المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[نصوص السنة في إثبات عذاب القبر] : - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٢

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌[[الفصل الثاني توحيد الطلب والقصد]]

- ‌ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ لَا يُحَاطُ بِهَا

- ‌الثَّانِى الْيَقِينُ الْمُنَافِي لِلشَّكِّ

- ‌ الرَّابِعُ "الِانْقِيَادُ" لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ

- ‌ الْخَامِسُ "الصِّدْقُ" فِيهَا الْمُنَافِي لِلْكَذِبِ

- ‌[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

- ‌مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ

- ‌[[الفصل الرابع: في بيان ضد التوحيد، وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر، وبيان كل منهما]]

- ‌[أَوَّلُ ظُهُورِ الشِّرْكِ] :

- ‌[دُخُولُ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ] :

- ‌[أَسْبَابُ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ] :

- ‌[أَكْثَرُ شِرْكِ الْأُمَمِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، لَا بِجُحُودِ الصَّانِعِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

- ‌[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :

- ‌[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

- ‌[الرِّيَاءُ وَالنِّفَاقُ] :

- ‌[الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ] :

- ‌[[الفصل الخامس في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك، ومنها ما هو قريب منه، وبيان المشروع من الرقى والممنوع منها، وهل تجوز التمائم]]

- ‌[الْكَلَامُ عَنِ الرُّقَى]

- ‌[التَّمَائِمُ وَالْحُجُبُ] :

- ‌[[الفصل السادس من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا، وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية]]

- ‌[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

- ‌[[الفصل السابع في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور، وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات]]

- ‌[[حكم من أوقد سراجا على القبر أو بنى على الضريح مسجدا]]

- ‌[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

- ‌[[الفصل الثامن في بيان حقيقة السحر وحكم الساحر وذكر عقوبة من صدق كاهنا]]

- ‌ البحث الأول في حَقِيقَتُهُ وَتَأْثِيرُهُ:

- ‌ الْبَحْثُ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ السَّاحِرِ:

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

- ‌ الْبَحْثُ الرَّابِعُ وَهُوَ "بَيَانُ أَنْوَاعِهِ

- ‌[[الفصل التاسع يجمع معنى حديث جبريل في تعليمنا الدين وأنه ينقسم إلى ثلاث مراتب:‌‌ الإسلام والإيمان والإحسان. وبيان كل منها]]

- ‌ الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

- ‌الْحَدِيثُ بِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ:

- ‌الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ:

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِيمَانِ] :

- ‌[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

- ‌[أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةُ] :

- ‌ الْخَامِسُ الْحَجُّ:

- ‌ أُمُورٍ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ

- ‌[أَرْكَانُ الْإِيمَانِ] :

- ‌ الثَّانِي الْإِيمَانُ "بِالْمَلَائِكَةِ

- ‌مِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِالْوَحْيِ

- ‌وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ

- ‌وَمِنْهُمْ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحُونَ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

- ‌الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَائِعِ

- ‌[الْإِيمَانُ بِأَمَارَاتِ السَّاعَةِ] :

- ‌[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

- ‌[نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ] :

- ‌[بَرَاءَةُ: النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ] :

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْمِيزَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الصِّرَاطِ

- ‌ اعْتِقَادُ وَجُودِهِمَا الْآنَ

- ‌[مَا قَالَتْهُ الْيَهُودُ فِي النَّارِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا جَاءَ فِي الْحَوْضِ وَالْكَوْثَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي آيَاتِ الشَّفَاعَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ

الفصل: ‌[نصوص السنة في إثبات عذاب القبر] :

يَهُودُ" 1، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّ أُمَّتَهُ تُفْتَنُ. والجواب الأول مرجوح لِأَنَّ الْآيَاتِ أَيْضًا صَرِيحَةٌ فِي اتِّصَالِ عَذَابِ الْقَبْرِ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا مِنْهَا فَمُحْتَمَلٌ يُحْمَلُ عَلَى الصَّرِيحِ إذ لم يجئ فِي آيَةٍ تَخْصِيصُهُ بِالرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ وَنَفْيُهُ عَنِ الْجَسَدِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النَّحْلِ: 29] . قال ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُمْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ مِنْ يَوْمِ مَمَاتِهِمْ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَيَنَالُ أَجْسَادُهُمْ فِي قُبُورِهَا مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَلَكَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَخَلَدَتْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ2، {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فَاطِرٍ: 36] . وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النَّحْلِ: 32] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الْفَجْرِ: 28] .

[نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] :

"فَصْلٌ" وَأَمَّا نُصُوصُ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَدْ بَلَغَتِ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، إِذْ رَوَاهَا أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَحَمَلَةُ الْحَدِيثِ وَنُقَّادُهُ عَنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ وَالْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأُمُّ خَالِدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَبُو بَكْرَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبُوهُ عَمْرٌو وَأُمُّ مُبَشِّرٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو طَلْحَةَ

1 مسلم "1/ 41/ ح584" في المساجد، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر.

2 ابن كثير "4/ 88".

ص: 721

وَأَسْمَاءُ أَيْضًا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنَةَ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ:

فَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى أَنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ". قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا. وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ" 1 وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ قَتَادَةُ: وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسِحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا -يَعْنِي الْمُؤْمِنَ- وَيَمْلَأُ عَلَيْهِ خُضْرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ2. وَلَهُمَا عَنْهُ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" 3. وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ"4.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ" ثُمَّ قَالَ: "بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ" ثُمَّ

1 البخاري "3/ 232" في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر.

2 مسلم "4/ 2200/ ح2870" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه.

3 البخاري "11/ 176" في الدعوات، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات، ومسلم "4/ 2079/ ح2706" في الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره.

4 مسلم "4/ 2200/ ح2268" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه.

ص: 722

قَالَ: أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ:"لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَغَيْرُهُ1.

وَلَهُمَا وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ"2.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مرثد عن سعيد بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27] "، رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ3.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ -مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ- إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ من الدنيا وإقبال إِلَى الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ

1 البخاري "1/ 317" في الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله وغيره، ومسلم "1/ 240/ ح292" في الإيمان، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.

2 مسلم "1/ 413/ ح590" في المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، ورواه مالك في الموطأ "1/ 215" والترمذي "5/ 524/ ح3494" في الدعوات، باب الاستعاذة، والنسائي "8/ 276 و277" في الاستعاذة، باب الاستعاذة من فتنة الممات، وابن ماجه "2/ 1662/ ح3840" في الدعاء، باب ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قول المصنف: رواه البخاري، فهو وهم منه؛ فلم يروه البخاري من حديثه. قال ابن الأثير: رواه الجماعة إلا البخاري "جامع الأصول 4/ 370" وانظر تحفة الأشراف "5/ 27/ ح5750".

3 البخاري "3/ 231، 232" في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، ومسلم "4/ 2201/ ح2871" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

ص: 723

السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولَ: أيتها النفس المطمئنة اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ الله ورضوان -قال- فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هذه الريح الطيبة؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ ابن فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حتى ينتهوا به إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ له فيفتح لَهُ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرِّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حتى ينتهى بها إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كتاب الله تعالى فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فينادي منادٍ من السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قبره مد البصر قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ، فوجهك الوجه الذي يَجِيءُ بِالْخَيْرِ؟! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ: رَبِّ أقم الساعة رب أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي -قَالَ- وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدنيا وإقبال إلى الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولَ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ

ص: 724

رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قالوا: ما هذه الرُّوحُ الخبيثة؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ ابن فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حتى ينتهى بها إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ -ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الْأَعْرَافِ: 40]- فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ الأرض السفلى، فيطرح رُوحُهُ طَرْحًا -ثُمَّ قَرَأَ:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَجِّ: 31] فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ عبدي، فأفرشوه مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ، فوجهك الوجه الذي يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ" زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي قِصَّةِ الْمُؤْمِنِ: "حَتَّى إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ عز وجل أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ" وَزَادَ فِي قِصَّةِ الْكَافِرِ:"ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِي يَدِهِ مِرْزَبَّةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً فَيَصِيرُ تُرَابًا. ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ عز وجل كَمَا كَانَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ -قَالَ الْبَرَاءُ- ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ، وَيُمَهَّدُ لَهُ فِرَاشٌ مِنَ النَّارِ" وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ1.

1 أحمد "4/ 287 و288 و295 و296 و297" وأبو داود "4/ 239، 240/ ح4753 و4754" في السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر، والنسائي "1/ 282" وابن ماجه "1/ 494/ ح1548" في الجنائز، باب ما جاء في الجلوس في المقابر، والطيالسي "ص102/ ح753" والآجري في الشريعة "ص367-370" والحاكم "1/ 37-40" وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين. وأقره الذهبي، وهو كما قالا. والبيهقي في عذاب القبر "ح20".

ص: 725

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ: "هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى" قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بالحق ما أخطئوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ فَقَالَ:"يَا فُلَانُ ابن فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ ابن فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا" قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟! قَالَ: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا"1.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ2.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "بَابُ الْمَيِّتِ يُعْرَضُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ" حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"3. وَلَهُ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ

1 مسلم "4/ 2202/ ح2873" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

2 رواه أحمد "1/ 22" وأبو داود "2/ 90/ ح1539" في الصلاة، باب الاستعاذة، والنسائي "8/ 255" في الاستعاذة، باب الاستعاذة من فتنة الصدر، وباب الاستعاذة من فتنة الدنيا، والاستعاذة من البخل، وابن ماجه "2/ 1263/ ح3844" في الدعاء، باب ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حبان "605، 606/ ح2445، موارد" وهو حديث حسن.

3 رواه البخاري "3/ 243" في الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، وفي بدء الخلق وفي الرقاق، ومسلم "4/ 2199/ ح2866" في الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

ص: 726

فَقَالَ: "وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا"؟ فَقِيلَ لَهُ: تَدْعُو أَمْوَاتًا؟! فَقَالَ: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ"1.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ -ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْكُسُوفِ بِطُولِهِ وَفِيهِ آخِرُهُ- ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ2.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي سَمِعْتُ الْأَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ:"عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ" قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ3.

وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ هَارُونُ: حَدَّثَنَا -وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا- ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ" قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ"؟ قَالَتْ عَائِشَةُ

1 رواه البخاري "3/ 232" في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، ومسلم "2/ 643/ ح932" في الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

2 رواه البخاري "2/ 538" في الكسوف، باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف، ومسلم "1/ 410/ ح584" في المساجد، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر.

3 رواه البخاري "3/ 232" في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، ومسلم "11/ 411/ ح586" في المساجد، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر.

ص: 727

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ1.

وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ قَالَتْ: فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أَنْعَمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ! فَقَالَ:"صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ" ثُمَّ قَالَتْ: فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ2.

وَلَهُمَا عَنْهَا رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"3.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا مِنْ حَدِيثِهَا فِي الْكُسُوفِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ:"وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ"4.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله

1 رواه مسلم "1/ 410/ ح584" في المساجد، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر، وقد تقدم.

2 مسلم "1/ 411/ ح586" في المساجد، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر.

3 رواه البخاري "11/ 176" في الدعوات، باب التعوذ من المأثم والمغرم، وباب الاستعاذة من فتنة الغنى، وباب التعوذ من فتنة الفقر، ومسلم "1/ 411/ ح589" في الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر الفتن.

4 رواه مسلم "2/ 622/ ح904" في الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، من أمر الجنة والنار.

ص: 728

تَعَالَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما تَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يُفْتَنُ فِيهَا الْمَرْءُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً1.

وَلَهُمَا عَنْهَا رضي الله عنها حَدِيثُ الْكُسُوفِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبًا مِنْ- فِتْنَةِ الدَّجَّالِ -لا أدري أيتهما قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ -لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا فَقَدْ عَلِمْنَاكَ كُنْتَ لَمُوقِنًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ -لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ" 2 قَوْلُهُ: لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ

إِلَخْ، التَّرَدُّدُ فِيهِ مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ الرَّاوِيَةِ عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنهما.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حدثني عون بن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنهم قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ:"يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ3.

وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ خَالِدٍ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُعَلَّى حَدَّثَنَا

1 رواه البخاري "3/ 232" في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر.

2 رواه البخاري "1/ 288، 289" في الوضوء، باب من لم يتوضأ إلا من الغش المثقل، وفي العلم، وفي الكسوف، وفي السهو، وفي الجمعة، وفي الأذان، وفي العتق، وفي الاعتصام، ومسلم "1/ 624/ ح905" في الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف.

3 رواه البخاري "3/ 241" في الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، ومسلم "4/ 200/ ح2869" في صفة الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

ص: 729

وُهَيْبٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ1. وَقَالَ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بِهِ2 إِلَخْ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا بُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا" قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طَيَّبِ ريحها وذكر المسك قَالَ: "وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فَيَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عز وجل ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ" قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا "وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ قَالَ: فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا"3.

وَلَهُمَا عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ"4.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ -أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ- أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ وَالْآخَرِ: النَّكِيرُ فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا

1، 2 رواه البخاري "3/ 241" في الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر. وفي الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر "11/ 174".

3 رواه مسلم "4/ 2202/ ح2872" في الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

4 البخاري "3/ 241" في الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، ومسلم "1/ 412/ ح588" في المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة.

ص: 730

كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا. ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إلا أحب أهليه إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يقولون فقلت مثلهم، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ" 1.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. قَالَ: فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا بِالرُّوحِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، قَالَ: فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عز وجل. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِجَحِيمٍ وَغَسَّاقٍ وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٍ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يعرج بها إلى السَّمَاءَ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: هَذَا فُلَانٌ فَيَقُولُونَ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهُ لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَيُرْسَلُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ 2.

1 رواه الترمذي "3/ 383/ ح1071" في الجنائز، باب ما جاء من عذاب القبر وقال: حديث حسن غريب، وابن أبي عاصم في السنة "2/ 402/ ح864" والآجري "ص365" وابن حبان "ص197/ ح780، موارد" وهو حديث حسن.

2 رواه أحمد "4/ 364" ورواه ابن ماجه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة عن ابن أبي ذئب "2/ 1426/ ح4268" في الزهد، باب ذكر القبر والبلى، وإسناده صحيح.

ص: 731

وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قُبِضَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي إِلَى رُوحِ اللَّهِ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ، حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَشُمُّونَهُ حَتَّى يَأْتُوا بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيُقَالُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ؟ وَلَا يَأْتُونَ السَّمَاءَ إِلَّا قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَهْلِ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ. فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمٍّ فَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ أَمَا أَتَاكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ذَهَبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْتِيهِ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمَسْحٍ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي إِلَى غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ فَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى بَابِ الْأَرْضِ" 1 زَادَ فِي رِوَايَةٍ: "وَأَمَّا الْكَافِرُ إِذَا قُبِضَتْ نَفْسُهُ وَذُهِبَ بِهَا إِلَى بَابِ الْأَرْضِ تَقُولُ خَزَنَةُ الْأَرْضِ: مَا وَجَدْنَا رِيحًا أَنْتَنَ مِنْ هَذِهِ فَيَبْلُغُ الْأَرْضَ السُّفْلَى"2.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27]-قَالَ- ذَلِكَ إِذَا قِيلَ لَهُ فِي الْقَبْرِ: مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَيُقَالُ لَهُ: صَدَقْتَ، عَلَى هَذَا عِشْتَ وَعَلَيْهِ مُتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ"3.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِكُمْ حِينَ

1 رواه ابن حبان "ص187/ ح733، موارد" وإسناده صحيح، ويشهد له الذي قبله.

2 ابن حبان "ص186، 187/ ح731، موارد".

3 أخرجه ابن جرير "13/ 215" وابن مردويه "الدر المنثور 5/ 32" وسنده حسن، ومحمد بن عمرو هو الليثي، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن حسن.

ص: 732

تُوَلُّونَ عَنْهُ مُدْبِرِينَ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَالزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالصَّوْمُ عَنْ يَسَارِهِ وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتَى مِنْ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ، قَدْ مَثَلَتْ لَهُ الشَّمْسُ قَدْ دَنَتْ لِلْغُرُوبِ فَيُقَالُ: أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ فَيَقُولُ: دَعْنِي حَتَّى أُصَلِّيَ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّكَ سَتَفْعَلُ فَأَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ فَيَقُولُ: وَعَمَّ تَسْأَلُونِي؟ فَيُقَالُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ، وَمَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: أَمُحَمَّدٌ؟ فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَصَدَّقْنَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مُتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ وَيُفْتَحُ له باب إلى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا، ثُمَّ تُجْعَلُ نَسَمَتُهُ فِي النَّسَمِ الطَّيِّبِ وَهِيَ طَيْرٌ خُضْرٌ يَعْلُقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ، وَيُعَادُ الْجَسَدُ إلى ما بدأ مِنَ التُّرَابِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27]" وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَذَكَرَ جَوَابَ الْكَافِرِ وَعَذَابَهُ1. وَقَالَ الْبَزَّارُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَحْرٍ الْقَرَاطِيسِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -أَحْسَبُهُ رَفَعَهُ- قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْزِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ مَا يُعَايِنُ فَيَوَدُّ لَوْ خَرَجَتْ -يَعْنِي نَفْسَهُ- وَاللَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَصْعَدُ بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَتَأْتِيهِ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فَتَسْتَخْبِرُهُ عَنْ مَعَارِفِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ: تَرَكْتُ فُلَانًا فِي الْأَرْضِ أَعْجَبَهُمْ

1 أخرجه ابن أبي شيبة "3/ 384" وهناد في الزهد "ح338" وابن جرير "13/ 215، 216" وابن حبان "ص197، 198/ ح781، موارد" والطبراني في الأوسط "3/ 301، 302/ ح2651" والبيهقي في إثبات عذاب القبر "ص61، 62/ ح67" وفي الاعتقاد "ح108" والحاكم في المستدرك "1/ 379" وابن المنذر وابن مردويه "الدر المنثور 5/ 31" وهو حديث حسن، وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي، وهو كذلك لشواهده.

ص: 733

ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ قَالُوا: مَا جِيءَ بِهِ إِلَيْنَا! وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَجْلِسُ فِي قَبْرِهِ فَيُسْأَلُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ عز وجل، وَيُسْأَلُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّي فَيُقَالُ: مَاذَا دِينُكَ؟ قَالَ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ فِي قَبْرِهِ فَيَقُولُ أَوْ يُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَجْلِسِكَ ثُمَّ يَرَى الْقَبْرَ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ رَقْدَةً. وَإِذَا كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَايَنَ مَا عَايَنَ فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّ أَنْ تَخْرُجَ رُوحُهُ أَبَدًا وَاللَّهُ يُبْغِضُ لِقَاءَهُ، فَإِذَا جَلَسَ فِي قبره أو أُجلس فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى جَهَنَّمَ ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً تَسْمَعُهَا كُلُّ دَابَّةٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ كَمَا يَنَامُ الْمَنْهُوشُ" قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: مَا الْمَنْهُوشُ؟ قَالَ: الَّذِي تَنْهَشُهُ الدَّوَابُّ وَالْحَيَّاتُ ثُمَّ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ابْنَ قَاسِمٍ1.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَسَلْمَانَ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عن عقبة بن عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فيمن سلف وفيمن كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِي: أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحَمَا فَاسْحَقُونِي -أَوْ قَالَ: فَاسْحَكُونِي- فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَاذْرُونِي فِيهَا فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي، فَفَعَلُوا ثُمَّ أَذَرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: كُنْ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي، مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا" وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تلافاه" فحدثت به أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ

1 رواه البزار "1/ 414/ ح874/ كشف الأستار" قال الهيثمي: ورجاله ثقات خلا سعيد بن بحر القراطيسي، فإني لم أعرفه "المجمع 3/ 56" قلت: لئن لم يعرفه هو فقد عرفه غيره، ومن عرف حجة على من لم يعرف فقد ذكره الخطيب وقال: كان ثقة "تاريخ بغداد "9/ 93"، وليس من رواته الوليد بن مسلم بل هو ابن قاسم، كما هو في كشف الأستار، وكذلك ابن كثير "2/ 553".

ص: 734

فِيهِ: "اذْرُونِي فِي الْبَحْرِ" 1 أَوْ كَمَا حَدَّثَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عز وجل فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَةٍ"2.

وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ كَلَامِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجِنَازَةِ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصُعِقَ"3.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِنَازَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ مِنْ حَدِيدٍ فَأَقْعَدَهُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ ثُمَّ يَفْتَحُ له باب إلى النَّارِ فَيَقُولُ: كَانَ هَذَا مَنْزِلَكَ لَوْ كَفَرْتَ بربك، فأما إذ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ، فَيَفْتَحُ لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ: اسْكُنِ اسْكُنْ وَيُفْسِحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ. ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ كُنْتَ آمَنْتَ بربك، فأما إذ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا، فَيَفْتَحُ لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا

1 رواه البخاري "6/ 514-515" في الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، وفي التوحيد، ومسلم "4/ 2109/ ح2756" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.

2 رواه البخاري "6/ 514" في الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، والرقاق، باب الخوف من الله وفي التوحيد، ومسلم "4/ 2111/ ح2757" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى.

3 رواه البخاري "3/ 244" في الجنائز، باب كلام الميت على الجنازة، وفي "3/ 181" في الجنائز، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء، وباب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني.

ص: 735

خَلْقُ اللَّهِ عز وجل كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هِيلَ عِنْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} "1.

وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} فِي الْقَبْرِ"2.

وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا"؟ قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ: "مَا شَاءَ اللَّهُ" فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا"؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: "لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ -قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى- كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى آتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٍ قَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ -أَوْ صَخْرَةٍ- فَيَشْرَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلَهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهْرِ وَرَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهْرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ

1 رواه أحمد "3/ 3 و233 و346" وابن أبي الدنيا في ذكر الموت، وابن أبي عاصم في السنة "2/ 403/ ح865" والبزار "كشف الأستار "1/ 412/ ح872" وابن جرير "8/ 214" والبيهقي في إثبات عذاب القبر "ص43/ ح320" وهو صحيح لشواهده. رجاله رجال الصحيح غير عباد بن راشد، روى له البخاري مقرونا على ضعف فيه، وسنده لا بأس به كما قال ابن كثير.

2 أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه "الدر المنثور 5/ 28" وقد تقدمت شواهده.

ص: 736

حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي إِلَى الشَّجَرَةِ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ وَشُبَّانٌ قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْرَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ في النهر آكلو الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ قَالَا: ذَاكَ منزلك قلت: دعياني أَدْخُلْ مَنْزِلِي قَالُوا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ" 1.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُجَيْرٍ عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ" 2 قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

1 رواه البخاري "12/ 438-439" في التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، وفي صفة الصلاة، وفي التهجد، وفي الجنائز، وفي البيوع، وفي الجهاد، وفي بدء الخلق، وفي الأنبياء، ومسلم "4/ 1781/ ح2275" في الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم "طرفا يسيرا من أوله".

2 رواه أبو داود "3/ 215/ ح3221" في الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت. والحاكم "1/ 370" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا وأخرجه البيهقي "4/ 56" وفي إثبات عذاب القبر "ص124/ ح211 و212".

وانظر تلخيص الحبير لابن حجر "2/ 135" وقال النووي: إسناده جيد "المجموع 5/ 292".

ص: 737

وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَاحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَكْثَرُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي الْمَوْقِفِ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحمد كالذي تقول وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ. اللَّهُمَّ لَكَ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وَإِلَيْكَ مَآبِي وَلَكَ رَبِّ تُرَاثِي. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ"1.

وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبَرَ سِتَّةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ أَرْبَعَةً قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ فَقَالَ: "مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ"؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا قَالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ "؟ قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ" ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ2.

1 رواه الترمذي "5/ 537/ ح3520" في الدعوات، باب "88" وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي. قلت فيه: قيس بن الربيع تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. وعلي بن ثابت الجزري ربما أخطأ.

2 رواه مسلم "4/ 2199-2200/ ح2867" في الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

ص: 738

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ فَتَّانِي الْقَبْرِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَإِذَا أُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ قَبَرَهُ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، جَاءَ مَلَكٌ شَدِيدُ الِانْتِهَارِ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ الَّذِي كَانَ لَكَ فِي النَّارِ قَدْ أَنْجَاكَ اللَّهُ مِنْهُ وَأَبْدَلَكَ بِمَقْعَدِكَ الَّذِي تَرَى مِنَ النَّارِ مَقْعَدَكَ الَّذِي تَرَى مِنَ الْجَنَّةِ. فَيَرَاهُمَا كِلَيْهِمَا، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: دَعُونِي أُبَشِّرْ أَهْلِي فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَيَقْعُدُ إِذَا تَوَلَّى عَنْهُ أَهْلُهُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي أَقُولُ كَمَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي كَانَ لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَبْدَلَكَ مَكَانَهُ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ". قَالَ جَابِرٌ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْقَبْرِ عَلَى مَا مَاتَ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ وَالْمُنَافِقُ عَلَى نِفَاقِهِ"1.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ الْكُسُوفِ وَفِيهِ: "وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ" وَفِي رِوَايَةٍ: "لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مخافة أن يصيبني مِنْ لَفَحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فَطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ. وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطْتُهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا" 2 الْحَدِيثَ.

1 رواه أحمد "3/ 346" والبيهقي في إثبات عذاب القبر "ص126-127/ ح216" وأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط "الدر المنثور 5/ 34" وأخرج مسلم الجزء الأخير قوله: "يبعث كل عبد على ما مات عليه""4/ 2206/ ح2887" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله.

2 رواه مسلم "1/ 624/ ح915" في الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، وقد تقدم بعضه.

ص: 739

وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا تُعَلَّمُ الْكِتَابَةُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ"1.

وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا -وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا- أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، كَانَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمَنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ2.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أَثَرِ الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ"3.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ "نَوَادِرُ الْأُصُولِ": حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ

1 رواه البخاري "11/ 179" في الدعوات، باب الاستعاذة من أرذل العمر، وباب التعوذ من البخل، وباب التعوذ من عذاب القبر، وباب التعوذ من فتنة الدنيا، وفي الجهاد، باب ما يتعوذ به من الجبن.

2 رواه مسلم "4/ 2088/ ح2722" في الذكر، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، والنسائي "8/ 260" في الاستعاذة، باب الاستعاذة من العجز.

3 رواه أحمد "5/ 36 و39" والنسائي "8/ 262" في الاستعاذة، باب الاستعاذة من الفقر، وفي اليوم والليلة "ص146/ ح22" وابن حبان "2/ 183 الإحسان" وابن السني في اليوم والليلة "ص24-25/ ح69" والحاكم في المستدرك "1/ 252" وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن.

ص: 740

الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجِيبًا، رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَجَاءَ بَرُّهُ بِوَالِدَيْهِ فَرَدَّ عَنْهُ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ بُسِطَ عَلَيْهِ عَذَابُ القبر فجاءه وضوءه فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللَّهِ عز وجل فَخَلَّصَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ فَاسْتَنْقَذَتْهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَلْتَهِبُ عَطَشًا كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ مِنْهُ، فَجَاءَهُ صِيَامُهُ فَسَقَاهُ وَأَرْوَاهُ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَمَنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ فَوْقِهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِيهَا، فَجَاءَتْهُ حِجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ فَاسْتَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ وَأَدْخَلَاهُ النُّورَ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُكَلِّمُونَهُ فَجَاءَتْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ فَقَالَتْ: يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِّمُوهُ فَكَلَّمُوهُ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النَّارِ وَشَرَرَهَا بِيَدِهِ عَنْ وَجْهِهِ فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ فَصَارَتْ لَهُ سِتْرًا عَلَى وَجْهِهِ وَظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَاسْتَنْقَذَاهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَأَدْخَلَاهُ مَعَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ فَجَاءَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَتْ صَحِيفَتُهُ مِنْ قِبَلِ شِمَالِهِ فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فَجَعَلَهَا فِي يَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ خف ميزانه فجاءته أَفْرَاطُهُ فَثَقَلُوا مِيزَانَهُ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَائِمًا عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَجَاءَهُ وَجَلُهُ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَضَى، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي هَوَى فِي النَّارِ فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنَ النَّارِ وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَائِمًا عَلَى الصِّرَاطِ كَمَا تَرْعَدُ السَّعَفَةُ فَجَاءَ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَنَ رِعْدَتُهُ وَمَضَى، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَزْحَفُ أَحْيَانًا وَيَحْبُو أَحْيَانًا فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَتْهُ وَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَغُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ دُونَهُ فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَفَتَحَتْ لَهُ الْأَبْوَابُ وَأَدْخَلَتْهُ

ص: 741

الْجَنَّةَ" 1. وَرَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ، ذَكَرَ فِيهِ أَعْمَالًا خَاصَّةً تُنْجِي مِنْ أَهْوَالٍ خَاصَّةٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ"2.

وَلِلْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فَتَّانِي الْقَبْرِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَتُرَدُّ لَنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ" فَقَالَ عُمَرُ: فِي فِيهِ الْحَجَرُ3.

وَرَوَى الْبَغَوِيُّ عَنْهُ رضي الله عنه مَوْقُوفًا عَلَيْهِ: "إِذَا تُوُفِّيَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ أَرْسَلَ اللَّهُ عز وجل مَلَكَيْنِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِتُحْفَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهَا: اخْرُجِي يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ عَنْكِ رَاضٍ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وَجَدَهُ أَحَدٌ فِي أَنْفِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَ مِنَ الْأَرْضِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ -أَوْ نَسَمَةٌ طَيِّبَةٌ- فَلَا تَمُرُّ بِبَابٍ إِلَّا فُتِحَ لَهَا وَلَا بِمَلَكٍ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهَا، حَتَّى يُؤْتَى بِهَا الرَّحْمَنَ عز وجل فَتَسْجُدُ، ثُمَّ قَالَ لِمِيكَائِيلَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ فَاجْعَلْهَا مَعَ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، سَبْعُونَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا طُولُهُ، وينبذ له الريحان وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ

1 الحكيم الترمذي شهد عليه بالكفر وأخرج من ترمذ. وأبوه علي بن الحسن بن بشر لم أجد له ترجمة، وقول القرطبي هذا في تذكرته "1/ 242".

2 رواه أحمد "2/ 185 و186" والنسائي "8/ 269" في الاستعاذة، باب الاستعاذة من الهرم، وإسناده حسن وشواهده في الصحيحين عن عائشة وأنس رضي الله عنهما.

3 رواه أحمد "2/ 172" وابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير "مجمع الزوائد 3/ 50" والآجري في الشريعة "ص367" وابن عدي في الكامل "2/ 855" وابن حبان "5/ 47" والحكيم الترمذي غير مسند في نوادر الأصول "ص41" في ذكر فتاني القبر. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. قلت: ليس الحال كما قال بل في سند أحمد، ابن لهيعة وحيي بن عبد الله المصري وليسا من رجال الصحيحين وقد تابع ابن لهيعة ابن وهب، فإسناده حسن إن سلم من حيي بن عبد الله المصري فإنه صدوق يهم.

ص: 742

كَفَاهُ نُورُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ لَهُ نُورٌ مِثْلُ الشَّمْسِ فِي قَبْرِهِ، وَيَكُونُ مَثَلُهُ مَثَلَ الْعَرُوسِ يَنَامُ فَلَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ. وَإِذَا تُوُفِّيَ الْكَافِرُ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ وَأَرْسَلَ قطعة من بحاد أَنْتَنَ وَأَخْشَنَ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ فَيُقَالُ: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى جَهَنَّمَ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ وَرَبٍّ عَلَيْكِ غَضْبَانُ" 1.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي قِصَّةِ وَفَاتِهِ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ:"فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبُنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي عز وجل"2.

وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ مُبَشِّرٍ فَأَخْرَجَهُ عَنْهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ بَنِي النَّجَّارِ فِيهِ قُبُورٌ مِنْهُمْ قَدْ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَتْ: فَخَرَجَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" قُلْتُ: يَا رَسُولِ اللَّهِ وَلِلْقَبْرِ عَذَابٌ؟ قَالَ: "إِنَّهُمْ لَيُعَذَّبُونَ عَذَابًا فِي قُبُورِهِمْ تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ"3.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27] الْآيَةَ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ عز وجل فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَنْزِلِكَ مِنَ النَّارِ لَوْ زُغْتَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَنْزِلِكَ

1 البغوي في معالم التنزيل "5/ 572، 573" من غير إسناد، من حديث ابن عمر وليس عمرو.

2 رواه مسلم "1/ 112/ ح121" في الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج.

3 رواه أحمد "6/ 362" قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح "المجمع 3/ 59" وهو كما قال وابن أبي شيبة في مصنفه.

ص: 743

مِنَ الْجَنَّةِ إِذْ ثَبَتَّ، وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَجْلِسِكَ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ ثَبَتَّ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلى منزلك إذ زُغْتَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيمَ: 27] " 1.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ" قَالَ: أَرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقُبُورِ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا:"أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ"2. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَخْ بِنَحْوِهِ وَفِيهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ" 3.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:

1 أخرجه ابن أبي حاتم "ابن كثير 2/ 554" وابن منده والطبراني في الأوسط "الدر المنثور 5/ 30". وإبراهيم بن يوسف هو ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي وأبو إسحاق هو السبيعي. وعامر قال عنه الحافظ: مقبول، قلت: وثقه ابن حبان وروى عنه عدة وأخرج له مسلم في صحيحه، فحديثه حسن إن شاء الله تعالى.

2 رواه مسلم "4/ 2088/ ح2723" في الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل.

3 رواه مسلم "4/ 2089/ ح2723" في الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل.

ص: 744

كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ خَمْسٍ: مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَسُوءِ الْعُمُرِ وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ1.

وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ حَتَّى صَارَتْ وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ عَلَيْهِ قَبْرُهُ نَارًا" 2 الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وَعَزَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيِّ وَتَقَدَّمَ عَنْهُ قَرِيبًا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَفِيهِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طُوًى مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخَبَّثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَةٍ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ:"يَا فُلَانُ ابن فُلَانٍ، يَا فُلَانُ ابن فُلَانٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا"؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ" 3 قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ الْآخَرُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ محمد بن المكندر

1 رواه النسائي "2/ 256" في الاستعاذة من البخل، وهو حديث حسن.

2 وقد ذكره القرطبي في التذكرة "ص137" بأطول من هذا.

3 رواه البخاري "7/ 300، 301" في المغازي، باب قتل أبي جهل، ومسلم "4/ 2004/ ح2875" في الجنة وصفه نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.

ص: 745

قَالَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ -يَعْنِي بِنْتَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنها تُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَالَ: "إِذَا دَخَلَ الْإِنْسَانُ قَبْرَهُ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَحَفَّ بِهِ عَمَلُهُ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، -قَالَ: فَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ فَتَرُدُّهُ وَمِنْ نَحْوِ الصِّيَامِ فَيَرُدُّهُ -قَالَ: فَيُنَادِيهِ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ فَيَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ -يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: مُحَمَّدٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: فَيَقُولُ: عَلَى ذَلِكَ عِشْتَ وَعَلَيْهِ مُتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ. وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا أَوْ كَافِرًا جَاءَهُ الْمَلَكُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ يَرُدُّهُ، فَأَجْلَسَهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: أَيُّ رَجُلٍ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَالَ: يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: عَلَى ذَلِكَ عِشْتَ وَعَلَيْهِ مُتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ. قَالَ: وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ فِي قَبْرِهِ مَعَهَا سَوْطٌ ثَمَرَتُهُ جَمْرَةٌ مِثْلُ عُرْفِ الْبَعِيرِ تَضْرِبُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، صَمَّاءُ لَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَتَرْحَمَهُ" 1 وَالْأَنْسَبُ لِمَكَانِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يُنْقَلَ عِنْدَ حَدِيثَيْ أَسْمَاءَ الْأَوَّلَيْنِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ فَقَالَ: أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا ثُمَّ بَالَ فَقُلْنَا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ فَقَالَ:"أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا لَقِيَ صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَوْلُ قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ مِنْهُمْ فَنَهَاهُمْ فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ" وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ2.

وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْهُ مُطَوَّلًا بِسِيَاقٍ عَجِيبٍ وَمَتْنٍ غَرِيبٍ3 وَغَالِبُ مَعْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَلَا نُطِيلُ بِسِيَاقِهِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِغَيْرِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

1 رواه أحمد "6/ 252، 253" والطبراني في الكبير طرفا من "24/ 105/ ح281" قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح "المجمع 3/ 54". وقد روي عنها عندهما من طريق أخرى.

2 رواه أحمد "4/ 194"، وأبو داود "1/ 6/ ح22" في الطهارة، باب الاستبراء من البول، والنسائي "1/ 26-28" في الطهارة، باب البول إلى السترة يستتر بها، وابن ماجه "1/ 124/ ح346" فيه، باب التشديد في البول، وعبد الواحد بن زياد في حديثه عن الأعمش مقال. وتابعه عند أحمد وابن ماجه والنسائي، أبو معاوية فسنده صحيح جدا.

3 ذكره ابن كثير بسنده في تفسيره "2/ 555، 556" وسنده ضعيف فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف وبكر بن خنيس له أغلاط، وفيه من لم أجد لهم ترجمة: أبو عاصم الحبطي وضرار بن عمرو.

ص: 746

وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلَكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إذا مت فاجمعوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ فَجَمَعَهُ اللَّهُ" فَقَالَ: "لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ فَغَفَرَ لَهُ" قَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلَكِ وَقَالَ: "فِي يَوْمٍ رَاحٍ"1. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

وَقَدْ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ حَمَلَتْنِي، فَغَفَرَ لَهُ" وَقَالَ غَيْرُهُ: "مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ" 2، وَمَحَلُّ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلْيُنْقَلْ إِلَى هُنَاكَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ: عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، إِذَا قَالَتِ النَّائِحَةُ: وَاعَضُدَاهُ وَانَاصِرَاهُ وَاكَاسِبَاهُ، جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ: أَنْتَ عَضُدُهَا أَنْتَ نَاصِرُهَا أَنْتَ كَاسِبُهَا"؟ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ

1 رواه البخاري "11/ 312، 312" في الرقاق، باب الخوف من الله.

2 رواه البخاري "13/ 466" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} وفي الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ومسلم "4/ 2210/ ح2756" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.

ص: 747