الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ] إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَالْمَالِ بِذَلِكَ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ وَيَمِينٍ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لِيَقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصْلٌ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ]
ٍ (إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ (بِإِقْرَارٍ، أَوْ) شَهَادَةِ (عَدْلَيْنِ) بِهِ، لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ عِلْمُ الْقَاضِي وَنُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلِفُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِمَا،
وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ السِّحْرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ (الْمَالِ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (بِذَلِكَ) أَيْ إقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي (أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ) بِرَجُلٍ (وَيَمِينٍ) لَا بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ذُكِرَتْ هُنَا تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَأْتِي ثَمَّ الْكَلَامُ عَلَى صِفَاتِ الشُّهُودِ الْمَشْهُودِ بِهِ مُسْتَوْفًى، وَفِي بَابِ الْقَضَاءِ بَيَانُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَالْمَالِ هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقِصَاصِ، وَحِينَئِذٍ يُرَدُّ عَلَى حَصْرِهِ الْقَسَامَةُ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، فَإِنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ فَقَطْ، وَالْمُرَادُ بِالْيَمِينِ فِي كَلَامِهِ الْجِنْسُ لَا الْأَفْرَادُ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إذَا ادَّعَى بِهِ عَيْنًا فَلَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ فَشَهِدَ لَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَقَامَ فِي السَّرِقَةِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثَبَتَ الْغُرْمُ لَا الْقَطْعُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ تُوجِبُهُمَا مَعًا، وَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ بَقِيَ الْغُرْمُ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ أَوْجَبْنَا فِيهِ خِلَافَ مُقْتَضَى الْجِنَايَةِ (وَلَوْ عَفَا) مُسْتَحِقُّ قِصَاصٍ فِي جِنَايَةٍ تُوجِبُهُ (عَنْ الْقِصَاصِ لِيُقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ (لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْقِصَاصَ لِيُعْتَبَرَ الْعَفْوُ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَالُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ عَفْوِهِ بِالْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ أَنْشَأَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ بَعْدَ الْعَفْوِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْعَمْدَ وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقِصَاص عَلَى مَالٍ وَقَصَدَ الْحُكْمَ لَهُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ حِينَ أُقِيمَتْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ بِشَيْءٍ ثُمَّ بَلَغَ
وَلَوْ شَهِدَ هُوَ وَهُمَا بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى، فَلَوْ قَالَ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يَقُولَ فَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ قَالَ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَأَدْمَاهُ أَوْ فَأَسَالَ دَمَهُ ثَبَتَتْ دَامِيَةٌ، وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ، وَيَجِبُ بَيَانُ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا لِيُمْكِنَ الْقِصَاصُ
وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ بِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ (وَلَوْ شَهِدَ هُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (وَهُمَا) أَيْ الْمَرْأَتَانِ (بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْهَشْمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْإِيضَاحِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ اُحْتِيطَ لَهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ أَرْشُهَا، وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى زَيْدٍ سَهْمًا فَمَرَقَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخَطَأُ الْوَارِدُ عَلَى الثَّانِي بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ انْتَهَى، وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهَشْمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْإِيضَاحِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي مَسْأَلَةِ مُرُورِ السَّهْمِ حَصَلَ جِنَايَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ، أَوْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ فِي مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ بِذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ بَحْثِ الْإِمَامِ مَعَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ مَعَ الْيَمِينِ، وَتُؤْخَذُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَكَلَامُ الْوَسِيطِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى) بِهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وُجُوبًا (فَلَوْ قَالَ) الشَّاهِدُ (ضَرَبَهُ) أَيْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ (بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ) هَذَا الْقَتْلُ الْمُدَّعَى بِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ (حَتَّى يَقُولَ) الشَّاهِدُ (فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَرْحِهِ (أَوْ فَقَتَلَهُ) أَوْ أَنْهَرَ دَمَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَضَرْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ لِيَنْتَفِيَ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ (وَلَوْ قَالَ) الشَّاهِدُ:(ضَرَبَ) الْجَانِي (رَأْسَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَأَدْمَاهُ أَوْ) ضَرَبَ رَأْسَهُ مَثَلًا (فَأَسَالَ) الضَّرْبُ (دَمَهُ ثَبَتَتْ) بِذَلِكَ (دَامِيَةٌ) عَمَلًا بِقَوْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فَسَالَ دَمُهُ لَمْ تَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ السَّيَلَانِ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِهَا أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ (ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يُحْتَمَلُ بَعْدَهُ (وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ) مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِإِيضَاحِ الْعَظْمِ، وَظَاهِرُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَزْمُ بِهِ، وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَفْهُومِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عُرْفًا (وَيَجِبُ) عَلَى الشَّاهِدِ (بَيَانُ مَحَلِّهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ (وَقَدْرِهَا) بِالْمِسَاحَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مَوَاضِحُ (لِيُمْكِنَ) فِيهَا (الْقِصَاصُ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ إلَّا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَنَّهُ أَوْضَحَ رَأْسَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مُوضِحَةٌ صَغِيرَةٌ فَوَسَّعَهَا غَيْرُ الْجَانِي.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لِيُمْكِنَ الْقِصَاصُ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ.
(وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ بِهِ) مِنْ السَّاحِرِ، فَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي وَهُوَ
لَا بِبَيِّنَةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ يَقْتُلُ نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ مِنْ اسْمِ غَيْرِهِ إلَى اسْمِهِ فَخَطَأٌ، وَيَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ دِيَةٌ فِي مَالِ السَّاحِرِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُلْزِمُهُمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَوْلُهُ فِي الْوَجِيزِ: وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ: إنَّهُ وَهْمٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ، وَيَثْبُتُ السِّحْرُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ فَيُنْكِرَ وَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ بِإِقْرَارٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِنْ قَالَ إنَّ سِحْرَهُ كُفْرٌ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُسْتَفْسَرَ، إذْ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي وَلَمْ أُمْرِضْهُ نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ: كَذَا قَالَاهُ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَمْ يَبْعُدْ، وَإِنْ قَالَ أَمْرَضْتُهُ بِهِ عُزِّرَ، فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ كَانَ لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ، فَإِنْ ادَّعَى السَّاحِرُ بَرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَاحْتُمِلَ بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فِيهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُ بِسِحْرِي وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا عُزِّرَ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
تَنْبِيهٌ: السِّحْرُ لُغَةً: صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، يُقَالُ مَا سَحَرَكَ عَنْ كَذَا: أَيْ صَرَفَكَ عَنْهُ. وَاصْطِلَاحًا: مُزَاوَلَةُ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ لِأَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ تَخْيِيلٌ أَوْ حَقِيقَةٌ؟ قَالَ بِالْأَوَّلِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66][طَه] وَقَالَ بِالثَّانِي أَهْلُ السُّنَّةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَالسَّاحِرُ قَدْ يَأْتِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَسْحُورِ فَيَمْرَضُ وَيَمُوتُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى بَدَنِهِ مِنْ دُخَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ دُونَهُ، وَيُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ إبَاحَتِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ تَعْلِيمًا، أَوْ تَعَلُّمًا، أَوْ فِعْلًا أَثِمَ، فَكُلٌّ مِنْهَا حَرَامٌ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: يَجُوزُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ لَا لِلْعَمَلِ بِهِ، بَلْ إنْ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادِ مُكَفِّرٍ كَفَرَ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إلَّا عَلَى فَاسِقٍ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى فَاسِقٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَ (لَا) يَثْبُتُ السِّحْرُ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ قَصْدَ السَّاحِرِ وَلَا يُشَاهِدُ تَأْثِيرَ سِحْرِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ مَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السِّحْرِ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا: كَمَا لَوْ قَالَ: سَحَرْتُهُ بِنَوْعِ كَذَا، فَشَهِدَ عَدْلَانِ كَانَا سَاحِرَيْنِ ثُمَّ تَابَا بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ نَادِرًا فَيَثْبُتُ بِمَا يَشْهَدَانِ بِهِ.
