الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ.
[فَصْلٌ] فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ
ــ
[مغني المحتاج]
الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِحْبَالِ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُهَا حَالَ الْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرَ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ (وَجِنَايَاتُهَا) حُكْمُهَا (كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) فَيَلْزَمُهُ لِلْكُلِّ فِدَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ، وَإِتْلَافُ الشَّيْءِ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَجَنَتْ جِنَايَتَيْنِ وَأَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَبَضَ أَلْفًا اسْتَرَدَّ مِنْهُ الثَّانِي نِصْفَهُ، أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهُ، أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ أَلْفٌ وَالْأُولَى خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهَا وَمِنْ السَّيِّدِ خَمْسَمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ لِيَصِيرَ مَعَهُ ثُلُثَا الْأَلْفِ، وَمَعَ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ كَدُيُونِ الْمَيِّتِ إذَا قُسِّمَتْ تَرِكَتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ حَدَثَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَهَلَكَ بِهَا شَيْءٌ فَيُزَاحِمُ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ أُمَّ الْوَلَدِ الَّتِي تُبَاعُ بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهِيَ مَرْهُونَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، فَإِنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا، بَلْ هِيَ كَالْقِنِّ يَجْنِي جِنَايَةً بَعْدَ أُخْرَى فَيَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ. وَالثَّانِي يَفْدِيهَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَأَرْشِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَالْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَالْبَاقِي مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَفِي بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْأُولَى دُونَ الْقِيمَةِ وَفَدَاهَا بِهِ، وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ قِيمَتِهَا يَفِي بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَدَاهَا بِأَرْشِهَا قَطْعًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهَا وَيُشَبَّهُ الْقَطْعُ بِهِ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّقِ بِرَقَبَتِهَا، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْقَطْعُ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَنَعَ بَيْعَهَا، فَلَوْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ الْأَرْشُ عَنْ السَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْقِنِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى جِنَايَةِ الْمَوْقُوفِ.
تَتِمَّةٌ: حُكْمُ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِمَنْعِ الْوَاقِفِ بَيْعَهُ بِوَقْفِهِ، الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ جِنَايَتَهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ.
[فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ]
[فَصْلٌ](فِي) دِيَةِ (الْجَنِينِ) الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (غُرَّةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَتَنْوِينُهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا، وَأَصْلُ
إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا،
ــ
[مغني المحتاج]
الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ، وَلِهَذَا شَرَطَ عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَبْيَضَ وَالْأَمَةُ بَيْضَاءَ، وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَكْثَرُونَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: النَّسَمَةُ مِنْ الرَّقِيقِ غُرَّةٌ لِأَنَّهَا غُرَّةُ مَا يَمْلِكُ: أَيْ أَفْضَلُهُ، وَغُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ خِيَارُهُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِيهِ (إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ) عَلَى أُمِّهِ الْحَيَّةِ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بِالْقَوْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ الْمُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْجَنِينِ، أَمْ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَضْرِبَهَا أَوْ يُوجِرَهَا دَوَاءً أَوْ غَيْرَهُ فَتُلْقِي جَنِينًا، أَمْ بِالتَّرْكِ كَأَنْ يَمْنَعَهَا الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ حَتَّى تُلْقِيَ الْجَنِينَ وَكَانَتْ الْأَجِنَّةُ تَسْقُطُ بِذَلِكَ، وَلَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الصَّوْمُ وَلَوْ فِي رَمَضَانَ إذَا خَشِيَتْ مِنْهُ الْإِجْهَاضَ، فَإِذَا فَعَلَتْهُ فَأَجْهَضَتْ ضَمِنَتْهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ دِيَتَهُمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ لَكَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَسَوَّى الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا كَأَصْلِ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ يَكُونُ بَدَلَ اللَّبَنِ فِي الْمُصَرَّاةِ، سَوَاءٌ أَقَلَّ اللَّبَنُ أَمْ كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ تَامَّ الْأَعْضَاءِ أَمْ نَاقِصَهَا ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي عِنْدَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ مَعْصُومَةً أَوْ مَضْمُونَةً عِنْدَهَا. أَمَّا الْجَنِينُ الرَّقِيقُ وَالْكَافِرُ فَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْفَصْلِ وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الدِّيَةِ وَلَا لِضَرْبَةٍ قَوِيَّةٍ أَقَامَتْ بَعْدَهَا بِلَا أَلَمٍ، ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ.
تَنْبِيهٌ: سُمِّيَ الْجَنِينُ جَنِينًا لِاسْتِتَارِهِ وَمِنْهُ الْجِنُّ، وَقَوْلُهُ (فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِانْفَصَلَ: أَيْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا بِجِنَايَةٍ أَوْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِجِنَايَةٍ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ ضَرَبَ مَيِّتَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ فَأَوْجَبَا الْغُرَّةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا (وَكَذَا إنْ ظَهَرَ) بَعْضُ الْجَنِينِ (بِلَا انْفِصَالٍ) مِنْ أُمِّهِ كَخُرُوجِ رَأْسِهِ مَيِّتًا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ، وَالثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِهِ لِأَنَّ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ كَالْعُضْوِ مِنْهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَجَنِينِ حَرْبِيَّةٍ مِنْ حَرْبِيٍّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا كَأَنْ كَانَ الْجَانِي مَالِكًا لِلْجَنِينِ وَلِأُمِّهِ بِأَنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى أَمَتِهِ الْحَامِلِ وَجَنِينُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ فَعَتَقَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ أَوْ وَكَانَتْ أُمُّهُ مَيِّتَةً أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَا ظَهَرَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ (فَلَا) شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ فِي الْأُولَى، وَعَدَمِ ضَمَانِ الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ وَلِظُهُورِ مَوْتِهِ بِمَوْتِهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الْجَنِينِ بِالْعِصْمَةِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأُمِّ بِهَا لِإِيهَامِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى حَرْبِيَّةٍ جَنِينُهَا
أَوْ حَيًّا وَبَقِيَ زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ فَدِيَةُ نَفْسٍ.
وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا فَغُرَّةٌ، إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
مَعْصُومٌ حِينَ الْجِنَايَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَلَمْ يَنْفَصِلْ الْوَلَدُ وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا غُرَّةَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ وُجُودَ الْجَنِينِ فَلَا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُنْتَفِخَةَ الْبَطْنِ فَضَرَبَهَا ضَارِبٌ فَزَالَ الِانْتِفَاخُ أَوْ وَكَانَتْ تَجِدُ حَرَكَةً فِي بَطْنِهَا فَانْقَطَعَتْ بِالضَّرْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا فَانْفَشَّتْ وَسَكَنَ (أَوْ) انْفَصَلَ (حَيًّا وَبَقِيَ) بَعْدَ انْفِصَالِهِ (زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ) فِيهِ (ثُمَّ مَاتَ)(فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْجَانِي، سَوَاءٌ أَزَالَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ عَنْ أُمِّهِ قَبْلَ إلْقَائِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ) بَعْدَ انْفِصَالِهِ أَوْ تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا كَقَبْضِ يَدٍ وَبَسْطِهَا، وَلَوْ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ لَا اخْتِلَاجًا (أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ) مِنْهُ (فَدِيَةُ نَفْسٍ) كَامِلَةٌ عَلَى الْجَانِي، وَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اخْتِلَاجِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِشَارًا بِسَبَبِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَضِيقِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ حَزَّهُ شَخْصٌ وَقَدْ انْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً أَوْ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، فَالْقَاتِلُ لَهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَازِّ إلَّا التَّعْزِيرُ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّهُ شَخْصٌ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالصِّيَاحِ حَيَاتَهُ.
(وَلَوْ أَلْقَتْ) أَيْ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا (جَنِينَيْنِ) مَيِّتَيْنِ (فَغُرَّتَانِ) تَجِبَانِ فِيهِمَا، أَوْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَهَكَذَا لِأَنَّ الْغُرَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاسْمِ الْجَنِينِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْ مَيِّتًا وَحَيًّا وَاسْتَمَرَّ أَلَمُ الْحَيِّ حَتَّى مَاتَ فَغُرَّةٌ لِلْأَوَّلِ وَدِيَةٌ لِلثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْإِجْهَاضِ اشْتَرَكُوا فِي الْغُرَّةِ كَمَا فِي الدِّيَةِ (أَوْ) أَلْقَتْ (يَدًا) أَوْ رِجْلًا وَمَاتَتْ (فَغُرَّةٌ) تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْيَدَ بَانَتْ بِالْجِنَايَةِ، وَخَرَجَ بِمَاتَتْ مَا لَوْ عَاشَتْ وَلَمْ تُلْقِ جَنِينًا، فَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ غُرَّةٍ كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فِيهَا إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يُضْمَنُ بَاقِيهِ، لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ.
فُرُوعٌ: لَوْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ وَلَوْ مُلْتَصِقَيْنِ فَغُرَّتَانِ، إذْ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَنَانِ، فَالْبَدَنَانِ حَقِيقَةً يَلْتَزِمَانِ رَأْسَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَأْسٌ فَالْمَجْمُوعُ بَدَنٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ إلَّا غُرَّةُ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ أَلْقَتْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْأَيْدِي أَوْ الْأَرْجُلِ أَوْ رَأْسَيْنِ وَجَبَ غُرَّةُ فَقْدٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِهَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ، بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا زَائِدٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُخْبِرَ بِامْرَأَةٍ لَهَا رَأْسَانِ فَنَكَحَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ.
وَلَوْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا مَيِّتًا بِلَا يَدٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ مِنْ الْأُمِّ فَغُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَدَ مُبَانَةٌ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ، أَوْ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَدِيَةٌ وَدَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ، فَإِنْ عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ فَنِصْفُ دِيَةٍ لِلْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْقَوَابِلُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ فَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْيَدِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ، أَوْ أَلْقَتَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ أُهْدِرَ الْجَنِينُ لِزَوَالِ الْأَلَمِ
وَكَذَا لَحْمٌ قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ، قِيلَ أَوْ لَا قُلْنَ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ.
وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ وَوَجَبَ لِلْيَدِ الْمُلْقَاةِ قَبْلَهُ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا نِصْفُ غُرَّةٍ أَوْ حَيًّا وَمَاتَ أَوْ عَاشَ فَنِصْفُ دِيَةٍ إنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ إلْقَاءِ الْيَدِ مَيِّتًا كَامِلِ الْأَطْرَافِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَفِي الْيَدِ حُكُومَةٌ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةُ فَقْدٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْيَدَ الَّتِي أَلْقَتْهَا كَانَتْ زَائِدَةً لِهَذَا الْجَنِينِ وَانْمَحَقَ أَثَرُهَا، أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ لَا غُرَّةٌ كَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ عَاشَ فَحُكُومَةٌ وَتَأَخُّرُ الْيَدِ عَنْ الْجَنِينِ إلْقَاءً كَتَقَدُّمٍ لِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ.
(وَكَذَا لَحْمٌ) أَلْقَتْهُ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ إذَا (قَالَ الْقَوَابِلُ) وَهُنَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ (فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ) عَلَى غَيْرِهِنَّ فَلَا يَعْرِفُهَا سِوَاهُنَّ لِحَذْقِهِنَّ. فَائِدَةٌ: تَظْهَرُ الصُّورَةُ الْخَفِيَّةُ بِوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ، وَيَكْفِي تَصَوُّرُ أُصْبُعٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ مَا بَانَ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ (قِيلَ أَوْ لَا) صُورَةَ أَيْ تَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا فِي إلْقَاءِ لَحْمٍ لَا صُورَةَ فِيهِ أَصْلًا تَعْرِفُهَا الْقَوَابِلُ، وَلَكِنْ (قُلْنَ) إنَّهُ (لَوْ بَقِيَ) ذَلِكَ اللَّحْمُ (لَتَصَوَّرَ) أَيْ تَخَلَّقَ كَمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَالْمَذْهَبُ لَا غُرَّةَ كَمَا لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَمَرَّ إيضَاحُ هَذَا فِي بَابِ الْعَدَدِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِاللَّحْمِ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُضْغَةِ، فَلَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ قَطْعًا كَمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ.
(وَهِيَ) أَيْ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) كَمَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ، وَالْخِيَرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى الْغَارِمِ، وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ أَيْ نَوْعٍ كَانَتْ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَبُولُ الْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى فِي الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ لِوَصْفِ الْغُرَّةِ بِقَوْلِهِ (مُمَيِّزٌ) فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ هِيَ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ، وَلَفْظُ الْجَنِينِ وَإِنْ كَانَ يَشْمَلُ الْمُمَيِّزَ وَغَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يَخُصُّهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْغُرَّةِ جَبْرُ الْخَلَلِ وَلَا جَبْرَ مَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى السِّنِّ، حَتَّى لَوْ مَيَّزَ قَبْلَ السَّبْعِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ مُرَادًا: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا السِّنِّ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ) لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اكْتَفَى فِي الْكُفَّارِ بِالْمَعِيبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْغُرَّةُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَعِيبِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: قَبُولَ الْكَافِرِ، لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ خَصِيٍّ
وَالْأَصَحُّ قَبُولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصْفَ عُشْرِ دِيَةٍ.
فَإِنْ فُقِدَتْ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا
وَهِيَ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ
وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ فَعَلَيْهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَخُنْثَى وَكَافِرٍ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَلَى كَافِرٍ بِبَلَدٍ تَقِلُّ فِيهِ الرَّغْبَةُ أَوْ عَلَى مُرْتَدٍّ أَوْ كَافِرَةٍ يَمْتَنِعُ وَطْؤُهَا لِتَمَجُّسٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا هُنَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَفْهَمَ امْتِنَاعُ الْحَامِلِ لِجَزْمِهِمْ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْجَوَارِي، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ، فَقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ حَامِلٍ وَلَا مَوْطُوءَةٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ حَمْلِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ حَمْلِهَا مَمْنُوعٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بِقَبُولِهَا هُنَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمْلُ بِخِلَافِ بَنَاتِ آدَمَ (وَالْأَصَحُّ قَبُولُ) رَقِيقٍ (كَبِيرٍ) مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الْخِيَارِ مَا لَمْ تَنْقُصْ مَنَافِعُهُ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةٍ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَنْقُصُ حِينَئِذٍ، وَالثَّالِثُ لَا يُقْبَلُ بَعْدَهَا فِي الْأَمَةِ وَبَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْعَبْدِ، وَضَعُفَ الْوَجْهَانِ بِأَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يُقَابِلُهُ زِيَادَةُ الْمَنْفَعَةِ. أَمَّا الْعَاجِزُ بِالْهَرَمِ فَلَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ وَضَبْطُهُ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الطِّفْلِ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي الْغُرَّةِ (بُلُوغُهَا) فِي الْقِيمَةِ (نِصْفَ عُشْرِ دِيَةٍ) مِنْ الْأَبِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ، فَفِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ رَقِيقٌ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهَا دِيَةٌ فَكَانَتْ مُقَدَّرَةً كَسَائِرِ الدِّيَاتِ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ عَلَى أَقَلِّ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الدِّيَاتِ وَهُوَ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ.
(فَإِنْ فُقِدَتْ) تِلْكَ الْغُرَّةُ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا (فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) بَدَلًا عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا فَعِنْدَ عَدَمِهَا يُؤْخَذُ مَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِهِ، وَلِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الدِّيَاتِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فُقِدَتْ الْإِبِلُ وَجَبَ قِيمَتُهَا كَمَا فِي فَقْدِ إبِلِ الدِّيَةِ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ مَعَ الْمَوْجُودِ (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ) بُلُوغُهَا مَا ذُكِرَ: بَلْ مَتَى وُجِدَتْ سَلِيمَةً مُمَيِّزَةً وَجَبَ قَبُولُهَا وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهَا لِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي الْخَبَرِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالْقَوْلِ (فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا) أَيْ الْغُرَّةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ.
تَنْبِيهٌ: الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْغُرَّةِ لَا يَصِحُّ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ الدِّيَةِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْغُرَّةُ (لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ) عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا دِيَةُ نَفْسٍ، وَيُقَدَّرُ انْفِصَالُهُ حَيًّا ثُمَّ مَوْتِهِ.
(وَ) هِيَ أَيْ وَاجِبَةٌ (عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَارِّ (وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ) الْجِنَايَةَ بِأَنْ قَصَدَهَا بِمَا يُلْقِي غَالِبًا (فَعَلَيْهِ) وَهَذَا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ
وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ هَدَرٌ، وَالْأَصَحُّ غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ.
وَالرَّقِيقُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ الْإِجْهَاضُ لِسَيِّدِهَا،
ــ
[مغني المحتاج]
عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَحَيَاتُهُ حَتَّى يَقْصِدَ: بَلْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوِيٌّ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ شِبْهِ الْعَمْدِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الشَّخْصِ كَالْعَمْدِ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَمْدُ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: يُغَلَّظُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَيُؤْخَذُ عِنْدَ فَقْدِ الْغُرَّةِ حِقَّةٌ وَنِصْفٌ وَجَذَعَةٌ وَنِصْفٌ وَخِلْفَتَانِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّظَ فِي الْغُرَّةِ أَيْضًا بِأَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَاسْتَحْسَنَاهُ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ يَقْتَضِي تَحَمُّلَ عَصَبَاتِهِ مِنْ النَّسَبِ، ثُمَّ الْوَلَاءِ، ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا مَرَّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ الْمَالِ ضُرِبَتْ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعَاقِلَةُ بِالْوَاجِبِ وَجَبَ عَلَى الْجَانِي الْبَاقِي.
، ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الْكَافِرِ، فَقَالَ (وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ) بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِ (قِيلَ كَمُسْلِمٍ) فِي الْغُرَّةِ (وَقِيلَ) هُوَ (هَدَرٌ) وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْغُرَّةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالْقِيمَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ فِي الْجَنِينِ الْمَذْكُورِ (غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ) كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَا بَعِيرٍ، وَفِي الْجَنِينِ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثُ خُمُسِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ ثُلُثُ بَعِيرٍ، وَأَمَّا الْجَنِينُ الْحَرْبِيُّ وَالْجَنِينُ الْمُرْتَدُّ بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِمَا فَمُهْدَرَانِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الرَّقِيقِ، فَقَالَ (وَ) الْجَنِينُ (الرَّقِيقُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فِيهِ (عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً قِيَاسًا عَلَى الْجَنِينِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ مُعْتَبَرَةٌ بِعُشْرِ مَا تَضْمَنُ بِهِ الْأُمُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا قِيمَتَهُ فِي نَفْسِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا، وَاسْتُثْنِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ هِيَ الْجَانِيَةَ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَنِينِهَا الْمَمْلُوكِ لِلسَّيِّدِ شَيْءٌ، إذْ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ شَيْءٌ، وَخَرَجَ بِالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ، قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُوَزَّعَ الْغُرَّةُ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ (يَوْمَ الْجِنَايَةِ) عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (وَقِيلَ) يَوْمَ (الْإِجْهَاضِ) لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ.
تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ اعْتِبَارَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِجْهَاضِ أَمْ أَقَلَّ. وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَتَهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْجِنَايَةِ إلَى الْإِجْهَاضِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ قَطْعًا وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَيُصْرَفُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّقِيقِ (لِسَيِّدِهَا) أَيْ أُمِّ الْجَنِينِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ لِلسَّيِّدِ أَيْ سَيِّدِ الْجَنِينِ، وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ يَكُونُ لِشَخْصٍ وَصَّى لَهُ بِهِ وَتَكُونُ الْأُمُّ لِآخَرَ فَالْبَدَلُ لِسَيِّدِهِ لَا لِسَيِّدِهَا، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْ