الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث
في بيانِ طريقٍ ميسَّرٍ لختمِ
القرآن العظيم: حفظًا وتلاوةً
قال الله تعالى: [فَاطِر: 29-30]{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ *لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ *} ، وقال عز وجل:[العَنكبوت: 49]{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَاّ الظَّالِمُونَ *} وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» (40) .
هذه الأدلة الشرعية الكريمة دلَّتْ وأمثالُها بوضوح على أن تعلّم القرآن وتعليمه يصدُق بهما كلٌّ من تلاوته وحفظه، ولا يخفى ما في تلاوته وحفظه من التأسِّي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومن إسقاط الإثم عن عموم الأمة، عند من قال بأن تعلُّمَه وحفظَه واجب على الكفاية على الأمة (41) . لذلك، فقد اهتمت الأمة بتلقي القرآن تلاوة وحفظاً، وأقبلوا على تلاوته وحفظه آناء الليل وأطراف النهار، وكانت حلقات تعلمه وتعليمه
(40) تقدم تخريجه بالهامش ذي الرقم (5) .
(41)
من القائلين بذلك الإمام الزركشي، والجُرْجاني، وغيرهما. انظر:«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (1/456) .
أَوْلى المجالس بالاهتمام، وأكثرها إقبالاً بحمد الله.
وإني أحب - في هذا المقام - إرشاد كل طالب لتعلم القرآن، إلى كيفية مقترحة لتعاهد القرآن الكريم، ليكون لنا - إن شاء الله -[أوثق شافع وأغنى غَنَاءٍ، وخير جليس لا يُمَلّ حديثه، ولنلقاه - إن شاء الله نوراً في ظلمات القبر، مُبالِغاً في طلب إرضاء من تمسك به، وطمعاً في إلباس والدينا تيجاناً ضوؤها أحسن من الشمس، ولننضم - إن شاء الله - إلى قافلة أهل الله وخاصته، وأشراف أُمَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم](42) .
*
…
أما تعاهد القرآن الكريم تلاوة، فيمكن للمسلم أن يكون ممن [يقوم بالقرآن آناء الليل وآناء النهار](43) . فيختم القرآن تلاوة في شهر واحد، بيسر، دون أن يشق عليه ذلك: وطريق ذلك: أن يتلو حِزْباً بالليل، وحزباً بالنهار.
أما حزبه من الليل (وهو عشر صفحات بالتقريب) ، فيقسمه اثنين، الأول قبيل وبعيد صلاة المغرب،
(42) استفدت جميع هذه الفضائل للقرآن وأهله من مطلع قصيدة «حرز الأماني ووجه التهاني» للإمام الشاطبي رحمه الله. وأدلة ذلك واردة في السنة، وقد سبقت الإشارة إليها في الباب الأول.
(43)
جزء من حديث في الصحيحين: أخرجه البخاري؛ في كتاب فضائل القرآن، باب: اغتباط صاحب القرآن، برقم (5025) ، عن ابن عمر رضي الله عنهما. ومسلم؛ في كتاب صلاة المسافرين وقَصْرِها؛ باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، برقم (815) ، عنه أيضاً.
والثاني قبيل وبعيد صلاة العشاء.
وذلك تفصيلاً كما يلي:
يتلو صفحة واحدة:
-
…
بعد ركعتي الوضوء لصلاة المغرب.
-
…
وبعد أداء ركعتي تحية المسجد.
-
…
وبعد أداء فريضة المغرب.
-
…
وبعد أداء سنة المغرب (البعدية) .
ويتلو صفحة واحدة أيضاً:
-
…
بعد ركعتي الوضوء لصلاة العشاء.
-
…
وبعد أداء ركعتي تحية المسجد.
-
…
وبعد أداء سنة العشاء (القبلية) .
-
…
وبعد أداء فريضة العشاء.
-
…
وبعد أداء سنة العشاء (البعدية) .
-
…
وبعد أداء صلاة الوتر من ليلته، سواء قدَّمها أول الليل أو أخَّرها.
وبذا، يتم له حزب وهو نصف جزء.
أما في نهاره فتفصيله مشابه، وهو كما يأتي:
يتلو صفحة واحدة بعد كلٍ من:
-
…
أداء ركعتي سُنَّة الفجر.
-
…
وأداء ركعتي تحية المسجد.
- يتلو صفحتين بعد أداء فرض الفجر.
لعموم قوله تعالى: [الإسرَاء: 78]{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} .
…
ثم صفحة واحدة بعد:
-
…
أداء سنة الضحى.
-
…
أداء سنة الظهر (القبلية) .
-
…
أداء فرض الظهر.
-
…
أداء سنة الظهر (البعدية) .
-
…
أداء تحية المسجد للعصر.
-
…
أداء فرض العصر.
وهكذا يتم له تلاوة حزب في نهاره، كما تم له في ليله، ويتحصّل بذلك إتمام ختم تلاوة جزء في اليوم والليلة، ومن ثَمَّ ختم تلاوة القرآن الكريم في مدى شهر بيسر وسهولة، [القَمَر: 17-31-37-40] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *} . قال القرطبي رحمه الله: (أي سهَّلناه للحفظ، وأعنّا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه فيُعان عليه)(44) .
فلو مات العبد من ليل أو نهار، يقال له كما جاء في الحديث:«اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» (45) .
وإذا شئت أخي القارئ أن تختم بأقل من شهر -على ألاّ تختم بأقلَّ من ثلاثة أيام - فإنك تضاعف ما تقرأ فتجعل بدلاً عن الصفحة صفحتين أو أكثر، «فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ» (46) .
(44) انظر: الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي (17/134) .
(45)
تقدم تخريجه بالهامش ذي الرقم (10) .
(46)
جزء من حديث أخرجه البخاري؛ كتاب: الجنائز، باب: موعظة المحدّث عند القبر برقم (1362) ، عن علي رضي الله عنه، ومسلم بنحوه، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي، برقم (2647) ، عنه أيضاً.
*
…
وأما تعاهد القرآن الكريم حفظاً، فمن المعلوم لديك أن عدد الصفحات التي أثبت فيها القرآن ستمائة وأربع صفحات (604) ، وها أنا ذا أقترح عليك طريقة لتكون من الحُفَّاظ المتقنين في حفظهم، وأقسِّم ذلك إلى أمرين:
* عشر نصائح أختصُّ بها أخي حافظ القرآن، وكذلك المريد لحفظه.
* ومن ثَمَّ الطريقة المقترحة للحفظ والمراجعة.
* النصائح العشر:
أولاً:
…
أخلص النية فيما تريد ولا تقصد به توصُّلاً إلى غرض من أغراض الدنيا، فطلب حفظه أعظم من أن يُبتغى به غيرُ وجهِ الله تعالى.
…
قال تعالى: [البَيّنَة: 5]{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ *} .
.. وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَْعْمَالُ بِالنَّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (47) .
ثانياً:
…
تخلَّق بأخلاق القرآن، واعمل بعموم مكارم الأخلاق التي دعا إليها، وبخاصة التواضع وترك العُجْب بالنفس، مع الاتصاف بالوقار من غير تكلُّف.
ثالثاً:
…
تذكّر دائماً فضيلة حافظ القرآن عند الله تعالى وأنه من أهل الله وخاصّته.
رابعاً: لا تُكثر على نفسك من مقدار الحفظ، فإنَّ «خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ» (48) .
خامساً: اشتغل بتعليم القرآن، ولا تَضِنّ بذلك على أحد، ولو غلب على ظنك أن المتعلم ليس أهلاً لذلك، قال تعالى:[آل عِمرَان: 73]{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
سادساً: اجتهد في أن تعمل بما علمت من القرآن، فقد كان ذلك سَمْت السلف الصالح: «كَانُوا
(47) جزء من حديث في الصحيحين، أخرجه البخاري؛ كتاب: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (1) ، عن عمر رضي الله عنه. ومسلم باختلاف، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الأَْعْمَالُ بِالنِّيَّة» ، برقم (1907) ، عنه أيضاًَ.
(48)
جزء من حديث أخرجه أحمد في مسنده (6/244) ، من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، وابن ماجه، كتاب: الزهد، باب: المداومة على العمل، برقم (4240) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
يَتَعَلَّمُونَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلَا يُجَاوِزُوهُنَّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهِنَّ، وَبِذَلِكَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعاً» (49) .
سابعاً: لا تستعجل في قراءة القرآن، ولو صرت حافظاً - إن شاء الله - فقد أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بألا يعجل في ذلك:[القِيَامَة: 16-17]{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ *} .
…
وقال تعالى: [المُزّمل: 4]{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} .
…
وقد كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُفَسَّرَةً حَرْفاً حَرْفاً» (50) .
ثامناً: اجتهد في أن تتدبر ما تقرأ أو تحفظ، فهذا أدعى للخشوع وللحفظ وللأجر، قال تعالى:[محَمَّد: 24]{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا *} وقال تعالى: [ص: 29]{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} .
(49) أخرجه أحمد، في مسنده (5/410) ، من حديث رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(50)
جزء من حديث أخرجه الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، برقم (2923) ، عن أم سلمة رضي الله عنها.
تاسعاً: اجعل طلبك للحفظ بُكْرة من أول النهار، قال صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُِمَّتِي فِي بُكُورِهَا» (51) .
عاشراً: تعاهدِ القرآن، فإنك قد تُنَسَّى حفظك، إن طال العهد بينك وبين مراجعة ما تحفظ، قال صلى الله عليه وسلم:«تَعَاهَدُوا هَذَا اَلْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفلُّتاً مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا» (52) .
* الطريقة المقترحة لإتمام الحفظ والمراجعة:
لقد أرشد كثير من الكُتاب الأفاضل من قبلُ إلى طرق الحفظ ووسائله، جزاهم الله خيراً، إلا أني أحببت أن أدلي دلوي في ذلك، عسى الله تعالى أن ينفع به كثيراً من المسلمين والمسلمات.
والطريقة هي:
أن تحفظ في اليوم الأول نصف صفحة، تراعي في ختمها تمام المعنى ما أمكن ذلك (53) ، ثم تردِّد تلاوتها في الصلوات الخمس المفروضة فتتلو ربع صفحة بعد الفاتحة في كلٍّ من الركعتين الأُوليين.
(51) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر، برقم (2606) ، عن صخر الغامدي رضي الله عنه.
(52)
أخرجه البخاري في كتاب: فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، برقم (5033) ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ومسلم في صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب الأمر بتعهد القرآن، برقم (791) ، عنه أيضاً.
(53)
قد يعسر على بعض طلبة الحفظ مراعاة تمام المعنى بدقة، فليُستأنَس - عندها - بتقسيم بعض أئمة أهل التفسير، للمقاطع المراد تفسيرها، كتفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير رحمه الله أو غيره.
في اليوم الثاني: تحفظ النصف الثاني من الصفحة، وتكرره منصِّفاً إياه في الركعتين الأُوليين من الصلوات المفروضة.
في اليوم الثالث: تراجع حفظك للصفحة بتمامها، وتنصِّف تلاوتها في الصلوات المفروضة.
ثم تفعل الشيء عينه، في الأيام الثلاثة التالية من الأسبوع.
وفي اليوم السابع وهو نهار الجمعة، تراجع حفظ الصفحتين، وتقرأ كل صفحة منهما بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلوات.
وبذلك يتم لك حفظ صفحتين أسبوعياً، فإذا أتممت حزباً، وذلك في خمسة أسابيع، اجعل عشرة أيام لمراجعته، في كل يوم صفحة في الصلوات، وغيرها.
فإذا تمكنت من الحزب، فاشرع في حزب آخر، وبالطريقة نفسها، حتى إذا أتممت حزباً آخر، فراجعه
أيضاً في عشرة أيام، فإذا أتممت حفظ جزء فاجعل شهراً كاملاً لمراجعته.
وهكذا يتم لك حفظ جزء، حال كونك مُتمكِّناً في حفظه، عاملاً به، في مدى: ثلاثة أشهر، ثم مراجعته في شهر.
ففي كل سنة ستكون حافظاً - إن شاء الله - لثلاثة أجزاء من القرآن الكريم.
وسيتم حفظك للقرآن كاملاً ومراجعته دوماً في مائة وعشرين شهراً، أي في مدى عشر سنوات.
واذكر في ذلك أن رسول الله موسى عليه السلام، قد استأجره صاحب مدين (54) ثماني حجج فأتمها عشراً، مهراً لإحدى ابنتيه، قال تعالى:[القَصَص: 27]{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدَكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ *} .
(54) اشتهر عند الناس أنه شعيبٌ نبيُّ الله عليه السلام، والظاهر أنه غيره كما رجّح ذلك ابن كثير رحمه الله. وقال ابن جرير رحمه الله: الصواب أن هذا لا يُدرك إلا بخبرٍ، ولا خبرَ تجب به الحُجّة بذلك. اهـ. انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ص (1290)، ط - بيت الأفكار. وجامع البيان في تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) :(20/62) . وقد أفدت جميع ما سبق من ملحوظة للعلاّمة، ابن جبرين - بخطّ يده - حفظه الله، عند تكرُّمه بمراجعة الكتاب.
فإن كان مهر المرأة الصالحة قد استأهل عملَ عشر سنين، فحفظ القرآن الكريم أولى، وهو كسب عظيم في هذه السنوات العشر، وأنت تعلم أنه لا مُسوِّغ للمقارنة هنا، إلا أني جعلت ذلك مَثَلاً، بقصد شحذ الهمة وترك الكلل.
وقد تقول: إن هذا أمد طويل، فإن بعضهم يحفظ بأقل من تلك المدة بكثير. نعم، قد يكون ذلك حقاً إلا أن ما أقترحه: لا يشقُّ عليك، وهو يوصلك بالقرآن لمدة أطول، كما أنه يُعوِّدك ارتياد المساجد، والمحافظة على السنن، وهذا جميعه محبوب عند الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«عَلَيْكَمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لَا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وقالت عائشة رضي الله عنها: (وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَادَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ)(55) .
ثم إن في كثرة انشغال الناس في عصرنا هذا بأمور المعاش ومكابدة مشاق الحياة، لعذرًا لهم في أن يوغلوا بأمر حفظ القرآن برفق، وهذا أرجى لهم في
(55) متفق عليه؛ من حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري؛ كتاب: الإيمان، باب: أحب الدِّين إلى الله أدومه برقم (43) . ومسلمٌ؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: أمر من نَعِس في صلاته، برقم (785) .
تحقيق ذلك.
أخي القارئ، إذا ما أتممت حفظك لكتاب الله تعالى، فاجعل السنة كلها للمراجعة بطريقة الحفظ نفسها، ثم اجعل شهر رمضان - شهر القرآن - فرصة لك لا تُعوَّض في مراجعة حفظك، للمرة الثانية في السنة. وفقني الله وإياك للعمل بذلك، آمين.