فَائِدَةٌ: لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنْ السِّحْرِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْقِبْطُ أَيَّامَ دَلُوكَا مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا السِّحْرَ عَلَى الْبَرَابِي وَصَوَّرُوا فِيهَا صُوَرَ عَسَاكِرِ الدُّنْيَا، فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
أَتَوْا إلَى ذَلِكَ الْعَسْكَرِ الْمُصَوَّرِ فَمَا فَعَلُوهُ بِهِ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ اتَّفَقَ نَظِيرُهُ لِلْعَسْكَرِ الْعَامِدِ لَهُمْ فَيَخَافُ مِنْهُمْ الْعَسَاكِرُ، وَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ تَهَابُهُمْ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ السَّاحِرَ يَقْلِبُ بِسِحْرِهِ الْأَعْيَانَ، وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا بِحَسَبِ قُوَّةِ السِّحْرِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذَا وَاضِحُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى هَذَا لَقَدَرَ أَنْ يَرُدَّ بِنَفْسِهِ إلَى الشَّبَابِ بَعْدَ الْهَرَمِ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِهِ السِّيمِيَاءُ. وَأَمَّا الْكِهَانَةُ وَالتَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالشَّعِيرِ وَالشَّعْبَذَةُ فَحَرَامٌ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَفِعْلًا، وَكَذَا إعْطَاءُ الْعِوَضِ أَوْ أَخْذُهُ عَنْهَا بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ، وَالْكَاهِنُ: مَنْ يُخْبِرُ بِوَاسِطَةِ النَّجْمِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِخِلَافِ الْعَرَّافِ: فَإِنَّهُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ الْوَاقِعَةِ كَعَيْنِ السَّارِقِ وَمَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُغْتَرُّ بِجَهَالَةِ مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَإِنْ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ» فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ لَهُ فَلَا بَأْسَ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُوَافَقَةَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ. .
فَرْعٌ: لَوْ اعْتَرَفَ شَخْصٌ بِقَتْلِهِ إنْسَانًا بِالْعَيْنِ فَلَا ضَمَانَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَيُسَنُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَعِينِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِالْمَأْثُورِ وَهُوَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ، وَأَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَنْ يَغْسِلَ دَاخِلَ إزَارِهِ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي وَأَنْ يَغْسِلَ جِلْدَهُ مِمَّا يَلِي إزَارَهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الْمَعِينِ، قِيلَ: وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ مَنْعُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَيَرْزُقُهُ مَا يَكْفِيهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَكْثَرَ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَمَاتَ اللَّهُ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: إنَّكَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ فَأَعَنْتَهُمْ، فَهَلَّا حَصَّنْتَهُمْ حِينَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُحَصِّنُهُمْ؟ فَقَالَ تَعَالَى تَقُولُ: حَصَّنْتُكُمْ بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا وَدَفَعْتُ عَنْكُمْ السُّوءُ بِأَلْفِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ إذَا رَأَى عَيْنَهُ سَلِيمَةً وَأَحْوَالَهُ مُعْتَدِلَةً: يَقُولُ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي يُحَصِّنُ تَلَامِذَتَهُ بِذَلِكَ إذَا اسْتَكْثَرَهُمْ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تُؤَثِّرُ مِمَّنْ لَهُ نَفْسٌ شَرِيفَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِعْظَامٌ لِلشَّيْءِ، وَمَا رَوَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ يَرُدُّ ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ بِهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارًا كَالسَّاحِرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. قَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ فَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَمِتْهُ فَخَرَّ مَيِّتًا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهَا
وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تُقْبَلْ، وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ وَكَذَا بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ.
وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى
ــ
[مغني المحتاج]
دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلًا.
(وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تُقْبَلْ) لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَجْرُوحِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَرُبَّمَا يَبْرَأُ مِنْهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيهِ وَقْفَةٌ وَتَقْوَى فِيمَا إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا كَالزَّكَوَاتِ وَالْوُقُوفِ الْعَامَّةِ أَوْ كَانَتْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ اهـ.
وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ لِمُوَرِّثِهِ مَخْفِيًّا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَشَهَادَتُهُمْ بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ كَشَهَادَتِهِمْ بِالْجَرْحِ.
تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْجُرْحَ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِجُرْحٍ يُمْكِنُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْإِرْثِ حَالَةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ يُقْبَلُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا (وَبَعْدَهُ) أَيْ الِانْدِمَالِ (يُقْبَلُ) جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ.
تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْمُوَرِّثَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِلْبَعْضِيَّةِ (وَكَذَا) لَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ (بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) تُقْبَلُ (فِي الْأَصَحِّ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تُقْبَلُ كَالْجُرْحِ، وَفَرَّقَ الْفَارِقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِالْمَالِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمَا نَفْعٌ حَالَ وُجُوبِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فِي مَلَاذِّهِ وَشَهَوَاتِهِ، وَإِذَا شَهِدَا لَهُ بِالْجِرَاحَةِ كَانَ النَّفْعُ حَالَ الْوُجُوبِ لَهُمَا لِأَنَّ الدِّيَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِبْ، وَبَعْدَهُ تَجِبُ لَهُمَا، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبُ الْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ، فَإِذَا شَهِدَ بِالْجُرْحِ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِالسَّبَبِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ) أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (يَحْمِلُونَهُ) وَقْتَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْغُرْمَ، فَإِنْ كَانُوا لَا يَحْمِلُونَهَا وَقْتَ الشَّهَادَة نُظِرَتْ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ فُقَرَاءِ الْعَاقِلَةِ فَالنَّصُّ رَدَّهَا أَيْضًا، أَوْ مِنْ أَبَادِعِهِمْ وَفِي الْأَقْرَبِينَ وَفَاءً بِالْوَاجِبِ فَالنَّصُّ قَبُولُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَالْغِنَى غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَتَحَصَّلَ التُّهْمَةُ، وَمَوْتُ الْقَرِيبِ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الِاعْتِقَادِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِمِثْلِهِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ عَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِفِسْقِ بَيِّنَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، إذْ لَا تَحَمُّلَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ مَا تَحْمِلُهُ لِيَدْخُلَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ السَّلَامَةُ مِنْ التَّكَاذُبِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى
اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا، أَوْ الْآخَرَيْنِ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ بَطَلَتَا، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ.
ــ
[مغني المحتاج]
اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ) أَيْ شَخْصٍ (فَشَهِدَا) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا مُبَادَرَةً (عَلَى الْأَوَّلَيْنِ) أَوْ غَيْرِهِمَا (بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا) لِسَلَامَةِ شَهَادَتِهِمَا عَنْ التُّهْمَةِ وَسَقَطَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِشَهَادَتِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا الْقَتْلَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ، وَالدَّافِعُ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا إذَا صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ تَكْذِيبِهِمَا، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا بَعْدَ صُدُورِ الدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْوَلِيُّ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْقَتْلَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا، وَطَلَبَ الشَّهَادَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (أَوْ) صَدَّقَ (الْآخَرَيْنِ أَوْ) صَدَّقَ (الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ بَطَلَتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ فِي تَصْدِيقِ الْآخَرَيْنِ تَكْذِيبَ الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَاوَةَ الْآخَرَيْنِ لَهُمَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيبًا لِلْآخَرِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ اسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى مِنْ تَعْيِينِ الْقَاتِلِ فَكَيْفَ يَشْهَدَانِ ثُمَّ يُرَاجِعُ الْوَلِيُّ؟ .
