الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الدِّيَاتِ
فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الدِّيَاتِ]
ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِصَاصِ عَقَّبَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ، وَمُفْرَدُهَا دِيَةٌ، وَهِيَ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا. وَأَصْلُهَا وِدْيَةٌ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ، وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنْ فَاءِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ وَاوٌ، إذْ أَصْلُهَا وَدْيَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْيِ، وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ كَالْعِدَةِ مِنْ الْوَعْدِ، تَقُولُ: وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ وَدْيًا وَدِيَةً أَيْ أَدَّيْت دِيَتَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ} [النساء: 92] وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَتَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ لِبَيَانِ الْحُكُومَةِ وَضَمَانِ الرَّقِيقِ، وَبَدَأَ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ لَهَا فَقَالَ (فِي قَتْلِ) الذَّكَرِ (الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) الْمَحْقُونِ الدَّمِ غَيْرِ جَنِينٍ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا وَالْقَاتِلُ لَهُ لَا رِقَّ فِيهِ (مِائَةُ بَعِيرٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ دِيَةً، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ:«فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَنَّهَا مِائَةً عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ أَبُو سَيَّارَةَ الَّذِي أَجَارَ الْحُجَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى وَجَاءَتْ الشَّرِيعَةُ مُقَرِّرَةً لَهَا، وَالْبَعِيرُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الدِّيَةُ بِالْفَضَائِلِ وَالرَّذَائِلِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْأَدْيَانِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ فَإِنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ.
أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْلِمٌ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ لِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ مَثَلًا، وَلِجِهَةِ الرَّقَبَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْحِصَّةِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْحِصَّةِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلدِّيَةِ مَا يُغَلِّظُهَا، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ خَمْسَةٍ: كَوْنُ الْقَتْلِ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ فِي الْحَرَمِ، أَوْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا
مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً: أَيْ حَامِلًا، وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقٌ، وَجِذَاعٌ.
فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ
أَوْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ
ــ
[مغني المحتاج]
يُنْقِصُهَا، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ: الْأُنُوثَةُ، وَالرِّقُّ، وَقَتْلُ الْجَنِينِ، وَالْكُفْرُ، فَالْأَوَّلُ يَرُدُّهَا إلَى الشَّطْرِ، وَالثَّانِي إلَى الْقِيمَةِ، وَالثَّالِثُ إلَى الْغُرَّةِ، وَالرَّابِعُ إلَى الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الثَّانِي أَنْقَصَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَزِيدُ الْقِيمَةُ عَلَى الدِّيَةِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (مُثَلَّثَةٌ فِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) سَوَاءٌ أَوَجَبَ فِيهِ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَنْهُ أَمْ لَا كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالْمُرَادُ بِتَثْلِيثِهَا جَعْلُهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَزْيَدَ مِنْ بَعْضٍ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً أَيْ حَامِلًا) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ، فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي، وَحَالَّةٌ، وَمِنْ جِهَةِ السِّنِّ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِدِيَةِ النَّفْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ بِثُلُثِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعَمْدِ فِي غَيْرِ النَّفْسِ كَالطَّرَفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَالْخَلِفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا وَهُوَ مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَابْنُ سِيدَهْ خَلِفَاتٌ. (وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ، وَبَنُو لَبُونٍ، وَحِقَاقٌ، وَجِذَاعٌ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ إجْزَاءَ عِشْرِينَ حِقًّا وَعِشْرِينَ جَذَعًا وَلَا قَائِلَ بِهِ، فَإِنَّ الْحِقَاقَ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، فَإِنَّ الْجِذَاعَ مُخْتَصَّةٌ بِالذُّكُورِ، وَجَمْعُ الْجَذَعَةِ جَذَعَاتٌ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمُؤَجَّلَةً، وَمِنْ جِهَةِ التَّخْمِيسِ.
وَيَغْلُظُ الْخَطَأُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ) فَإِنَّهَا تُثَلَّثُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ، أَمْ أُصِيبُ الْمَقْتُولُ فِيهِ وَرُمِيَ مِنْ خَارِجِهِ، أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا بِالْحِلِّ، أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَاتِلِ أَوْ الْمَقْتُولِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْإِلْحَاقِ بِالصَّيْدِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. نَعَمْ الْكَافِرُ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ، فَلَوْ دَخَلَهُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ فَهَلْ تُغَلَّظُ بِهِ أَوْ يُقَالُ هَذَا نَادِرٌ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ، وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَثَانِيهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ فِي (الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ (وَذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِوُقُوعِ الْحَجِّ فِي الثَّانِي (وَالْمُحَرَّمِ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، وَقِيلَ لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ فِيهِ عَلَى إبْلِيسَ، حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ
وَرَجَبٍ.
أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ فَمُثَلَّثَةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا فَعَرَّفُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَكُونُ ابْتِدَاءً أَوَّلُ السَّنَةِ (وَرَجَبٍ) وَيُجْمَعُ عَلَى أَرَاجِبَ وَرَجَائِبَ وَرُجُوبٍ وَرَجَبَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ الْأَصَمُّ وَالْأَصَبُّ، وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ: لَمْ يُعَذِّبْ اللَّهُ أُمَّةً فِي شَهْرِ رَجَبٍ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْرَقَ قَوْمَ نُوحٍ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ، فَمُثَلَّثَةٌ دِيَةُ هَذَا الْمَقْتُولِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَدَدِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَعَدَّهَا الْكُوفِيُّونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالُوا الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا نُذِرَ صِيَامُهَا أَيْ مُرَتَّبَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْدَأُ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُحَرَّمِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ رَمَى فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَصَابَ فِي غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ جَرَحَهُ فِيهَا وَمَاتَ فِي غَيْرِهَا أَوْ عَكْسُهُ أَنْ تُغَلَّظَ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ.
وَثَالِثُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ شَخْصٌ قَرِيبًا لَهُ (مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ) كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ السَّابِقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَمُثَلَّثَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ الْعَبَادِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - غَلَّظُوا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالتَّوْقِيفِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ عَنْ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا انْفَرَدَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ عَنْ الرَّحِمِ كَمَا فِي الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَلَا يَغْلُظُ بِهَا الْقَتْلُ قَطْعًا. ثَانِيَتُهَا أَنْ تَنْفَرِدَ الرَّحِمِيَّةُ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ فَلَا تَغْلُظُ فِيهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْقَرَابَةِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِذِي الرَّحِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا.
تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَتَلَ ابْنَ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ بِنْتَ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِيَّةِ بِذَلِكَ، وَيَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عِصْمَةٌ، وَقَطْعِ الطَّرَفِ، وَفِي دِيَةِ الْجُرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا يَدْخُلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ بَلْ الْوَاجِبُ قِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ قِيَمِ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ بِالْحَرَمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى النَّصِّ خِلَافَهُ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي الْحُكُومَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلَ بِالْخَطَأِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يَتَضَاعَفُ بِالتَّغْلِيظِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَهَى بِنِهَايَتِهِ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَنَظِيرُهُ الْمُكَبَّرُ لَا يُكَبَّرُ كَعَدَمِ التَّثْلِيثِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ.
فَرْعٌ: الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَوْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ وَقَتَلَا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ. قَالَ
وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ.
وَالْعَمْدُ عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ.
وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ.
وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ وَمَرِيضٌ إلَّا بِرِضَاهُ، وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ بِأَهْلِ خِبْرَةٍ، وَالْأَصَحُّ إجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ،
ــ
[مغني المحتاج]
ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمَا بِالتَّثْلِيثِ نَقْلًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَغْلُظَ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ يُلْحِقُ الْخَطَأَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَلَيْسَ لَهُمَا شِبْهُ عَمْدٍ، فَالْمُلْتَحَقُ أَوْلَى بِالْعَدَمِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُمَا شِبْهُ عَمْدٍ، مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا قَصَدَا الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ.
(وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ) كَمَا سَبَقَ (فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) دِيَتُهُ (مُؤَجَّلَةٌ) عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُثَلَّثَةٌ فَغَيْرُ الْمُثَلَّثَةِ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعَاقِلَةِ وَالتَّأْجِيلِ وَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي بَابٍ عَقِبَ هَذَا.
(وَالْعَمْدُ) دِيَتُهُ (عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ) عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ أَبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ.
(وَشِبْهُ الْعَمْدِ) دِيَتُهُ (مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ) فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، مُغَلَّظَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ التَّثْلِيثُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ» وَأَمَّا كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمُؤَجَّلَةً فَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا، وَلَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أُعْطِيَ حُكْمَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ.
تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ: مُعَجَّلَةٌ وَمُؤَجَّلَةٌ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ (وَلَا يُقْبَلُ) فِي إبِلِ الدِّيَةِ (مَعِيبٌ) بِمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْعَيْبِ (وَ) لَا (مَرِيضٌ) وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ مَعِيبَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهَا فَاقْتَضَتْ السَّلَامَةَ، وَخَالَفَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ.
تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْمَرِيضِ عَلَى الْمَعِيبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، أَوْ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَخْذِهِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ وَلَا مَعِيبَةٌ إلَّا عَنْ مِثْلِهِمَا (إلَّا بِرِضَاهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ. (وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ) الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الدِّيَةِ (بِأَهْلِ خِبْرَةٍ) بِذَلِكَ أَيْ بِعَدْلَيْنِ مِنْهُمْ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْتَحِقِّ حَمْلَهَا إلْحَاقًا لَهُ بِالتَّقْوِيمِ، وَإِذَا أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِمَا أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى حَمْلِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَ الْمُسْتَحِقِّ وَشَقَّ جَوْفَهَا فَبَانَتْ حَائِلًا غَرِمَهَا وَأَخَذَ بَدَلَهَا حَامِلًا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْحَمْلِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَقَبْلَ شَقِّ جَوْفِهَا شُقَّ لِيُعْرَفَ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ إسْقَاطَ الْحَمْلِ، كَأَنْ قَالَ: أُسْقِطَتْ عِنْدَك، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ وَأَمْكَنَ الْإِسْقَاطُ صُدِّقَ الدَّافِعُ إنْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ خَبِيرَيْنِ لِتَأَيُّدِ قَوْلِهِ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى، وَبِيَمِينٍ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ (إجْزَاؤُهَا) أَيْ الْخَلِفَةِ (قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ النَّاقَةَ لَا تَحْمِلُ قَبْلَهَا، وَالثَّانِي اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ
وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا، وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ، وَإِلَّا فَغَالِبِ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ، وَإِلَّا فَأَقْرَبِ بِلَادٍ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إلَّا بِتَرَاضٍ، وَلَوْ عُدِمَتْ فَالْقَدِيمُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهَا جَازَ قَطْعًا (وَمَنْ لَزِمَتْهُ) دِيَةٌ مِنْ جَانٍ أَوْ عَاقِلَةٍ (وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا) تُؤْخَذُ الدِّيَةُ وَلَا يُكَلَّفُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ مِمَّا عِنْدَهُ كَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَوْعِ النِّصَابِ (وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ) أَوْ قَبِيلَتِهِ إنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا عِوَضُ مُتْلَفٍ، وَاعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْمُتْلِفِ بَعِيدٌ، وَرَجَّحَ هَذَا الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِنْ الْغَالِبِ أُخِذَتْ مِنْهَا قَطْعًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ (فَغَالِبِ) أَيْ فَتُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ (قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ) لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَلُ الْغَالِبُ كَمَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ إبِلٌ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ (فَأَقْرَبِ) أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ أَقْرَبِ (بِلَادٍ) أَيْ أَقْرَبِ قَبَائِلَ إلَى مَوْضِعِ الْمُؤَدِّي فَيَلْزَمُهُ نَقْلُهَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا لَمْ تَبْلُغْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ حِينَئِذٍ نَقْلُهَا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الضَّبْطِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ (وَ) إذَا وَجَبَ نَوْعٌ مِنْ الْإِبِلِ (لَا يَعْدِلُ) عَنْهُ (إلَى نَوْعٍ) مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ (وَ) لَا إلَى (قِيمَةٍ) عَنْهُ (إلَّا بِتَرَاضٍ) مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُسْتَحِقِّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ إلَى نَوْعٍ مِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا أَوْ فَوْقِهَا، وَهُوَ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: يُجْبَرُ عَلَى الْأَعْلَى وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتَهَا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ إبِلِهِ هُوَ مَا فِي الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ أَصْلُهَا عَنْ التَّهْذِيبِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا، وَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَوْجَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ، وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ إبِلَهُ لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَتَعَيَّنُ نَوْعُ إبِلِهِ سَلِيمًا كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِهِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِ مَحَلِّهِ (وَلَوْ عُدِمَتْ) إبِلُ الدِّيَةِ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا مِنْهُ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا (فَالْقَدِيمُ) الْوَاجِبُ (أَلْفُ دِينَارٍ) عَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ (أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) فِضَّةٍ عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ لِحَدِيثِ «عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَخْيِيرُ الْجَانِي بَيْنَ الذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ، وَهُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ،
وَالْجَدِيدُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ بَلَدِهِ.
وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ أُخِذَ وَقِيمَةُ الْبَاقِي، وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ نَفْسًا وَجُرْحًا.
وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ثُلُثُ مُسْلِمٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ دِيَةً مُغَلَّظَةً كَأَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ عَمْدًا هَلْ يُزَادُ لَهُ التَّغْلِيظُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ إنَّمَا وَرَدَ بِالسِّنِّ وَالصِّفَةِ لَا بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهَذَا أَحَدُ مَا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ (وَالْجَدِيدُ) الْوَاجِبُ (قِيمَتُهَا) أَيْ الْإِبِلِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ إعْوَازِ أَصْلِهِ وَتُقَوَّمُ (بِنَقْدِ بَلَدِهِ) الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَضْبَطُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ لَا غَالِبَ فِيهِمَا تَخَيَّرَ الْجَانِي بَيْنَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِنَقْدِ بَلَدِهِ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَمْ أَدْرِ أَيَّ بَلَدٍ هُوَ، أَبَلَدُ الْجَانِي أَمْ بَلَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَمْ الْوَلِيِّ الْقَابِضِ أَمْ الَّذِي يَجِبُ التَّحْصِيلُ مِنْهُ؟ لَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بَلَدُ مَنْ لَزِمَتْهُ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَغَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْمُرَادُ هُنَا بَلَدُ الْعَدَمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ عُدِمَتْ اهـ.
وَالْمُرَادُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَجِبُ التَّحْصِيلُ مِنْهُ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَيُرَاعَى صِفَتُهَا فِي التَّغْلِيظِ.
(وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ) مِنْ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةِ (أُخِذَ) الْمَوْجُودُ مِنْهَا (وَقِيمَةُ الْبَاقِي) كَمَا لَوْ وَجَبَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ مِثْلٌ وَوَجَدَ بَعْضَ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَقِيمَةَ الْبَاقِي.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يُمْهِلْ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ لَزِمَ الدَّافِعَ امْتِثَالُهُ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةُ ثُمَّ وُجِدَتْ الْإِبِلُ وَأَرَادَ رَدَّ الْقِيمَةِ لِيَأْخُذَ الْإِبِلَ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُجِدَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْإِبِلَ تَتَعَيَّنُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنَصِّ الْمُخْتَصَرِ (وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى) الْمُشْكِلُ الْحُرَّانِ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ (كَنِصْفِ) دِيَةِ (رَجُلٍ) حُرٍّ مِمَّنْ هُمَا عَلَى دِينِهِ (نَفْسًا وَجُرْحًا) بِضَمِّ الْجِيمِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُغَلَّظَاتِ الدِّيَةِ شَرَعَ فِي مُنْقِصَاتِهَا. فَمِنْهَا الْأُنُوثَةُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ» وَأَلْحَقَ بِنَفْسِهَا جُرْحَهَا، وَبِهَا الْخُنْثَى؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهَا، فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْخُنْثَى خَطَأً عَشْرُ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهَكَذَا، وَفِي قَتْلِهَا أَوْ قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً، وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً.
تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ بِإِلْحَاقِهِ بِالْأُنْثَى عَلَى النَّفْسِ وَالْجُرْحِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْأَطْرَافَ، وَلَعَلَّ حَذْفَ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ أَنَّ الْخُنْثَى لَا يُلْتَحَقُ بِالْأُنْثَى فِي الْأَطْرَافِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ فِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتَهَا، وَفِي حَلَمَتَيْهِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْحُكُومَةِ، وَشُفْرَيْهِ كَذَلِكَ بِخِلَافِهَا.
(وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ) وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذَا كَانَ مَعْصُومًا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ (ثُلُثُ) دِيَةِ (مُسْلِمٍ) نَفْسًا وَغَيْرَهَا، أَمَّا فِي النَّفْسِ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ
وَمَجُوسِيٌّ ثُلُثَا عُشْرِ مُسْلِمٍ، وَكَذَا وَثَنِيٌّ لَهُ أَمَانٌ.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ دِينِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما؛ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُعْقَلُ بِلَا تَوْقِيفٍ. فَفِي قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ عَشْرُ حِقَاقٍ وَعَشْرُ جَذَعَاتٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلِفَةً وَثُلُثٌ، وَفِي قَتْلِهِ خَطَأً لَمْ تَغْلُظْ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنِي اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دِيَةُ مُسْلِمٍ وَقَالَ مَالِكٌ: نِصْفُهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ قَتَلَ عَمْدًا فَدِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ خَطَأً فَنِصْفُهَا أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ وَأَمَّا الْأَطْرَافُ وَالْجِرَاحُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّفْسِ.
تَنْبِيهٌ: السَّامِرَةُ كَالْيَهُودِ، وَالصَّابِئَةُ كَالنَّصَارَى إنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمَا أَهْلُ مِلَّتِهِمَا، وَإِلَّا فَكَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ (وَمَجُوسِيٌّ) لَهُ أَمَانٌ دِيَتُهُ أَخَسُّ الدِّيَاتِ، وَهِيَ (ثُلُثَا عُشْرِ) دِيَةِ (مُسْلِمٍ) كَمَا قَالَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم فَفِيهِ عِنْدَ التَّغْلِيظِ حِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ وَخِلْفَتَانِ وَثُلُثَا خَلِفَةٍ، وَعِنْدَ التَّخْفِيفِ بَعِيرٌ وَثُلُثٌ مِنْ كُلِّ سِنٍّ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ خَمْسَ فَضَائِلَ، وَهِيَ حُصُولُ كِتَابٍ وَدِينٍ كَانَ حَقًّا بِالْإِجْمَاعِ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ، وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِيِّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ إلَّا التَّقْرِيرُ بِالْجِزْيَةِ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ مِنْ الْخُمْسِ مِنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: ثُلُثَا عُشْرٍ أَوْلَى مِنْهُ ثُلُثُ خُمْسٍ؛ لِأَنَّ فِي الثُّلُثَيْنِ تَكْرِيرًا، وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَصْوِيبِ أَهْلِ الْحِسَابِ لِكَوْنِهِ أَخَصْرَ (وَكَذَا وَثَنِيٌّ) وَنَحْوُهُ، كَعَابِدِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَزِنْدِيقٍ، وَهُوَ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا مِمَّنْ (لَهُ أَمَانٌ) كَدُخُولِهِ لَنَا رَسُولًا، أَمَّا مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَهَدَرٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ دِيَةِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ مَثَلًا، وَهِيَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ اعْتِبَارًا بِالْأَشْرَفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَبًا أَمْ أُمًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا، وَالضَّمَانُ يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ التَّغْلِيظِ، وَيَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ لِأَمَانِهِ، وَدِيَةُ نِسَاءِ وَخَنَاثَى مَنْ ذُكِرَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ، وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى إلَى هُنَا لَشَمِلَ الْجَمِيعَ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ. وَالْوَثَنُ: هُوَ الصَّنَمُ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ وَثَنٌ إلَّا لِمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَخْرَةٍ كَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ.
(وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّ مَنْ) قَتَلَ مَعْصُومًا، وَ (لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ) أَيْ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ) أَهْلِ (دِينِهِ) دِيَتُهُ، فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَدِيَةُ كِتَابِيٍّ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ، وَقِيلَ: دِيَةُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عِنَادٌ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِدِينٍ مَنْسُوخٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ ثَبَتَ لَهُ نَوْعُ عِصْمَةٍ، فَأُلْحِقَ بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ وَجَبَ فِيهِ أَخَسُّ الدِّيَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ أَوْ لَا فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الضَّمَانُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