الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس
في نبذةٍ يسيرةٍ من
علم القِراءات
اعلم - رحمني الله وإياك - أن هذا العلم هو من أشرف العلوم الشرعية، وقد ساد جهلٌ به حتى بين بعض طلبة العلم، حيث اعتبره بعضهم من متفرعات العلم لا من أصوله، أما عامة المسلمين، فإنهم يعتبرونه من مهام المتخصصين في العلم الشرعي، ولا شأن لهم به، بل ليس لدى كثير منهم أدنى فكرة عنه، لذا، فقد أحببت إيراد نبذة مُيسَّرة عن هذ العلم لتكون - إن شاء الله - قاسماً مشتركاً بين المسلمين بنية التعريف به، وتنبيه الناس على أهميته، وإطلاعهم على أهم أسسه، ولو من باب العلم بالشيء، حيث لا يجمل بالمسلم جهله التام بهذا العلم، وقد قسمت هذا الباب إلى مباحث عدة وهي:
-
…
التعريف بالأحرف السبعة، وبالقراءات السبعة، وبيان العلاقة بينهما.
-
…
التعريف بالقرّاء السبعة، والرواة عنهم.
-
…
التعريف بمعنى الأصول والفَرْش من القراءات السبعة.
-
…
التعريف بمرجعَيْ هذا العلم من المصنفات.
-
…
التعريف بطريق تعلم هذا العلم.
الأحرف السبعة:
لقد روي حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، عن جمع كبير من الصحابة رضي الله عنهم، قاربوا واحداً وعشرين صحابياً منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين.
فمن ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» (84) .
وهذا الحديث مرويٌّ في الصحيحين، إلا أن مسلماً زاد:«قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلف في حلال ولا حرام» . اهـ.
(84) أخرجه البخاري؛ كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة صلوات الله عليهم، برقم (3219)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. ومسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب (بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه) ، برقم (819) ، عنه أيضاً. واللفظ لمسلم.
ولدينا حديث في مسلم فيه قول جبريل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا» (85) .
وقد ثبت أيضاً إقرار النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصحابة منهم: عمر ابن الخطاب، وهشام بن حكيم، وأبيّ بن كعب، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم أجمعين، أقرَّهم عليه الصلاة والسلام كلٌّ كما قرأ.
ويمكن لك - أخي القارئ - أن تستدلَّ من مجموع هذه النصوص على ما يأتي:
1-
…
إثبات نزول القرآن على سبعة أحرف، وهي الاختلاف في الألفاظ وأدائها، من حيث الأوجه التي قد يقع فيها التغاير والاختلاف.
2-
…
أن الحكمة في إنزاله كذلك هي التيسير على الأمّة.
3-
…
أن المراد بالسبعة، حقيقة العدد المعروف. [وذلك
(85) أخرجه مسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب (بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه) ، برقم (821) ، عن أبيِّ ابن كعبٍ رضي الله عنه.
من أحاديث ثبتت في مراجعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بعدما أقرأه على حرف ثم على حرفين، وهكذا] .
4-
…
أن من قرأ بأيٍّ منها فقد أصاب.
5-
…
أنه ليس المراد بالأحرف السبعة أن كل كلمة في القرآن تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد كون القرآن قد أنزل موسَّعاً فيه على القارئ، فمنه ما يقرأ على وجوه عدة، لا تخرج جميعها عن كونها سبعة. والله أعلم (86) .
إذاً، ما هو المذهب المختار في معنى الأحرف السبعة، بعدما تبيَّن لك علمُ ما ذُكِر آنفًا؟
المذهب المختار (87) ، والله أعلم، هو أن الأوجه التي قد يقع بها التغاير والاختلاف في الكلام، لا تخرج عن سبعة أوجهٍ، هي:
1-
…
اختلاف الأسماء [في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث] .
(86) انظر في هذا المبحث: الكلامَ النفيس للشيخ محمد الزرقاني، في كتابه «مناهل العرفان في علوم القرآن» (1/130) وما بعدها.
(87)
انظر مقدمة كتاب: الوافي في شرح الشاطبية، للشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله.
2-
…
اختلاف الأفعال [من ماضٍ ومضارع وأمر] .
3-
…
اختلاف وجوه الإعراب بين جزم، ورفع، ونصب، وجر.
4-
…
اختلاف بالنقص والزيادة.
5-
…
اختلاف بالتقديم والتأخير.
6-
…
اختلاف بالإبدال، أي جعل حرف مكان آخر.
7-
…
اختلاف باللهجات، كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل والتحقيق، والتفخيم والترقيق
…
إلخ.
وإن المتأمل لجميع القراءات السبع وغيرها، يجدها لا تخرج عن هذه الاختلافات.
لذلك، فإن الصواب - والله أعلم - أن جميع القراءات السبع بل العشر، هي متضمَّنة في الأحرف السبعة التي نزل القرآن الكريم عليها، تيسيراً للأمة. وهذه القراءات جميعها موافقة للعَرْضة الأخيرة، وموافقة
لخطِّ مصحفٍ من مصاحف عثمانَ رضي الله عنه التي بعث بها إلى الأمصار؛ وذلك بعد أن أجمع الصحابة عليها، واطَّرحوا كلَّ ما خالَفَها.
أما القراءات السبع:
فهي ما نقله لنا أئمة القراءات من اختلاف في أداء ألفاظ القرآن الكريم، كما تلقَّوْها بالسند الموصول إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد وصلت إلينا عن طريق الرواة عنهم تلقياً.
وهذه القراءات هي:
- قراءة الإمام عاصم الكوفي، وعنه: حفص وشعبة.
- قراءة الإمام نافع المدني، وعنه: قالون وورش.
- قراءة الإمام عبد الله بن كثير المكي، وعنه: البَزِّي وقُنْبُل.
- قراءة الإمام أبي عمرو البصري، وعنه: الدُّوري
والسُّوسي، الآخذان عن يحيى اليزيدي، عن الإمام أبي عمرو، رحم الله الجميع.
- قراءة الإمام عبد الله بن عامر الشامي، وعنه هشام وابن ذَكْوان.
- قراءة الإمام حمزة بن حبيب الزيَّات، وعنه خَلَف وخلاّد.
- قراءة الإمام علي الكِسائي، وعنه: الليث والدُّوري، وهو الدُّوري نفسه الذي روى عن الإمام أبي عمرو البصري - كما تقدم.
…
ولكل قارئ منهم أصول وفَرْش يتميز بها عن غيره من القراء السبعة.
…
وإذا شئت معرفة معنى الأصل والفَرْش.
فالأصل: هو قاعدة القراءة العامة التي تلقاها القارئ ويُقرئ بها، وهي أحكام كلية مطَّردة، مُتحقَّقة في جميع أفرادها.
ومثالها:
من أصول جميع القراء السبعة مثلاً: إدغام
التنوين والنون الساكنة المتطرفة في اللام والراء بلا غنة، نحو:{هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ} {ثَمَرَةٍ رِزْقًا} {وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} {مِنْ رَبِّهِمْ} .
ومن أصول القارئَيْن:
الكسائي وعاصم، مثلاً، القراءةُ بإثبات البسملة بين كل سورتين، بينما من أصول القارئ حمزة، مثلاً، الوصلُ بين السورتين، بغير بسملة بينهما
…
، وهكذا.
أما الفَرْش: وهو المسمّى بفرش الحروف، وتكون كلماته متفرقه في السور، منثورة كاللآلىء فيها، وهي كلمات قرآنية بعينها، مختلف في أدائها بين القراء، لا على أنها داخلة في قاعدة كلية مطَّردة.
ومثال على الفَرْش:
قراءة ابن عامر الشامي، وعاصم وحمزة والكسائي، كلمة «يَخْدَعون» من قوله تعالى:[البَقَرَة: 9]{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} . قرؤوها بفتح الياء والدال، بينما قرأ
غيرهم وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو «وما يُخَادِعون» ، على المفاعلة: بالألف وبضم الياء وفتح الخاء، مع كسر الدال.
وهكذا، أرجو أن تكون أخي القارئ قد نلت حظاً من هذا العلم، فإن أردت المزيد فعليك بأشهر مصادر هذا العلم:
(1)
…
قصيدة «حِرْز الأماني ووجه التهاني» ، والمشتهرة بالمنظومة الشاطبية نسبة لناظمها: الإمام أبي القاسم بن فِيرُّهْ بن خلف بن أحمد الشاطبي الأندلسي رحمه الله، المولود في آخر سنة 538هـ بشاطبةَ من بلاد الأندلس، والمتوفَّى سنة 590 من الهجرة، في القاهرة.
(2)
…
«الدرة المضيّة في القراءات الثلاث المتممة للعشر» - أي الصغرى - للإمام الحافظ أبي الخير محمد بن الجزري المولود بدمشق الشام سنة 751 من الهجرة، والمتوفى سنة 833 هـ في شيراز، رحمه الله.
(3)
…
«طيبة النشر في القراءات العشر» - أي الكبرى - المشتهرة بالطيبة، وهي للإمام ابن الجزري، أيضًا.
وقد استقرّ التلقي عند أهل الأداء، من هذه المصادر المباركة.
وفقني الله وإياك لسلوك سبيل التلقي، وحُسن الأداء، وتوقير أهل القرآن، واللحاق بهم، آمين.
***