الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ وَزَعَمَهُ قَبْلَ انْدِمَالِهِ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا حَلَفَ الْجَرِيحُ وَثَبَتَ أَرْشَانِ. قِيلَ: وَثَالِثٌ.
فَصْلٌ: الصَّحِيحُ ثُبُوتُهُ لِكُلِّ وَارِثٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَنِصْفٌ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَلِيُّ وَقَاطِعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الْيَدِ فِي مُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ صُدِّقَ مُنْكِرُ الْإِمْكَانِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ أُصْبُعَ آخَرَ فَدَاوَى جُرْحَهُ ثُمَّ سَقَطَتْ الْكَفُّ، فَقَالَ الْمَجْرُوحُ تَأَكَّلَ مِنْ الْجُرْحِ، وَقَالَ الْجَانِي مِنْ الدَّوَاءِ صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ إلَّا إنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ هَذَا الدَّوَاءَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ فَيُصَدَّقُ الْجَارِحُ بِيَمِينِهِ.
(وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ) بَيْنَهُمَا وَالْجَمِيعُ عَمْدٌ أَوْ بِشُبْهَةٍ أَوْ خَطَأٌ (وَزَعَمَهُ) أَيْ الرَّفْعَ (قَبْلَ انْدِمَالِهِ) أَيْ الْإِيضَاحِ حَتَّى يَجِبَ أَرْشٌ وَاحِدٌ، وَزَعَمَ الْجَرِيحُ أَنَّ الرَّفْعَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ حَتَّى يَجِبَ أَرْشُ ثَلَاثِ مُوضِحَاتٍ (صُدِّقَ) الْجَانِي بِيَمِينِهِ (إنْ أَمْكَنَ) عَدَمُ الِانْدِمَالِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ عَدَمُ الِانْدِمَالِ بِأَنْ طَالَ الزَّمَانُ (حَلَفَ الْجَرِيحُ) أَنَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ (وَثَبَتَ) لَهُ (أَرْشَانِ) لِلْمُوضِحَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْحَالَيْنِ (قِيلَ: وَ) أَرْشٌ (ثَالِثٌ) لِرَفْعِ الْحَاجِزِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ رَفْعُ الْحَاجِزِ بِاعْتِرَافِهِ وَثَبَتَ الِانْدِمَالُ بِيَمِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ مُوضِحَةٌ ثَالِثَةٌ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَلِفَهُ دَافِعٌ لِلنَّقْصِ عَنْ أَرْشَيْنِ فَلَا يُوجِبُ أَرْشًا آخَرَ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا رَفَعْتُ الْحَاجِزَ أَوْ رَفَعَهُ آخَرُ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ أَنَا رَفَعْتُهُ أَوْ رُفِعَ بِالسِّرَايَةِ صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَتَيْنِ مُوجِبَتَانِ أَرْشَيْنِ، فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهُمَا وَاسْتِمْرَارهمَا، وَإِنْ قَالَ الْجَانِي: لَمْ أُوضِحْ إلَّا وَاحِدَةً، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ أَوْضَحْتَ مُوضِحَتَيْنِ وَأَنَا رَفَعْتُ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الزِّيَادَةِ.
[فَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ]
(فَصْلٌ) فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (ثُبُوتُهُ) أَيْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ابْتِدَاءً لَا تَلَقِّيًا مِنْ الْقَتِيلِ (لِكُلِّ وَارِثٍ) خَاصٍّ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَةِ: أَيْ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، وَإِلَّا لَجَازَ انْفِرَادُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ بِالْقِصَاصِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُقَسَّمُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُوَرَّثُ فَكَانَ كَالْمَالِ، فَلَوْ خَلَّفَ قَتِيلٌ زَوْجَتَهُ وَابْنًا كَانَ لَهَا الثُّمُنُ وَلِلِابْنِ الْبَاقِي وَالثَّانِي يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ الذُّكُورِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِرَفْعِ الْعَارِ فَاخْتُصَّ بِهِمْ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ.
وَيُنْتَظَرُ غَائِبُهُمْ وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ، وَمَجْنُونِهِمْ.
وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ وَلَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ، وَلْيَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَالثَّالِثُ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُونَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّشَفِّي.
أَمَّا قِصَاصُ الطَّرَفِ إذَا مَاتَ مُسْتَحِقُّهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ قَطْعًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُحْتَمَلُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي النَّفْسِ فِيهِ؛ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا ارْتَدَّ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَنَفْسُهُ هَدَرٌ وَيَسْتَوْفِي جُرْحَهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ الْخَاصِّ الْعَامُّ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ هَلْ يَقْتَصُّ أَوْ لَا؟ وَأَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَصُّ، وَعَلَيْهِ فَيَقْتَصُّ الْإِمَامُ مَعَ الْوَارِثِ غَيْرِ الْحَائِزِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِيهِ أَيْضًا. وَمَحَلُّ ثُبُوتِهِ لِلْوَرَثَةِ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ. أَمَّا فِيهِ فَالْقِصَاصُ حَتْمٌ بِشَرْطِهِ الْآتِي فِي بَابِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ دُونَ الْوَرَثَةِ.
(وَيُنْتَظَرُ) حَتْمًا فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (غَائِبُهُمْ) إلَى حُضُورِهِ أَوْ إذْنِهِ (وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ) بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا (وَ) كَمَالُ (مَجْنُونِهِمْ) بِإِفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إلَى خِيَرَةِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ حَكَمَ لِلْكَبِيرِ حَاكِمٌ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، حَكَاهُمَا وَالِدُ الرُّويَانِيِّ عَنْ جَدِّهِ، وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَقِيرَيْنِ مُحْتَاجَيْنِ لِلنَّفَقَةِ جَازَ لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ غَيْرِ الْوَصِيِّ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ دُونَ وَلِيِّ الصَّبِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ غَايَةً تُنْتَظَرُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ.
وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ فِي الصَّبِيِّ أَيْضًا، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَنَبَّهْتُ فِي شَرْحِهِ عَلَى ضَعْفِهِ، أَمَّا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يُنْتَظَرُ مَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ. .
(وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ) أَوْ الْقَاطِعُ حَتْمًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ حِفْظًا لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ، وَفِيهِ إتْلَافُ نَفْسٍ وَمَنْفَعَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ نَفْسِهِ أَتْلَفْنَا مَنْفَعَتَهُ بِالْحَبْسِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ فِي حَبْسِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ عِنْدَهُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَهْرُبُ فَيُفَوَّتُ الْحَقُّ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْحَبْسِ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. أَمَّا فِيهِ فَالْقِصَاصُ مُتَحَتِّمٌ بِشَرْطِهِ فَلَا يُؤَخَّرُ (وَلْيَتَّفِقُوا) أَيْ مُسْتَحِقُّو الْقِصَاصِ الْمُكَلَّفُونَ الْحَاضِرُونَ (عَلَى مُسْتَوْفٍ) لَهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ لِلْجَانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ بِنَحْوِ إغْرَاقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَوْفِي الَّذِي يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي طَرَفٍ، بَلْ يَتَعَيَّنُ تَوْكِيلُ أَجْنَبِيٍّ إذَا لَمْ
وَإِلَّا فَقُرْعَةٌ.
يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ وَيَسْتَنِيبُ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ.
وَلَوْ بَدَرَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ فَالْأَظْهَرُ لَا قِصَاصَ، وَلِلْبَاقِينَ قِسْطُ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمُبَادِرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَأْذَنْ الْجَانِي كَمَا سَيَأْتِي (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ، بَلْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ (فَقُرْعَةٌ) بَيْنَهُمْ وَاجِبَةٌ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ تَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ بَعْدَهَا، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي التَّزْوِيجِ، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يُزَوِّجُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِمْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ، وَلِجَمِيعِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ تَأْخِيرُهُ كَإِسْقَاطِهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ. .
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الْقُرْعَةِ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ بِجَارِحٍ أَوْ مُثْقَلٍ يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ فَإِنْ كَانَ بِإِغْرَاقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ رَمْيِ صَخْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلِلْوَرَثَةِ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَلَا حَاجَةَ لِلْقُرْعَةِ، وَعَلَى وُجُوبِ الْقُرْعَةِ (يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ) عَنْ الِاسْتِيفَاءِ كَشَيْخٍ وَامْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ كَالْقَادِرِ (وَيَسْتَنِيبُ، وَقِيلَ) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (لَا يَدْخُلُ) وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: إنَّ الْأَوَّلَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِيفَاءِ فَيَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَتْ لِقَوِيٍّ فَعَجَزَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أُعِيدَتْ لِلْبَاقِينَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْمَرْأَةِ تَخْصِيصُهَا بِالْعَاجِزَةِ، فَلَوْ كَانَتْ قَوِيَّةً جَازَ لَهَا الِاسْتِيفَاءُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي (وَلَوْ بَدَرَ) أَيْ أَسْرَعَ (أَحَدُهُمْ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْقِصَاصِ (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْجَانِيَ قَبْلَ الْعَفْوِ (فَالْأَظْهَرُ) أَنَّهُ (لَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ فَيَدْفَعُ حَقُّهُ الْعُقُوبَةَ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ. (وَلِلْبَاقِينَ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (قِسْطُ الدِّيَةِ) لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ (مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْمُبَادِرَ فِيمَا وَرَاءَ حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أَخَذَ الْوَرَثَةُ الدِّيَةَ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي لَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَكَذَا هُنَا، وَلِوَارِثِ الْجَانِي عَلَى الْمُبَادِرِ قِسْطُ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ (وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمُبَادِرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ حَقِّ غَيْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ أَنَّهُمْ بِالْخِيَارِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ طَرَفًا فَاسْتَوْفَى نَفْسًا، وَعَلَى هَذَا إذَا اقْتَصَّ مِنْهُ اسْتَحَقَّ وَرَثَتُهُ قِسْطَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي كَالْبَاقِينَ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ لَهُ بِقِصَاصٍ وَلَا مَنْعٍ؛ فَإِنْ جَهِلَهُ أَوْ حَكَمَ لَهُ بِهِ حَاكِمٌ فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا، أَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ جَزْمًا، وَفِيمَنْ يَحْمِلُ الدِّيَةَ إذَا قَتَلَهُ الْمُبَادِرُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ قَوْلَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ
وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ، وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ.
(وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ عَفْوِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) فِي الْأَصَحِّ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ أَمْ لَا، لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْقَوَدِ سَقَطَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْوَكِيلُ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِالْعَزْلِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ الْإِقْدَامُ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ.
تَنْبِيهٌ: بَادَرَ: لُغَةٌ فِي بَدَرَ (وَقِيلَ لَا) قِصَاصَ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِعَفْوِ غَيْرِهِ (وَ) لَمْ (يَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ) أَيْ بِنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُبَادِرِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُ جَرَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ مَعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ أَحَدُهُمَا كَافٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ فَيَصِحُّ، وَيُوَجَّهُ عَدَمُ الْقِصَاصِ فِي نَفْيِهِمَا أَوْ الْعِلْمُ فَقَطْ بِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ بِشُبْهَةٍ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْوَرَثَةِ الِانْفِرَادَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلَانِ كَمَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا لُزُومَ الْقِصَاصِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِالْعَفْوِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحٍ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا لُزُومَ الْقِصَاصِ جَزْمًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَفْوِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالسُّقُوطِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْجَانِي فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ وَارِثُ الْجَانِي عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْعَفْوَيْنِ: مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ (وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ) فِي نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) فِيهِ لِخَطَرِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِيفَاءِ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ، وَكَذَا الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ.
فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَفِيدُ بِوِلَايَتِهِ إقَامَةَ الْحُدُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْإِمَامِ، بَلْ يَكْفِي إذْنُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُسَنُّ حُضُورُهُ أَوْ نَائِبِهِ وَحُضُورُ شَاهِدَيْنِ وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ، وَأَمْرُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ وَبِالْوَصِيَّةِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَبِالتَّوْبَةِ وَالرِّفْقُ فِي سَوْقِهِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِيفَاءِ، وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ وَشَدُّ عَيْنَيْهِ وَتَرْكُهُ مَمْدُودَ الْعُنُقِ وَكَوْنُ السَّيْفِ صَارِمًا إلَّا إنْ قَتَلَ بِكَالٍّ فَيُقْتَصُّ بِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ السَّيْفُ مَسْمُومًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ إذْنِ الْإِمَامِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا: السَّيِّدُ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ مِنْ رَقِيقِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ. ثَانِيهَا: إذَا انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَفِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا كَانَ بِمَكَانٍ لَا إمَامَ فِيهِ، وَيُوَافِقُهُمَا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ تَعْزِيرٌ وَكَانَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ
فَإِنْ اسْتَقَلَّ عُزِّرَ، وَيَأْذَنُ لِأَهْلٍ فِي نَفْسٍ، لَا فِي طَرَفٍ فِي الْأَصَحِّ.
فَإِنْ أَذِنَ فِي ضَرْبِ رَقَبَةٍ فَأَصَابَ غَيْرَهَا عَمْدًا عُزِّرَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَلَوْ قَالَ: أَخْطَأْت وَأَمْكَنَ عَزْلُهُ لَمْ يُعَزَّرْ.
وَأُجْرَةُ الْجَلَّادِ
ــ
[مغني المحتاج]
ثَالِثُهَا: إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُضْطَرًّا فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَأَكْلُهُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ.
(فَإِنْ اسْتَقَلَّ) مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ مَا اُسْتُثْنِيَ اُعْتُدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَ (عُزِّرَ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، وَلَوْ قَتَلَ الْجَانِي بِكَالٍّ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمَسْمُومٍ كَذَلِكَ عُزِّرَ، وَإِنْ اسْتَوْفَى طَرَفًا بِمَسْمُومٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ السُّمُّ مُوَحِّيًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ (وَيَأْذَنُ) الْإِمَامُ أَوْ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ (لِأَهْلٍ) مِنْ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ فِي اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ (فِي نَفْسٍ) إذَا طَلَبَ ذَلِكَ لِيَكْمُلَ لَهُ التَّشَفِّي، وَاحْتَرَزَ بِالْأَهْلِ عَنْ غَيْرِهِ كَالشَّيْخِ وَالزَّمِنِ وَالْمَرْأَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِمَا فِي اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَعَمَّا إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ الْوَارِثُ الذِّمِّيُّ مِنْ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ كَافِرٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَيَأْذَنُ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُغَاةِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَدُوَّ الْجَانِي لِمَا يُخْشَى مِنْهُ مِنْ الْحَيْفِ، وَ (لَا) يَأْذَنُ لِأَهْلٍ (فِي طَرَفٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْحَيْفُ بِتَرْدِيدِ الْآلَةِ مَثَلًا فَيَسْرِي أَوْ يَزِيدُ فِي التَّعْذِيبِ وَالثَّانِي: يَأْذَنُ لَهُ كَالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ إبَانَةَ الطَّرَفِ مَضْبُوطَةٌ، وَلَا يَأْذَنُ أَيْضًا فِي حَدِّ قَذْفٍ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ الضَّرَبَاتِ كَثِيرٌ، وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَنَافِعِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّرَفِ، فَإِذَا قَلَعَ عَيْنَهُ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقَلْعِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي التَّصْحِيحِ (فَإِنْ أَذِنَ) مَنْ مَرَّ لِأَهْلٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ (فِي ضَرْبِ رَقَبَةٍ فَأَصَابَ غَيْرَهَا) كَأَنْ ضَرَبَ كَتِفَهُ (عَمْدًا) بِأَنْ اعْتَرَفَ بِهِ (عُزِّرَ) لِتَعَدِّيهِ (وَلَمْ يَعْزِلْهُ) الْإِمَامُ فِي الْأَصَحِّ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ تَعَدَّى بِفِعْلِهِ، وَقِيلَ يَعْزِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتَعَدَّى ثَانِيًا.
(وَلَوْ قَالَ: أَخْطَأْت وَأَمْكَنَ) الْخَطَأُ عَادَةً كَأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِي الرَّقَبَةَ (عَزَلَهُ) ؛ لِأَنَّ يُشْعِرُ بِعَجْزِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخْطِئَ ثَانِيًا (وَلَمْ يُعَزَّرْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ أَخْطَأَ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَاحْتُرِزَ بِأَمْكَنَ عَمَّا إذَا ادَّعَى الْخَطَأَ فِيمَا لَا يَقَعُ الْخَطَأُ بِمِثْلِهِ كَمَا إذَا ضَرَبَ رِجْلَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَإِنَّهُ يُلْتَحَقُ بِالْعَمْدِ.
تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعَزْلِ مَخْصُوصٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ بِمَنْ لَمْ تُعْرَفْ مَهَارَتُهُ فِي ضَرْبِ الرِّقَابِ. أَمَّا هُوَ فَلَا يُعْزَلُ لِخَطَأٍ اتَّفَقَ لَهُ.
(وَأُجْرَةُ الْجَلَّادِ) فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَهُوَ الْمَنْصُوبُ لِاسْتِيفَائِهِمَا، وَصْفٌ بِأَغْلَبِ أَوْصَافِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُقْتَصِّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي
عَلَى الْجَانِي عَلَى الصَّحِيحِ.
وَيُقْتَصُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي الْحَرَمِ
وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ.
ــ
[مغني المحتاج]
اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا فِي جَلْدِ مَحْدُودٍ (عَلَى الْجَانِي) الْمُوسِرِ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ إنْ لَمْ يُنَصِّبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ حَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ كَأُجْرَةِ كَيَّالِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَزْنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَصَّبَهُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اقْتَرَضَ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ أَيْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا أَوْ سَخَّرَ مَنْ يَقُومُ بِهِ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَالثَّانِي هِيَ فِي الْحَدِّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْقِصَاصِ عَلَى الْمُقْتَصِّ، وَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَانِي التَّمْكِينُ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْجَانِي: أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي وَلَا أُؤَدِّي الْأُجْرَةَ لَا يُجَابُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِفَقْدِ التَّشَفِّي، فَإِنْ أُجِيبَ وَفَعَلَ أَجْزَأَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِحُصُولِ الزُّهُوقِ وَإِزَالَةِ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ وَيُوهِمُ الْإِيلَامَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ، وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلسَّارِقِ فِي قَطْعِ يَدِهِ جَازَ وَإِنْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِ يَدِ نَفْسِهِ فَقَدْ نُسِبَ لِلسَّهْوِ، وَيُجْزِئُ عَنْ الْحَدِّ وَإِنْ خَالَفَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّنْكِيلُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُ لِمَا مَرَّ.
(وَيَقْتَصُّ) الْمُسْتَحِقُّ (عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ جَزْمًا وَفِي الطَّرَفِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُوجِبٌ الْإِتْلَافَ فَيُتَعَجَّلُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ.
(وَ) يَقْتَصُّ (فِي الْحَرَمِ) لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَوْ وَقَعَ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَسَوَاءٌ الْتَجَأَ إلَيْهِ أَمْ لَا «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ قِيلَ لَهُ إنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ فَارًّا بِدَمٍ» لِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخَّرُ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى الْفَوْرِ مَا لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ مِلْكِ إنْسَانٍ فَيَخْرُجُ مِنْهُ وَيُقْتَلُ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ اسْتِعْمَالُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خِيفَ التَّلْوِيثُ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا لَوْ الْتَجَأَ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
(وَ) يُقْتَصُّ فِي (الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ) وَإِنْ كَانَ مُخْطَرًا، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ قِصَاصًا لِطَرَفٍ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ قَطْعِ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الْأَطْرَافَ مُتَوَالِيَةً
وَتُحْبَسُ الْحَامِلُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ حَتَّى تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ وَيَسْتَغْنِيَ بِغَيْرِهَا، أَوْ فِطَامِ حَوْلَيْنِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَوْ فُرِّقَتْ مِنْ الْجَانِي؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ فِي الْحَالِ.
(وَتُحْبَسُ الْحَامِلُ) عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَبْسَهَا (فِي قِصَاصِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ) أَوْ الْمَعْنَى أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي (حَتَّى) تَضَعَ وَلَدَهَا وَ (تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ) وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ: اللَّبَنُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ النِّفَاسِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيَسْتَغْنِيَ) وَلَدُهَا (بِغَيْرِهَا) مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ بَهِيمَةٍ يَحِلُّ لَبَنُهَا (أَوْ فِطَامِ حَوْلَيْنِ) إنْ فُقِدَ مَا يَسْتَغْنِي الْوَلَدُ بِهِ، هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ فَوْرِيَّةِ الْقِصَاصِ.
أَمَّا تَأْخِيرُهَا إلَى الْوَضْعِ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا حَقَّانِ: حَقُّ الْجَنِينِ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي التَّعْجِيلِ، وَمَعَ الصَّبْرِ يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْجَنِينِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ أَوْ الْمَعْنَى أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ فَلِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ قَدْ يَحْصُلُ إجْهَاضُ الْجَنِينِ وَهُوَ مُتْلِفٌ لَهُ غَالِبًا وَهُوَ بَرِيءٌ فَلَا يَهْلِكُ بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَ وُجُوبِ الْعُقُوبَةِ أَوْ قَبْلَهَا حَتَّى إنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا بَعْدَ الرِّدَّةِ لَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا لِإِرْضَاعِ اللِّبَأِ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ مُحَقَّقًا أَوْ غَالِبًا مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ يَسِيرٌ. وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ بِغَيْرِهَا فَلِأَجْلِ حَيَاةِ الْوَلَدِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ لِوَضْعِهِ فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ أَوْلَى، وَيُسَنُّ صَبْرُ الْوَلِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ وُجُودِ مُرْضِعَاتٍ يَتَنَاوَبْنَهُ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى تُوجَدَ امْرَأَةٌ رَاتِبَةٌ مُرْضِعَةٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ خُلُقُهُ وَنَشْؤُهُ بِالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ، وَتُجْبَرُ الْمُرْضِعَةُ بِالْأُجْرَةِ، فَلَوْ وُجِدَ مَرَاضِعُ وَامْتَنَعْنَ أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ فِطَامِ حَوْلَيْنِ. مَحَلُّهُ إذَا تَضَرَّرَ بِفَطْمِهِ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ عِنْدَهُمَا، وَإِلَّا فَعَلَ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ نَقْصٍ فِي الْأُولَى مَعَ تَوَافُقِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ رِضَا السَّيِّدِ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ وَزِيَادَةٍ فِي الثَّانِيَةِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالْحَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، وَهَذَا الْحَبْسُ مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلَا يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ طَلَبٍ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ لِانْتِظَارِ الْغَائِبِ وَكَمَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَاكِمِ فَيَحْبِسُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُسْتَحِقُّ.
فُرُوعٌ: لَوْ بَادَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَقَتَلَهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ قَبْلَ وُجُودِ مَا يُغْنِيهِ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ فِيهِ كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا بِبَيْتٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ قَتَلَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَنْفَصِلْ حَمْلُهَا أَوْ انْفَصَلَ سَالِمًا ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْجِنَايَةِ، فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ وَكَفَّارَةٌ، أَوْ مُتَأَلِّمًا ثُمَّ مَاتَ فَدِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَأَلُّمَهُ وَمَوْتَهُ مِنْ مَوْتِهَا، وَالدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ، وَلَا نَتَيَقَّنُ حَيَاتَهُ فَيَكُونُ هَلَاكُهُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ، وَإِنْ قَتَلَهَا الْوَلِيُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ عَلِمَا بِالْحَمْلِ أَوْ جَهِلَا، أَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْآمِرُ بِهِ وَالْمُبَاشِرُ كَالْآلَةِ
وَالصَّحِيحُ تَصْدِيقُهَا فِي حَمْلِهَا بِغَيْرِ مَخِيلَةٍ.
وَمَنْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ أَوْ خَنِقٍ أَوْ تَجْوِيعٍ وَنَحْوِهِ اُقْتُصَّ بِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
لِصُدُورِ فِعْلِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَبَحْثِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمُكْرَهَ حَيْثُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ دُونَهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِ الْعِلْمِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ قَتَلَهَا جَلَّادُ الْإِمَامِ جَاهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَوْ عَالِمًا فَكَالْوَلِيِّ يَضْمَنُ إنْ عَلِمَ دُونَ الْإِمَامِ، وَمَا ضَمِنَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْوَلِيِّ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: إنَّهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْحَمْلِ الْإِمَامُ وَالْجَلَّادُ وَالْوَلِيُّ، فَالْقِيَاسُ عَلَى مَا مَرَّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْإِمَامِ هُنَا أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، وَحَيْثُ ضَمَّنَا الْإِمَامَ الْغُرَّةَ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ بِالْحَمْلِ حَقِيقَةَ الْحَالِ، بَلْ الْمُرَادُ ظَنٌّ مُؤَكَّدٌ بِمَخَايِلِهِ.
وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ فِي حَدٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِأَلَمِ الضَّرْبِ لَمْ تُضْمَنْ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِحَدٍّ أَوْ عُقُوبَةٍ عَلَيْهَا. وَإِنْ مَاتَتْ بِأَلَمِ الْوِلَادَةِ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ أَوْ بِهِمَا فَنِصْفُهَا، وَاقْتِصَاصُ الْوَلِيِّ مِنْهَا جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْ إذْنِهِ لَهُ فِي قَتْلِهَا كَوَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَ مُوَكِّلِهِ أَوْ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَسَيَأْتِي (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ (تَصْدِيقُهَا فِي 414 حَمْلِهَا) إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً (بِغَيْرِ مَخِيلَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ مِنْ حَمْلٍ أَوْ حَيْضٍ، وَمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ كِتْمَانُ شَيْءٍ وَجَبَ قَبُولُهُ إذَا أَظْهَرَهُ كَالشَّهَادَةِ، وَلِقَبُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ الْغَامِدِيَّةِ فِي ذَلِكَ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ الْإِخْبَارِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ لِحَقِّ الْجَنِينِ، وَقَدْ حَكَى دَاوُد وَجْهًا فِيمَا إذَا لَمْ تُخْبِرْ بِهِ وَقُتِلَتْ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَهُوَ غَرِيبٌ. اهـ.
وَالثَّانِي: لَا تُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ، وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ظُهُورِ مَخَايِلِهِ أَوْ إقْرَارِ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ تَحْلِفُ أَوْ لَا؟ رَأْيَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ لَهَا غَرَضًا فِي التَّأْخِيرِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ الثَّانِي لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهَا، وَهُوَ الْجَنِينُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا أَدْرِي الَّذِي يُصَدِّقُهَا يَقُولُ بِالصَّبْرِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَمْ إلَى ظُهُورِ الْمَخَايِلِ؟ وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي فَإِنَّ التَّأْخِيرَ أَرْبَعُ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ بَعِيدٌ. اهـ.
لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَا دَامَ يَغْشَاهَا فَاحْتِمَالُ الْحَمْلِ مَوْجُودٌ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ.
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الْوَطْءِ لِئَلَّا يَقَعَ حَمْلٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ وَلِيِّ الدَّمِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَادَةً كَآيِسَةٍ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، فَإِنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهَا، وَخَرَجَ بِقِصَاصِ النَّفْسِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُحْبَسُ لَهَا، وَلَا تُسْتَوْفَى أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمُرْضِعَةِ بَلْ تُرْضِعُهُ هِيَ وَلَا بَعْدَ الرَّضَاعِ حَتَّى يُوجَدَ لَهُ كَافِلٌ.
(وَمَنْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ) كَسَيْفٍ أَوْ بِمُثْقَلٍ كَحَجَرٍ (أَوْ خَنِقٍ) بِكَسْرِ النُّونِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ، وَبِسُكُونِهِ عَنْ خَالِهِ الْفَارَابِيِّ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ مَعَ تَجْوِيزِهِ فَتْحَ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا، وَمَعْنَاهُ عَصْرُ الْحَلْقِ (أَوْ تَجْوِيعٍ وَنَحْوِهِ) كَتَغْرِيقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ وَإِلْقَاءٍ مِنْ شَاهِقٍ (اُقْتُصَّ بِهِ) أَيْ اقْتَصَّ الْوَلِيُّ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ
أَوْ بِسِحْرٍ فَبِسَيْفٍ.
وَكَذَا خَمْرٌ وَلِوَاطٌ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُمَاثَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} [النحل: 126] (وقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «رَضَّ رَأْسَ يَهُودِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ جَارِيَةً بِذَلِكَ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي، وَإِنَّمَا يَكْمُلُ إذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَافَأَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: اُقْتُصَّ بِهِ أَيْ لَهُ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، فَلَوْ عَدَلَ إلَى السَّيْفِ جَازَ جَزْمًا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَكَمَا تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِي طَرِيقِ الْقَتْلِ تُرَاعَى فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ، فَفِي التَّجْوِيعِ يُحْبَسُ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ، وَفِي الْإِلْقَاءِ فِي الْمَاءِ أَوْ النَّارِ يُلْقَى فِي مَاءٍ وَنَارٍ مِثْلِهِمَا، وَيُتْرَكُ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَتُشَدُّ قَوَائِمُهُ عِنْدَ الْإِلْقَاءِ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ، وَفِي الْخَنْقِ يُخْنَقُ بِمِثْلِ مَا خَنَقَ بِمِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَفِي الْإِلْقَاءِ مِنْ الشَّاهِقِ يُلْقَى مِنْ مِثْلِهِ وَتُرَاعَى صَلَابَةُ الْمَوْضِعِ، وَفِي الضَّرْبِ بِالْمُثْقَلِ يُرَاعَى الْحَجْمُ وَعَدَدُ الضَّرَبَاتِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَدْرِ الْحَجَرِ أَوْ النَّارِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ أُخِذَ بِالْيَقِينِ. وَقِيلَ: يَعْدِلُ إلَى السَّيْفِ، هَذَا إذَا عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَمُتْ بِذَلِكَ قَتَلَهُ، فَإِنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِهِ عَفَوْتُ عَنْهُ لَمْ يُمَكَّنْ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ.
(أَوْ) قَتَلَ (بِسِحْرٍ فَبِسَيْفٍ) يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ عُمُومَ السِّحْرِ حَرَامٌ، لَا شَيْءَ مُبَاحٌ فَيُشْبِهُهُ وَلَا يَنْضَبِطُ، وَتَخْتَلِفُ تَأْثِيرَاتُهُ. وَفِي الْخَبَرِ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِمَا ذُكِرَ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَكَذَا خَمْرٌ) يُقْتَلُ غَالِبًا قَتْلَ جَانٍ بِهَا كَأَنْ أَوْجَرَهَا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فَبِسَيْفٍ يُقْتَلُ الْجَانِي. (وَلِوَاطٌ) يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَنْ لَاطَ بِصَغِيرٍ فَبِسَيْفٍ يُقْتَلُ اللَّائِطُ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مُمْتَنِعَةٌ لِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَيَتَعَيَّنُ السَّيْفُ، وَالثَّانِي فِي الْخَمْرِ يُوجِرُ مَائِعًا كَخَلٍّ أَوْ مَاءٍ، وَفِي اللِّوَاطِ يَدُسُّ فِي دُبُرِهِ خَشَبَةً قَرِيبَةً مِنْ آلَتِهِ وَيُقْتَلُ بِهَا، وَفِي مَعْنَى اللِّوَاطِ: مَا لَوْ جَامَعَ صَغِيرَةً فَقَتَلَهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الْعُدُولُ إلَى السَّيْفِ قَطْعًا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُشْعِرٌ بِاخْتِصَاصِ الْمُمَاثَلَةِ بِالنَّفْسِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُعْتَبَرُ فِي الطَّرَفِ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ أَبَانَ طَرَفَهُ بِحَجَرٍ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ.
فُرُوعٌ: لَوْ أَوْجَرَ بَوْلًا فَكَالْخَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ مَاءً نَجِسًا أَوْجَرَ مَاءً طَاهِرًا، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَإِنْ أَغْرَقَهُ بِالْمِلْحِ جَازَ تَغْرِيقُهُ فِي الْعَذْبِ دُونَ عَكْسِهِ وَإِنْ تَأْكُلْ الْحِيتَانُ الْأَوَّلَ، فَفِي
وَلَوْ جُوِّعَ كَتَجْوِيعِهِ فَلَمْ يَمُتْ زِيدَ، وَفِي قَوْلٍ السَّيْفُ.
وَمَنْ عَدَلَ إلَى سَيْفٍ فَلَهُ.
وَلَوْ قَطَعَ فَسَرَى فَلِلْوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ، وَلَهُ الْقَطْعُ ثُمَّ الْحَزُّ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ السِّرَايَةَ.
وَلَوْ مَاتَ
ــ
[مغني المحتاج]
جَوَازِ إلْقَاءِ الثَّانِي لِتَأْكُلَهُ وَجْهَانِ: أَقْرَبُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ.
وَلَوْ قَتَلَهُ بِمَسْمُومٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ آلَةٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَهْرِيًّا يَمْنَعُ الْغُسْلَ.
وَلَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً فَهَلْ يُقَادُ بِمِثْلِهَا، وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَيَّةُ مَوْجُودَةً لَمْ يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهَا أَيْ إذَا قُلْنَا تَنْهَشُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ رَجْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ بِالرَّجْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْجَلْدِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ بِالْجَلْدِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ.
(وَلَوْ جُوِّعَ) أَوْ حُرِّقَ أَوْ غُرِّقَ (كَتَجْوِيعِهِ) أَوْ تَحْرِيقِهِ أَوْ تَغْرِيقِهِ أَيْ كَمُدَّةِ ذَلِكَ (فَلَمْ يَمُتْ) مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ (زِيدَ) فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ لِيَكُونَ قَتْلُهُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قَتَلَ بِهِ، وَلَا يُبَالِي بِزِيَادَةِ الْإِيلَامِ وَالتَّعْذِيبِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ رَقَبَةَ إنْسَانٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ تَنْحَزَّ رَقَبَتُهُ إلَّا بِضَرْبَتَيْنِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَفِي قَوْلٍ: السَّيْفُ) يُقْتَلُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ حَصَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَفْوِيتُ الرُّوحِ فَيَجِبُ تَفْوِيتُهَا بِالْأَسْهَلِ، وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ بِتَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
(وَمَنْ عَدَلَ) عَمَّا تَجُوزُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ (إلَى سَيْفٍ فَلَهُ) سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْجَانِي أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعُدُولِ إلَى السَّيْفِ حَيْثُ ذُكِرَ حَزُّ الرَّقَبَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ، فَلَوْ عَدَلَ إلَى ذَبْحِهِ كَالْبَهِيمَةِ لَمْ يَجُزْ لِهَتْكِهِ الْحُرْمَةَ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ. أَمَّا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ كَانَ الْجَانِي قَتَلَ بِالسَّيْفِ وَيُرِيدُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ الْجَانِي بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَلَوْ) قَتَلَهُ بِجُرْحٍ ذِي قِصَاصٍ كَأَنْ (قَطَعَ) يَدَهُ (فَسَرَى) قَطْعُهُ لِلنَّفْسِ (فَلِلْوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ) ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْجَانِي مِنْ الْقَطْعِ ثُمَّ الْحَزِّ (وَلَهُ الْقَطْعُ) لِلْمُمَاثَلَةِ (ثُمَّ الْحَزُّ) لِلرَّقَبَةِ حَالًّا لِلسِّرَايَةِ، وَلَا يُجَابُ الْجَانِي إذَا قَالَ لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: أَمْهِلْنِي مُدَّةَ بَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ جِنَايَتِي لِثُبُوتِ حَقِّ الْقِصَاصِ نَاجِزًا (وَإِنْ شَاءَ) الْوَلِيُّ أَخَّرَ، وَ (انْتَظَرَ السِّرَايَةَ) بَعْدَ الْقَطْعِ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَقُولَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: أَرِحْنِي بِالْقَتْلِ أَوْ الْعَفْوِ، بَلْ الْخِيَرَةُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ فِي صُورَةِ السِّرَايَةِ قَطْعَ الْعُضْوِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا سِرَايَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُقْتَصُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِقَطْعٍ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي جِرَاحَةٍ سَارِيَةٍ يُشْرَعُ فِيهَا الْقِصَاصُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ جِرَاحَةِ الْجَائِفَةِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهَا فِي قَوْلِهِ. .
(وَلَوْ مَاتَ
بِجَائِفَةٍ أَوْ كَسْرِ عَضُدٍ فَالْحَزُّ، وَفِي قَوْلٍ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ لَمْ تَزِدْ الْجَوَائِفُ فِي الْأَظْهَرِ.
وَلَوْ اقْتَصَّ مَقْطُوعٌ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً فَلِوَلِيِّهِ حَزٌّ، وَلَهُ عَفْوٌ بِنِصْفِ دِيَةٍ.
وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَاقْتَصَّ ثُمَّ مَاتَ فَلِوَلِيِّهِ الْحَزُّ، فَإِنْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِجَائِفَةٍ أَوْ كَسْرِ عَضُدٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ كَكَسْرِ سَاعِدٍ (فَالْحَزُّ) فَقَطْ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ إيجَابِ الْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الِانْدِمَالِ فَتَعَيَّنَ السَّيْفُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَفِي قَوْلٍ) إنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِالْجَانِي (كَفِعْلِهِ) تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَوَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ نِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى الْأَكْثَرِينَ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ الثَّانِيَ، فَقَالَ الْأَوَّلَ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. أَمَّا إذَا قَالَ: أُجِيفُهُ وَأَقْتُلُهُ إنْ لَمْ يَمُتْ فَلَهُ ذَلِكَ قَطْعًا، فَإِنْ قَالَ: أُجِيفُهُ أَوْ أُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ ثُمَّ أَعْفُو لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَافَ بِقَصْدِ الْعَفْوِ عُزِّرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْفُ لِتَعَدِّيهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَتْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَمُتْ) عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِعَطْفِهِ بِالْفَاءِ (لَمْ تَزِدْ الْجَوَائِفُ فِي الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا، بَلْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ، وَالثَّانِي تُزَادُ حَتَّى يَمُوتَ لِيَكُونَ إزْهَاقُ الرُّوحِ قِصَاصًا بِطَرِيقِ إزْهَاقِهَا عُدْوَانًا.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّ مَعْنَى الزِّيَادَةِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ أَنْ يُجَافَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ. وَفِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ تُوسَعَ الْجَائِفَةُ حَتَّى يَمُوتَ.
(وَلَوْ اقْتَصَّ مَقْطُوعٌ) أَيْ مَقْطُوعُ عُضْوٍ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ قَاطِعِهِ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ (سِرَايَةً)(فَلِوَلِيِّهِ حَزٌّ) لِرَقَبَةِ الْقَاطِعِ فِي مُقَابَلَةِ نَفْسِ مُوَرِّثِهِ (وَلَهُ عَفْوٌ بِنِصْفِ دِيَةٍ) وَالْيَدُ الْمُسْتَوْفَاةُ مُقَابَلَةٌ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ تَعَيَّنَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي.
(وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَاقْتَصَّ) الْمَقْطُوعُ (ثُمَّ مَاتَ) سِرَايَةً (فَلِوَلِيِّهِ الْحَزُّ) لِرَقَبَةِ الْجَانِي فِي مُقَابَلَةِ نَفْسِ مُوَرِّثِهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْ حَزِّهَا (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ بِقِصَاصِ الْيَدَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدِّيَتَيْنِ، فَلَوْ نَقَصَتْ دِيَةُ الْقَاطِعِ: كَأَنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ وَمَاتَ الْمُسْلِمُ سِرَايَةً وَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ سُدُسَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَاهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ ثُلُثَهَا، صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْعَفْوِ، وَلَوْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتُصَّ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ رُبْعَهَا وَفِي الثَّانِيَةِ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ نِصْفَهَا. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ فَاقْتَصَّتْ ثُمَّ مَاتَتْ سِرَايَةً فَعَفَا وَلِيُّهَا عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَا
وَلَوْ مَاتَ جَانٍ مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ وَإِنْ مَاتَا سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَدْ اقْتَصَّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ يَمِينٍ أَخْرِجْهَا فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا فَمُهْدَرَةٌ
ــ
[مغني المحتاج]
يُقَابِلُ دِيَتَهَا، وَلَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ عَتَقَ فَمَاتَ الْحُرُّ بِالسِّرَايَةِ سَقَطَ مِنْ دِيَتِهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَبَاقِي الدِّيَةِ، إذْ عِتْقُهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ.
(وَلَوْ مَاتَ جَانٍ) سِرَايَةً (مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ) نَفْسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى: 41] الْآيَةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «مَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ وَالْحَقُّ قَتْلُهُ» وَلِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَطْعٍ مُسْتَحَقٍّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِسِرَايَتِهِ ضَمَانٌ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ (وَإِنْ مَاتَا) أَيْ الْجَانِي بِالْقِصَاصِ مِنْهُ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ (سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) أَيْ سَبَقَ مَوْتُهُ مَوْتَ الْجَانِي (فَقَدْ اقْتَصَّ) أَيْ حَصَلَ قِصَاصُ الْيَدِ بِقَطْعِ يَدِ الْجَانِي وَالسِّرَايَةُ بِالسِّرَايَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَمَّا كَانَتْ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْجِنَايَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فِي الِاسْتِيفَاءِ (وَإِنْ تَأَخَّرَ) مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ الْجَانِي سِرَايَةً (فَلَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (نِصْفُ الدِّيَةِ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي (فِي الْأَصَحِّ) إذَا اسْتَوَيَا دِيَةً، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ مَاتَ سِرَايَةً بِفِعْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْبِقُ الْجِنَايَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ يَدَيْهِ مَثَلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ النَّفْسَ، أَوْ فِي مُوضِحَةٍ وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَقَدْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْآتِيَةَ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الدَّهْشَةِ، وَلِلْمُخْرِجِ فِيهَا أَحْوَالٌ: الْحَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِبَاحَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ قَالَ) مُكَلَّفٌ (مُسْتَحِقُّ) قِصَاصِ (يَمِينٍ) لِلْجَانِي (أَخْرِجْهَا) أَيْ يَمِينَكَ (فَأَخْرَجَ) لَهُ (يَسَارَهُ) عَالِمًا بِهَا وَبِعَدَمِ إجْزَائِهَا (وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا) فَقَطَعَهَا، وَهُوَ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْتَحِقٌّ قِصَاصَ الْيَمِينِ (فَمُهْدَرَةٌ) لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ مَعَ ظَنِّ الْإِجْزَاءِ أَمْ لَا، جَعَلَهَا عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا بَذَلَهَا مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: نَاوِلْنِي مَتَاعَكَ لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ فَنَاوَلَهُ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ إذَا أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إذَا مَاتَ الْمُبِيحُ أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ أَوْ جَعَلَهَا عِوَضًا فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ وَقَعَتْ هَدَرًا، وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمُقَدَّرِ فِي كَلَامِهِ: الْمَجْنُونُ، فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَطَعَهَا الْمُقْتَصُّ عَالِمًا بِالْحَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَجْنِيَ عَاقِلًا ثُمَّ يُجَنَّ وَإِلَّا فَالْمَجْنُونُ حَالَةَ الْجِنَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَبِالْحُرِّ الْمُقَدَّرِ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ لَا تُهْدَرُ يَسَارُهُ بِإِبَاحَتِهَا قَطْعًا، وَفِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْقَاطِعُ رَقِيقًا: وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ السُّقُوطَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ
وَإِنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ إجْزَاءَهَا فَكَذَّبَهُ فَالْأَصَحُّ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَتَجِبُ دِيَةٌ، وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ دُهِشْتُ فَظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ. وَقَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَطْعِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ تَمْكِينِهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ كَمَا سَبَقَ، وَصَوَّرَهَا الْمُتَوَلِّي بِمَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ. الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الْمُخْرِجُ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ) الْمُخْرِجُ بَعْدَ قَطْعِهَا (جَعَلْتُهَا) حَالَةَ الْإِخْرَاجِ (عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ إجْزَاءَهَا) عَنْهَا (فَكَذَّبَهُ) الْقَاطِعُ فِي هَذَا الظَّنِّ وَقَالَ: بَلْ عَرَفْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ الْيَمِينِ (فَالْأَصَحُّ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ) سَوَاءٌ قَالَ الْقَاطِعُ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ أَمْ عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ قَطَعْتُهَا عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا لِشُبْهَةِ بَذْلِهَا؛ لِأَنَّا أَقَمْنَا ذَلِكَ مَقَامَ إذْنِهِ فِي الْقَطْعِ، وَهُوَ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (وَتَجِبُ دِيَةٌ) فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا، وَالثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ فِي الْأُولَى احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ مُقَابِلِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالْمَذْهَبِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْأَصَحِّ، وَفِي الرَّابِعَةِ بِالصَّحِيحِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْحَالِ الثَّانِي لَيْسَ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ قَالَ: قَصَدْتُ إيقَاعَهَا عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُهَا تُجْزِئُ عَنْهَا، وَقَالَ الْقَاطِعُ: عَرَفْتُ أَنَّ الْمُخْرَجَ الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَصَحِّ، وَمُرَادُهُ عَرَفْتُ بِضَمِّ التَّاءِ لِلْمُتَكَلِّمِ. فَظَنَّ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا بِفَتْحِ التَّاءِ لِلْخِطَابِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّكْذِيبِ، قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ تَنَازُعِهِمَا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ كُلِّهِ ظَنُّ الْقَاطِعِ أَوْ عِلْمُهُ. الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ يَجِبُ قِصَاصُ الْيَسَارِ. وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ) فِي الْأُولَى قَطْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَلَا عَفَا عَنْهُ. أَمَّا الرَّابِعَةُ فَيَسْقُطُ فِيهَا، وَلِكُلٍّ دِيَةُ مَا قَطَعَ الْآخَرُ، فَلَوْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ وَجَبَ دِيَتُهَا وَتَدْخُلُ فِيهَا الْيَسَارُ، قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: الْحَالُ الثَّالِثُ لِلْمُخْرِجِ أَنْ يَقُولَ: دُهِشْتُ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا لَوْ 387 قَالَ) الْمُخْرِجُ (دُهِشْتُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ وَكَسْرُ ثَانِيهِ، مِنْ الدَّهْشَةِ وَهِيَ الْحِيرَةُ (فَظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ) أَوْ قَالَ: ظَنَنْتُهُ قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَكَ (وَقَالَ الْقَاطِعُ) الْمُسْتَحِقُّ أَيْضًا (ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ) فَالْمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَتَجِبُ دِيَتُهَا إلَّا إذَا قَالَ: ظَنَنْتُ إبَاحَتَهَا