهَا وَنَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْهُ وَإِلْحَاقُهُ بِإِبْلِيسَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مَرْيَمَ: 59، 60] فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُضَيِّعُ الصَّلَاةِ مُؤْمِنًا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي تَوْبَتِهِ الْإِيمَانُ، وَقَوْلِهِ:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التَّوْبَةِ: 11] فَعَلَّقَ أُخُوَّتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا لَمْ يَكُونُوا إِخْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السَّجْدَةِ: 15] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 34] .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ -وَفِي رِوَايَةٍ: يَا وَيْلِي- أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ"1.

وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ" 2 ورواه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" 3 قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه

1 رواه مسلم "1/ 87/ ح81" في الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة.

2 رواه مسلم "1/ 88/ ح82" في الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، والترمذي "5/ 13/ ح2618 و2619 و2620" في الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، وأبو داود "4/ 219/ ح4678" في السنة، باب في رد الإرجاء، وابن ماجه "1/ 342/ ح1078" في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في ترك الصلاة.

3 رواه الترمذي "5/ 13، 14/ ح2621" في الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، والنسائي =

ص: 625

وَابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ الْأَسْلَمِيِّ "أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ: "مَا مَنْعُكَ أَنْ تُصَلِّي، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ"؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي فَقَالَ لَهُ:"إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ" 1 فَجَعَلَ الْفَارِقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ الصَّلَاةَ، وَلَفَظُ الْحَدِيثِ يَتَضَمَّنُ أَنَّكَ لَوْ كُنْتَ مُسْلِمًا لَصَلَّيْتَ.

وَفِي الْمُسْنَدِ وَالْأَرْبَعِ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ" 2 وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ.

وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي صِفَةِ الْمُسْلِمِ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا" 3 الْحَدِيثَ.

[حُكْمُ تَارِكِ الصَّلَاةِ] :

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجَرِيرِيِّ

= "1/ 231 و232" في الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، وابن ماجه "1/ 342/ ح1079" في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في ترك الصلاة، وأحمد "5/ 346" وابن حبان "3/ 8" والحاكم "1/ 6، 7".

1 رواه أحمد "4/ 338" و"5/ 31" والنسائي "2/ 112" في الإمامة، باب إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه.

2 رواه أحمد "2/ 169" والدارمي "2/ 301، 302" في الرقاق، باب المحافظة على الصلاة، والطبراني في الكبير "المجمع 1/ 297" والأوسط "2/ 456". قلت: وقول المصنف: وفي "المسند والأربع السنن" وهم منه، فما رواه أحد من الأربعة بل هو من الزوائد. ورواه ابن حبان "3/ 14" في "الإحسان" وسنده صحيح.

3 طرف حديث تقدم تخريجه.

ص: 626

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ1.

وَمِنْهَا مَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ، كَقَوْلِهِ عز وجل:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التَّوْبَةِ: 5] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ" 2 الْحَدِيثَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.

وَأَمَّا الْآثَارُ فِي شَأْنِهَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ كُفْرًا إِذَا كَانَ تَرْكُهُ الصَّلَاةَ عَنْ جُحُودٍ لِفَرْضِيَّتِهَا أَوِ اسْتِكْبَارٍ عَنْهَا وَإِنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَلِدُخُولِهِ فِي التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ، وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" 3، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ مُرْتَدًّا مُبَدِّلًا لِدِينِهِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ تَرْكُهُ لَهَا لَا لِجُحُودٍ وَلَا لِاسْتِكْبَارٍ بَلْ لِنَوْعِ تَكَاسُلٍ وَتَهَاوُنٍ كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ؛ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، بَلْ يَفْسُقُ وَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ حَدًّا كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَلَكِنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ، بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ. قَالَ رحمه الله: وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرٍ: "إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ

1 رواه الترمذي "5/ 14/ ح2622" في الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، والنسائي "1/ 231، 232" في الصلاة، باب حكم تارك الصلاة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهو صحيح.

2 تقدم تخريجه وذكره.

3 رواه البخاري "12/ 267" في استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهما، وفي الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله.

ص: 627

وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ" 1 وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَا يُقْتَلُ بِحَدِيثِ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ" 2 وَلَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاءِ: 48] وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" 3 وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 5] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ" 4 وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ" 5 عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عُقُوبَةَ الْكَافِرِ وَهِيَ الْقَتْلُ، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، أَوْ عَلَى أنه قد يئول بِهِ إِلَى الْكُفْرِ، أَوْ أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي شُرُوطٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي بَيَانِ مَرَاتِبِ الدِّينِ وَفِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ مَا فِيهِ غِنْيَةٌ، وَذَكَرْنَا هُنَا مَا تَيَسَّرَ مِنَ النُّصُوصِ فِي شَأْنِهَا. وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسْطًا حَسَنًا، فَلْيُرَاجَعْ.

1 تقدم تخريجه.

2 رواه البخاري "12/ 201" في الديات، باب قول الله تعالى:{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْن} ، ومسلم "3/ 1302"/ ح1676" في القسامة، باب ما يباح به دم المسلم.

3 تقدم ذكرها جميعا.

4 تقدم تخريجه وذكره.

5 تقدم تخريجه وذكره.

ص: 628

[الزَّكَاةُ] :

وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي نُصُوصِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى انْفِرَادِهَا قَوْلُهُ عز وجل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 103] وَقَوْلُهُ فِي صِفَاتِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 4] وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي ذَمِّ الْكُفَّارِ وَوَعِيدِهِمْ: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فُصِّلَتْ: 6، 7] وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي زَكَاةِ النُّفُوسِ فَهِيَ عَامَّةٌ لِزَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَيْضًا وَقَدْ فُسِّرَتْ بِهَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي وَعِيدِ مَانِعِيهَا مُطْلَقًا:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التَّوْبَةِ: 34، 35] يُوَضِّحُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: "مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ" 1 وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فصيلا واحدا تطؤه بِأَخْفَافِهَا

1 رواه أبو داود "2/ 95/ ح1564" في الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي، وفي سنده مقال وله شواهد يرتقي بها إلى الاحتجاج "انظر السلسلة الصحيحة للعلامة الألباني ح559" ولفظ الحديث مقارب وليس هو هو.

ص: 629

وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا أُعِيدَ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَفْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ تنطحه بقرونها، وتطؤه بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" 1 الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.

وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُقْعِدُ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بقاع قرقر تطؤه ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ" الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:"وَلَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا تُحُوِّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُكُ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضِمُهَا كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ"2.

وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ، وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ"3. وَفِيهِ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ" ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [النساء: 3] 4 الْآيَةَ.

1 رواه البخاري "3/ 267" في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، ومسلم "2/ 680/ ح987" في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.

2 رواه مسلم "2/ 684/ ح988" في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.

3 رواه البخاري "3/ 3/ 267" في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة. قال مؤلفه: وهذا وإن كان واردا في الغلول وعقوبته، فهو في الزكاة كذلك؛ إذ الجزاء من جنس العمل، والله تعالى أعلم.

4 رواه البخاري "8/ 230" في تفسير آل عمران، باب {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .

ص: 630

وَفِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التَّوْبَةِ: 34] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى طُهْرَةً لِلْأَمْوَالِ1.

وَقَدْ ثَبَتَتِ الْبَيْعَةُ عَلَيْهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى "بَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ" {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التَّوْبَةِ: 11] : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ2. وَالنُّصُوصُ فيها كثيرة وفيما تَقَدَّمَ كِفَايَةٌ.

[حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ] :

وَأَمَّا حُكْمُ تَارِكِهَا فَإِنْ كَانَ مَنْعُهُ إِنْكَارًا لِوُجُوبِهَا فَكَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا وَكَانُوا جَمَاعَةً وَلَهُمْ شَوْكَةٌ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عز وجل"؟ فَقَالَ: وَاللَّهُ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَلَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ

1 رواه البخاري "3/ 271" في الزكاة، باب ما أدى زكاته فليس بكنز.

2 رواه البخاري "3/ 267" في الزكاة، باب البيعة على إيتاء الزكاة، ومسلم "1/ 75/ ح56" في الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة.

ص: 631

الْحَقُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ1.

وَهَذَا الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مَنْطُوقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَرْفُوعَةِ، كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عز وجل" 2 وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

وَقَدْ جَهَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لِغَزْوِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَكُنْ مَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ حَقًّا، فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ، وَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ، وَتُرْسِلُ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَسُولًا إِبَّانَ كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ بِمَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ وَبَلَغَ الْإِبَّانُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَظَنَّ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتًا يُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخُلْفُ، وَلَا أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلَّا مِنْ سَخْطَةٍ، فَانْطَلِقُوا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا أَنَّ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرَقَ -أَيْ خَافَ- فَرَجَعَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْحَارِثَ قَدْ مَنَعَنِي

1 رواه البخاري "13/ 250" في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم "1/ 51/ ح20" في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

2 رواه البخاري "1/ 75" في الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} ومسلم "1/ 53/ ح22" فيه، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ص: 632

الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِي، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعَثَ الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ رضي الله عنه وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَقْبَلَ الْبَعْثُ وَفَصَلَ عَنِ الْمَدِينَةِ لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ فَقَالُوا: هَذَا الْحَارِثُ فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ: إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا: إِلَيْكَ قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ، قَالَ رضي الله عنه: لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً وَلَا أَتَانِي. فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي" قَالَ رضي الله عنه: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا رَأَيْتُهُ وَلَا أَتَانِي وَلَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتُبِسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ كَانَتْ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {نَادِمِينَ} [الْحُجُرَاتِ: 6] وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ شَاذَانَ التَّمَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ بِهِ1.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فِي صَدَقَاتِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ الْوَقِيعَةِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْقَوْمُ فَتَلَقَّوْهُ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ قَالَتْ: فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُونِي صَدَقَاتِهِمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ قَالَتْ: فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَفُّوا لَهُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَسَخَطِ رَسُولِهِ، بَعَثْتَ إِلَيْنَا رَجُلًا مُصَدِّقًا فسررنا بذلك وقررت بِهِ أَعْيُنُنَا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ مِنْ بَعْضِ الطَّرِيقِ فَخَشِينَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَضَبًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَزَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ، قَالَتْ: وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ

1 رواه أحمد "4/ 279" وسنده صحيح، والطبراني "2/ 274/ 3395" ورواه ابن أبي حاتم "ابن كثير 4/ 225" وابن منده وابن مردويه "الدر المنثور 7/ 555" وسماه الطبراني الحارث بن سرار، وسماه الحافظ في الإصابة الحارث بن أبي ضرار.

ص: 633

فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الْحُجُرَاتِ: 6]1.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا أَتَاهُمُ الْخَبَرُ وفرحوا وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ رَجَعَ الْوَلِيدُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا الصَّدَقَةَ" فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ إِذْ أَتَاهُ الْوَفْدُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا حُدِّثْنَا أَنَّ رَسُولَكَ رَجَعَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ وإنا خشينا أن ما رَدَّهُ كِتَابٌ جَاءَ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ اسْتَغْشَّهُمْ وَعَمَّ بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى عُذْرَهُمْ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} 2 [الْحُجُرَاتِ: 6] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِيُصْدِقَهُمْ، فَتَلَقَّوْهُ بِالصَّدَقَةِ فَرَجَعَ فَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ جَمَعَتْ لَكَ لِتُقَاتِلَكَ -زَادَ قَتَادَةُ: وَأَنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ- فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رضي الله عنه إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَلَا يَعْجَلَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا فَبَعَثَ عُيُونَهُ فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا رضي الله عنه أَنَّهُمْ مُسْتَمْسِكُونَ بِالْإِسْلَامِ وَسَمِعُوا أَذَانَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ خَالِدٌ رضي الله عنه فَرَأَى الَّذِي يُعْجِبُهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية3 ا. هـ. مِنْ تَفْسِيرِ الْحُجُرَاتِ لِابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

1 رواه ابن جرير "13/ 123" والطبراني "23/ 401/ ح960" وأخرجه ابن راهويه وابن مردويه "الدر المنثور 7/ 556" وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف ويشهد له الذي قبله.

2 رواه ابن جرير "13/ 123، 124" والبيهقي "9/ 54، 55". وأخرجه ابن مردويه وابن عساكر "الدر المنثور 7/ 556" وسنده ضعيف جدا مسلسل بالضعفاء، من محمد بن سعد العوفي إلى جده عطية. ويشهد له الذي مر.

3 تفسير ابن كثير "4/ 224".

ص: 634

وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَمَّ أَنْ يَغْزُوَهُمْ فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْنَا بِرَسُولِكَ فَخَرَجْنَا نَتَلَقَّاهُ وَنُكْرِمُهُ وَنُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا قَبِلْنَاهُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَدَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ فَخَشِينَا أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَاتَّهَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَيْهِمْ خُفْيَةً فِي عَسْكَرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْفِيَ عَلَيْهِمْ قُدُومَ قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ: انْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِمْ فَخُذْ مِنْهُمْ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَرَ ذَلِكَ فَاسْتَعْمِلْ فِيهِمْ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُفَّارِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ خَالِدٌ وَوَافَاهُمْ فَسَمِعَ مِنْهُمْ أَذَانَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ وَلَمْ يَرَ مِنْهُمْ إِلَّا الطَّاعَةَ وَالْخَيْرَ، فَانْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الْحُجُرَاتِ: 6] 1 الْآيَةَ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَرْدًا مِنَ الْأَفْرَادِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا، وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ:

إِحْدَاهَا: هَلْ يَكْفُرُ أَمْ لَا؟

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ مِنَ الْأَعْمَالِ شَيْئًا تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ. وَقَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: تَرْكُ الصَّلَاةِ كُفْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ. وَذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَحَكَى إِسْحَاقُ: عَلَيْهَا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أهل الحديث، وذهبت طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أركان الإسلام الخمسة عَمْدًا، أَنَّهُ كَافِرٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ وَالْحَكَمِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَخَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ عَلَيْكُمْ

1 معالم التنزيل للبغوي "5/ 199، 200".

ص: 635

وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ مَا أَطَقْتُمُوهُ، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ"1. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ تَارِكَ الزَّكَاةِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ: أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ كُفْرٌ دُونَ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الْمُرْجِئَةُ سَمَّوْا تَرْكَ الْفَرَائِضِ ذَنْبًا بِمَنْزِلَةِ رُكُوبِ الْمَحَارِمِ وَلَيْسَ سَوَاءً؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْمَحَارِمِ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ مَعْصِيَةٌ، وَتَرْكَ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ وَلَا عُذْرٍ كُفْرٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ إِبْلِيسَ، وَعُلَمَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِبَعْثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِهِمْ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِشَرَائِعِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ: يُقْتَلُ أَمْ لَا؟

الْأَوَّلُ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:"أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" 2 الْحَدِيثَ.

وَالثَّانِي: لَا يُقْتَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى اللَّالَكَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُؤَمَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْبَكْرِيِّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا رفعه قال: "عرا الْإِسْلَامِ وقواعد الدين ثلاث عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالصَّلَاةُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ، مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ وَيَحِلُّ دَمُهُ" وَتَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَمْ يَحُجَّ فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَلَا يَحِلُّ بِذَلِكَ دَمُهُ، وَتَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ وَلَا يُزَكِّي فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ. وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً -يَعْنِي الثَّلَاثَ الْأُوَلَ- فَهُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَدْ حَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ3.

1 الدارقطني في سننه "2/ 282" وابن جرير "5/ 82" وسنده ضعيف فيه إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف، وروي من حديث ابن عباس بسند ضعيف جدا، ومن حديث أبي أمامة بسند ضعيف. وفي الصحيح غنية عن هذا اللفظ "لكفرتم".

2 تقدم تخريجه.

3 رواه أبو يعلى "المجمع 1/ 53 والمطالب العالية ح2863" والطبراني في الكبير "12/ 174/ ح12800" واللالكائي "ح1576". قال الهيثمي: وإسناده حسن "المجمع 1/ 53". وقوله: وتجده كثير المال

هو من كلام ابن عباس.

ص: 636

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لِمَنْ لَمْ يَرَ قَتْلَهُ: هَلْ يُنَكَّلُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مَعَ الزَّكَاةِ؟

وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ1، وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَوْ ثَبَتَ لَقُلْنَا بِهِ2.

وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ

وَالْخَامِسُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ يَسْتَطِعْ

1 رواه أحمد "5/ 2 و4" وأبو داود "2/ 101/ ح1575" في الزكاة، باب في زكاة السائمة، والنسائي "5/ 25" فيه، باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا لأهلها ولحمولتهم، والحاكم "1/ 398" وصححه وقال الذهبي: صحيح وهو كذلك.

2 ذكره البيهقي في السنن "4/ 105" وقد تقدم صحة الحديث، وقد قال به الشافعي قديما وقال به أحمد رحمه الله "المجموع 5/ 337".

ص: 637

[الصِّيَامُ] :

الرُّكْنُ الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الصِّيَامُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ:

الْإِمْسَاكُ، وَفِي الشَّرْعِ: إِمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ، بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.

وَكَانَ فَرْضُ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ هُوَ وَالزَّكَاةُ قَبْلَ بَدْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هَدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [الْبَقَرَةِ: 183-185] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ فِيهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ كُفْرُ مَنْ جَحَدَ فَرَضِيَّتَهُ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ بِقَتْلِ تَارِكِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِرَافِ بِوُجُوبِهِ، وَقَوْلُهُ:"فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ" مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزُّمَرِ: 18] .

ص: 638