الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ
وَالْقَسَامَةِ، يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ وَانْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ يُعْرِضُ عَنْهُ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ]
ِ أَيْ الْقَتْلِ، وَعَبَّرَ بِهِ لِلُزُومِهِ لَهُ غَالِبًا (وَالْقَسَامَةِ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ: اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ الَّتِي تُقَسَّمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الدَّمِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَسَمِ، وَهُوَ الْيَمِينُ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْبَابِ أَيْضًا الشَّهَادَةُ عَلَى الدَّمِ، وَاسْتُغْنِيَ عَنْ التَّرْجَمَةِ لَهَا لِأَنَّ الدَّعْوَى بِالدَّمِ تَسْتَتْبِعُ الشَّهَادَةَ، وَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ فِي الْمُحَرَّرِ بِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» ، وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَقَرَّهَا الشَّارِعُ فِي الْإِسْلَامِ، (يُشْتَرَطُ) لِكُلِّ دَعْوَى بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ. سِتَّةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (أَنْ) تَكُونَ مَعْلُومَةً غَالِبًا بِأَنْ (يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ) وَشِبْهِ عَمْدٍ (وَ) مِنْ (انْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ) وَعَدَدُ الشُّرَكَاءِ فِي قَتْلٍ يُوجِبُ الدِّيَةَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِذَلِكَ. نَعَمْ إنْ قَالَ: أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَطَالَبَ بِحِصَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا طَالَبَهُ بِعُشْرِ الدِّيَةِ، فَإِنْ أُوجِبَ الْقَوَدُ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَصَحِّ بَيَانُ عَدَدِ الشُّرَكَاءِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّفْصِيلِ السِّحْرُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى سَاحِرٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مَثَلًا بِسِحْرِهِ لَمْ يُفَصِّلْ فِي الدَّعْوَى بَلْ يُسْأَلُ السَّاحِرُ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى بَيَانِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إطْلَاقُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ كَقَوْلِهِ: هَذَا قَتَلَ أَبِي (اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي) نَدْبًا عَمَّا ذُكِرَ لِيَصِحَّ بِتَفْصِيلِهِ دَعْوَاهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْوُجُوبَ فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ؟ فَإِنْ عَيَّنَ نَوْعًا مِنْهَا سَأَلَ عَنْ صِفَتِهِ لِأَنَّهُ نَطَقَ عَنْ صِفَتِهِ الْعَمْدَ مَحْضًا (وَقِيلَ) لَا يَسْتَفْصِلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بَلْ (يُعْرِضُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّلْقِينِ، وَمَنْعُ الْأَوَّلِ كَوْنُهُ تَلْقِينًا بَلْ التَّلْقِينُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: قُلْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِهِ حَتَّى يَقُولَ
وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ لَا يُحَلِّفُهُمْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُدَّعِي: وَقَبَضْتُهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ التَّسْلِيمُ إلَيَّ (وَ) . ثَالِثُهَا (أَنْ يُعَيِّنَ) الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا مُعَيَّنًا كَثَلَاثَةٍ حَاضِرِينَ (فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ) فَأَنْكَرُوا وَطَلَبَ تَحْلِيفَهُمْ (لَا يُحَلِّفُهُمْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ) لِلْإِبْهَامِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ. وَالثَّانِي يُحَلِّفُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ، فَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَ وَاحِدٍ لَمْ يُجِبْهُ لِلْإِبْهَامِ، وَسَبَبُ مَا وَقَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُصَحِّحُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ نَقَلَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ اهـ.
وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِأَنَّ مَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ عَدَمِ اللَّوْثِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَمَا فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ عِنْدَ وُجُوبِ اللَّوْثِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ فَذَلِكَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ قَالَ عَرَفْتُهُ فَلَهُ تَعْيِينُهُ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّوْثَ حَاصِلُ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا، وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَلَا يَخْتَصُّ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بِدَعْوَى الدَّمِ (وَ) حِينَئِذٍ (يَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ) وَنَحْوِهَا، إذْ السَّبَبُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فِيهِ اخْتِيَارُهُ وَالْمُبَاشِرُ لَهُ يَقْصِدُ الْكِتْمَانَ فَأَشْبَهَ الدَّمَ.
تَنْبِيهٌ: ضَابِطُ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الدَّعْوَى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُجْهَلُ تَعْيِينُهُ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ بِاخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَشَأْنُهَا أَنْ يَضْبِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. فَرْعٌ: لَوْ نَشَأَتْ الدَّعْوَى عَنْ مُعَامَلَةِ وَكِيلِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَمَاتَا أَوْ صَدَرَتْ عَنْ مُوَرِّثِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: اُحْتُمِلَ إجْرَاءُ الْخِلَافِ لِلْمَعْنَى، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَجْرِيَ، لِأَنَّ أَصْلَهَا مَعْلُومٌ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ اهـ.
وَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ أَوْجَهُ (وَ) .
رَابِعُهَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إنَّمَا تُسْمَعُ) الدَّعْوَى (مِنْ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ حَالَةَ الدَّعْوَى، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، لَا يَضُرُّ كَوْنُهُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَجْنَبِيًّا حَالَةَ الْقَتْلِ إذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عِنْدَ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ الْحَالَ بِالتَّسَامُعِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي مَظِنَّةِ الْحَلِفِ إذَا عُرِفَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ سَمَاعِ كَلَامِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَقَبَضَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ مِلْكَهَا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ اشْتِرَاطُهُ التَّكْلِيفَ أَنَّ السَّكْرَانَ الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِلَّا لَاسْتَثْنَاهُ كَمَا اسْتَثْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ
مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَوْ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ لَمْ تُسْمَعْ الثَّانِيَةُ،
ــ
[مغني المحتاج]
هُنَا لِمَا عُلِمَ مِنْ هُنَاكَ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّعِي الرُّشْدُ فَتَصِحُّ دَعْوَى السَّفِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنْ لَا يَقُولُ فِي الدَّعْوَى: وَأَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ تَسْلِيمُهُ إلَى وَلِيٍّ (مُلْتَزِمٍ) فَلَا تُسْمَعُ مِنْ حَرْبِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قِصَاصًا وَلَا غَيْرَهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّ دَعْوَى الْحَرْبِيِّ لَا تُسْمَعُ ذُهُولٌ عَنْ قَوَاعِدَ مَذْكُورَةٍ فِي السِّيَرِ، فَقَدْ نَصُّوا هُنَاكَ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَأَوْدَعَ عِنْدَنَا مَالًا ثُمَّ عَادَ لِلِاسْتِيطَانِ لَمْ يُنْقَضْ الْأَمَانُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ الصَّوَابَ حَذْفُ قَيْدِ الِالْتِزَامِ. وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَمَا فِي السِّيَرِ فِي حَرْبِيٍّ لَهُ أَمَانٌ، فَلَا مُخَالَفَةَ، وَعَنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلْتَزِمِ مَنْ لَهُ أَمَانٌ فَيَدْخُلُ الْمُعَاهِدُ فَإِنَّهُ لَا تَوَقُّفَ فِي سَمَاعِ دَعْوَاهُ بِمَالِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ مِثْلِهِ، وَلَا فِي دَعْوَاهُ دَمَ مُوَرِّثِهِ الذِّمِّيِّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنِ. وَخَامِسُهَا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى (عَلَى) مُدَّعًى عَلَيْهِ (مِثْلِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي فِي كَوْنِهِ مُكَلَّفًا فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، بَلْ إنْ تَوَجَّهَ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ حَقٌّ مَالِيٌّ ادَّعَى مُسْتَحِقُّهُ عَلَى وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ حَاضِرٌ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تُسْمَعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَيُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَمَا هُنَا مَحَلُّهُ عِنْدَ حُضُورِ وَلِيِّهِمَا، وَمَا هُنَاكَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ.
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي الْمُكَلَّفِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ وَالرِّقِّ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ فِيمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِهِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بِالْقَتْلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ سُمِعَتْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ عَمْدًا أَمْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ فَإِنْ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصُ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ مَقْبُولٌ، وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَمْضَى حُكْمَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَدَ وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَمْ تُسْمَعْ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْإِتْلَافِ وَتُسْمَعُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ رِقٍّ فِيمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي الدَّعَاوَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا فَلَيْسَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا فِيهَا اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ خَاصَّةً، لَكِنْ إذَا شَرَطَ الِالْتِزَامَ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُنَا أَيْضًا كَمَا سَبَقَ انْتَهَى. وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا مَرَّ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُدَّعَى بِهِ لِإِتْلَافِهِ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ لَمْ يُسْمَعْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي حَالِ الْتِزَامِهِ سُمِعَتْ، وَهُوَ إذْ ذَاكَ لَيْسَ بِحَرْبِيٍّ (وَ) . سَادِسُهَا أَنْ لَا تَتَنَاقَضَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَحِينَئِذٍ (لَوْ ادَّعَى) عَلَى شَخْصٍ (انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ) أَنَّهُ شَرِيكُهُ أَوْ مُنْفَرِدٌ (لَمْ تُسْمَعْ) الدَّعْوَى (الثَّانِيَةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْأُولَى