الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
خَاتِمَةٌ: لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِالرَّضَاعِ وَمَاتَ قَبْلَ تَفْصِيلِ شَهَادَتِهِ تَوَقَّفَ الْقَاضِي وُجُوبًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُتَّجَهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَالْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ مِنْ الْفَقِيهِ الْمَوْثُوقِ بِمَعْرِفَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ بِالرَّضَاعِ اُسْتُحِبَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيُكْرَهُ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْضِعَةَ شَيْئًا عِنْدَ الْفِصَالِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ أَوَانِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً اُسْتُحِبَّ لِلرَّضِيعِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنْ يُعْتِقَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمًّا لَهُ، وَلَنْ يُجْزِئَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ.
[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]
1
كِتَابُ النَّفَقَاتِ
ــ
[مغني المحتاج]
كِتَابُ النَّفَقَاتِ جَمْعُ نَفَقَةٍ، مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْخَيْرِ، وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَاتِ دُونَ الْغَرَامَاتِ، وَجَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا؛ وَهِيَ قِسْمَانِ: نَفَقَةٌ تَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى نَفَقَةِ غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَنَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ. قَالَا: وَأَسْبَابُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ: النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ، وَالْمِلْكُ، فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يُوجِبَانِهَا لِلزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَلَا عَكْسَ، وَالثَّانِي: يُوجِبُهَا لِكُلٍّ مِنْ الْقَرِيبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِشَمُولِ الْبَعْضِيَّةِ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ الْمَنْذُورَيْنِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمَا عَلَى النَّاذِرِ وَالْمُهْدِي مَعَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ صَاحِبُ حَقٍّ جَمَاعَةً عَلَى قَاضٍ بِشَيْءٍ وَخَرَجَ بِهِمْ لِلْبَادِيَةِ لِيُؤَدِّيَهَا عِنْدَ قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ فَامْتَنَعُوا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ حَيْثُ لَا شُهُودَ وَلَا قَاضٍ هُنَاكَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَّطُوهُ لَكِنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَكِرَاءُ دَوَابِّهِمْ كَمَا هِيَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَنَصِيبُ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَأَمَّا خَادِمُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَرِدُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ عُلَقِ النِّكَاحِ. .
وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَهِيَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَخَبَرُ:«اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَخَبَرُ: «مَا حَقُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: تُطْعِمُهَا إذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى:{فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] وَلَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَانِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آدَمَ صلى الله عليه وسلم يَتْعَبُ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَتِهَا، وَبَنُوهُمَا عَلَى سُنَّتِهِمَا، وَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ أَنْ يَضُرَّ الْمَرْأَةَ بِثَلَاثِ ضَرَائِرَ وَيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا جَعَلَ لَهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ مُؤَكَّدَاتٍ: النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِسْكَانَ وَهُوَ يَتَكَلَّفُهَا غَالِبًا، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا ضِعْفُ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ لِضَعْفِ عَقْلِهَا، وَالْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ سَبْعَةٌ: الطَّعَامُ، وَالْإِدَامُ، وَالْكِسْوَةُ، وَآلَةُ التَّنْظِيفِ، وَمَتَاعُ الْبَيْتِ، وَالسُّكْنَى، وَخَادِمٌ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ، وَرَتَّبَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ:
الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ الطَّعَامُ، وَلَمَّا كَانَ
عَلَى مُوسِرٍ لِزَوْجَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّا طَعَامٍ، وَمُعْسِرٍ مُدٌّ، وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَالْمُدُّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. قُلْت: الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلَّا فَمُوسِرٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الزَّوْجِ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: يَجِبُ (عَلَى مُوسِرٍ) حُرٍّ (لِزَوْجَتِهِ) وَلَوْ أَمَةً وَكِتَابِيَّةً (كُلَّ يَوْمٍ) بِلَيْلَتِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ (مُدَّا طَعَامٍ، وَ) عَلَى (مُعْسِرٍ مُدٌّ، وَ) عَلَى (مُتَوَسِّطٍ) حُرٍّ (مُدٌّ وَنِصْفٌ) وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] ، وَاعْتَبَرَ الْأَصْحَابُ النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ، وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى فِي الْحَجِّ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ لَهُ مُدٌّ فِي نَحْوِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَهُوَ مُدَّانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ الْمُوسِعِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلُّ، وَهُوَ قَوْلَانِ الْمُدُّ الْوَاحِدُ يَكْتَفِي بِهِ الزَّهِيدُ وَيَتَقَنَّعُ بِهِ الرَّغِيبُ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُلْزِمَ الْمُدَّيْنِ لَضَرَّهُ، وَلَوْ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِمُدٍّ لَضَرَّهَا فَلَزِمَهُ مَدٌّ وَنِصْفٌ، وَقِيلَ، وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ: أَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِظَاهِرِ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي وَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِنَا تَقْدِيرَهُمْ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ بِالْأَمْدَادِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَلَفًا فِي التَّقْدِيرِ بِالْأَمْدَادِ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهَا بِالْمَعْرُوفِ تَأَسِّيًا وَاتِّبَاعًا.
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ وَمَنْ هِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِالشِّبَعِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْكِفَايَةُ حَسُنَ تَقْرِيبُهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ (وَالْمُدُّ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ (مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ) بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ (قُلْت: الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ) دِرْهَمًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي زَكَاةِ الْبَنَاتِ مِنْ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ) وَقَدْ مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ وَكَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ (مُعْسِرٌ) لَكِنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ عَنْ النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِ بِالْكَسْبِ لَا يَلْزَمُهُ كَسْبُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ فِي كَلَامِهِ قَلْبٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْمُعْسِرُ هُنَا مِسْكِينُ الزَّكَاةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَقِيرَهَا كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَمَنْ فَوْقَهُ) أَيْ الْمِسْكِينِ (إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ) إنْفَاقَ (مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ مِسْكِينًا (فَمُوسِرٌ) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالرَّخَاءِ وَقِلَّةِ الْعِيَالِ وَكَثْرَتِهِمْ،.
وَلَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ يَسَارَ الزَّوْجِ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إذَا لَمْ
وَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ قُلْت: فَإِنْ اخْتَلَفَ وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا حَبًّا، وَكَذَا طَحْنُهُ وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
يُعْهَدْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ، فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَدِيعَةِ، أَمَّا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ فَمُعْسِرٌ لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَنَقْصِ حَالِ الْمُبَعَّضِ وَعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ قِيلَ إلْحَاقُ الْمُبَعَّضِ بِالْمُعْسِرِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ أَنَّهُ يُكَلَّفُ كَفَّارَةَ الْمُوسِرِ، وَذَكَرُوا فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ نَحْوَهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَوْ أَلْحَقُوهُ ثَمَّ بِالْمُعْسِرِ لَمَا صَرَفَ شَيْئًا لِلْمَسَاكِينِ وَلَا أَنْفَقَ شَيْئًا لِلْأَقَارِبِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ.
(وَالْوَاجِبُ) فِي جِنْسِ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ (غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِهِمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ الْأَقِطُ وَاللَّحْمُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَعْتَادُونَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالْبَلَدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ قُوتُ بَلَدِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ اُعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ، وَإِنْ نَزَلَ عَلَيْهَا فِي بَلَدِهَا اُعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهَا، وَإِنْ نَزَلَ بِبَلْدَةٍ وَلَمْ تَأْلَفَ خِلَافَ قُوتِ بَلَدِهَا قِيلَ لَهَا: هَذَا حَقُّكِ فَأَبْدِلِيهِ قُوتَ بَلَدِكِ إنْ شِئْتِ، وَلَوْ انْتَقَلَا عَنْ بَلَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَا انْتَقَلَا إلَيْهِ دُونَ مَا انْتَقَلَا عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَمْ أَدْنَى، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بِبَلَدٍ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ مَحَلُّهَا كَمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ) قُوتُ الْبَلَدِ وَلَا غَالِبَ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَ الْغَالِبُ (وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ) أَيْ الزَّوْجِ لَا بِهَا، فَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ فَوْقَ اللَّائِقِ تَكَلُّفًا لَمْ نُكَلِّفْهُ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ، بُخْلًا أَوْ زُهْدًا وَجَبَ اللَّائِقُ بِهِ (وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ) مِنْ تَوَسُّطٍ وَإِعْسَارٍ (طُلُوعَ الْفَجْرِ) فِي كُلِّ يَوْمٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهَا ذَلِكَ بِفَجْرِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ.
تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَتْ تُمَكِّنُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ، أَمَّا الْمُمَكِّنَةُ بَعْدَهُ فَيُعْتَبَرُ الْحَالُ عَقِبَ تَمْكِينِهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (تَمْلِيكُهَا) الطَّعَامَ (حَبًّا) سَلِيمًا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي النَّفْعِ مِنْ الْخُبْزِ وَالدَّقِيقِ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالتَّمْلِيكِ اعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُسَلِّمَهُ بِقَصْدِ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى لَفْظٍ، وَيَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهَا، هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً. أَمَّا الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ فَالدَّافِعُ لِمَالِكِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً، وَلَوْ قَالَ: وَعَلَيْهِ دَفْعُ الْحَبِّ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ (وَكَذَا) عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا (طَحْنُهُ) وَعَجْنُهُ (وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ ذَلِكَ بِبَدَلِ مَالٍ أَوْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ بَاعَتْهُ أَوْ أَكَلَتْهُ حَبًّا كَمَا فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ لَا يَتَنَاوَلُ فِي الْعَادَةِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ، وَتَكْلِيفُهَا لَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ.
تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَ الْحَبُّ غَالِبَ قُوتِهِمْ، فَإِنْ غَلَبَ غَيْرُ الْحَبِّ كَتَمْرٍ وَلَحْمٍ وَأَقِطٍ فَهُوَ
وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الْحَبِّ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ، فَإِنْ اعْتَاضَتْ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا عَلَى الْمَذْهَبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْوَاجِبُ لَيْسَ غَيْرُ، لَكِنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ اللَّحْمِ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَالْكَفَّارَاتِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا فِي حَبْسِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْفِيَهَا مُؤْنَةَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَقَالَتْ: قَصَدْتَ التَّبَرُّعَ، وَقَالَ: بَلْ قَصَدْتُ أَنْ يَكُونَ عَنْ النَّفَقَةِ، قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْهَدِيَّةَ، وَقَالَ: بَلْ قَصَدْتُ الْمَهْرَ.
(وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ (بَدَلَ الْحَبِّ) خُبْزًا أَوْ قِيمَةً وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ إعْطَاءَ ذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ (لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ) مِنْهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ، وَالِاعْتِيَاضُ شَرْطُهُ التَّرَاضِي (فَإِنْ اعْتَاضَتْ) عَمَّا وَجَبَ لَهَا نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُرُوضِ (جَازَ) اعْتِيَاضُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ لِمُعَيَّنٍ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالتَّرَاضِي كَالْقَرْضِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَطَعَامُ الْكَفَّارَةِ لَا يَسْتَقِرُّ لِمُعَيَّنٍ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ النَّفَقَةِ؛ وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَقْبَلَةً، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مَنْعُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ بِالنُّشُوزِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَالِيَةِ وَالْمَاضِيَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الِاعْتِيَاضِ مِنْ الزَّوْجِ. أَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، أَيْ: فِي النَّفَقَةِ الْحَالِيَةِ فَإِنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ بِنَحْوِ نُشُوزٍ، أَمَّا الْمَاضِيَةُ فَيَصِحُّ فِيهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْكِسْوَةِ إنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الصَّدَاقِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي بَابِ الصَّدَاقِ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الِاعْتِيَاضَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَا إلَّا عَنْ قَبْضٍ لِئَلَّا يَصِيرَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ رِبًا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا) وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْحَبَّ وَالْإِصْلَاحَ، فَإِذَا أَخَذَتْ مَا ذُكِرَ فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا لَا عِوَضَهُ، وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ وَفْقًا وَمُسَامَحَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَاهُ اعْتِيَاضًا فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ، وَالْمُخْتَارُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. أَمَّا لَوْ أَخَذَتْ غَيْرَ الْجِنْسِ كَخُبْزِ الشَّعِيرِ عَنْ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَتْ النَّقْدَ.
تَنْبِيهٌ يَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ مَاءُ الشَّرَابِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] فَيَجِبُ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَيَجِبُ لَهَا آلَةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَإِذَا وَجَبَ الظَّرْفُ وَجَبَ الْمَظْرُوفُ. وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَيَكُونُ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ سَقَطَ اهـ.
وَفِي
وَلَوْ أَكَلْت مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجِبُ
ــ
[مغني المحتاج]
قَوْلِهِ: إمْتَاعًا نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: كُلُّ مَا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ تَمْلِيكٌ إلَّا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ.
(وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَى الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا اعْتِيَاضٍ (سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَلَا إنْكَارٍ وَلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً طَالَبَتْ بِنَفَقَةٍ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يَسْقُطُ مَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِطْبَاقِهِمْ عَلَيْهِ لِأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَقَضَاهُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهِ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ التَّصْوِيرُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُشْعِرُ بِأَنَّهَا إذَا أَتْلَفَهُ أَوْ أَعْطَتْهُ غَيْرَهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَبِأَنَّهَا إذَا أَكَلَتْ مَعَهُ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ تَسْقُطْ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْكُلِّ أَوْ بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادُ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكَلَتْهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ صُدِّقَتْ فِيهِ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضِهَا الزَّائِدَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا الطَّعَامَ أَوْ أَحْضَرَهُ وَأَكَلَتْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَضَافَهَا رَجُلٌ فَأَكَلَتْ عِنْدَهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ إكْرَامَ الزَّوْجِ فَتَسْقُطَ (قُلْت: إلَّا أَنْ تَكُونَ) الزَّوْجَةُ (غَيْرَ رَشِيدَةٍ) كَصَغِيرَةٍ أَوْ سَفِيهَةٍ بَالِغَةٍ (وَلَمْ يَأْذَنْ) فِي أَكْلِهَا مَعَهُ (وَلِيُّهَا) فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا جَزْمًا بِأَكْلِهَا مَعَهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُتَطَوِّعًا، وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِسُقُوطِهَا بِذَلِكَ. قَالَ: وَمَا قَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ فِي الْأَمَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ إذَا أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رِضَا السَّيِّدِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِذَلِكَ دُونَ رِضَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمَحْجُورَةِ.
تَنْبِيهٌ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا طَرَأَ سَفَهُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ رُشْدِهَا وَلَمْ يَعُدْ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ السُّقُوطُ بِالْأَكْلِ مَعَ الزَّوْجِ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا حَجْرُ الْحَاكِمِ، فَإِنْ قِيلَ: أَكْلُ الصَّغِيرِ قَبْضٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ كَالْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا وَعَلَى طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهَا وَأَذِنَ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ عَلَى الْمَذْهَبِ، هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ الْحَظُّ لِلْغَيْرِ فِيهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَظُّ فِي أَخَذِ الْمُقَدَّرِ فَلَا، وَيَكُونُ وُجُودُ إذْنِهِ كَعَدَمِهِ لِبَخْسِ حَقِّهَا إلَّا إنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَجُوزُ، فَقَدْ تُؤَدِّي الْمُضَايَقَةُ إلَى الْمُفَارَقَةِ.
، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأُدْمُ، فَقَالَ (وَيَجِبُ) لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْأُدْمُ،
أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ، وَيَخْتَلِفُ بِالْفُضُولِ، وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَجِنْسُهُ (أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ) وَشَيْرَجٍ (وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ) وَخَلٍّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ عَلَى الْخُبْزِ وَحْدَهُ، إذْ الطَّعَامُ غَالِبًا لَا يُسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ (وَيَخْتَلِفُ) قَدْرُ الْأُدْمِ (بِالْفُصُولِ) الْأَرْبَعَةِ فَيَجِبُ لَهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُدْمِ، قَالَا: وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَتَجِبُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَجِبُ الرَّطْبُ فِي وَقْتِهِ وَالْيَابِسُ فِي وَقْتِهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَخْتَلِفَ الْأُدْمُ بِاخْتِلَافِ الْقُوتِ الْوَاجِبِ، فَمَنْ قُوتُهَا التَّمْرُ لَا يُفْرَضُ لَهَا التَّمْرُ أُدْمًا، وَلَا مَا لَا يُؤْكَلُ مَعَ التَّمْرِ عَادَةً كَالْخَلِّ وَمَنْ قُوتُهَا الْأَقِطُ لَا يُفْرَضُ لَهَا الْجُبْنُ وَلَا اللَّبَنُ أُدْمًا، وَقِسْ عَلَى هَذَا، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا يَتَّضِحُ وُجُوبُ الْأُدْمِ حَيْثُ يَكُونُ الْقُوتُ الْوَاجِبُ مَا لَا يَنْسَاغُ عَادَةً إلَّا بِالْأُدْمِ كَالْخُبْزِ بِأَنْوَاعِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا أَوْ أَقِطًا فَيُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إذَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالِاقْتِيَاتِ بِهِ وَحْدَهُ اهـ.
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَنْ قُوتُهَا التَّمْرُ، إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ وَحْدَهُ (وَيُقَدِّرُهُ) عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ (قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ) إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ (وَيُفَاوِتُ) فِي قَدْرِهِ (بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ) فَيَنْظُرُ فِي جِنْسِ الْأُدْمِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُدُّ فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَيُضَاعِفُهُ لِلْمُوسِرِ وَيُوَسِّطُهُ بَيْنَهُمَا لِلْمُتَوَسِّطِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ مَكِيلَةِ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ، أَيْ: أُوقِيَّةٍ فَتَقْرِيبٌ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ سَئِمَتْ مِنْ أُدْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إبْدَالُهُ، وَتُبْدِلُهُ هِيَ إنْ شَاءَتْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ مُمَيِّزَةً وَلَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَاللَّائِقُ بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَلْزَمَ الزَّوْجَ إبْدَالُهُ عِنْدَ إمْكَانِهِ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (لَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ) وَتَوَسُّطِهِ (وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ) فَإِنْ أَكَلُوا اللَّحْمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَلَهَا كَذَلِكَ، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِوَزْنٍ كَرِطْلٍ، بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَّرَ عَنْ الْأُدْمِ وَاللَّحْمِ قَوْلَهُ: وَيُقَدِّرُهُ. . إلَخْ، لَرَجَعَ التَّقْدِيرُ إلَيْهِمَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ رِطْلِ لَحْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَجَعَلَ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى الْمُوسِرِ رِطْلَانِ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رِطْلٌ وَنِصْفٌ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّوْسِيعِ فِيهِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ بِمِصْرَ مِنْ قِلَّةِ اللَّحْمِ فِيهَا، وَيُزَادُ بَعْدَهَا بِحَسَبِ عَادَةِ الْبَلَدِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ: الْأُدْمُ فِي اللَّحْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيُحْتَمَلُ، أَيْ: وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُوسِرِ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْأُدْمُ أَيْضًا لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا غَدَاءً وَالْآخَرُ عَشَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْأُدْمُ يَوْمَ إعْطَاءِ اللَّحْمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَادَتِهِ، وَتَجِبُ مُؤْنَةُ اللَّحْمِ
وَلَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ الْأُدْمُ.
وَكِسْوَةٌ تَكْفِيهَا، فَيَجِبُ قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وَمِكْعَبٌ، وَيَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَجِنْسُهَا قُطْنٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَمَا يُطْبَخُ بِهِ (وَلَوْ كَانَتْ) عَادَتُهَا (تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ) لَهَا (الْأُدْمُ) وَلَا نَظَرَ لِعَادَتِهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْكِسْوَةُ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا (كِسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ: وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ (تَكْفِيهَا) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَتَخْتَلِفُ كِفَايَتُهَا بِطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا، وَبِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ بِاخْتِلَافِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَلَكِنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدَوِيَّةِ وَالْحَضَرِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي الْحَاوِي: لَوْ نَكَحَ حَضَرِيٌّ بَدَوِيَّةً وَأَقَامَا فِي بَادِيَةٍ. أَوْ حَاضِرَةٍ وَجَبَ عُرْفُهَا، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ عَكْسُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اعْتَبَرْتُمْ الْكِفَايَةَ فِي الْكِسْوَةِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوهَا فِي الطَّعَامِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِفَايَةَ فِي الْكِسْوَةِ مُتَحَقِّقَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَكِفَايَةَ الطَّعَامِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوهَا لِلْجَهْلِ بِهَا (فَيَجِبُ) لَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَمِيصٌ) وَهُوَ ثَوْبٌ مَخِيطٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَفِي ذَلِكَ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ الْخِيَاطَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا (وَسَرَاوِيلُ) وَهُوَ ثَوْبٌ مَخِيطٌ يَسْتُرُ أَسْفَلَ الْبَدَنِ وَيَصُونُ الْعَوْرَةَ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ مُؤَنَّثٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: مُذَكَّرٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِسَرَاوِيلَ إذْ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سِرْوَالَةٍ، وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا اعْتَادَتْ لُبْسَهُ، فَإِنْ اعْتَادَتْ لُبْسَ مِئْزَرٍ أَوْ فُوطَةٍ وَجَبَ، وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ فِي الشِّتَاءِ. أَمَّا فِي الصَّيْفِ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ خِلَافَهُ (وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ (وَمُكْعَبٌ) بِضَمِّ مِيمِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَمِقْوَدٍ، وَهُوَ مَدَاسُ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ نَعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافَ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الْمُكْعَبِ وَالْمَدَاسِ وَالنَّعْلِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَجِبُ لَهَا الْقَبْقَابُ إنْ اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْقُرَى أَنْ لَا يَلْبَسْنَ فِي أَرْجُلِهِنَّ شَيْئًا فِي الْبُيُوتِ لَمْ يَجِبْ لِأَرْجُلِهِنَّ شَيْءٌ (وَيَزِيدُ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى ذَلِكَ (فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً) مَحْشُوَّةً قُطْنًا أَوْ فَرْوَةً بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ فَجُبَّتَانِ، أَوْ فَرْوَتَانِ فَأَكْثَرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالشِّتَاءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَغْنِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ بِالثِّيَابِ عَنْ الْوُقُودِ وَجَبَ لَهَا مِنْ الْحَطْبِ وَالْفَحْمِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَقَرَّاهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمَنَاطُ الْعَادَةَ فَأَكْثَرُ الْبَوَادِي لَا يُوقِدُونَ إلَّا بِالْبَعْرِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَجِبُ لَهَا أَيْضًا تَوَابِعُ ذَلِكَ مِنْ كُوفِيَّةٍ لِلرَّأْسِ، وَتِكَّةٍ لِلِّبَاسِ وَزِرٍّ لِلْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَنَحْوِهَا (وَجِنْسُهَا) أَيْ الْكِسْوَةِ (قُطْنٌ) أَيْ ثَوْبٌ
فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ بِكَتَّانٍ أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ.
وَيَجِبُ مَا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَّةٍ أَوْ لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ، وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ فِي الشِّتَاءِ.
وَآلَةُ تَنْظِيفٍ كَمُشْطٍ، وَدُهْنٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
يُتَّخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لِبَاسُ أَهْلِ الدِّينِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَرَفُّهٌ وَرُعُونَةٌ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَالِ الزَّوْجِ مِنْ يَسَارٍ وَإِعْسَارٍ وَتَوَسُّطٍ فَيَجِبُ لِامْرَأَةِ الْأَوَّلِ مِنْ لَيِّنِهِ، وَالثَّانِي مِنْ غَلِيظِهِ، وَالثَّالِثِ مِمَّا بَيْنَهُمَا، هَذَا إنْ اعْتَدْنَهُ (فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ، وَهَذَا يَقْتَضِي النَّظَرَ إلَى الزَّوْجِ دُونَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ اللُّزُومَ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ الْمُرَادُ لِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ كِسْوَةِ مِثْلِهَا، وَعَلَّقَ الْمُصَنِّفُ بِجَرَتْ قَوْلَهُ (بِكَتَّانٍ) بِفَتْحِ كَافِهِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ) مَعَ وُجُوبِ التَّفَاوُتِ فِي مَرَاتِبِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْقُطْنِ لِمَا مَرَّ، وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ فِي الصَّفَاقَةِ وَنَحْوِهَا. نَعَمْ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِلُبْسِ الثِّيَابِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي لَا تَسْتُرُ وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا مِنْهَا، لَكِنْ مِنْ الصَّفِيقِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْجَوْدَةِ.
(وَيَجِبُ) لَهَا (مَا) أَيْ فِرَاشٌ (تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَةٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْيَاءِ: شَيْءٌ مُضَرَّبٌ صَغِيرٌ، وَقِيلَ: بِسَاطٌ صَغِيرٌ، هَذَا لِزَوْجَةِ الْمُتَوَسِّطِ (أَوْ لِبْدٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الشِّتَاءِ (أَوْ حَصِيرٍ) فِي الصَّيْفِ، وَهَذَا لِزَوْجَةِ الْمُعْسِرِ. أَمَّا زَوْجَةُ الْمُوسِرِ فَيَجِبُ لَهَا نَطْعٌ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الطَّاءِ، وَفَتْحِهَا - فِي الصَّيْفِ، وَطِنْفِسَةٌ وَهِيَ - بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - بِسَاطٌ صَغِيرٌ ثَخِينٌ لَهُ وَبَرَةٌ كَبِيرَةٌ، وَقِيلَ: كِسَاءٌ فِي الشِّتَاءِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَيُشْبِهُ أَنَّهُمَا بَعْدَ بَسْطِ زِلِّيَةٍ أَوْ حَصِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُبْسَطَانِ وَحْدَهُمَا، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ (وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ) غَيْرُ مَا تَفْرِشُهُ نَهَارًا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ بِهِ فَيَجِبُ لَهَا مِضْرَبَةٌ بِقُطْنٍ وَثِيرَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ، أَيْ: لَيِّنَةٌ أَوْ قَطِيفَةٌ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: الْوِسَادَةُ لِلْعُرْفِ (وَلِحَافٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ كِسَاءٌ (فِي الشِّتَاءِ) فِي بَلَدٍ بَارِدٍ، وَيَجِبُ لَهَا مِلْحَفَةٌ بَدَلَ اللِّحَافِ أَوْ الْكِسَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ حَتَّى قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: لَوْ كَانُوا لَا يَعْتَادُونَ فِي الصَّيْفِ لِنَوْمِهِمْ غِطَاءً غَيْرَ لِبَاسِهِمْ لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ.
تَنْبِيهٌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْفِرَاشِ وَمَا بَعْدَهُ لِامْرَأَةِ الْمُوسِرِ مِنْ الْمُرْتَفِعِ وَالْمُعْسِرِ مِنْ النَّازِلِ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا يُجَدَّدُ وَقْتَ تَجْدِيدٍ عَادَةً،.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الرَّابِعِ: وَهُوَ آلَةُ التَّنْظِيفِ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (آلَةُ تَنْظِيفٍ) مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تُؤْذِيهَا، وَذَلِكَ (كَمُشْطٍ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَضَمِّهَا، اسْمٌ لِلْآلَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ (وَدُهْنٍ) يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيلِ شَعَرِهَا وَكَذَا فِي بَدَنِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. أَمَّا دُهْنُ الْأَكْلِ فَتَقَدَّمَ فِي الْأُدْمِ، وَيُتَّبَعُ فِيهِ عُرْفُ بَلَدِهَا، حَتَّى لَوْ اعْتَدْنَ الْمُطَيَّبَ
وَمَا تُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ، وَمَرْتَكٍ وَنَحْوِهِ لِدَفْعِ صُنَانٍ، لَا كُحْلٍ وَخِضَابٍ وَمَا تَزَيَّنُ بِهِ، وَدَوَاءِ مَرَضٍ، وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ.
وَلَهَا طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ، فِي الْأَصَحِّ
ــ
[مغني المحتاج]
بِالْوَرْدِ أَوْ الْبَنَفْسَجِ وَجَبَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَوَقْتُهُ كُلُّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
تَنْبِيهٌ سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ وُجُوبِ الْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ، وَصَرَّحَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَجِبُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَفِيهِ الْبَحْثُ الْمَارُّ. قَالَ الْقَفَّالُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ إذَا أَكَلَتْ احْتَاجَتْ إلَى الْخِلَالِ فَعَلَى الزَّوْجِ، وَسَكَتُوا عَنْ دُهْنِ السِّرَاجِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وُجُوبُهُ وَيُتَّبَعُ فِيهِ الْعُرْفُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي شَيْءٌ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (مَا تَغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ) مِنْ سِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ، لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ، وَالرُّجُوعُ فِي قَدْرِهِ إلَى الْعَادَةِ (وَمَرْتَكٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مُعَرَّبٌ، وَتَشْدِيدُ كَافِهِ خَطَأٌ، أَصْلُهُ مِنْ الرَّصَاصِ يَقْطَعُ رَائِحَةَ الْإِبِطِ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْعَرَقَ وَإِنْ طُرِحَ فِي الْخَلِّ أَبْدَلَ حُمُوضَتَهُ حَلَاوَةً، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ (وَنَحْوِهِ) أَيْ الْمَرْتَكِ (لِدَفْعِ) أَيْ لِقَطْعِ رَائِحَةِ (صُنَانٍ) إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ، وَتُرَابٍ لِتَأَذِّيهِمَا بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَ (لَا) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (كُحْلٌ وَ) لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (خِضَابٌ) وَلَا عِطْرٌ (وَ) لَا (مَا تَزَيَّنُ بِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ آلَاتِ الْحُلِيِّ لِزِيَادَةِ التَّلَذُّذِ وَكَمَالِ الِاسْتِعْمَالِ، وَذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ هَيَّأَهُ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا قِيلَ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ السَّلْتَاءَ وَالْمَرْهَاءَ» ، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ (وَ) لَا (دَوَاءُ مَرَضٍ وَ) لَا (أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ كَفَاصِدٍ وَخَاتِنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِحِفْظِ الْأَصْلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ كَعِمَارَةِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَخَالَفَ مُؤْنَةَ التَّنْظِيفِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى كَنْسِ الدَّارِ وَغَسْلِهَا.
(وَ) يَجِبُ (لَهَا) عَلَيْهِ (طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ، وَلَهَا صَرْفُهُ فِي الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ لَا تَسْتَحِقُّهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْكِسْوَةُ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالدُّهْنِ، وَالْمَرْتَكِ وَنَحْوِهِمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ) إنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُخُولَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِتَخْرُجَ مِنْ دَنَسٍ الْحَيْضِ الَّذِي يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً غَالِبًا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ لِعَادَةِ مِثْلِهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ حَرًّا وَبَرْدًا. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ لَهَا الْأُجْرَةُ إلَّا إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ وَعَسُرَ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَلَا تَجِبُ لَهَا أُجْرَتُهُ (وَ) الْأَصَحُّ أَيْضًا وُجُوبُ (ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ) مِنْ الزَّوْجِ (وَنِفَاسٍ) مِنْهُ وَوُضُوءٍ نَقَضَهُ هُوَ كَأَنْ لَمَسَهَا إنْ احْتَاجَتْ لِشِرَائِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِهِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحَقٍّ.
لَا حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَهَا وَآلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَبْخٍ كَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَنَحْوِهَا.
وَمَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ لَوْ حَصَلَ النَّقْضُ بِفِعْلِهِمَا فَقِيَاسُ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَكَالنِّفَاسِ فِيمَا ذُكِرَ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوِلَادَةِ بَدَلَ النِّفَاسِ لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْإِحْبَالُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، فَلَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَحَبِلَتْ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ نَقَضَ وُضُوءَ أَجْنَبِيَّةٍ ذَلِكَ، وَلَا عَلَيْهَا إذَا نَقَضَتْ وُضُوءَ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ بِفِعْلِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَ (لَا) يَجِبُ ثَمَنُ مَاءِ (حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُ. وَالثَّانِي: يَجِبُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَيْضِ، وَفِي عَدَمِ إيجَابِهِ إجْحَافٌ بِهَا.
تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ فِي الِاحْتِلَامِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَمْ يَحْكِيَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، بَلْ قَطَعَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ، فَقَدْ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لِحَاجَتِهَا قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَتْ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ اهـ.
وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ طَرْدُ الْخِلَالِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْسِلُ بِهِ مَا تَنَجَّسَ مِنْ بَدَنِهَا أَوْ ثِيَابِهَا. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الْخَامِسِ، وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا (آلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) بِضَمِّ الشِّينِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ» (وَ) آلَاتُ (طَبْخٍ كَقِدْرٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ، مِثَالٌ لِآلَةِ الطَّبْخِ (وَقَصْعَةٍ) وَهِيَ بِفَتْحِهَا مِثَالٌ لِآلَةِ الْأَكْلِ (وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ) وَهُمَا مِثَالَانِ لِآلَةِ الشُّرْبِ (وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَا غِنَى عَنْهُ كَمِغْرَفَةٍ، وَمَا تَغْسِلُ فِيهِ ثِيَابَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعِيشَةَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ.
تَنْبِيهٌ سَكَتُوا عَنْ مَنَارَةِ السِّرَاجِ وَإِبْرِيقُ الْوُضُوءِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُهُ لِمَنْ اعْتَادَهُ حَتَّى لَا يَجِبَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَيَكْفِي كَوْنُ الْآلَاتِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَزَفٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَلَا تَجِبُ الْآلَةُ مِنْ النُّحَاسِ وَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً كَمَا رَجَّحَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي: لِأَنَّهُ رُعُونَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِلشَّرِيفَةِ الظُّرُوفُ النُّحَاسُ لِلْعَادَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقِيَاسُ الْبَابِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ فِي الْمَاعُونِ، وَأَنْ يُفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِ الزَّوْجَاتِ حَتَّى يَجِبَ لِبَدَوِيَّةٍ قَدَحٌ، وَقِطْعَةٌ مِنْ خَشْبٍ، وَقِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَلِقَرَوِيَّةٍ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ خَزَفٍ، وَلِنِسَاءِ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ مَا يَعْتَدْنَهُ مِنْ خَزَفٍ عَالٍ، أَوْ مُتَوَسِّطٍ، أَوْ دَنِيءٍ، أَوْ مِنْ نُحَاسٍ كَطَسْتِ الثِّيَابِ، وَطَاسَةِ الْحَمَّامِ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ السَّادِسِ، وَهُوَ السُّكْنَى فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (مَسْكَنٌ) أَيْ تَهْيِئَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] ، فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ (يَلِيقُ بِهَا) عَادَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ، فَرُوعِيَ فِيهِ جَانِبُهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ
وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَهُ.
وَعَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا إخْدَامُهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَعَبْدٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ رُوعِيَ فِيهِمَا حَالُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إبْدَالَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ يَسْكُنُ الْخَانَ أُسْكِنَتْ دَارًا أَوْ حُجْرَةً، وَيُنْظَرُ إلَى مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ سَعَةٍ أَوْ ضِيقٍ، قَالَ تَعَالَى:{وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] ، (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْمَسْكَنِ (كَوْنُهُ مِلْكَهُ) قَطْعًا، بَلْ يَجُوزُ إسْكَانُهَا فِي مَوْقُوفٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَوْ سَكَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فِي مَنْزِلِهَا مُدَّةً سَقَطَ فِيهَا حَقُّ السُّكْنَى، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا بِأُجْرَةِ سَكَنِهِ مَعَهَا إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ الْعَرِيَّ عَنْ ذِكْرِ عِوَضٍ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ اهـ. وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْعِدَدِ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ السَّابِعِ وَهُوَ الْخَادِمُ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ لِمَنْ) أَيْ لِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ (لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا مَثَلًا، لِكَوْنِهَا لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي عَادَةِ الْبَلَدِ كَمَنْ يَخْدُمُهَا أَهْلُهَا، أَوْ تُخْدَمُ بِأَمَةٍ، أَوْ بِحُرَّةٍ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَا بِارْتِفَاعِهَا بِالِانْتِقَالِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا (إخْدَامُهَا) لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ إمَّا (بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ) أَوْ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الْإِنَاثِ لِلْإِخْدَامِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَيَجُوزُ كَوْنُ الْخَادِمِ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مُرَاهِقًا، أَوْ مَحْرَمًا، أَوْ مَمْلُوكًا لَهَا، أَوْ مَمْسُوحًا، وَلَا يَجُوزُ بِكَبِيرٍ وَلَا شَيْخٍ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَلَا بِذِمِّيَّةٍ لِمُسْلِمَةٍ، إذْ لَا تُؤْمَنُ عَدَاوَتُهَا الدِّينِيَّةُ، وَلِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ جَوَازِ عَكْسِهِ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِهْنَةِ، وَهَذَا فِي الْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ. أَمَّا الظَّاهِرَةُ كَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ مِنْ السُّوقِ فَيَتَوَلَّاهَا الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي تَعْيِينِ الْخَادِمِ الزَّوْجُ لَا الزَّوْجَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْدَمَهَا خَادِمًا وَأَلِفَتْهُ، أَوْ كَانَتْ حَمَلَتْ مَعَهَا خَادِمًا وَأَرَادَ إبْدَالَهُ فَلَا يَجُوزُ لِتَضَرُّرِهَا بِقَطْعِ الْمَأْلُوفِ إلَّا إنْ ظَهَرَتْ رِيبَةٌ أَوْ خِيَانَةٌ فَلَهُ الْإِبْدَالُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ، وَلَوْ أَرَادَتْ زِيَادَةَ خَادِمٍ آخَرَ مِنْ مَالِهَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ وَمِنْ اسْتِخْدَامِهَا لَهُ، وَلَهُ إخْرَاجُ مَا عَدَا خَادِمِهَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَهُ مَنْعُ أَبَوَيْهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَسَوَاءٌ فِي هَذَا) أَيْ وُجُوبِ الْإِخْدَامِ (مُوسِرٌ) وَمُتَوَسِّطٌ (وَمُعْسِرٌ) وَمُكَاتَبٌ (وَعَبْدٌ) كَسَائِرِ الْمُؤَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ " إخْدَامُهَا " أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ: أَنَا أَخْدُمُهَا بِنَفْسِي لِيَسْقُطَ عَنِّي مُؤْنَةُ الْخَادِمِ لَمْ يَلْزَمْهَا الرِّضَا بِهِ وَلَوْ فِيمَا لَا تَسْتَحِي مِنْهُ كَغَسْلِ ثَوْبٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ، وَطَبْخٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ وَتُعَيَّرُ بِهِ، وَأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ أُجْرَةَ الْخَادِمِ أَوْ مَا يَأْخُذُ مِنْ نَفَقَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ
فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا أَوْ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِمَنْ صَحِبَتْهَا لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا.
وَجِنْسُ طَعَامِهَا جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ فِي الصَّحِيحِ، وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ وَلَهَا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا،
ــ
[مغني المحتاج]
الرِّضَا بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا، وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ لِابْتِذَالِهَا بِذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَكَاعْتِيَاضِهَا عَنْ النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا رِبَا، وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ يَوْمًا بِيَوْمٍ (فَإِنْ أَخْدَمَهَا) الزَّوْجُ (بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ أَخْدَمَهَا أَمَةً مُسْتَعَارَةً أَوْ حُرَّةً مُتَبَرِّعَةً بِالْخِدْمَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ لِلْمِنَّةِ (أَوْ) أَخْدَمَهَا (بِأَمَتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ، أَوْ) أَخْدَمَهَا (بِمَنْ صَحِبَتْهَا) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا) وَفِطْرَتُهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْحُوبَةُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجَةِ مَلَكَتْ نَفَقَتَهَا كَمَا تَمْلِكُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَيَجُوزُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ تَمْلِكَ نَفَقَةَ نَفْسِهَا كَمَا تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: تَمْلِكُهَا الزَّوْجَةُ لِتَدْفَعَهَا إلَيْهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهَا وَتَكْفِيَهَا مِنْ مَالِهَا. فَائِدَةٌ: الْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِذَلِكَ يُذَكِّرُ الْمُصَنِّفُ الضَّمَائِرَ تَارَةً، وَيُؤَنِّثُهَا أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي كَلَامِهِ، وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ لِلْأُنْثَى خَادِمَةٌ. .
تَنْبِيهٌ لُزُومُ نَفَقَةِ الْمَصْحُوبَةِ سَبَقَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا، وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ ثَانِيًا لِبَيَانِ جِنْسِ مَا تُعْطَاهُ، وَقَدْرِهِ كَمَا قَالَ (وَجِنْسُ طَعَامِهَا) أَيْ خَادِمِ الزَّوْجَةِ (جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ) وَقَدْ مَرَّ، إذْ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ لَا يَتَخَصَّصَ عَنْ خَادِمِهَا.
تَنْبِيهٌ سَكَتَ عَنْ النَّوْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْعَلُ نَوْعُ الْمَخْدُومَةِ أَجْوَدَ لِلْعَادَةِ (وَهُوَ) أَيْ مِقْدَارُ طَعَامِ الْخَادِمِ (مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ) جَزْمًا، إذْ النَّفْسُ لَا تَقُومُ بِدُونِهِ غَالِبًا فَلِذَلِكَ سَارَتْ الْمَخْدُومَةُ فِيهِ (وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ) عَلَيْهِ مُدٌّ (فِي الصَّحِيحِ) قِيَاسًا عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالثَّانِي، مُدٌّ وَثُلُثٌ كَالْمُوسِرِ، وَالثَّالِثُ مُدٌّ وَسُدُسٌ لِتَفَاوُتِ الْمَرَاتِبِ بَيْنَ الْخَادِمِ وَالْمَخْدُومَةِ (وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ) عَلَى النَّصِّ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه هَذَا التَّقْرِيرَ، وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ: إنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمَةِ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ، وَالْمُدُّ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ، وَوَجَّهُوا أَيْضًا التَّقْدِيرَ فِي الْمُوسِرِ بِمُدٍّ وَثُلُثٍ، وَفِي الْمُتَوَسِّطِ بِمُدٍّ بِأَنَّ لِلْخَادِمَةِ وَالْمَخْدُومَةِ فِي النَّفَقَةِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ يَسْتَوِيَانِ، فَفِي الْأُولَى يُزَادُ فِي الْمَفْضُولَةِ ثُلُثُ مَا يُزَادُ لِلْفَاضِلَةِ كَمَا أَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِي الْإِرْثِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ يَسْتَوِيَانِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ السُّدُسَ، وَفِي الْأُولَى إذَا انْفَرَدَا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيُزَادُ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يُزَادُ لِلْأَبِ، وَلِهَذَا أَلْحَقُوا الْمُتَوَسِّطَ بِالْمُعْسِرِ وَلَمْ يُلْحِقُوهُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِهِ (وَلَهَا) أَيْضًا (كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا) وَلَوْ عَلَى
وَكَذَا أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا آلَةُ تَنْظِيفٍ فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ.
وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إنْ احْتَاجَتْ إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا، وَلَا إخْدَامَ لِرَقِيقَةٍ، وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ.
وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ إمْتَاعٌ، وَمَا يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ تَمْلِيكٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
مُتَوَسِّطٍ وَمُعْسِرٍ مِنْ قَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَخُفٍّ وَرِدَاءٍ لِلْخُرُوجِ صَيْفًا وَشِتَاءً، حُرًّا كَانَ الْخَادِمُ أَوْ رَقِيقًا اعْتَادَ كَشْفَ الرَّأْسِ أَمْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ فِي الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ، هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبُهُمَا لِلْمَخْدُومَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورَاتِ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ لِلْخَادِمِ إنْ كَانَ أُنْثَى.
أَمَّا الْخَادِمُ الذَّكَرُ فَلَا، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْخَادِمِ سَرَاوِيلُ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ وَكَمَالِ السَّتْرِ، وَيَجِبُ لِلْخَادِمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى جُبَّةٌ لِلشِّتَاءِ أَوْ فَرْوَةٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ زِيدَ لَهُ عَلَى الْجُبَّةِ أَوْ الْفَرْوَةِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَفْرِشُهُ وَمَا يَتَغَطَّى بِهِ كَقِطْعَةِ لِبْدٍ وَكِسَاءٍ فِي الشِّتَاءِ وَبَارِيَّةٍ فِي الصَّيْفِ وَمِخَدَّةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دُونَ مَا يَجِبُ لِلْمَخْدُومَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا، وَيُفَاوِتُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ (وَكَذَا) لِلْخَادِمِ (أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْشَ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَجِنْسُهُ جِنْسُ أُدْمِ الْمَخْدُومَةِ، وَلَكِنَّ نَوْعَهُ دُونَ نَوْعِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُفَاوَتُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ، وَيُكْتَفَى بِمَا فَضَلَ عَنْ الْمَخْدُومَةِ، وَلَا يَجِبُ اللَّحْمُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَ (لَا) يَجِبُ لِلْخَادِمِ (آلَةُ تَنْظِيفٍ) كَمُشْطٍ وَدُهْنٍ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلتَّزْيِينِ، وَالْخَادِمُ لَا يَتَزَيَّنُ، بَلْ اللَّائِقُ بِحَالِهَا عَكْسُ ذَلِكَ لِئَلَّا تَمْتَدَّ إلَيْهَا الْعَيْنُ (فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ) عَلَيْهَا (وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ) أَيْ تُنَعَّمَ بِأَنْ يُعْطِيَهَا مَا يُزِيلُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: الْقَمْلُ مُفْرَدُهُ قَمْلَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: رُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَمِلُ الطِّبَاعِ وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ كَمَا عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
(وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ) لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّخِذَ خَادِمًا وَتُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، فَ (إنْ احْتَاجَتْ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ) بِهَا (أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا تَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ أَقْوَى مِمَّا نَقَصَ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (وَلَا إخْدَامَ) حَالَ الصِّحَّةِ (لِرَقِيقَةٍ) أَيْ زَوْجَةٍ كُلًّا أَوْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنْ تَخْدُمَ نَفْسَهَا جَمِيلَةً كَانَتْ أَمْ لَا (وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ) يُوجِبُ إخْدَامَهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ.
(وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ) وَالْخَادِمِ (إمْتَاعٌ) لَا تَمْلِيكٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِلْكَهُ (وَ) يَجِبُ فِي (مَا يُسْتَهْلَكُ) لِعَدَمِ بَقَاءِ عَيْنِهِ (كَطَعَامٍ) وَأُدْمٍ وَدُهْنٍ وَلَحْمٍ وَزَيْتٍ (تَمْلِيكٌ) وَلَوْ بِلَا صِيغَةٍ فَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَمْ
وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ فَلَوْ قَتَّرَتْ بِمَا يَضُرُّهَا مَنَعَهَا، وَمَا دَامَ نَفْعُهُ كَكِسْوَةٍ وَظُرُوفِ طَعَامٍ وَمُشْطٍ تَمْلِيكٌ، وَقِيلَ إمْتَاعٌ.
وَتُعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِيهِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ، فَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ تُرَدَّ.
ــ
[مغني المحتاج]
لَا كَالْكَفَّارَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ) الْحُرَّةُ بِمَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهَا. أَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهَا.
تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ بَدَلَ الْوَاوِ فَإِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (فَلَوْ قَتَّرَتْ) بَعْدَ قَبْضِ نَفَقَتِهَا (بِمَا يَضُرُّهَا) أَيْ بِأَنْ ضَيَّقَتْ عَلَى نَفْسِهَا (مَنَعَهَا) زَوْجُهَا مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَضُرَّهَا وَلَكِنْ يُنَفِّرُهُ عَنْهَا لِحَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ (وَمَا دَامَ نَفْعُهُ) مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، (كَكِسْوَةٍ) وَفَرْشٍ (وَظُرُوفِ طَعَامٍ) وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَظُرُوفٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِيَتَنَاوَلَ ظُرُوفَ الْمَاءِ وَآلَةَ التَّنْظِيفِ (وَمِشْطٍ) بِالْجَرِّ، وَخَبَرُ مَا قَوْلُهُ (تَمْلِيكٌ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كِسْوَةَ الْأَهْلِ أَصْلًا لِلْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ كَالطَّعَامِ، وَالطَّعَامُ تَمْلِيكٌ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا الْكِسْوَةُ فَوَجَبَ هُنَا مِثْلُهُ (وَقِيلَ) هُوَ (إمْتَاعٌ) كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ بِجَامِعِ الِانْتِفَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُدْفَعُ إلَيْهَا وَالْمَسْكَنُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُسْكِنُهَا الزَّوْجُ مَعَهُ فَلَا تَسْقُطُ بِمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ، فَلَوْ لَبِسَتْ الْمُسْتَعَارَ وَتَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ فَضَمَانُهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعِيرُ وَهِيَ نَائِبَةٌ عَنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمُسْتَأْجَرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهَا ذَلِكَ عَنْ كِسْوَتِهَا اهـ. وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ.
(وَتُعْطَى) الزَّوْجَةُ (الْكِسْوَةَ أَوَّلَ) فَصْلِ (شِتَاءٍ وَ) أَوَّلَ فَصْلِ (صَيْفٍ) لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، هَذَا إنْ وَافَقَ النِّكَاحُ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَإِلَّا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هَذَا فِيمَا لَا يَبْقَى سَنَةً غَالِبًا. أَمَّا مَا يَبْقَى سَنَةً فَأَكْثَرَ كَالْفَرْشِ وَجُبَّةِ الْخَزِّ وَالْإِبْرَيْسَمِ فَيُجَدَّدُ فِي وَقْتِهِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَجْدِيدِهِ، وَعَلَيْهِ تَطْرِيفُهَا عَلَى الْعَادَةِ (فَإِنْ) أَعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ فَصْلٍ مَثَلًا ثُمَّ (تَلِفَتْ فِيهِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْفَصْلِ (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْهَا (لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ: إنَّهَا (تَمْلِيكٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهَا مَا عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهَا، وَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا إمْتَاعٌ أَبْدَلَتْ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ لَيْسَ شَرْطًا لِعَدَمِ الْإِبْدَالِ فَإِنَّهُ مَعَ التَّقْصِيرِ أَوْلَى، وَلَكِنَّ شَرْطَ الْمَفْهُومِ قَوْلُهُ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ الْإِبْدَالَ إنْ قُلْنَا: إمْتَاعٌ كَمَا تَقَدَّمَ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّقْصِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا كِسْوَةً سَخِيفَةً فَبَلِيَتْ لِسَخَافَتِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إبْدَالُهَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ لِتَقْصِيرِهِ (فَإِنْ) مَاتَ أَوْ أَبَانَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ (مَاتَتْ فِيهِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ (لَمْ تُرَدَّ) عَلَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْيَوْمِ، فَإِنَّ كِسْوَةَ الْفَصْلِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ وَتُرَدُّ عَلَى الْإِمْتَاعِ، وَقِيلَ: تُرَدُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لِمُدَّةٍ لَمْ تَأْتِ كَنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ،