المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في حكم الإعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٥

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ]

- ‌كِتَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ]

- ‌كِتَابُ الْكَفَّارَةِ

- ‌كِتَابُ اللِّعَانِ

- ‌[فَصْلٌ قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ اللِّعَانِ]

- ‌كِتَابُ الْعِدَدِ

- ‌[فَصْلٌ الْعِدَّة بِوَضْعِ الْحَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاخُل عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مُعَاشَرَة الْمُطَلَّقِ الْمُعْتَدَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْحَائِلِ لِوَفَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا]

- ‌بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي طَرَيَانُ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

- ‌[فَصْل فِي مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَوَانِعُ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَار بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا]

- ‌[فَصْل فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَة وَصِفَات الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُون]

- ‌[فَصْل فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْجِرَاحِ]

- ‌[فَصْل فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْل فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تغير حَال المجروح مِنْ وَقْت الْجُرْح إلَى الْمَوْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ]

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ]

- ‌[بَاب فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ]

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ

- ‌ الْقَسَامَةُ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ]

- ‌كِتَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ]

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ وَمَا يَمْنَعُهُ وَمَا يَكُونُ حِرْزًا لِشَخْصٍ دُونَ آخِر]

- ‌[فَصْل فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي شُرُوطُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ]

- ‌بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌[فَصْل فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ والتعازير]

- ‌[فَصْل فِي التَّعْزِيرِ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ

- ‌[فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]

الفصل: ‌[فصل في حكم الإعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها]

بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

فَصْلٌ أَعْسَرَ بِهَا فَإِنْ صَبَرَتْ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ.

ــ

[مغني المحتاج]

نَفَقَةُ الْعِدَّةِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) مِنْ غَيْرِ إنْفَاقٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا فَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا أَوْ لِلْحَمْلِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: بِالْأَوَّلِ لَمْ تَسْقُطْ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي سَقَطَتْ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ النَّفَقَةِ. إنْ قُلْنَا: إنَّهَا لَهَا سَقَطَتْ، وَإِلَّا فَلَا.

تَنْبِيهٌ: لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَعْتَقَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَامِلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَدَّ نَفَقَةُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الْحَامِلِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ نَشَزَتْ الْحَامِلُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَوْ بَائِنًا، وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَلْ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَإِتْلَافِهِ مَنَافِعَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا وَكَانَ قَدْ تَسَلَّمَهَا اسْتَرَدَّ، وَلَيْسَ مُرَادًا. .

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَار بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا]

، إذَا (أَعْسَرَ) الزَّوْجُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِهَا) أَيْ: نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَتَلَفِ مَالِهِ (فَإِنْ صَبَرَتْ) بِهَا وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَتْهُ (صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يُقْرِضْهَا الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَإِنْ مَنَعَتْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا عَلَيْهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِمْهَالِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَصْبِرْ (فَلَهَا الْفَسْخُ) بِالطَّرِيقِ الْآتِي (عَلَى الْأَظْهَرِ) وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الثَّانِي، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ:" أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: سَنَةً؟ فَقَالَ: نَعَمْ سَنَةٌ "، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَبِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَزْنِيِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ بِنُشُوزِهَا وَعَجْزِهَا عَنْ التَّمْكِينِ. فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُقَابِلِهِ.

أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا فَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَسْخَ لَهَا أَيْضًا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ، سَوَاءٌ أَخَدَمَتْ نَفْسَهَا أَمْ اسْتَأْجَرَتْ أَمْ أَنْفَقَتْ عَلَى خَادِمهَا. نَعَمْ تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ

ص: 176

وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ، وَلَوْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ،

ــ

[مغني المحتاج]

أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمَخْدُومَةِ لِرُتْبَتِهَا.

أَمَّا مَنْ تُخْدَمُ لِمَرَضِهَا وَنَحْوِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ كَالْقَرِيبِ.

تَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ بَلْ فَسْخٍ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَتْنِ، وَالرَّجْعِيَّةُ كَالَّتِي فِي الْعِصْمَةِ، قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ.

(وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ) لِلزَّوْجَةِ (بِمَنْعِ) أَيْ امْتِنَاعِ (مُوسِرٍ) مِنْ الْإِنْفَاقِ بِأَنْ لَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَ (حَضَرَ) زَوْجُهَا (أَوْ غَابَ) عَنْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ أَوْ بِيَدِهَا إنْ قَدَرَتْ وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا فَيُلْزِمُهُ بِدَفْعِ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ بِأَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا؟ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ الزَّوْجُ مُوسِرًا، وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَالِبُ ظَنِّي الْوُقُوفُ عَلَى هَذَا النَّصِّ فِي الْأُمِّ، فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ نَصٌّ يُخَالِفُهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُ الْمَنْعُ بِالتَّعَذُّرِ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ اهـ.

وَهَذَا أَحْوَطُ، وَالْأَوَّلُ أَيْسَرُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مُوسِرٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ غَابَ وَجُهِلَ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِصْحَابًا لِدَوَامِ النِّكَاحِ. قَالَ: فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بِالْبَلَدِ خَفِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لَمْ يُؤْثَرْ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَيَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ (وَلَوْ حَضَرَ) الزَّوْجُ (وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ) غَائِبًا (بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (فَلَهَا الْفَسْخُ) وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي فَسْخِ الْبَائِعِ عِنْدَ غَيْبَةِ الثَّمَنِ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِنَحْوِ اسْتِدَانَةٍ وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُحْضِرُهُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إجَابَتُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (فَلَا) فَسْخَ لَهَا (وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ) بِسُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ (وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ) مَثَلًا (بِهَا) عَنْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ (لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ) بَلْ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِقَضَائِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا، وَلَوْ سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ ثُمَّ سَلَّمَهُ الزَّوْجُ لَهَا لَمْ يُفْسَخْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَالزَّوْجُ تَحْتَ حَجْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَبُولُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِهِ وَلَدَ الزَّوْجِ وَسَيِّدَهُ. قَالَ: وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا أَعْسَرَ الْأَبُ وَتَبَرَّعَ وَلَدُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ

ص: 177

وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ.

وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لَهَا إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مُؤَجِّلٍ بِقَدْرِ مُدَّةِ إحْضَارِ مَالِ الْغَائِبِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الْفَسْخُ بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِ بِدُونِ ذَلِكَ. وَلَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا لِكَوْنِ مَالِهِ عُرُوضًا لَا يُرْغَبُ فِيهَا وَلِكَوْنِ دَيْنِهِ حَالًّا عَلَى مُعْسِرٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ الْإِعْسَارِ لَا تَصِلُ إلَى حَقِّهَا، وَالْمُعْسِرُ يَنْظُرُ بِخِلَافِهَا فِي حَالِ الْيَسَارِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَلَى مُوسِرٍ حَاضِرٍ غَيْرِ مُمَاطِلٍ، وَلَوْ غَابَ الْمَدْيُونُ الْمُوسِرُ وَكَانَ مَالُهُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا وَمَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ الزَّوْجِ غَائِبًا، وَلَا يُفْسَخُ بِكَوْنِ الزَّوْجِ مَدْيُونًا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ حَتَّى يَصْرِفَهُ إلَيْهَا، وَلَا تُفْسَخُ بِضَمَانِ غَيْرِهِ لَهُ بِإِذْنِهِ نَفَقَةُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ بِأَنْ تَجَدَّدَ ضَمَانُ كُلِّ يَوْمٍ. وَأَمَّا ضَمَانُهَا جُمْلَةً لَا يَصِحُّ فَتُفْسَخُ بِهِ (وَقُدْرَتُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ) أَيْ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهَا هَكَذَا تَجِبُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدَّخِرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ لَا يَكْسِبُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَا فَسْخَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ، وَلَا تَشُقُّ الِاسْتِدَانَةُ لِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُصْبِرَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا نَفَقَةٍ، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْوَاجِدِ لِنَفَقَتِهَا وَتُنْفِقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أُسْبُوعٍ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ فِيهِ لِعَارِضٍ فَسَخَتْ لِتَضَرُّرِهَا، وَيَكُونُ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِقَدْرِ مَا مَرَّ فِيهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْكَسْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَفْسَخْ، كَالْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ تَعَاطِيهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى كَسْبٍ وَاسِعٍ لَا يُخْرِجهُ عَنْ حَدِّ الْإِعْسَارِ وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْكَسْبَ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَلَالٍ.

أَمَّا إذَا كَانَ الْكَسْبُ بِأَعْيَانٍ مُحَرَّمَةٍ كَبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ كَانَ الْفِعْلُ الْمُوَصِّلُ لِلْكَسْبِ مُحَرَّمًا كَكَسْبِ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ؛ وَإِنْ خَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي (وَإِنَّمَا يُفْسَخُ) لِلزَّوْجَةِ النِّكَاحُ (بِعَجْزِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ) حَاضِرَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ مُتَوَسِّطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْآنَ نَفَقَةُ مُعْسِرٍ فَلَا يَصِيرُ الزَّائِدُ دَيْنًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ إذَا أَنْفَقَ مُدًّا فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ وَيَصِيرُ الْبَاقَّيْ دَيْنًا عَلَيْهِ. فُرُوعٌ: لَوْ وَجَدَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمُدِّ بُكْرَةَ غَدٍ وَقْتِهِ وَنِصْفَهُ عِشَاءً كَذَلِكَ لَمْ تُفْسَخُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَجَدَ يَوْمًا مُدًّا وَيَوْمًا نِصْفَ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَوْ وَجَدَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا كَمَا شَمِلَتُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ.

(وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ

ص: 178

كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ، وَكَذَا بِالْأُدْمِ، وَالْمَسْكَنِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ فِي الْأُدْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا تُفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ لَا بَعْدَهُ،

ــ

[مغني المحتاج]

كَهُوَ) أَيْ كَالْإِعْسَارِ (بِالنَّفَقَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَبْقَى الْبَدَنُ بِدُونِهَا غَالِبًا، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى بِدُونِهَا.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِعْسَارِ بِبَعْضِ الْكِسْوَةِ، وَأَطْلَقَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَالتَّحْرِيرَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْقَمِيصِ، وَالْخِمَارِ، وَجُبَّةِ الشِّتَاءِ، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ بُدٌّ كَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَبَعْضِ مَا يُفْرَشُ وَالْمِخَدَّةِ فَلَا خِيَارَ وَلَا فَسْخَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا كَالسُّكْنَى وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ (وَكَذَا) الْإِعْسَارُ (بِالْأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ) كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُعْسَرُ الصَّبْرُ عَلَى الْخُبْزِ الْبَحْتِ، أَيْ: الَّذِي بِلَا أُدْمٍ، وَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَسْكَنٍ يَقِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَالثَّانِي: لَا فَسْخَ بِذَلِكَ.

أَمَّا الْمَسْكَنُ فَلِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْدَمُ مَسْجِدًا أَوْ مَوْضِعًا مُبَاحًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَالْحَوَالَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى السُّؤَالِ. وَأَمَّا الْأُدْمُ فَلِأَنَّ الْبَدَنَ يَقُومُ بِدُونِهِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ) أَيْ: مَنْعُ فَسْخِهَا (فِي) الْإِعْسَارِ بِسَبَبِ (الْأُدْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِخِلَافِ الْقُوتِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، وَتَوَسَّطَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْقُوتُ مِمَّا يَنْسَاغُ دَائِمًا لِلْفُقَرَاءِ بِلَا أُدْمٍ فَلَا فَسْخَ وَإِلَّا فُسِخَتْ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ.

(وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ (تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ مَعَ بَقَاءِ الْمُعَوَّضِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَكَلَامُ التَّتِمَّةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَ (لَا) تُفْسَخُ (بَعْدَهُ) لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ وَصَيْرُورَةِ الْعِوَضِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِ الْمَهْرِ. وَالثَّالِثُ: تُفْسَخُ مُطْلَقًا، أَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَمَّا مَرَّ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتْلَفُ حَقِيقَةً بِالْوَطْءِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا، فَلَوْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ بِعَجْزِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ بِقِسْطِهِ، فَلَوْ فَسَخَتْ لَعَادَ لَهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ لِتَعَذُّرِ الشَّرِكَةِ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ فِيمَا اسْتَقَرَّ لِلزَّوْجِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْفَلَسِ لِإِمْكَانِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَيْعِ، وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِصِدْقِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَهْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْوَجْهُ نَقْلًا وَمَعْنًى اهـ.

وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ يَلْزَمُ عَلَى فَتْوَى ابْنِ الصَّلَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إجْبَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَسْلِيمِ

ص: 179

وَلَا فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إعْسَارُهُ فَيَفْسَخَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ فِي قَوْلٍ يُنَجَّزُ الْفَسْخُ، وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ، وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابِعَ بَنَتْ، وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ.

ــ

[مغني المحتاج]

نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الصَّدَاقِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ، وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ، وَلَوْ أُجْبِرَتْ لَاتَّخَذَ الْأَزْوَاجُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنْ حَبْسِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ صَدَاقٍ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ جَوَّزْنَا لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخَ لَعَادَ إلَيْهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْفَسْخُ لَلَزِمَ إجْبَارُهَا عَلَى تَسْلِيمِ الْبُضْعِ بِكَمَالِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي رُجُوعِ الْبُضْعِ إلَيْهَا بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ بِكَمَالِهِ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْهُ (وَلَا فَسْخَ) بِإِعْسَارِ زَوْجٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (حَيْثُ يَثْبُتُ عِنْدَ قَاضٍ) بَعْدَ الرَّفْعِ أَوْ عِنْدَ مُحَكِّمٍ (إعْسَارُهُ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ، وَيَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي إذَا قُلْنَا: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَفْسَخَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ (أَوْ يَأْذَنُ لَهَا فِيهِ) وَلَيْسَ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالْعَجْزِ الْفَسْخُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ إلَى إيقَاعِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْفَسْخِ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي، فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِعَدَمِ حَاكِمٍ وَمُحَكِّمٍ، أَوْ عَجَزَتْ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلضَّرُورَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ نَقْلِ الْإِمَامِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَفْسَخُهُ بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَفِي يَأْذَنُ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى يَثْبُتَ (ثُمَّ) عَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ لَا يُمْهَلُ بِهَا (فِي قَوْلٍ) وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ بَلْ (يُنَجَّزُ الْفَسْخُ) عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْسَارُ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَا تَلْزَمُ الْإِمْهَالَ بِالْفَسْخِ (وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ الْإِمْهَالَ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ لِعَارِضٍ ثُمَّ يَزُولُ، وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ يُتَوَقَّعُ فِيهَا الْقُدْرَةُ بِقَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَهَا) بَعْدَ الْإِمْهَالِ (الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ) بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ بِلَا مُهْلَةٍ إلَى بَيَاضِ النَّهَارِ لِتَحَقُّقِ الْإِعْسَارِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ) أَيْ الرَّابِعِ فَقَطْ فَلَا تُفْسَخُ لِمَا مَضَى حِينَئِذٍ لِتَبَيُّنِ زَوَالِ الْعَارِضِ الَّذِي كَانَ الْفَسْخُ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ نَفَقَةَ الرَّابِعِ عَنْ نَفَقَةِ الْخَامِسِ بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَوْ مَضَى) عَلَى زَوْجِهَا (يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ) بِأَنْ سَلَّمَ زَوْجَتَهُ نَفَقَتَهُ (وَعَجَزَ الرَّابِعَ) أَيْ: عَجَزَ فِيهِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفَقَتِهِ (بَنَتْ) عَلَى الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الْخَامِسِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ لِتَضَرُّرِهَا بِالِاسْتِئْنَافِ (وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ) مُدَّةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ.

تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَةَ يَوْمٍ قَدَرَ فِيهِ عَنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ قَبْلَهُ عَجَزَ فِيهِ عَنْ نَفَقَتِهِ لِتَفْسَخَ عِنْدَ

ص: 180

وَلَهَا الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ لَيْلًا.

وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا،

ــ

[مغني المحتاج]

تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدِّي، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِالتَّلْفِيقِ. وَثَانِيهِمَا: لَا، وَتُجْعَلُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا مُبْطِلَةً لِلْمُهْلَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ فَسْخِهَا بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أَيَّامِ الْمُهْلَةِ لَا فِيهَا.

(وَلَهَا الْخُرُوجُ) مِنْ بَيْتِهَا (زَمَنَ الْمُهْلَةِ) نَهَارًا (لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ) بِكَسْبٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ سُؤَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَقِيرَةً أَمْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَالطَّاعَةَ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوَفِّهَا مَا عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا حَجْرًا.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا أَوْ كَسْبٍ فِي بَيْتِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ (وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ) إلَى بَيْتِهَا (لَيْلًا) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِيوَاءِ دُونَ الْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ، وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَهَارًا، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ فَكَذَا لَيْلًا، لَكِنْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ مُدَّةَ مَنْعِهَا، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي سُقُوطُهَا حَيْثُ مَنَعَتْهُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، فَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّمَتُّعَ بِهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا مِنْ الْمُهْلَةِ، فَإِنْ أَبَتْ نَهَارَهُ فَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ، أَوْ لَيْلًا فَنَاشِزَةٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَتَبِعَهُ فِي الْكِفَايَةِ.

(وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ) الْعَارِضِ (أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ الرِّضَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهَا: رَضِيت بِإِعْسَارِهِ أَبَدًا فَإِنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ يَوْمَ الرِّضَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَيَتَجَدَّدُ الْإِمْهَالُ إذَا طَلَبَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الرِّضَا (وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا) فَسْخَ لَهَا بِذَلِكَ بَعْدَ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَالْحَاصِلُ مَرْضِيٌّ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ، بَلْ قَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الْفَسْخِ، لَكِنَّهُمَا رَجَّحَا عَدَمَهُ، كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ بَدَا لَهَا أَنْ تَفْسَخَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، فَقَدْ حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ، وَذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ، وَقَدْ اغْتَرَّ فِي الرَّوْضَةِ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا لَمْ يَقِفْ عَلَى غَيْرِهِ وَزَادَ فَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَعَلَى الْفَسْخِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ اهـ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْفَسْخِ لِمَا مَرَّ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ نَكَحَتْ ثُمَّ عَلِمَتْ بِإِعْسَارِهِ فَأَمْسَكَتْ عَنْ الْمُحَاكَمَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَهُوَ فِي الْحَاوِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِهَا الْمَهْرَ كَانَ رِضًا بِالْإِعْسَارِ وَسَقَطَ خِيَارُهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَسْقُطْ، فَقَدْ تُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ لِوَقْتِ الْيَسَارِ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي عَلَى الْفَوْرِ، فَلَوْ أَخَّرَتْ الْفَسْخَ سَقَطَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَقَدْ

ص: 181

وَلَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ.

وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ: افْسَخِي أَوْ جُوعِي.

ــ

[مغني المحتاج]

رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ وَقَبْلَهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَخِّرُ الطَّلَبَ لِتَوَقُّعِ الْيَسَارِ، وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا دُونَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَحِينَئِذٍ (لَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ) وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا (بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ) كَمَا لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالشَّهْوَةِ فَلَا يُفَوَّضُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقَّةٍ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَنَفَقَةِ الْخَلِيَّةِ وَتَصِيرُ نَفَقَتُهُمَا وَمَهْرُهُمَا دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ عَدَمَ فَسْخِ وَلِيِّ الْبَالِغَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَالسَّفِيهَةُ الْبَالِغَةُ هُنَا كَالرَّشِيدَةِ.

(وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ) أَوْ مَنْ فِيهَا رِقٌّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (بِالنَّفَقَةِ) أَوْ الْكِسْوَةِ (فَلَهَا الْفَسْخُ) بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، فَإِنْ ضَمِنَ لَهَا النَّفَقَةَ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِهَا صَحَّ كَضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَضْمَنُ السَّيِّدُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَصْلِ لَهَا، ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا السَّيِّدُ فَصَحَّ ضَمَانُهُ.

تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا مَا لَوْ أَنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا حِينَئِذٍ، وَمَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَةَ أَحَدِ أُصُولِ سَيِّدِهَا الْمُوسِرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا لَهَا، وَأُلْحِقَ بِهَا نَظَائِرُهَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ وَاسْتَخْدَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَيَظْهَرُ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ إنْ لَمْ تَرْضَ بِذِمَّتِهِ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا السَّيِّدُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (فَإِنْ رَضِيَتْ) وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِإِعْسَارِهِ (فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي النَّفَقَةِ لَهُ وَضَرَرُ فَوَاتِهَا يَعُودُ إلَيْهِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ فَيَكُونُ الْفَسْخُ لَهَا.

تَنْبِيهٌ: اُحْتُرِزَ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ لَهَا بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، بَلْ هُوَ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي فَوَاتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً وَلَكِنْ (لَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ) أَيْ الْفَسْخِ (بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ) لَهَا (افْسَخِي أَوْ جُوعِي) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا فَسَخَتْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا أَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَفَى نَفْسَهُ مُؤْنَتَهَا، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إلْجَاؤُهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمَا الْفَسْخُ. فُرُوعٌ: لِلْأَمَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا كَانَتْ تُطَالِبُ السَّيِّدَ، فَإِنْ أَعْطَاهَا لَهَا بَرِئَ مِنْهَا وَمَلَكَهَا السَّيِّدُ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ، لَكِنْ لَهَا قَبْضُهَا وَتَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْمَأْذُونَةِ فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ

ص: 182