المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في كفارة القتل التي هي من موجباته] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٥

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ]

- ‌كِتَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ]

- ‌كِتَابُ الْكَفَّارَةِ

- ‌كِتَابُ اللِّعَانِ

- ‌[فَصْلٌ قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ اللِّعَانِ]

- ‌كِتَابُ الْعِدَدِ

- ‌[فَصْلٌ الْعِدَّة بِوَضْعِ الْحَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاخُل عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مُعَاشَرَة الْمُطَلَّقِ الْمُعْتَدَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْحَائِلِ لِوَفَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا]

- ‌بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي طَرَيَانُ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

- ‌[فَصْل فِي مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَوَانِعُ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَار بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا]

- ‌[فَصْل فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَة وَصِفَات الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُون]

- ‌[فَصْل فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْجِرَاحِ]

- ‌[فَصْل فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْل فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تغير حَال المجروح مِنْ وَقْت الْجُرْح إلَى الْمَوْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ]

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ]

- ‌[بَاب فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ]

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ

- ‌ الْقَسَامَةُ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ]

- ‌كِتَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ]

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ وَمَا يَمْنَعُهُ وَمَا يَكُونُ حِرْزًا لِشَخْصٍ دُونَ آخِر]

- ‌[فَصْل فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي شُرُوطُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ]

- ‌بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌[فَصْل فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ والتعازير]

- ‌[فَصْل فِي التَّعْزِيرِ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ

- ‌[فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]

الفصل: ‌[فصل في كفارة القتل التي هي من موجباته]

فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ قُوِّمَتْ سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي الْأَظْهَرِ فصل يجب بالقتل كفارة.

ــ

[مغني المحتاج]

الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِ الْأُمِّ (فَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأُمُّ (مَقْطُوعَةً) أَطْرَافُهَا (وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ) أَطْرَافُهُ (قُوِّمَتْ) بِتَقْدِيرِهَا (سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ) لِسَلَامَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَتُقَوَّمُ مُسْلِمَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَالْجَنِينُ رَقِيقٌ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ رَقِيقَةً. وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِشَخْصٍ وَالْجَنِينُ لِآخَرَ بِوَصِيَّةٍ فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا، وَالثَّانِي لَا تُقَدَّرُ سَلِيمَةً لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأَعْضَاءِ أَمْرٌ خِلْقِيٌّ، وَفِي تَقْدِيرِ خِلَافِهِ بُعْدٌ.

تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ مَقْطُوعًا وَالْأُمُّ سَلِيمَةً قُوِّمَتْ الْأُمُّ مَقْطُوعَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُقَوَّمُ سَلِيمَةً أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْجَنِينِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ، وَاللَّائِقُ التَّغْلِيظُ عَلَى الْجَانِي لَا التَّخْفِيفُ، فَلَوْ قَالَ: وَعَكْسُهُ لَشَمِلَ هَذِهِ الصُّورَةَ (وَتَحْمِلُهُ) أَيْ الْعُشْرَ الْمَذْكُورَ (الْعَاقِلَةُ) أَيْ عَاقِلَةُ الْجَانِي (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ فِي الْغُرَّةِ، وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ: وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ. .

تَتِمَّةٌ: سَقَطَ جَنِينٌ مَيِّتًا فَادَّعَى وَارِثُهُ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ سَقَطَ بِجِنَايَتِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَأَنْكَرَ الْإِسْقَاطَ وَقَالَ السَّقْطُ مُلْتَقَطٌ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ أَيْضًا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَيُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ وِلَادَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَالْإِسْقَاطِ وَأَنْكَرَ كَوْنَ الْإِسْقَاطِ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ نُظِرَ إنْ أَسْقَطَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْجِنَايَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُتَأَلِّمَةً حَتَّى أَسْقَطَتْ، وَلَا يُقْبَلُ هُنَا إلَّا رَجُلَانِ، وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْمُدَّةَ الْمُتَخَلَّلَةَ بِمَا يَزُولُ فِيهَا أَلَمُ الْجِنَايَةِ وَأَثَرُهَا غَالِبًا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى سُقُوطِهِ بِجِنَايَةٍ وَقَالَ الْجَانِي: سَقَطَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ الْغُرَّةُ وَقَالَ الْوَارِثُ: بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ، فَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ اسْتِهْلَالٍ وَغَيْرِهِ، وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا النِّسَاءُ، وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِيهِ فَبَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْلَى لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ. .

[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ]

[فَصْلٌ] فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ (يَجِبُ بِالْقَتْلِ) عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً كَمَا سَيَأْتِي (كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92][النِّسَاءُ] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92][النِّسَاءُ] وَقَوْلِهِ

ص: 374

وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَعَامِدًا وَمُخْطِئًا

ــ

[مغني المحتاج]

تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92][النِّسَاءُ] وَخَبَرِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ «أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ.

وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ، بَلْ تَجِبُ (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ، فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخَانِ بِهِ الْمَجْنُونَ فِي هَذَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَبْطُلُ بِطَرَيَانِ جُنُونِهِ، وَإِلَّا لَمْ تُتَصَوَّرْ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا ثُمَّ نَابَ عَنْهُمَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَيِّمًا أَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبَلَ الْقَاضِي لَهُمَا التَّمْلِيكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَقَالَا فِي بَابِ الصَّدَاقِ: لَوْ لَزِمَ الصَّبِيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَلَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِعْتَاقَهُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ عَبْدِ الطِّفْلِ، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ عِتْقُ التَّبَرُّعِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ حُكْمِ السَّفِيهِ، وَذَكَرَا فِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْعَبْدِ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ كَذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِوُجُوبِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجِبُ (وَ) إنْ كَانَ الْقَاتِلُ (عَبْدًا) كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ، لَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَذِمِّيًّا) لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا، وَقُلْنَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ أَوَّلًا (أَوْ ذِمِّيًّا) وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يُسْلِمَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَرِثَهُ أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إعْتَاقُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْخَطَأُ بَلْ تَجِبُ (وَ) إنْ كَانَ الْقَاتِلُ (عَامِدًا) لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ فِيهِ فِي صَاحِبٍ لَنَا اسْتَوْجَبَ النَّارَ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلْجَبْرِ وَالْعَامِدُ أَحْوَجُ إلَيْهَا، وَمِثْلُهُ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: عَامِدًا أَوْ لَا دَخَلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا قِيَاسٌ (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ (مُخْطِئًا) فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِإِذْنِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ اقْتَضَى

ص: 375

وَمُتَسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ، وَذِمِّيٍّ وَجَنِينٍ وَعَبْدِ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ.

لَا امْرَأَةٍ، وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ.

وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

كَلَامُهُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ: هَدَرٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْجَلَّادُ الْقَاتِلُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ إذَا جَرَى عَلَى يَدِهِ قَتْلٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَهُوَ جَاهِلٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْحَائِلِ؛ لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ وَآلَةُ سِيَاسَتِهِ (وَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْمُبَاشَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ (مُتَسَبِّبًا) كَالْمُكْرِهِ وَالْآمِرِ بِهِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ وَشَاهِدِ الزُّورِ، وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا وَلَوْ حَصَلَ التَّرَدِّي بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَاتِلِ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ فَشَمِلَتْهُمَا الْآيَةُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ.

تَنْبِيهٌ: الشَّرْطُ كَالسَّبَبِ وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ: مُتَسَبِّبًا عَلَى الْأَعَمِّ دَخَلَ الشَّرْطُ فِي عِبَارَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَوَائِلَ كِتَابِ الْجِرَاحِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ (بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ) كَانَ (بِدَارِ حَرْبٍ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَلَا الدِّيَةُ لِلْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَدْ مَرَّ فِيهَا أَنَّ {مِنْ قَوْمٍ} [النساء: 92] بِمَعْنَى فِي قَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُهْدِرُ دَمَهُ، وَسَبَبُ الْعِصْمَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ قَائِمٌ، وَسَوَاءٌ ظُنَّ كُفْرُهُ أَوْ تَتَرَّسَ بِهِ الْعَدُوُّ أَمْ لَا (وَ) بِقَتْلِ (ذِمِّيٍّ) وَمُسْتَأْمِنٍ لِلْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ وَالْعَهْدَ مِنْ الْمَوَاثِيقِ (وَ) بِقَتْلِ (جَنِينٍ) مَضْمُونٍ بِالْغُرَّةِ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ رضي الله عنه (وَ) بِقَتْلِ (عَبْدِ نَفْسِهِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَجِبُ فِيهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ لَهُ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا وَجَبَتْ فِي عَبْدِ نَفْسِهِ فَفِي عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْلَى (وَ) بِقَتْلِ (نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ مَعْصُومَةً بِأَنْ كَانَتْ مُهْدَرَةً فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ (وَفِي) قَتْلِ (نَفْسِهِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا الْكَفَّارَةُ كَمَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا بِالْمَالِ.

وَ (لَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ (امْرَأَةٍ، وَ) لَا بِقَتْلِ (صَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ) وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمَا (وَ) لَا بِقَتْلِ مُبَاحِ الدَّمِ كَقَتْلِ (بَاغٍ وَصَائِلٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ: مُحْصَنٍ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ (وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ) بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ قَتَلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَعْضِهِ كَأَنْ انْفَرَدَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ بِقَتْلِ قَاتِلِ أَبِيهِمْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي عِنْدَ إذْنِ الْبَاقِينَ، وَكَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ مَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِي قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

(وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ) فِي الْقَتْلِ (كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ

ص: 376

وَهِيَ كَظِهَارٍ لَكِنْ لَا إطْعَامَ فِي الْأَظْهَرِ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَالْقِصَاصِ.

فَإِنْ قِيلَ هَلَّا تَبَعَّضَتْ كَالدِّيَةِ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ لِتَكْفِيرِ الْقَتْلِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ قَاتِلٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا تَتَبَعَّضُ، وَالثَّانِي عَلَى الْجَمِيعِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَقَتْلِ الصَّيْدِ.

(وَهِيَ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ (كَظِهَارٍ) أَيْ كَصِفَةِ كَفَّارَتِهِ فِي التَّرْتِيبِ فَيُعْتِقُ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِلْآيَةِ (لَكِنْ لَا إطْعَامَ) فِيهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ (فِي الْأَظْهَرِ) اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا، إذْ الْمُتَّبَعُ فِي الْكَفَّارَاتِ النَّصُّ لَا الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَمْ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الظِّهَارِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اُعْتُبِرُوهُ ثَمَّ حَمْلًا عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ إلْحَاقٌ فِي وَصْفٍ، وَهَذَا إلْحَاقٌ فِي أَصْلٍ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يُلْحَقُ بِالْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ فِي التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُحْمَلُ إهْمَالُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فِي الْوُضُوءِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ أَطْعَمَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَفَائِتِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كَالظِّهَارِ.

تَنْبِيهٌ: الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الرَّقَبَةِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ.

خَاتِمَةٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا.

ص: 377