المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في كيفية اللعان وشرطه وثمرته] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٥

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ]

- ‌كِتَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ]

- ‌كِتَابُ الْكَفَّارَةِ

- ‌كِتَابُ اللِّعَانِ

- ‌[فَصْلٌ قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ اللِّعَانِ]

- ‌كِتَابُ الْعِدَدِ

- ‌[فَصْلٌ الْعِدَّة بِوَضْعِ الْحَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاخُل عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مُعَاشَرَة الْمُطَلَّقِ الْمُعْتَدَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْحَائِلِ لِوَفَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا]

- ‌بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي طَرَيَانُ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

- ‌[فَصْل فِي مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَوَانِعُ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَار بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا]

- ‌[فَصْل فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَة وَصِفَات الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُون]

- ‌[فَصْل فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْجِرَاحِ]

- ‌[فَصْل فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْل فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تغير حَال المجروح مِنْ وَقْت الْجُرْح إلَى الْمَوْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ]

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ]

- ‌[بَاب فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ]

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ

- ‌ الْقَسَامَةُ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ]

- ‌كِتَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ]

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ وَمَا يَمْنَعُهُ وَمَا يَكُونُ حِرْزًا لِشَخْصٍ دُونَ آخِر]

- ‌[فَصْل فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي شُرُوطُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ]

- ‌بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌[فَصْل فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ والتعازير]

- ‌[فَصْل فِي التَّعْزِيرِ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ

- ‌[فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]

الفصل: ‌[فصل في كيفية اللعان وشرطه وثمرته]

فَصْلٌ اللِّعَانُ قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا

فَإِنْ غَابَتْ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا

وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَقَالَ وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ أَوْ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي

ــ

[مغني المحتاج]

«أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، قَالَ: هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ تَكُونَ نَزَعَةَ عِرْقٍ قَالَ: فَلَعَلَّ هَذَا نَزْعَةُ عِرْقٍ» وَالْأَوْرَقُ جَمَلٌ أَبْيَضُ يُخَالِطُ بَيَاضَهُ سَوَادٌ

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ]

(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ إلَخْ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ:(اللِّعَانُ قَوْلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ) أَيْ زَوْجَتَهُ (مِنْ الزِّنَا) إذَا كَانَتْ، حَاضِرَةً، أَمَّا اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فَلِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَكُرِّرَتْ الشَّهَادَةُ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٍ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ الْآتِيَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ تَسْمِيَةِ مَا رَمَاهَا بِهِ فَلِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ

تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ: هَذِهِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ زَوْجَتِي هَذِهِ

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي التَّتِمَّةِ وَتَعْلِيقُ الْبَنْدَنِيجِيِّ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا إلَى تَسْمِيَتِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ حَضَرَتْ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْإِشَارَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ (فَإِنْ غَابَتْ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا) عَنْ غَيْرِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ (وَالْخَامِسَةُ) مِنْ كَلِمَاتِ لِعَانِ الزَّوْجِ هِيَ (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا) لِلْآيَةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَيُمَيِّزُهَا فِي الْغِيبَةِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا أَتَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِضَمِيرِ الْغِيبَةِ تَأَسِّيًا بِلَفْظِ الْآيَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقُولُهُ الْمُلَاعِنُ: عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِنْ كَانَ) ثَمَّ (وَلَدٌ يَنْفِيهِ) عَنْهُ (ذَكَرَهُ فِي) كُلٍّ مِنْ (الْكَلِمَاتِ) الْخَمْسِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ (فَقَالَ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ) إنْ كَانَ غَائِبًا (أَوْ هَذَا الْوَلَدَ) إنْ كَانَ حَاضِرًا (مِنْ زِنًا) وَ (لَيْسَ) هُوَ (مِنِّي) لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ، فَلَوْ أَغْفَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِهِ

ص: 63

وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ

وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ أَوْ ذُكِرَا

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي أَنَّهُ لَا يَكْفِي

قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَبِهِ أَجَابَ كَثِيرُونَ: لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ وَطْءَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ زِنًا، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا وَخُلُقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، كَقَوْلِهِ: مَنْ زِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَتَقُولُ هِيَ) أَرْبَعُ مَرَّاتٍ بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجِ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَ) الْكَلِمَةُ (الْخَامِسَةُ) مِنْ لِعَانِهَا هِيَ (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَتُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْحُضُورِ، وَتُمَيِّزُهُ فِي الْغِيبَةِ كَمَا فِي جَانِبِهَا فِي الشَّهَادَاتِ الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا تَأَسِّيًا بِالْآيَةِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ: فَتَقُولَ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كَانَ إلَخْ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ تَقُولَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ لِعَانِهَا شَرْطٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَشَرْت إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي بَعْدُ: وَاقْتَصَرَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ عَلَى قَوْلِهَا: فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِيمَا رَمَانِي بِهِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِمَا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ النَّصِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ قَوْلُهَا: مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ سُكُوتُهُ فِي لِعَانِهَا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ، وَلَوْ تَعَرَّضَتْ لَهُ لَمْ يَضُرَّ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذْفٌ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ أَثْبَتَتْ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ عَنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ الْكَلِمَاتِ، وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَى مَنْ رَمَى إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَخْ، وَلَا يُلَاعِنُ الْمَرْأَةَ فِي الْأَوَّلِ، إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى تُسْقِطَهُ بِلِعَانِهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّعْنَ بِجَانِبِهِ وَالْغَضَبَ بِجَانِبِهَا؛ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَقْبَحُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ بِدَلِيلِ تَفَاوُتِ الْحَدَّيْنِ، وَغَضَبُ اللَّهِ أَغْلَظُ مِنْ لَعَنْته لِأَنَّ غَضَبَهُ إرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنْ الْعُصَاةِ وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ، وَاللَّعْنُ: الطَّرْدُ وَالْبُعْدُ فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ (وَلَوْ بُدِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ) كَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ إلَخْ، أَوْ لَفْظُ اللَّهِ بِالرَّحْمَنِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) لَفْظُ (غَضَبٍ بِلَعْنٍ) أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِبْعَادِ (وَعَكْسِهِ) بِأَنْ ذَكَرَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ وَالْمَرْأَةُ اللَّعْنَ (أَوْ ذُكِرَا) أَيْ اللَّعْنُ وَالْغَضَبُ

ص: 64

قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ

وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ

وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ

ــ

[مغني المحتاج]

(قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْتَى بَدَلُ لَفْظِ الْغَضَبِ بِلَفْظِ اللَّعْنِ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ أَشَدُّ مِنْ اللَّعْنِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ

قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: عِبَارَةٌ مَقْلُوبَةٌ، وَصَوَابُهُ حَلَفَ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ فَقَرِيبٌ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فِي كُلِّ مَأْخُوذٍ وَمَتْرُوكٍ اهـ.

وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ اللِّعَانِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَضُرُّ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ، وَ (أَمْرُ الْقَاضِي) بِهِ أَوْ نَائِبِهِ كَالْيَمِينِ فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَى اللِّعَانِ حُكْمُ الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَهِيَ لَا تُؤَدَّى إلَّا عِنْدَهُ (وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ) فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَقُولُ لَهُ: قُلْ: كَذَا وَكَذَا، وَلَهَا قُولِي: كَذَا وَكَذَا، وَالْمُحَكَّمُ حَيْثُ لَا وَلَدَ كَالْحَاكِمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ أَوْ يُلَقَّنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَشْمَلُ الْمُحَكَّمَ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ حَيْثُ لَا وَلَدَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيُرْضَى بِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي النَّسَبِ، فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا فِي حَقِّهِ، وَالسَّيِّدُ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ كَالْحَاكِمِ لَا الْمُحَكَّمِ كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ

تَنْبِيهٌ عَطْفُهُ التَّلْقِينَ عَلَى الْأَمْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَمْرُ هُوَ التَّلْقِينُ: وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَمْرِ، وَيُحْتَمَلُ التَّغَايُرُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ قَوْلَ الْقَاضِي: قُلْ، وَبِالتَّلْقِينِ: أَشْهَدُ إلَخْ (وَ) يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا تَمَامُ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ (أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ) لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِلِعَانِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى لِعَانِهَا قَبْلَهُ، فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسِ أَوْ بِابْتِدَاءِ لِعَانِهَا نُقِضَ

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ لِعَانِهِ وَلِعَانِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي يَوْمٍ وَهِيَ فِي يَوْمٍ آخِرِ (وَ) يَقْذِفُ وَ (يُلَاعِنُ أَخْرَسُ) خِلْقَةً (بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْأَلِفِ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّهِ كَالنُّطْقِ مِنْ النَّاطِقِ، وَلَيْسَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُ لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ دُونَهَا؛ لِأَنَّ النَّاطِقِينَ يَقُومُونَ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ لِبُعْدِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ، أَمَّا إذَا عَرَضَ لَهُ الْخَرَسُ، فَإِنْ رَجَى نُطْقَهُ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اُنْتُظِرَ نُطْقُهُ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ نُطْقُهُ أَوْ رُجِيَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ كَالْخَرَسِ الْخِلْقِيِّ

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَتَصْرِيحِ الشَّامِلِ فَإِذَا لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ أَشَارَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ بِكَلِمَةِ اللَّعْنِ، وَإِنْ لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ

ص: 65

وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ، وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ وَمَكَانٌ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ، فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ كَلِمَةَ اللَّعْنِ، وَلَكِنْ لَوْ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ مَرَّةً وَأَشَارَ إلَيْهَا أَرْبَعًا جَازَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ النَّصُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ نَطَقَ لِسَانُ الْأَخْرَسِ مِنْ بَعْدِ قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْقَذْفَ بِإِشَارَتِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ أَثْبَتَتْ حَقًّا لِغَيْرِهِ، أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ اللِّعَانَ بِهَا قُبِلَ مِنْهُ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَالنَّسَبُ، وَلَا تَرْتَفِعُ الْفُرْقَةُ وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ، وَيُلَاعِنُ إنْ شَاءَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ وَلِنَفْيِ الْوَلَدِ إنْ لَمْ يَفُتْ (وَيَصِحُّ) اللِّعَانُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْعَرَبِيَّةِ (بِالْعَجَمِيَّةِ) وَهِيَ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَهُمَا بِاللُّغَاتِ سَوَاءٌ، فَيُرَاعِي الْأَعْجَمِيُّ الْمُلَاعِنُ تَرْجَمَةَ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ، ثُمَّ إنْ أَحْسَنَ الْقَاضِي الْعَجَمِيَّةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْضِرَ أَرْبَعَةً مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَرْجِمٍ، وَيَكْفِي اثْنَانِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ (وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَانُهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَغْلِيظِ اللِّعَانِ، وَهُوَ إمَّا بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ:(وَيُغَلَّظُ) لِعَانُ مُسْلِمٍ (بِزَمَانٍ، وَهُوَ بَعْدَ) صَلَاةِ (عَصْرِ) كُلِّ يَوْمٍ كَانَ إنْ كَانَ طَلَبُهُ حَثِيثًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ يَمِينًا كَاذِبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ حَثِيثٌ فَبَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ يَوْمِ (جُمُعَةٍ) أَوْلَى لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهَا مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ» وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ هُنَا، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِعَصْرِ الْجُمُعَةِ الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةَ كَشَهْرِ رَجَبٍ، وَرَمَضَانَ، وَيَوْمَيْ الْعِيدِ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ (وَمَكَانٌ، وَهُوَ أَشْرَفُ) مَوَاضِعِ (بَلَدِهِ) أَيْ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الزَّجْرِ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَشْرَفُ مَوَاضِعِ الْبَلَدِ، وَهِيَ أَحْسَنُ لِتُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ، وَلِهَذَا زِدْتهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ فَضْلُ الْأَشْرَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَبِمَكَّةَ) أَيْ فَاللِّعَانُ بِهَا يَكُونُ (بَيْنَ الرُّكْنِ) الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ (وَ) بَيْنَ (الْمَقَامِ) لِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وَيُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا بِالْحَطِيمِ

فَإِنْ قِيلَ: لَا شَيْءَ فِي مَكَّةَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيْتِ فَكَانَ الْقِيَاسُ التَّحْلِيفَ فِيهِ وَلَكِنْ صِينَ عَنْهُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحِجْرِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ عُدُولَهُمْ عَنْهُ صِيَانَةٌ لِلْبَيْتِ أَيْضًا (وَ) اللِّعَانُ فِي (الْمَدِينَةِ) يَكُونُ (عِنْدَ الْمِنْبَرِ) مِمَّا يَلِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ جَوَامِعِ اللِّعَانِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ يَمِينًا آثِمَةً وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ»

ص: 66

وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ

وَغَيْرِهَا عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ، وَحَائِضٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَذِمِّيٌّ فِي بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْبُوَيْطِيِّ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ: يَكُونُ اللِّعَانُ فِي الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (وَ) اللِّعَانُ فِي (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ (عِنْدَ الصَّخْرَةِ) لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَفِي ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ

تَنْبِيهٌ: التَّغْلِيظُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ إلَيْهَا أَيْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَ) اللِّعَانُ فِي (غَيْرِهَا) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ (عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ) لِأَنَّهُ الْمُعَظَّمُ مِنْهُ قَالَا: وَأَوْرَدَ الْمُتَوَلِّي فِي صُعُودِ الْمِنْبَرِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي صُعُودِ مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ صُعُودِهِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي (وَ) تُلَاعِنُ امْرَأَةٌ (حَائِضٌ) أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُتَحَيِّرَةٌ مُسْلِمَةٌ (بِبَابِ الْمَسْجِدِ) الْجَامِعِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ، وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ فَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهَا

قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَهَذَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَعْجِيلَ اللِّعَانِ، فَلَوْ رَأَى تَأْخِيرَهُ إلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ وَغُسْلِهَا جَازَ نَقْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ، قَالَ وَهُوَ فِي الْجُنُبِ أَيْ الْمُسْلِمِ أَوْلَى أَمَّا الْكَافِرُ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِمَا يَأْتِي، فَإِنْ أُرِيدَ لِعَانُهُ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُكِّنَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْ نَحْوِ الْحَائِضِ (وَ) يُلَاعِنُ (ذِمِّيٌّ) وَلَوْ عَبَّرَ بِكِتَابِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْتَأْمَنَ وَالْمُعَاهَدَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا (فِي بِيعَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوَّلَهُ، وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى (وَ) فِي (كَنِيسَةٍ) وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ، وَتُسَمَّى الْبِيعَةُ أَيْضًا كَنِيسَةً بَلْ هُوَ الْعُرْفُ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَالْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ جَوَازِ دُخُولِ الْحَاكِمِ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صُوَرٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ دُخُولُ بَيْتٍ فِيهِ صُوَرٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ يُعْلَمُ هَذَا مِمَّا سَيَأْتِي، وَيَقُولُ الْيَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصْرَانِيُّ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِمُوسَى أَيْ وَلَا النَّصْرَانِيُّ بِعِيسَى كَمَا لَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، بَلْ ذَلِكَ مَحْظُورٌ اهـ.

أَيْ مَكْرُوهٌ (وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ) يَكُونُ اللِّعَانُ فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَالْمَقْصُودُ الزَّجْرُ عَنْ الْكَذِبِ فَيَحْضُرُهُ الْقَاضِي رِعَايَةً

ص: 67

لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ، وَجَمْعٍ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ

وَالتَّغْلِيظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا،

ــ

[مغني المحتاج]

لِاعْتِقَادِهِمْ لِشُبْهَةِ الْكِتَابِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ فَيُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنْ قَالَتْ: أُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (لَا بَيْتَ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ، وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، بِخِلَافِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدْخُلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ وَيَتَرَافَعُونَ إلَيْنَا، وَإِلَّا فَأَمْكِنَةُ الْأَصْنَامِ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْهَدْمِ أَمَّا تَغْلِيظُ الْكَافِرِ بِالزَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ لَا يَنْتَحِلُ مِلَّةً كَالدَّهْرِيِّ بِفَتْحِ الدَّالِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَبِضَمِّهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَعَابِدِ الْوَثَنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي حَقِّهِ تَغْلِيظٌ بَلْ يُلَاعِنُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يُزْجَرُ

قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَلَا فِي كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقَسَمِ الثَّانِي مِنْ التَّغْلِيظَاتِ، فَقَالَ:(وَ) يُغَلَّظُ بِحُضُورِ (جَمْعٍ) مِنْ عُدُولٍ أَعْيَانِ بَلَدِ اللِّعَانِ وَصُلَحَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا عَنْ الْكَذِبِ، وَ (أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ) لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعَدَدُ إتْيَانَهُ بِاللِّعَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْحَاكِمِ، وَيَكْفِي السَّيِّدُ فِي رَقِيقِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى (وَالتَّغْلِيظَاتُ) بِمَا ذَكَرَ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَجَمْعٍ (سُنَّةٌ) فِي مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ (وَلَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَتَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِتَعَدُّدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إنَّهُ فَرْضٌ لِلِاتِّبَاعِ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَكَانِ طَرْدًا فِي الزَّمَانِ وَالْجَمْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِيهِمَا، وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِهِ فِي الْجَمْعِ دُونَ الزَّمَانِ (وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي) وَنَائِبِهِ وَمُحَكِّمٍ وَسَيِّدٍ (وَعْظُهُمَا) أَيْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِالتَّخْوِيفِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِهِلَالٍ «اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ، وَيَقُولُ لَهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا مَنْ تَابَ»

ص: 68

وَيُبَالِغُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ، وَشَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَهَا وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ وَلَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا صَحَّ

ــ

[مغني المحتاج]

(وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ (يُبَالِغُ) الْقَاضِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِ فِي وَعْظِهِمَا نَدْبًا (عِنْدَ الْخَامِسَةِ) مِنْ لِعَانِهِمَا قَبْلَ شُرُوعِهِمَا فِيهَا فَيَقُولُ لِلزَّوْجِ: اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِك: عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلَّعْنِ إنْ كُنْت كَاذِبًا، وَلِلزَّوْجَةِ: اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِك: غَضَبَ اللَّهِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْغَضَبِ إنْ كُنْت كَاذِبَةً لَعَلَّهُمَا يَنْزَجِرَانِ وَيَتْرُكَانِ، وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَامْرَأَةً أَنْ تَضَعَ يَدَهَا عَلَى فِيهَا لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد، وَيَأْتِي الَّذِي يَضَعُ يَدَهُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ أَبَيَا إلَّا إتْمَامَ اللِّعَانِ تَرَكَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا وَلَقَّنَهُمَا الْخَامِسَةَ (وَ) يُسَنُّ لَهُمَا (أَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ) لِيَرَاهُمَا النَّاسُ وَيَشْتَهِرُ أَمْرُهُمَا، فَيَقُومُ الرَّجُلُ عِنْدَ لِعَانِهِ وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ، ثُمَّ تَقُومُ عِنْدَ، لِعَانِهَا وَيَقْعُدُ الرَّجُلُ، فَقَوْلُهُ: قَائِمَيْنِ حَالٌ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا، لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ عَنْ قِيَامٍ كَانَ أَوْضَحَ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لَاعَنَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ كَمَا فِي الْأُمِّ (وَ) الْمُلَاعِنُ (شَرْطُهُ زَوْجٌ) فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ أَجْنَبِيٍّ وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِ الزَّوْجِ مَخْرَجًا مِنْ الْقَذْفِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، فَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] : فَأَوْجَبَ سبحانه وتعالى الْحَدَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الزَّوْجَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ خَصَّ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاجُ الزَّوْجِ لِلْقَذْفِ لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ

فَإِنْ قِيلَ: يَصِحُّ لِعَانُ غَيْرِ الزَّوْجِ فِي صُورَتَيْنِ: الْبَائِنِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَلِإِسْقَاطِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ فِي النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا وَلَاعَنَ لِنَفْيِ السَّبَبِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجِ مَنْ لَهُ عَلَقَةُ النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ، وَقَوْلُهُ (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا صَادِقٌ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَحْدُودِ وَالْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا وَغَيْرِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ مِنْهُمَا عَلَى الْقَذْفِ تَأْدِيبًا تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي الْجُمْلَةِ يَرُدُّ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، وَفَرَّعْنَا عَلَى انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ زَوْجٌ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ لِعَانُهُ (وَلَوْ ارْتَدَّ) زَوْجٌ (بَعْدَ وَطْءٍ) مِنْهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ اسْتِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ (فَقَذَفَهَا)(وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ) لِدَوَامِ النِّكَاحِ (وَلَوْ لَاعَنَ) حَالَ الرِّدَّةِ (ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (صَحَّ) لِعَانُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ

ص: 69

أَوْ أَصَرَّ صَادَفَ بَيْنُونَةً.

ــ

[مغني المحتاج]

لِعَانَةً (بَيْنُونَةً) لِتَبَيُّنِ انْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بِالرِّدَّةِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ وَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ صَحَّ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُضَافٍ إلَى حَالِ النِّكَاحِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ، وَإِلَّا تَبَيَّنَا فَسَادَهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الْأَصَحِّ، هَذَا إنْ قَذَفَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ، فَإِنْ كَانَ قَذَفَهَا فِي حَالِ الْإِسْلَامِ صَحَّ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ قَذَفَ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَإِنَّ لَهُ الْمُلَاعَنَةَ

فُرُوعٌ: لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اللِّعَانِ ثُمَّ طَلَبَهُ مُكِّنَ مِنْهُ،

وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ لَاعَنَ لَهُنَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَتَدَاخَلُ، وَيَكُونُ اللِّعَانُ عَلَى تَرْتِيبِ قَذْفِهِنَّ، فَلَوْ أَتَى بِلِعَانٍ وَاحِدٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ سَمَّاهَا أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِنَّ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ رَضِينَ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ رَضِيَ الْمُدَّعُونَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَاعَنَ لَهُنَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَدٌّ عَلَى الْجَدِيدِ، ثُمَّ إنْ رَضِينَ بِتَقْدِيمِ وَاحِدَةٍ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَشَاحَحْنَ فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِوَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ بَدَأَ الْحَاكِمُ بِلِعَانِ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَاتِ يَصِلْنَ إلَى حَقِّهِنَّ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: رَجَوْتُ أَنْ لَا يَأْثَمَ، وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَفْضِيلَ بَعْضِهِنَّ،

وَلَا يَتَكَرَّرُ الْحَدُّ بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ، وَلَوْ صَرَّحَ فِيهِ بِزِنًا آخَرَ لِاتِّحَادِ الْمَقْذُوفِ، وَالْحَدُّ الْوَاحِدُ يُظْهِرُ الْكَذِبَ وَيَدْفَعُ الْعَارَ فَلَا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ تَصْدِيقُهُ، لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ لِعَانٌ وَاحِدٌ يَذْكُرُ فِيهِ الزَّانِيَاتِ كُلِّهَا، وَكَذَا الزُّنَاةُ إنْ سَمَّاهُمْ فِي الْقَذْفِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ وَفُلَانَةَ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي لِعَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهِمْ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَهُمْ، لَا إسْقَاطُهُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا بِطَلَبِهَا طَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهِ بِالْحَدِّ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَلَهُ اللِّعَانُ، وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجِيَّةِ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِ الرَّجُلِ فَقَطْ، وَلَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ فَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَذْفِهِ كَانَ لَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا لَا تَبَعًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ، وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَجْنَبِيَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ بِزَيْدٍ فَعَلَى الْحَاكِمِ إعْلَامُ زَيْدٍ بِذَلِكَ لِيُطَالِبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ عِنْدَهُ بِمَالٍ لَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْلِمُهُ لِيَسْتَوْفِيَ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَمَنْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا عُزِّرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا أَنْ يُعَزَّرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ بِمَثَابَةِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالزَّوْجَةُ كَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْقَذْفَانِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ حَدًّا وَاحِدًا، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْأَوَّلِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ تَعَدَّدَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ مُوجِبِ

ص: 70

وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ

تَنْبِيهٌ: وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا.

ــ

[مغني المحتاج]

الْقَذْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَقَامَ بِأَحَدِ الزِّنَاءَيْنِ بَيِّنَةً سَقَطَ الْحَدَّانِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا وَبَدَأَتْ بِطَلَبِ حَدِّ قَذْفِ الزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ لَهُ ثُمَّ لِلثَّانِي إنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ حَدُّهُ، وَإِنْ بَدَأَتْ بِالثَّانِي فَلَاعَنَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا بِلَا لِعَانٍ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ، فَإِنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْقَذْفِ عُزِّرَ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يَتَعَدَّدُ، فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ حَدَّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَذَفَهَا، فَإِنْ لَاعَنَ لِلْأَوَّلِ عُزِّرَ لِلثَّانِي لِلْإِيذَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ حُدَّ حَدَّيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقَذْفَيْنِ فِي الْحُكْمِ

ثُمَّ شَرَعَ فِي أُمُورٍ مِنْ ثَمَرَاتِ اللِّعَانِ، فَقَالَ:(وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ) أَيْ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ الزَّوْجَةُ أَوْ كَانَ كَاذِبًا (فُرْقَةٌ) وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ لَوْ كَانَتْ، أَمَةً وَاشْتَرَاهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ: لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» (وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ) فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ عَوْدُ النِّكَاحِ وَلَا رَفْعُ تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهُ وَقَدْ بَطَلَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَوْدِهِمَا، بِخِلَافِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا حَدُّهَا أَيْ الزَّوْجَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَمْ أَرَهُ مُصَرِّحًا بِهِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ سُقُوطَهُ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ.

نَفْسَهُ فِي الْمَتْنِ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا أَيْضًا كَمَا جَوَّزَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» (وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ) أَيْ حَدِّ قَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ إنْ كَانَتْ، مُحْصَنَةً وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي عَنْهُ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعُقُوبَةِ بَدَلَ الْحَدِّ لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ (وَ) يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ أَيْضًا (وُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا) مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كَافِرَةً إنْ لَمْ تُلَاعِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8]

ص: 71

وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ مُمْكِنٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ لَمْ يَلْحَقْهُ

وَلَهُ نَفْيُهُ مَيِّتًا، وَالنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَدِيدِ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ وَيَتَشَطَّرُ بِهِ الصَّدَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَيَسْتَبِيحُ نِكَاحَ أَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَمَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا عَلَى لِعَانِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ

فَرْعٌ: لَوْ قَذَفَ زَوْجٌ زَوْجَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَهِيَ ثَيِّبٌ ثُمَّ لَاعَنَا وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ جُلِدَتْ ثُمَّ رُجِمَتْ

(وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ) أَيْ فِيهِ حَيْثُ كَانَ وَلَدٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» (وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ) الْمُلَاعِنُ (إلَى نَفْيِ) نَسَبِ وَلَدٍ (مُمْكِنٍ) كَوْنَهُ (مِنْهُ) وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ بَيَانُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ (بِأَنْ وَلَدَتْهُ) الْمُلَاعِنَةُ (لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) فَأَقَلَّ (مِنْ الْعَقْدِ) لِانْتِفَاءِ زَمَنِ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ (أَوْ) أَكْثَرُ مِنْهُمَا بِقَدْرِهِمَا وَأَكْثَرُ لَكِنَّهُ (طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ) امْرَأَةً (وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ) وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمَا وَوَطْءٌ وَحَمْلُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ (لَمْ يَلْحَقْهُ) الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى انْتِفَائِهِ إلَى لِعَانٍ.

تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ تَامًّا، فَإِنْ لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ صُوَرِ التَّعَذُّرِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَمْسُوحًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ قَالَ: كَأَنْ وَلَدَتْهُ بِالْكَافِ كَانَ أَوْلَى، وَيُمْكِنُ إحْبَالُ الصَّبِيِّ لِتِسْعِ سِنِينَ، وَيُشْتَرَطُ كَمَالُ التَّاسِعَةِ ثُمَّ يُلَاعِنُ حَتَّى يَثْبُتَ بُلُوغُهُ، فَإِنْ ادَّعَى الِاحْتِلَامَ وَلَوْ عَقِبَ إنْكَارِهِ لَهُ صُدِّقَ، وَخَرَجَ بِالْمَمْسُوحِ مَجْبُوبُ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إحْبَالُهُمَا.

(وَلَهُ نَفْيُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مَيِّتًا) لِأَنَّ نَسَبَهُ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يُقَالُ: مَاتَ وَلَدُ فُلَانٍ وَهَذَا قَبْرُ وَلَدِ فُلَانٍ

فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ نَفْيِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إسْقَاطُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ النَّفْيِ جَازَ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَيَسْتَحِقُّ إرْثَهُ، وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَتِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَهُ ثُمَّ نَفَاهُ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ جَزْمًا (وَالنَّفْيُ) لِنَسَبِ وَلَدٍ يَكُونُ (عَلَى الْفَوْرِ فِي) الْأَظْهَرِ (الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُحَقَّقٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشُّفْعَةِ، وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالثَّانِي لَهُ النَّفْيُ مَتَى شَاءَ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ هُنَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيَذْكُرَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ أَوْ الْحَمْلَ الْمَوْجُودَ لَيْسَ مِنِّي مَعَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ (وَيُعْذَرُ) الْمُلَاعِنُ فِي تَأْخِيرِ النَّفْيِ عَلَى قَوْلِ الْفَوْرِ (لِعُذْرٍ) كَأَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا فَأَخَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ أَوْ كَانَ جَائِعًا فَأَكَلَ أَوْ

ص: 72

وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ، وَمَنْ أَخَّرَ وَقَالَ جَهِلْت الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيهَا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: مُتِّعْت بِوَلَدِك، أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَدًا صَالِحًا فَقَالَ آمِينَ أَوْ نَعَمْ تَعَذَّرَ نَفْيُهُ، وَإِنْ قَالَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَوْ بَارَكَ عَلَيْك فَلَا

وَلَهُ اللِّعَانُ مَعَ إمْكَانِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا،

ــ

[مغني المحتاج]

عَارِيًّا فَلَبِسَ، فَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ خَائِفًا ضَيَاعَ مَالٍ أَرْسَلَ إلَى الْقَاضِي لِيَبْعَثَ إلَيْهِ نَائِبًا يُلَاعِنُ عِنْدَهُ أَوْ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ حَقُّهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ أَشْهَدَ إنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بَطَلَ حَقُّهُ، وَلِلْغَائِبِ النَّفْيُ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَهُ مَعَ وُجُودِهِ التَّأْخِيرُ إلَى الرُّجُوعِ إنْ بَادَرَ إلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ الْإِشْهَادِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ مِنْ النَّفْيِ فِي الْأَصَحِّ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ (وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ لَاعَنَ عَنْ الْحَمْلِ» (وَ) لَهُ أَيْضًا (انْتِظَارُ وَضْعِهِ) لِيُلَاعِنَ عَلَى يَقِينٍ، فَإِنَّ الْمُتَوَهَّمَ حَمْلًا قَدْ يَكُونُ رِيحًا فَيَنْفُشُ بِخِلَافِ انْتِظَارِ وَضْعِهِ لِرَجَاءِ مَوْتِهِ، كَأَنْ قَالَ: عَلِمْته وَلَدًا وَأَخَّرْت رَجَاءَ وَضْعِهِ لِيَنْزِلَ مَيِّتًا فَأُكْفَى اللِّعَانَ، فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ مِنْ الْمَنْفِيِّ لِتَفْرِيطِهِ مَعَ عِلْمِهِ (وَمَنْ أَخَّرَ) نَفْيَ نَسَبِ وَلَدٍ (وَقَالَ: جَهِلْت الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا) وَلَمْ يَسْتَفِضْ وَيَنْتَشِرْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُوَافِقُهُ، فَإِنْ اسْتَفَاضَ وَانْتَشَرَ لَمْ يُصَدَّقْ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَأَقَرَّاهُ (وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ) بِالْوِلَادَةِ (فِيهَا) كَأَنْ كَانَا فِي مَحَلَّتَيْنِ وَأَمْكَنَ الْخَفَاءُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ (وَلَوْ) قَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ مَنْ أَخْبَرَنِي بِالْوِلَادَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ: كَصَبِيٍّ وَفَاسِقٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَ (قِيلَ لَهُ) تَهْنِئَةٌ بِوَلَدٍ (مُتِّعْت بِوَلَدِك أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَك وَلَدًا صَالِحًا، فَقَالَ) مُجِيبًا لِلْقَائِلِ: (آمِينَ أَوْ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا، كَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك (تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (نَفْيُهُ) وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِهِ نَعَمْ إنْ عُرِفَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ وَادَّعَى حَمْلَ التَّهْنِئَةِ وَالتَّأْمِينِ أَوْ نَحْوَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ نَفْيُهُ إلَّا إنْ كَانَ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ: نَفَعَك اللَّهُ بِهَذَا الْوَلَدِ فَقَالَ: آمِينَ أَوْ نَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ لِمَا مَرَّ (وَ) إنْ أَجَابَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ كَأَنْ (قَالَ) لِلْقَائِلِ (جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَوْ بَارَكَ) اللَّهُ (عَلَيْك فَلَا) يَتَعَذَّرُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ مُكَافَأَةَ الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ النَّفْيِ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ زَالَ بِذَلِكَ.

أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْقَاضِي، أَوْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ يُعْذَرُ فِيهَا بِالتَّأْخِيرِ لِنَحْوِ لَيْلٍ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَالَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهِيَ التَّصْرِيحُ بِمَا يُشْعِرُ بِإِنْكَارِ الْوَلَدِ كَأَعُوذُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ لِظُهُورِهِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ

تَتِمَّةٌ لَوْ قَالَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْوَلَدِ: لَمْ أَعْلَمْ جَوَازَ اللِّعَانِ أَوْ فَوْرِيَّتِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ صُدِّقَ كَنَظِيرِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُتْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَقِيهًا

(لَهُ)

ص: 73