المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حرف الباء * بائن من خلقه: (1) يجد الناظر في كلام جماعةٍ - معجم المناهي اللفظية

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌المبحث الأول:في عِظمِ منزلة حفظ اللسان في الإسلام

- ‌المبحث الثالث:في كفارة من فاه بلفظ منهي عنه

- ‌المبحث الرابع:وسائل حفظ المنطق

- ‌المبحث الخامس:المؤلفات المفردة في المناهي اللفظية

- ‌معجم المناهي اللفظية

- ‌(حرف الألف)

- ‌(حرف الباء)

- ‌(حرف التاء)

- ‌(حرف الثاء)

- ‌(حرف الجيم)

- ‌(حرف الحاء)

- ‌(حرف الخاء)

- ‌(حرف الدال)

- ‌(حرف الذال)

- ‌(حرف الراء)

- ‌(حرف الزاي)

- ‌(حرف السين)

- ‌(حرف الشين)

- ‌(حرف الصاد)

- ‌(حرف الضاد)

- ‌(حرف الطاء)

- ‌(حرف الظاء)

- ‌(حرف العين)

- ‌(حرف الغين)

- ‌(حرف الفاء)

- ‌(حرف القاف)

- ‌(حرف الكاف)

- ‌(حرف اللام)

- ‌(حرف الميم)

- ‌(حرف النون)

- ‌(حرف الهاء)

- ‌(حرف الواو)

- ‌(حرف الياء)

- ‌فوائد في الألفاظ

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌حرف اللام ألف

- ‌حرف الياء

الفصل: ‌ ‌حرف الباء * بائن من خلقه: (1) يجد الناظر في كلام جماعةٍ

‌حرف الباء

* بائن من خلقه: (1)

يجد الناظر في كلام جماعةٍ من السلف في إثبات صفة الاستواء لله تعالى على عرشه كما يليق به سبحانه، قولهم:((مستو بذاته على عرشه، بائن من خلقه)) .

ومنه قول ابن الزاغوني م سنة 527 هـ - رحمه الله تعالى - في قصيدة له:

عالٍ على العرش الرفيع بذاته سبحانه عن قول غاوٍ ملحد

قال الذهبي رحمه الله تعالى بعده: (قد ذكرنا أن لفظ ((بذاته)) لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعلم) اهـ.

وقد ذكر العلامة الألباني جماعة من السلف أطلقوا اللفظين المذكورين، ثم قال:(قلت: ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين ((بذاته)) ((وبائن)) لم تكونا معروفتين في عهد الصحابة رضي الله عنهم، لكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان، اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام بلفظ ((بائن)) دون أن ينكره أحد منهم.

ومثل هذا تماماً قولهم في القرآن الكريم: إنه ((غير مخلوق)) ، فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضاً، وإن

(1) (بائن من خلقه: سير أعلام النبلاء 19/606 - 607. مقدمة الألباني لكتاب: مختصر العلو للذهبي ص/ 17 - 19. وانظر: فتاوى ابن تيمية 2/ 297 - 299، 5/ 279 - 282، وفهرسها 36 / 88.

ص: 595

كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى، لا يزيدون على ذلك....) اهـ. وانظره.

وإذا استقرأت هذا وجدتهم يذكرون مثل هذه الألفاظ في مقام الرد على أهل الأهواء ومنهم نفات الصفات، أما في مجال تقرير الاعتقاد ابتداءً فإنّهم يقتصرون على ألفاظ النصوص، فتنبه والله أعلم. وقد بينت هذا مبسوطاً - والحمد لله - في مقدمة كتاب: الرد على من حرَّف عقيدة ابن أبي زيد القيرواني، بما نصه:

(الحقيقة الخامسة: أن وجود الأقوال الشنيعة من المخالفين في حق الله تبارك وتعالى المُعْلنةِ في مذاهبهم الباطلة: التأويل، التفويض، التعطيل

المخالفة لما نطق به الوحيان الشريفان في أُمور التوحيد والسنة، اضطرت علماء السلف - الذين واجهوا هذه المذاهب والأقاويل البالة بِالرَّدِّ والإبطال - إلى البيان بألفاظ تفسيرية محدودة، هي من دلالة ألفاظ نصوص الصفات على حقائقها ومعانيها لا تخرج عنها؛ لأن هؤلاء المخالفين لما تجرؤوا على الله فتفوهوا بالباطل وجب على أهل الإسلام الحق الجهر بالحق، ـ والرد على الباطل جهرة بنصوص الوحيين، لفظاً ومعنى ودلالة، بتعابير عن حقائقها ومعانيها الحقة لا تخرج عنها البتة، وانتشر ذلك بينهم دون أن ينكره منهم أحد.

وكان منها - مثلاً - ألفاظ خمسة ((بذاته)) ، ((بائن من خلقه)) ، ((حقيقة)) ، ((في كل مكان بعلمه)) ، ((غير مخلوق)) .

فأهل السنة يثبتون: استواء الله على عرشه المجيد، كما أثبته الله لنفسه. فلما نفى المخالفون ((استواء الله على عرشه المجيد)) ولجأُوا إلى أضيق المسالك، فأوَّلهُ بعْضٌ بالاستيلاء، وبعض بالتفويض، وبعض بالحلول، رد عليهم أهل السنة بإثبات استواء الله سبحانه على عرشه المجيد بذاته، وأنه - سبحانه - بائن من خلقه، وأنه استواء حقيقة.

فأي خروج عن مقتضى النص في هذه الألفاظ؟

بل نقول لهم بالإلزام:

ص: 596

أين لفظ ((الاستيلاء)) في نصوص الوحيين؟

وهذه الألفاظ انتشرت بين المسلمين: أهل السنة والجماعة، ولم ينكرها منهم أحد، وإليك البيان:

1-

لفظ: ((بذاته)) :

أما لفظ: ((بذاته)) فقال أبو منصور السجزي المتوفى سنة 444 هـ رحمة الله تعالى -:

((وأئمتنا كالثوري، ومالك، وابن عيينة، وحماد بن زيد، والفضيل، وأحمد، وإسحاق، متفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان)) انتهى.

وأبو إسماعيل الهروي المتوفى سنة 481 هـ رحمه الله تعالى - لما صرح في كتبه بلفظ ((الذات)) قال:

((ولم تزل أئمة السلف تُصرح بذلك)) انتهى.

فهذان نقلان يفيدان إطلاق هذا اللفظ لدى السلف من غير نكير.

ومن أفرادهم كما في ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) ، و ((مختصر العلو)) :

1.

ابن أبي شيبة: أبو جعفر محمد بن عثمان الكوفي المتوفى سنة (297 هـ)

2.

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ت (310 هـ) :((المختصر)) : (رقم 279) .

3.

أبو الحسن الأشعري، ت سنة (324 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 281) .

4.

أبو سليمان الخطابي، ت سنة (388 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 281) .

5.

ابن أبي زيد القيرواني المالكي، ت سنة (386 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 150) ، ((المختصر)) (رقم 279) ،

6.

أبو عمرو الطلمنكي، ت سنة (399 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 142، 147، 281) .

7.

أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، ت سنة (403 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 280، 281) .

8.

محمد بن الحسن بن فورك،

ص: 597

ت سنة (406 هـ) : ((اجتماع)) : (ص/ 281) .

9.

محمد بن موهب تلميذ ابن أبي زيد، ت سنة (406 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 187، 188)، ((المختصر)) :(رقم 282) .

10.

يحيى بن عمار السجزي، ت سنة (422 هـ) :((اجتماع)) : (ص/279)، ((المختصر)) :(رقم 319) .

11.

عبد الوهاب بن نصر المالكي، ت سنة (422 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 164، 189، 280، 281)، ((المختصر)) :(رقم 279) .

12.

سعد بن علي الزنجاني الشافعي، ت سنة (471 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 197) .

13.

أبو إسماعيل عبد الله الأنصاري الهروي، ت سنة (481 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 279)، قال:((بذاته)) . وفي: ((المختصر)) : (رقم 255)، قال:((على العرش بنفسه)) .

14.

إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي، ت سنة (535 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 180، 183) .

15.

عبد القادر الجيلان، ت سنة (561 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 276، 277) .

16.

محمد بن فرج القرطبي، ت سنة (671 هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 280) .

2-

لفظ: ((بائن من خلقه)) :

وأما لفظ: ((بائن من خلقه)) فقد عزاه أبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة (430 هـ) إلى السلف فقال كما في ((مختصر العلو)) : (ص/ 261) :

((طريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومما اعتقدوه: أن الله لم يزل كاملاً بجميع صفاته القديمة.... - إلى أن قال -: وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش، واستواء الله عليه يقولون بها، ويثبتونها من غير تكييف، ولا تمثيل، وأن الله بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم، وهو مستو على عرشه في سمائه من دون أرضه)) انتهى مختصراً.

قال الذهبي بعده: ((فقد نقل هذا الإمام الإجماع على هذا القول، ولله

ص: 598

الحمد

)) .

ونقله - أيضاً - الإمامان أبو زرعة، وابن أبي حاتم، قالا كما في:((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص / 233)، و ((مختصر العلو)) :(ص/ 204، رقم / 253)، واللفظ عن ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) :

((أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً ومصراً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق

- إلى أن قال -: وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف، أحاط بكل شيء علماً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

)) انتهى مختصراً.

وقال القرطبي محمد بن فرج المتوفى سنة 671 هـ كما في ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) : (ص/ 281) :

((وقال جميع الفضلاء الأخيار: إن الله فوق عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف، بائن من جميع خلفه، هذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات)) انتهى.

وحكاه البوشنجي المتوفى (242هـ) عن أهل الأمصار كما في ((مختصر العلو)) : (ص/ 225) ، فقال

((هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار، وما دلت عليه مذاهبهم فيه، وإيضاح منهاج العلماء وصفة السنة وأهلها، أن الله فوق السماء على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وسلطانه وقدرته بكل مكان)) انتهى.

ومن أعلامهم كما في: ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) ، و ((مختصر العلو)) :

1.

عبد الله بن المبارك، ت سنة (181هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 134، 214)، ((المختصر)) :(رقم 67) .

2.

هشام بن عبد الله الرازي، ت سنة (221هـ) :((المختصر)) : (رقم 53) .

3.

سُنيد بن داود، ت سنة (221هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 335)، ((المختصر)) :(رقم 56) .

4.

حماد هناد البوشنجي، ت سنة (230هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 242)، ((المختصر)) :(رقم108) .

5.

إسحاق بن راهوية، ت سنة

ص: 599

(238هـ) : ((المختصر)) : (رقم 67) .

6.

أحمد بن حنبل، ت سنة (241هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 200، 201)، ((المختصر)) :(رقم 66) .

7.

يحيى بن معاذ الرازي، ت سنة (258هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 270)، ((المختصر)) :(رقم 79) .

8.

أبو زرعة الرازي، ت سنة (264هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 233)، ((المختصر)) :(رقم 77) .

9.

المزني صاحب الشافعي، ت سنة (264هـ) :((اجتماع)) : (ص/168)، ((المختصر)) :(رقم 74) .

10.

أبو حاتم الرازي، ت سنة (277هـ) :((اجتماع)) : ((المختصر)) : (رقم 77، 78) . 70 (ص/ 233) .

11.

عثمان بن سعيد الدارمي، ت سنة (280هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 231) .

12.

أبو جعفر بن أبي شيبة، ت سنة (297هـ) :((المختصر)) : (رقم 103) .

13.

((عبد الله بن أبي جعفر الرازي، مات بعد المائتين: ((اجتماع)) : (ص/ 221)، ((المختصر)) :(رقم 45) .

14.

إمام الأئمة ابن خزيمة، ت سنة (311هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 194)، ((المختصر)) :(رقم109) .

15.

أبو القاسم الطبراني، ت سنة (360هـ) :((المختصر)) : (رقم 125) .

16.

ابن بطة، ت سنة (387هـ) :((المختصر)) : (رقم 133) .

17.

محمد بن موهب، ت سنة (406هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 188)، ((المختصر)) :(رقم 164) .

18.

معمر الأصبهاني، ت سنة (428هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 226)، ((المختصر)) :(رقم 142) .

19.

أبو نعيم الأصبهاني، ت سنة (430هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 279)، ((المختصر)) :(رقم 141) .

20.

شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، ت سنة (449هـ) :((اجتماع)) : (ص/247) .

21.

أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، ت سنة (481هـ) :((اجتماع)) : (ص/ 481)، ((المختصر)) :(رقم 158) .

22.

نصر المقدسي، ت سنة

ص: 600

(490هـ) : ((المختصر)) : (رقم 155) .

23.

إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي، ت سنة (535هـ) :((اجتماع)) : (ص/180)

3-

لفظ: ((حقيقة)) :

وأما لفظ: ((حقيقة)) فإطلاق علماء السلف لها عند ذكر إثبات كل صفة من صفات الله - تعالى - وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم: أكثر من أن يحصر؛ وذلك لمَّا تفوهَّه أهْل الأهواء بمواقفهم المخالفة في الصفات بنفي حقائقها ومعانيها بين التفويض تارة، والتأويل تارة، والتعطيل تارة، والتشبيه تارة، وقد قالت الجهمية والمعتزلة:

((لا يجوز أن يسمى الله بهذه الأسماء على الحقيقة)) حينئذٍ كثُر على لسان السلف إثبات صفات الله تعالى على الحقيقة، أي:((بالإقرار والإمرار بلا تأويل ولا تفويض للمعنى ولا تكييف، ولا تشبيه مع التفويض للكيفية)) .

ومجيء هذا اللفظ على لسان السلف أكثر من أن يحصر، ولينظر على سبيل المثال:((مختصر العلو)) : (ص/ 263، 264، 268، 286)، و ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) :(ص/ 142، 189، 263، 280) وفيها قال القرطبي: ((ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على العرش حقيقة)) انتهى.

4-

لفظ: ((في كل مكان بعلمه)) :

وأما قولهم: ((في كل مكان بعلمه)) فقد قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: ((الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان)) .

وهو تعبير جارٍ لدى أئمة جماعة المسلمين في كتبهم كافة، وبخاصة عند إثبات استواء الله - تعالى - على عرشه المجيد، وعند إثبات معية العلم، ولم يخالفهم في ذلك أحد يحتج به كما قال ابن عبد البر - رحمه الله تعالى -:

((وعلماء الصحابة والتابعين الذين حُمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: من الآية7] : أنه على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج به)) انتهى.

ص: 601

5-

لفظ: ((غير مخلوق)) :

والمسلمون: أهل السنة، يعتقدون ويثبتون أن القرآن كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك. فلما واجهت الجهمية الأُمة ببدعة القول بخلق القرآن وشايعهم المعتزلة على هذه المقولة الكفرية فقالوا عن القرآن:((مخلوق)) . رد عليهم علماء السلف بالنفي والإنكار فقالوا: ((القرآن كلام الله غير مخلوق)) .

وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - كما في ((مسائله)) رواية أبي داود عنه: (ص/ 263 - 264) ؛ إذ سُئِل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق، هل لهم رخصة أن يقول الرجل ((كلام الله)) ثم يسكت؟ قال: ولِم يسكت؟! لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟) انتهى.

* بأبي وأُمي: (1)

الذي عليه كلمة جماعة أهل العلم والتحقيق أن هذا اللفظ، وقولهم:((جعلني الله فداك)) وقولهم: ((نفسي لك الفداء)) ، لا كراهة فيها فتجوز التفدية فيها لمسلم. ودليل اللفظ الأول: تفيد النبي صلى الله عليه وسلم لسعد، وللزبير رضي الله عنهما وتفديه أبي بكر رضي الله عنه، وأبي ذر وطلحة، ورافع بن خديج، للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيرها.

ودليل اللفظ الثاني: من بريدة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في: ((الأدب المفرد)) .

ودليل اللفظ الثالث: من أنس

(1) (بأبي وأُمي: بغية الرائد للقاضي عياض ص/ 171 - 174. بدائع الفوائد 3/ 212. غذاء الألباب 1/ 256. سير أعلام النبلاء 6/ 348. الأذكار للنووي مع شرحها 7/ 123. شرح مسلم 1/ 196. فتح الباري 10 / 569. الأدب المفرد مع شرحه 2/267، 270. اقتضاء الصراط المستقيم ص/10. بدائع الفوائد 4/ 80 122. ومسنده أحمد. وجامع الترمذي. فتح الباري 4/ 226. الفتاوى الحديثية ص/66. الآداب الشرعية: 1/ 391 - 392. تهذيب الآثار لابن جرير الطبري مسند علي رضي الله عنه: 106 - 104. وهو مهم؛ لذكره آثار الجواز والمنع.

ص: 602

- رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في: ((الأدب المفرد)) ، وابن السني، وفيه: وجهي لوجهك الوفاء.

وقال حسان رضي الله عنه:

فإن أبي ووالداتي وعرضي لعرض محمد منكم فداء

وفيها:

أتهجوه ولست له بكفء فشر كما لخيركم الفداء

وقد قيل: إنه أنصف بيت قالته العرب.

قال السفاريني - رحمه الله تعالى - بعد سياق الخلاف: (والمعتمد لا كراهة إن شاء الله تعالى؛ لصحة الأخبار وكثرتها عن المختار، فإنها كادت تجاوز الحصر) اهـ.

ونحوه لابن القيم، والقاضي عياض، والنووي، والحافظ ابن حجر.

وضعَّف القاضي عياض، ما روي عن بعض السلف من كراهتها.

وأقول: إن ثبت شيء فهو من باب هضم النفس. والله أعلم.

وانظر في حرف الجيم: جعلني الله فداك، وفي حرف الفاء: فاغفر فداء لك ما اتقينا.

* بذاته: (1)

في قول أهل السنة: ((مستو بذاته سبحانه على عرشه)) وقول من قال في شرح حديث النزول: ((ينزل بذاته))

مضى في: بائن من خلقه.

* بسم الله الرحمن الرحيم: (2)

السنة في التسمية على الطعام هي الاقتصار على ما ورد به النص: وهو قول ((بسم الله)) أما زيادة ((الرحمن الرحيم)) فليس عليه دليل كما قرره الحافظ في الفتح 9/ 521 على قول البخاري:

((باب التسمية على الطعام، والأكل باليمين)) . ثم ساق بسنده عن وهب بن كيسان أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاماً في حِجْر رسول الله

(1) (بذاته: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/393 وفهرسها 36 / 92. ذيل طبقات الحنابلة 1/28. فتح الباري 1/508.

(2)

(بسم الله الرحمن الرحيم: المدخل لابن الحاج. السلسلة الصحيحة 1/111، رقم 71. فتح الباري 9/ 521. الغمغمة وهي مطبوع.

ص: 603

- صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)) فما زالت تلك طعمتي بعد.

قال الحافظ:

(المراد بالتسمية على الطعام قول: ((بسم الله)) في ابتداء الأكل، وأصرحِ ما ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود، والترمذي، من طريق أُم كلثوم، عن عائشة مرفوعاً:((إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره)) . وله شاهد من حديث أبي أُمية بن مخشي، عند داود والنسائي.

وأما قول النووي في: أدب الأكل، من الأذكار: صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته، والأفضل: أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: بسم الله، كفاه، وحصلت السنة. فلم أرَ من الأفضلية لما ادعاه دليلاً خاصاً) اهـ.

والظاهر والله أعلم: أن التسمية، مثل سائر المنحوتات كالحوقلة، والحيعلة، ومثل: الشهادة في قول: أشهد أن لا إله إلا الله، وهكذا فيراد بالتسمية ما يعهد من قول ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، فهي من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. ولها نظائر. وهي بحاجة إلى مزيد من التحرير والبيان، والله أعلم.

ولأبي عبد الكبير محمد عبد الجليل السامرودي، رسالة باسم:((الغمغمة في سنية التسمية عند الأطعمة وغيرها دون البسملة)) مطبوعة في الهند في ست عشرة صفحة، ذكر فيها كلام النووي، وتعقيب الحافظ ابن حجر له كما تقدم ذكرهما. ثم ذكر عشرة أحاديث في الصحيحين تفيد ((التسمية)) بلفظ ((سموا الله)) أو ((باسم الله)) عند: الركوب، والأكل، والصيد، والوضوء، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للغزاة:((اغزوا باسم الله)) .

ثم أفاض بذكر جملة من الأحاديث خارج الصحيحين، المروية في هذا المعنى، وليس فيها ذكر ((البسملة)) .

ص: 604

* بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآله: (1)

هذه تسمى بالمسألة الصدرية؛ لأن العلماء يفتحون بها صدور كبتهم.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:

(فائدة: استشكل طائفة قول المصنفين: بسم اله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآله:. وقالوا: الفعل بعد الواو دعاء بالصلاة، والتسمية قبله خبر، والدعاء عطفه على الخبر، لو قلت: مررت بزيد وغفر الله لك؛ لكان غثاً من الكلام، والتسمية في معنى الخبر؛ لأن المعنى: أفعل كذا باسم الله. وحجة من أثبتها الاقتداء بالسلف.

والجوب عما قاله هو: أن الواو لم تعطف دعاء على خبر، وإنما عطفت الجملة على كلام محكي كأنك تقول: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد. أو: أقول هذا وهذا أو أكتب: هذا وهذا) اهـ.

* باسمك اللهم: (2)

في ((المطالب العالية)) لابن حجر، ذكر حديث الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيس بن مالك الأرحبي: باسمك اللهم: من محمد رسول الله، إلي قيس..... الحديث.

قال بعده: هذا حديث منكر، وأنكر ما فيه قوله: كَتَبَ باسمك اللهم. وأما في قصة الحديبية، وقول سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فكتبها. ففي سنده ضعيف أيضاً.

والحديث في صلح الحديبية في: صحيح البخاري ((كتاب الشروط:

(1) (بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآله: بدائع الفوائد 1/ 25. المسائل الملقبات في علم النحو لابن طولون، نشر في مجلة عالم الكتب بالرياض. المجلد / 12 العدد / 3. محرم عام 1412 هـ. ص/ 358 - 370. مهم. أسرار العربية لتيمور ص/ 28.

(2)

(باسمك اللهم: المطالب العالية 2/ 180. وطبقات ابن سعد 1/ 341. مرويات غزوة الحديبية ص/ 169.

ص: 605

4/21 فتح)) .

* بطلت الطهارة: (1)

قال النووي في ((المجموع)) :

فرع: قال أبو العباس ابن القاص في ((التخليص)) : لا يبطل شيء من العبادات بعد انقضاء فعلها إلا الطهارة إذا تمت ثم أحدث فتبطل. قال القفال في: ((شرح التخليص)) : قال غير أبي العباس: لا نقول: بطلت الطهارة، بل نقول: انتهت نهايتها، فإن أطلقنا لفظ بطلت فهو مجاز، وذكر جماعة غير القفال أيضاً الخلاف، والأظهر قول من يقول: انتهت، ولا يقول بطلت إلا مجازاً، كما يُقال إذا غربت الشمس: انتهى الصوم، ولا يُقال: بطل، وإذا مضت مدة الإجارة يُقال: انتهت الإجارة، لا بطلت، وقوله: لا يبطل شيء من العبادات بعد انقضائها. يستثنى منه الردة المتصلة بالموت فإنها تحبط العبادات بالنص والإجماع، والله أعلم) انتهى.

والظاهر عدم المنع وقد تنوعت عبارات الفقهاء فقالوا: نواقض الوضوء، وقالوا مبطلاته، وهكذا.

* البقية في عمرك:

هذه من الألفاظ الدارجة في التعزية، يعني: أن الله - سبحانه - يخْلِفُ ما فات علينا في وفاة فُلانٍ بأن يكون في بقية عُمرك، خيْرٌ ونفْع. فلا يظهر فيها محذور. والأحسن اتباع ألفاظ السنة. والله أعلم.

وانظر في حرف الميم: ما نقص من عمره زاد في عمرك. وفي حرف: لام ألف: لا نزال بخير ما بقيت لنا.

* بلغ: (2)

يُروى حديث: إذا فرغ أحدكم فلا

(1) (بطلت الطهارة: المجموع 2/ 63. الأشباه والنظائر للسيوطي: 532.

(2)

(بلغ: تنزيه الشريعة لابن عراق 1/257 رقم /24. الأسرار المرفوعة للقارئ ص/ 93 - 94. اللآليء المصنوعة 1/ 215. الفوائد المجموع ص / 291. كشف الخفاء 1/ 96. لسان الميزان 6/ 30، في ترجمة مسلم المذكور.

ص: 606

يكتب عليه ((بلغ)) فإن ((بلغ)) اسم الشيطان، ولكن يكتب عليه ((الله)) . رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة. وفيه: مسلم بن عبد الله، وهو آفته. فهو موضوع.

* بُني:

يأتي في حرف الياء: يا بني.

* بيان:

كثُر السؤال في عصرنا عن حكم تسمية المولود باسم: بيان، فمانع منه بعضهم؛ لأنه من أسماء القرآن الكريم، ويمتنع تسمية الآدميين بأسماء كلام الله المنزل على عبده ونبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وأفتيت من سألني بجواز تسمية المولود باسم: ((بيان)) وهو من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث مثل: ((أسماء)) و ((خارجة)) وغيرهما؛ لأن هذا اللفظ: ((بيان)) ليس من أسماء القرآن الكريم، وإنما هو وصف من أوصافه العظيمة، مثل:((هدى)) .

ومن لطيف ما يستحضر أن عصرينا الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي المتوفى سنة 1410 هـ - رحمة الله تعالى - ألف كتاباً حافلاً في جزئين سماه: ((الهدى والبيان في أسماء القرآن)) فلو كانا اسمين للقرآن؛ لما سمَّى كتابه بهما، لكنهما من الأوصاف لا من الأسماء.

ولا يؤثِّر على الجواز: أن أول من تكلَّم بالقدر في البصرة: بيان بن سمعان، فكم في الرواة من اسمه:((بيان)) ولم نسمع في التحاشي منه بخبر، وانظر:((التقريب)) للحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى- ففيه من اسمه بيان. والله أعلم.

ص: 607