وَأُجِيبَ بِأَوْجُهٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَصَحُّهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى اثْنَيْنِ وَيَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ فَيُبَادِرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا وَيَشْهَدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا مَرَّ بِأَنَّهُمَا الْقَاتِلَانِ وَذَلِكَ يُورِثُ رِيبَةً لِلْحَاكِمِ فَيُرَاجِعُ الْوَلِيَّ وَيَسْأَلُهُ احْتِيَاطًا، وَيَنْظُرُ هَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الدَّعْوَى أَوْ يَعُودُ إلَى تَصْدِيقِ الْآخَرِينَ أَوْ الْجَمِيعِ أَوْ يُكَذِّبُ الْجَمِيعَ، وَهَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الدَّعْوَى؟ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي تَكْذِيبِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْجُمْهُورِ بَطَلَ حَقُّهُ (وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ) وَلَوْ فَاسِقًا (بِعَفْوِ بَعْضٍ) مِنْهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ، سَوَاءٌ عَيَّنَهُ أَمْ لَا (سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهُمْ مِنْهُ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي، وَاحْتَرَزَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ: بَلْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِيَ فَلِلْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ الدِّيَةُ وَإِنْ عَيَّنَهُ فَأَنْكَرَ فَكَذَلِكَ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَفْوِ مَجَّانًا أَوْ مُطْلَقًا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلِلْبَاقِينَ حِصَّتُهُمْ مِنْهَا.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الْقِصَاصِ لَا عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِحُجَّةٍ نَاقِصَةٍ لَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِهِ. أَمَّا إثْبَاتُ الْعَفْوِ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَيَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ النَّاقِصَةِ أَيْضًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَكَذَا إسْقَاطُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَقَرَّ مَا لَوْ شَهِدَ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِيَ
وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ آلَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ لَغَتْ، وَقِيلَ لَوْثٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَكَالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَعَيَّنَ الْعَافِيَ وَشَهِدَ بِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا بَعْدَ دَعْوَى الْجَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الدِّيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَانِي مَعَ الشَّاهِدِ أَنَّ الْعَافِيَ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَا عَنْهَا وَعَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِالْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ حِصَّةُ الْعَافِي، وَإِنْ شَهِدَ بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ قِصَاصُ الشَّاهِدِ.
(وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ) لِلْقَتْلِ: كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ فِي اللَّيْلِ، وَالْآخَرُ قَالَ فِي النَّهَارِ (أَوْ مَكَانٍ) لَهُ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ فِي الدَّارِ (أَوْ آلَةٍ) لَهُ: كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ. وَقَالَ الْآخَر قَتَلَهُ بِرُمْحٍ (أَوْ هَيْئَةٍ) لَهُ: كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا حَزَّ رَقَبَتَهُ. وَقَالَ الْآخَر: شَقَّهُ نِصْفَيْنِ (لَغَتْ) شَهَادَتُهُمَا وَلَا لَوْثَ بِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَاقَضَ صَاحِبَهُ وَذِكْرُ الْهَيْئَةِ مَزِيدٌ (وَقِيلَ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ (لَوْثٌ) فَيُقْسِمُ الْوَلِيُّ وَتَثْبُتُ الدِّيَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الْقَتْلِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ بِمَا يَكُونُ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَوَّلِ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا أَوْ يَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرُهُ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا غُلِّظَ فِيهِ بِتَكْرِيرِ الْأَيْمَانِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى الْفِعْلِ، فَلَوْ شَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَا فِي مَكَانِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي الْقَتْلِ وَصِفَتِهِ، بَلْ فِي الْإِقْرَارِ، نَعَمْ إنْ عَيَّنَا يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَر فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَاهُ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا، وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَتَلْغُو الشِّهَادَةُ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَوْثٌ تَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ دُونَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَارِثُ قَتْلًا عَمْدًا أَقْسَمَ، وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ حَلَفَ مَعَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْقَتْلِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ فَعَلَى الْجَانِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ، وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ، وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ ثَبَتَ أَصْلُ الْقَتْلِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْكَارُهُ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ لِصِفَةِ الْقَتْلِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ جُعِلَ نَاكِلًا وَحَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ بَيَّنَ فَقَالَ: قَتَلْتُهُ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ قَتْلَ خَطَإٍ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعَمْدِيَّةِ إنْ كَذَّبَهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَزِمَهُ دِيَةُ خَطَإٍ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا وَآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْرًا أَقْسَمَ وَلِيَّاهُمَا لِحُصُولِ اللَّوْثِ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا.