المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في موجب ما دون النفس وهو ثلاثة أقسام] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٥

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ]

- ‌كِتَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ]

- ‌كِتَابُ الْكَفَّارَةِ

- ‌كِتَابُ اللِّعَانِ

- ‌[فَصْلٌ قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ اللِّعَانِ]

- ‌كِتَابُ الْعِدَدِ

- ‌[فَصْلٌ الْعِدَّة بِوَضْعِ الْحَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاخُل عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مُعَاشَرَة الْمُطَلَّقِ الْمُعْتَدَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْحَائِلِ لِوَفَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا]

- ‌بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي طَرَيَانُ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

- ‌[فَصْل فِي مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَوَانِعُ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَار بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا]

- ‌[فَصْل فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَة وَصِفَات الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُون]

- ‌[فَصْل فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْجِرَاحِ]

- ‌[فَصْل فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْل فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تغير حَال المجروح مِنْ وَقْت الْجُرْح إلَى الْمَوْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ]

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ]

- ‌[بَاب فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ]

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ

- ‌ الْقَسَامَةُ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ]

- ‌كِتَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ]

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌كِتَابُ الزِّنَا

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ وَمَا يَمْنَعُهُ وَمَا يَكُونُ حِرْزًا لِشَخْصٍ دُونَ آخِر]

- ‌[فَصْل فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي شُرُوطُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ]

- ‌بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌[فَصْل فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ والتعازير]

- ‌[فَصْل فِي التَّعْزِيرِ]

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ

- ‌[فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]

الفصل: ‌[فصل في موجب ما دون النفس وهو ثلاثة أقسام]

وَإِلَّا فَكَمَجُوسِيٍّ

فَصْلٌ فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَهَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ عَشَرَةٌ، وَدُونَهُ

ــ

[مغني المحتاج]

أَخَسُّ الدِّيَاتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ بُدِّلَ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُخَالِفُهُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ أَصْلًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الطُّرُقُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَذْهَبِ نَظَرًا لِمَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ، فَلِذَا قَالَ (فَكَمَجُوسِيٍّ) دِيَتُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُ الْخِلَافِ، وَقِيلَ تَجِبُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ حَقٍّ وَلَا عَهْدَ لَهُ وَلَا ذِمَّةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ فِيمَنْ تَمَسَّكَ الْآنَ بِالْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ التَّبْدِيلُ اهـ. أَيْ إذَا لَمْ تَحِلَّ مُنَاكَحَتُهُمْ.

تَتِمَّةٌ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَيُقْتَصُّ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ مِنْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ.

[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَقْسَامٍ]

(فَصْلٌ) فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: جُرْحٌ، وَإِبَانَةُ طَرَفٍ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجُرْحُ، فَقَالَ وَ (فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ) وَلَوْ لِلْعَظْمِ الثَّانِي خَلْفَ الْأُذُنِ (أَوْ الْوَجْهِ) وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ لِمَا تَحْتَ الْمُقْبِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَفِيهَا (لِحُرٍّ) ذَكَرٍ (مُسْلِمٍ) غَيْرِ جَنِينٍ، (خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَتُرَاعَى هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَفِي مُوضِحَةِ الْكِتَابِيِّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ، وَفِي مُوضِحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَنَحْوِهِ ثُلُثُ بَعِيرٍ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرْتُهُ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْهَاشِمَةِ، وَخَرَجَ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَا عَدَاهُمَا كَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ فَإِنَّ فِيهِمَا الْحُكُومَةَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) فِي (هَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ) أَوْ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ بِشَقٍّ لِإِخْرَاجِ عَظْمٍ أَوْ تَقْوِيمِهِ أَوْ سَرَتْ إلَيْهِ (عَشَرَةٌ) مِنْ أَبْعِرَةٍ وَهِيَ عُشْرُ دِيَةِ الْكَامِلِ بِالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الصُّوَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَبْلَ هَذَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَوْجَبَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ زَيْدٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ (وَ) هَاشِمَةٍ (دُونَهُ) أَيْ

ص: 302

خَمْسَةٌ، وَقِيلَ حُكُومَةٌ.

وَمُنَقِّلَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ.

وَلَوْ أَوْضَحَ فَهَشَمَ آخَرُ، وَنَقَّلَ ثَالِثٌ، وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ، وَالرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ.

وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ كَجُرْحِ سَائِرِ الْبَدَنِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْإِيضَاحِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ (خَمْسَةٌ) مِنْ أَبْعِرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ خَمْسَةٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْهَشْمِ فَوَجَبَتْ عِنْدَ انْفِرَادِهِ (وَقِيلَ) فِي الْهَشْمِ إذَا خَلَا عَمَّا ذُكِرَ (حُكُومَةٌ) لِأَنَّهُ كَسْرُ عَظْمٍ بِلَا إيضَاحٍ فَأَشْبَهَ كَسْرَ سَائِرِ الْعِظَامِ.

(وَمُنَقِّلَةٍ) مَعَ إيضَاحٍ وَهَشْمٍ كَمَا صَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ (خَمْسَةَ عَشَرَ) بَعِيرًا، رَوَى النَّسَائِيُّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَقَلَ فِي الْأُمِّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَكَذَا ابْنُ الْمُنْذِرِ.

(وَ) فِي (مَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ: إجْمَاعٌ، وَفِي الدَّامِغَةِ مَا فِي الْمَأْمُومَةِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: تُزَادُ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ غِشَاءِ الدِّمَاغِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي خَرْقِ الْأَمْعَاءِ فِي الْجَائِفَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَمَامُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا تُذَفِّفُ وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَأْمُومَةِ وَمَا قَبْلَهَا مَا ذُكِرَ إنْ اتَّحَدَ الْجَانِي، فَلَوْ تَعَدَّدَ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ.

(وَلَوْ أَوْضَحَ) وَاحِدٌ ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا (فَهَشَمَ آخَرُ) بَعْدَ الْإِيضَاحِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَيْسَ تَعْقِيبُ الْهَشْمِ لِلْإِيضَاحِ بِشَرْطٍ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ (وَنَقَّلَ ثَالِثٌ وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ) مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِسَبَبِ الْإِيضَاحِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا مِنْ دِيَةِ الْهَاشِمَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ الزَّائِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ دِيَةِ الْمُنَقِّلَةِ (وَ) عَلَى (الرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ) وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَهْشِمَ الْآخَرُ فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْعَفْوِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْبَاقِينَ مُكِّنَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ مِمَّا ذُكِرَ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْجُرْحِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. قَالَهُ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِهِ.

(وَالشِّجَاجُ) الْخَمْسُ الَّتِي (قَبْلَ الْمُوضِحَةِ) مِنْ حَارِصَةٍ وَدَامِيَةٍ وَبَاضِعَةٍ وَمُتَلَاحِمَةٍ وَسِمْحَاقٍ (إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مُوضِحَةٌ إذَا قِيسَ بِهَا الْبَاضِعَةُ مَثَلًا عُرِفَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ ثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ فِي عُمْقِ اللَّحْمِ (وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا) بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطِ مِنْ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْهَا (فَحُكُومَةٌ) لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ (كَجُرْحِ سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْبَدَنِ) كَالْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ فَإِنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ فَقَطْ

ص: 303

وَفِي جَائِفَةٍ ثُلُثُ دِيَةٍ، وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَبَطْنٍ وَصَدْرٍ، وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَجَبِينٍ وَخَاصِرَةٍ.

وَلَوْ أَوْضَحَ

ــ

[مغني المحتاج]

لِأَنَّ أَدِلَّةَ مَا مَرَّ فِي الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لَمْ يَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا وَأَيْضًا فَأَرْشُ نَفْسِ الْعُضْوِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ، وَلَيْسَ فِي الْأُنْمُلَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ، فَكَيْفَ نُوجِبُ فِي إيضَاحِ عَظْمِهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ.

(وَفِي جَائِفَةٍ) وَإِنْ صَغُرَتْ (ثُلُثُ دِيَةٍ) لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ إذْ لَا جُرْحَ فِي الْبَدَنِ يُقَدَّرُ غَيْرَهَا (وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يَصِلُ (إلَى جَوْفٍ) فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَبَطْنٍ) أَيْ كَدَاخِلِهِ (وَ) دَاخِلِ (صَدْرٍ، وَ) دَاخِلِ (ثُغْرَةِ نَحْرٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، وَهِيَ نُقْرَةٌ بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ (وَ) دَاخِلِ (جَبِينٍ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ جِيمٍ وَهُوَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْجَبْهَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ جِيمٍ تَثْنِيَةُ جَنْبٍ، وَبِهِ عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ وَالرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ عَلَمٌ مِنْ التَّمْثِيلِ بِالْبَطْنِ (وَ) دَاخِلِ (خَاصِرَةٍ) مِنْ الْخَصْرِ، وَهُوَ وَسَطُ الْإِنْسَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيفَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ، وَخَرَجَ بِالْجَوْفِ الْمَذْكُورِ غَيْرُهُ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْجَفْنِ وَالْعَيْنِ وَمَمَرِّ الْبَوْلِ إذْ لَا يَعْظُمُ فِيهَا الْخَطَرُ كَالْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْأَجْوَافِ بَلْ فِيهَا حُكُومَةٌ، فَلَوْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى الْفَمِ أَوْ دَاخِلِ الْأَنْفِ بِإِيضَاحٍ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ بِكَسْرِ قَصَبَةِ الْأَنْفِ، فَأَرْشُ مُوضِحَةٍ فِي الْأُولَى أَوْ أَرْشُ هَاشِمَةٍ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ حُكُومَةٍ فِيهِمَا لِلنُّفُوذِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ حَزَّ بِسِكِّينٍ مِنْ كَتِفٍ أَوْ فَخِذٍ إلَى الْبَطْنِ فَأَجَافَهُ فَوَاجِبُهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجِرَاحَةِ الْكَتِفِ أَوْ الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ أَوْ حَزَّ بِهَا مِنْ الصَّدْرِ إلَى الْبَطْنِ أَوْ النَّحْرِ فَأَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا حُكُومَةٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَحَلُّ الْجَائِفَةِ، وَلَوْ أَجَافَهُ حَتَّى لَذَعَ كَبِدَهُ أَوْ طِحَالَهُ لَزِمَهُ مَعَ دِيَةِ الْجَائِفَةِ حُكُومَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَسَرَ ضِلْعَهُ كَانَتْ حُكُومَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِنُفُوذِ الْجَائِفَةِ، فَإِنْ نَفَذَتْ فِي غَيْرِ الضِّلْعِ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ مَعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ إلَّا بِكَسْرِهِ دَخَلَتْ حُكُومَةُ كَسْرِهِ فِي دِيَةِ الْجَائِفَةِ.

تَنْبِيهٌ: سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ نَفَذَ الطَّعْنُ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَجَ مِنْ الظَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ جَائِفَتَيْنِ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْجَائِفَةِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ جَوْفٍ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ هُنَا تَقْيِيدَ الْجَائِفَةِ بِمَا دَخَلَ الْجَوْفَ.

(وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ بِكِبَرِهَا) وَلَا صِغَرِهَا لِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَالْأَطْرَافِ وَلَا بِكَوْنِهَا بَارِزَةً أَوْ مَسْتُورَةً بِالشَّعْرِ.

تَنْبِيهٌ: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمُوضِحَةِ بَلْ الْجَائِفَةُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ غَرَزَ فِيهِ إبْرَةً فَوَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَهِيَ جَائِفَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ الشِّجَاجِ فَهُوَ عَلَى الْأَسْمَاءِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَعَدَّدُ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فِي قَوْلِهِ.

(وَلَوْ أَوْضَحَ) الْجَانِي مَعَ اتِّحَادِ

ص: 304

مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ قِيلَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَمُوضِحَتَانِ.

وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً أَوْ شَمِلَتْ رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ، وَقِيلَ مُوضِحَةٌ، وَلَوْ وَسَّعَ مُوضِحَتَهُ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ

أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْحُكْمِ (مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ) مَعًا سَوَاءٌ أَوْضَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا (قِيلَ أَوْ) بَيْنَهُمَا (أَحَدُهُمَا) أَيْ لَحْمٌ فَقَطْ أَوْ جِلْدٌ فَقَطْ (فَمُوضِحَتَانِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ مَعَ قُوَّةِ الْحَاجِزِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ الْقَائِلِ بِالتَّعَدُّدِ وُجُودُ حَاجِزٍ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَتَتْ عَلَى الْمَوْضِعِ كُلِّهِ كَاسْتِيعَابِهِ بِالْإِيضَاحِ، وَلَوْ رَفَعَ الْجَانِي الْحَاجِزَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا أَوْ تَأَكَّلَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ عَادَ الْأَرْشَانِ إلَى وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَانَ كَمَا لَوْ أَوْضَحَ فِي الِابْتِدَاءِ مُوضِحَةً وَاسِعَةً، وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَدِيدَةَ وَنَفَّذَهَا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الدَّاخِلِ ثُمَّ سَلَّهَا فَفِي تَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا عَدَمُ التَّعَدُّدِ، وَلَوْ كَثُرَتْ الْمُوضِحَاتُ تَعَدَّدَ الْأَرْشُ بِحَسَبِهَا وَلَا ضَبْطَ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِيمَا لَوْ اسْتَوْعَبَ الْأَسْنَانَ قَلْعًا.

الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ قِصَاصًا وَعُدْوَانًا فَمُوضِحَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ.

الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَمِلَتْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْأَصَحِّ (رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ، فَقَوْلُهُ فَمُوضِحَتَانِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَقِيلَ مُوضِحَةٌ) نَظَرًا لِلصُّورَةِ.

تَنْبِيهٌ: نَصْبُ " عَمْدًا وَخَطَأً " إمَّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ أَيْ مُوضِحَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ رَأْسًا وَوَجْهًا عَنْ شُمُولِهَا رَأْسًا وَقَفًا فَيَلْزَمُهُ مَعَ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ حُكُومَةُ الْقَفَا وَعَنْ شُمُولِهَا الْجَبْهَةَ وَالْوَجْهَ فَالْمَذْهَبُ الِاتِّحَادُ، وَقَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ شُمُولَ الْمُوضِحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَوْضَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَبَعْضَ الْوَجْهِ (وَلَوْ وَسَّعَ) الْجَانِي (مُوضِحَتَهُ) مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ (فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا لَوْ أَوْضَحَ أَوَّلًا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهٌ مَنْقُولٌ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ التَّوْسِعَةَ إيضَاحٌ ثَانٍ، أَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَتَتَعَدَّدُ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً.

الرَّابِعُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ، فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جِنَايَتُهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُوَسِّعُ مَأْمُورًا لِلْمُوضِحِ أَوَّلًا وَكَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ هُنَا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ أَيْ وَسَّعَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَنُقِلَ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فَالْكَسْرُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي مُوضِحَتِهِ: أَيْ وَسَّعَ مُوضِحَةَ غَيْرِهِ فَحُذِفَ وَبَقِيَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُهُ ابْنُ مَالِكٍ

ص: 305

وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ.

وَلَوْ نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ سِنَانًا لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَبَعًا لِلْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي الْعَطْفِ عَلَى مَجْرُورٍ إعَادَةُ الْجَارِّ خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّينَ وَالْفَتْحُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِعْطَاءِ إعْرَابِهِ الْمُضَافَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا.

فَرْعٌ: لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي مُوضِحَةٍ وَعَفَا عَلَى مَالٍ هَلْ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَرْشٌ كَامِلٌ أَوْ عَلَيْهِمَا أَرْشٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ النَّفْسِ، فَإِنَّ عَلَيْهِمَا دِيَةً وَاحِدَةً؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ أَوْضَحَا مُوضِحَتَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِيهِمَا ثُمَّ رَفَعَ أَحَدُهُمَا الْحَاجِزَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَإِنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَّحِدُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَعَلَى الرَّافِعِ أَرْشٌ كَامِلٌ وَعَلَى غَيْرِهِ أَرْشَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ لَزِمَ الرَّافِعَ نِصْفُ أَرْشٍ وَلَزِمَ صَاحِبَهُ أَرْشٌ كَامِلٌ وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي (وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي) الِاتِّحَادِ وَفِي (التَّعَدُّدِ) الْمُتَقَدِّمِ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَفِي رَفْعِ الْحَاجِزِ بَيْنَ الْجَائِفَتَيْنِ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ أَرْشِ الْجَائِفَةِ عَلَى مَنْ وَسَّعَ جَائِفَةَ غَيْرِهِ أَنْ يُوَسِّعَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ أَدْخَلَ سِكِّينًا فِي جَائِفَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ وَيُعَزَّرُ، وَإِنْ زَادَ فِي غَوْرِهَا وَكَانَ قَدْ ظَهَرَ عُضْوٌ بَاطِنٌ كَالْكَبِدِ فَغَوَّرَ السِّكِّينَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحُكُومَةُ، وَإِنْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْ جَانِبِ بَعْضِ الظَّاهِرِ وَمِنْ جَانِبِ بَعْضِ الْبَاطِنِ فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ثَخَانَةِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَيُقَسَّطُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَدْ يَقْتَضِي التَّقْسِيطُ تَمَامَ الْأَرْشِ بِأَنْ يَقْطَعَ نِصْفَ الظَّاهِرِ مِنْ جَانِبٍ وَنِصْفَ الْبَاطِنِ مِنْ جَانِبٍ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ.

(وَلَوْ) طَعَنَهُ بِآلَةٍ طَعْنَةً (نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ) أَوْ عَكْسُهُ أَوْ نَفَذَتْ مِنْ جَنْبٍ وَخَرَجَتْ مِنْ جَنْبٍ (فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ اعْتِبَارًا لِلْخَارِجَةِ بِالدَّاخِلَةِ، وَقَدْ قَضَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فَكَانَ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالثَّانِي فِي الْخَارِجَةِ حُكُومَةٌ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ حَقِيقَتُهُمَا، لَا كُلُّ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ لِمَا مَرَّ فِي الْفَمِ وَالذَّكَرِ وَغَيْرِهِمَا (وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ) بِالْخَرْقِ (سِنَانًا) هُوَ طَرَفُ الرُّمْحِ (لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ) إنْ سَلِمَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَجَافَهُ بِاثْنَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَا مِنْ ظَهْرِهِ فَأَرْبَعُ جَوَائِفَ.

تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهَا قَدْ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُ فِي الْمُوضِحَةِ أَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ فِي مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ تَعَدَّدَ الْأَرْشُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ طَعَنَ جَوْفَهُ بَدَلَ أَوْصَلَ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَصْدُقُ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ بِأَنْ يُوصِلَهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ

ص: 306

وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ.

وَالْمَذْهَبُ أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ دِيَةً لَا حُكُومَةً، وَبَعْضٌ بِقِسْطِهِ، وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ.

وَلَوْ قَطَعَ يَابِسَتَيْنِ فَحُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ دِيَةٌ.

وَفِي كُلِّ عَيْنٍ

ــ

[مغني المحتاج]

كَحَلْقِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى جَائِفَةً.

(وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ) بِانْدِمَالٍ وَلَا (بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ) لِأَنَّ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ وَقَدْ وُجِدَ، وَسَوَاءٌ أَبَقِيَ شَيْءٌ أَمْ لَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إبَانَةُ الطَّرَفِ، وَمُقَدَّرُ الْبَدَلِ مِنْ الْأَعْضَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ عُضْوًا، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ: أُذُنٌ، عَيْنٌ، جَفْنٌ، أَنْفٌ، شَفَةٌ، لِسَانٌ، سِنٌّ، لَحْيٌ، يَدٌ، رِجْلٌ، حَلَمَةٌ، ذَكَرٌ، أُنْثَيَانِ، أَلْيَانِ، شَفْرَانِ، جِلْدٌ، ثُمَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ مِنْهَا وَهُوَ ثُنَائِيٌّ كَالْيَدَيْنِ، فَفِي الْوَاحِدِ مِنْهُ نِصْفُهَا، أَوْ ثُلَاثِيٌّ كَالْأَنْفِ فَثُلُثُهَا، أَوْ رُبَاعِيٌّ كَالْأَجْفَانِ فَرُبْعُهَا وَلَا زِيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْبَعْضِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ. الْعُضْوُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّ فِي) قَطْعِ أَوْ قَلْعِ (الْأُذُنَيْنِ) مِنْ أَصْلِهِمَا بِغَيْرِ إيضَاحٍ (دِيَةً) بِالنَّصْبِ اسْمُ أَنَّ سَوَاءٌ أَكَانَ سَمِيعًا أَمْ أَصَمَّ (لَا حُكُومَةً) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الدِّيَةُ كَالْيَدَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةٌ كَالشُّعُورِ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ نَظَائِرِهِ دِيَةُ مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ إيضَاحٌ وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ الْإِيضَاحِ (وَبَعْضٌ) بِالرَّفْعِ مِنْ الْأُذُنَيْنِ (بِقِسْطِهِ) أَيْ الْمَقْطُوعِ لِمَا مَرَّ وَيُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ: بَعْضٌ مَا قَطَعَ إحْدَاهُمَا وَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَعْضَ مِنْ إحْدَاهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ: وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُحَرَّرُ (وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَتَا لَمْ تَتَحَرَّكَا (فَدِيَةٌ) كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ (وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهِيَ جَمْعُ الصَّوْتِ لِيَتَمَادَى إلَى مَحَلِّ السَّمَاعِ بِخِلَافِ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهَا بَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِيهِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْأُخْرَى وَهِيَ دَفْعُ الْهَوَامِّ بِالْإِحْسَاسِ قَدْ بَطَلَتْ، وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ.

(وَلَوْ قَطَعَ) أُذُنَيْنِ (يَابِسَتَيْنِ) بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِيهِمَا فِي الْأَظْهَرِ (وَفِي قَوْلٍ) فِيهِمَا (دِيَةٌ) تَلْزَمُهُ، الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَعَدَمِ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ. .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَبْلُغَ بِالْحُكُومَتَيْنِ مِقْدَارَ الدِّيَةِ حَتَّى لَا نَكُونَ قَدْ أَسْقَطْنَا الدِّيَةَ فِيهِمَا أَوْ لَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمَاوَرْدِيُّ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي.

الْعُضْوُ الثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) قَلْعِ (كُلِّ عَيْنٍ) وَهِيَ

ص: 307

نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ عَيْنُ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ، وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ، فَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ.

وَفِي كُلِّ جَفْنٍ رُبْعُ دِيَةٍ، وَلَوْ لِأَعْمَى.

وَمَارِنٍ دِيَةٌ، وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ، وَقِيلَ فِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

مُؤَنَّثَةٌ: اسْمٌ لِحَاسَّةِ الْبَصَرِ مِنْ إنْسَانٍ وَغَيْرِهِ (نِصْفُ دِيَةٍ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَوَارِحِ نَفْعًا، فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيجَابِ الدِّيَةِ (وَلَوْ) هِيَ (عَيْنُ أَحْوَلَ) وَهُوَ مَنْ فِي عَيْنِهِ خَلَلٌ دُونَ بَصَرِهِ (وَ) عَيْنُ (أَعْمَشَ) وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ دَمْعُهُ غَالِبًا مَعَ ضَعْفِ رُؤْيَتِهِ (وَ) عَيْنُ (أَعْوَرَ) وَهُوَ ذَاهِبُ حِسِّ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ مَعَ بَقَاءِ بَصَرِهِ، وَعَيْنُ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ الْمُبْصِرَةِ، وَعَيْنُ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ بِأَعْيُنِ مَنْ ذُكِرَ، وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْعَيْنَ الْعَوْرَاءَ فِيهَا نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّنْ يَقُولُ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ بَصَرَ الذَّاهِبَةِ انْتَقَلَ إلَيْهَا (وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ) عَلَى بَيَاضِهَا أَوْ سَوَادِهَا أَوْ نَاظِرِهَا وَهُوَ رَقِيقٌ (لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ) الَّذِي فِيهَا يَجِبُ فِي قَلْعِهَا نِصْفُ دِيَةٍ لِمَا مَرَّ (فَإِنْ نَقَصَ) الضَّوْءُ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ النَّقْصِ بِالِاعْتِبَارِ بِالصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا (فَقِسْطُ) مَا نَقَصَ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ) أَيْ النَّقْصُ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَيْنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْبَيَاضَ يُنْقِصُ الضَّوْءَ الَّذِي كَانَ فِي أَصْلِ الْحَدَقَةِ، وَعَيْنُ الْأَعْمَشِ لَمْ يَنْقُصْ ضَوْءُهَا عَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعَمَشَ لَوْ تَوَلَّدَ مِنْ آفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تَكْمُلُ فِيهِ الدِّيَةُ.

الْعُضْوُ الثَّالِثُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ جَفْنٍ) بِفَتْحِ جِيمِهِ وَكَسْرِهَا، وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْفَتْحِ، وَهُوَ غِطَاءُ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ (رُبْعُ دِيَةٍ) سَوَاءٌ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ، فَفِي الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ (وَلَوْ) كَانَ (لِأَعْمَى) وَبِلَا هُدْبٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً. وَقَدْ اخْتَصَّتْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ بِكَوْنِهَا رُبَاعِيَّةً وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ فِي دِيَةِ الْأَجْفَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْأَهْدَابُ، فَإِنَّ فِيهَا حُكُومَةً إذَا فَسَدَ مَنْبَتُهَا كَسَائِرِ الشُّعُورِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِقَطْعِهَا الزِّينَةُ وَالْجَمَالُ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ، وَفِي قَطْعِ الْجَفْنِ الْمُسْتَفْحِشِ حُكُومَةٌ، وَفِي أَحْشَافِ الْجَفْنِ الصَّحِيحِ رُبْعُ دِيَةٍ جَزْمًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأُذُنِ، فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا تَزُولُ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَاكَ، وَفِي بَعْضِ الْجَفْنِ الْوَاحِدِ قِسْطُهُ مِنْ الرُّبْعِ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ فَتَقَلَّصَ بَاقِيهِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ.

الْعُضْوُ الرَّابِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي قَطْعِ (مَارِنٍ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَخَلَا مِنْ الْعَظْمِ (دِيَةٌ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الطَّرَفَيْنِ الْمُسَمَّيَانِ بِالْمَنْخَرَيْنِ، وَعَلَى الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا وَتَنْدَرِجُ حُكُومَةُ قَصَبَتِهِ فِي دِيَتِهِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقِيلَ فِيهَا حُكُومَةٌ مَعَ دِيَتِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَخْشَمِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِيهِ (وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ) تَوْزِيعًا لِلدِّيَةِ عَلَيْهِمَا (وَقِيلَ فِي الْحَاجِزِ) بَيْنَهُمَا (حُكُومَةٌ) فَقَطْ

ص: 308

وَفِيهِمَا دِيَةٌ.

وَفِي كُلِّ شَفَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ.

وَلِسَانٍ وَلَوْ لِأَلْكَنَ وَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ وَطِفْلٍ دِيَةٌ، وَقِيلَ شَرْطُ الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ،

ــ

[مغني المحتاج]

(وَفِيهِمَا) أَيْ الطَّرَفَيْنِ (دِيَةٌ) لِأَنَّ الْجَمَالَ وَكَمَالَ الْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا دُونَ الْحَاجِزِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ قَوْلَانِ، وَلَا تَصْرِيحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِتَرْجِيحٍ وَفِي قَطْعِ بَاقِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الْمَارِنِ بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ بِجُذَامٍ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ بِالْمِسَاحَةِ، وَفِي إشْلَالِ الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَفِي شَقِّهِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ شَيْءٌ حُكُومَةٌ وَإِنْ لَمْ يَلْتَئِمْ، فَإِنْ تَأَكَّلَ بِالشَّقِّ بِأَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ وَجَبَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَفِي قَطْعِ الْقَصَبَةِ وَحْدَهَا دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ.

الْعُضْوُ الْخَامِسُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ شَفَةٍ) وَهِيَ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ وَفِي طُولِهِ مَا يَسْتُرُ اللِّثَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ وَفِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ذَكَرَ هَذَا ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ (نِصْفُ دِيَةٍ) عُلْوِيًّا أَوْ سُفْلِيًّا رَقَّتْ أَوْ غَلُظَتْ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ، فَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ» وَلِمَا فِيهِمَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ، إذْ الْكَلَامُ يَتَمَيَّزُ بِهِمَا وَيُمْسِكَانِ الرِّيقَ وَالطَّعَامَ، وَالْإِشْلَالُ كَالْقَطْعِ، وَفِي شَقِّهِمَا بِلَا إبَانَةٍ حُكُومَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ شَفَةً مَشْقُوقَةً وَجَبَتْ دِيَتُهَا إلَّا حُكُومَةَ الشَّقِّ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَتَقَلَّصَ الْبَعْضَانِ الْبَاقِيَانِ وَبَقِيَا كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَهَلْ تَسْقُطُ مَعَ قَطْعِهِمَا حُكُومَةُ الشَّارِبِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْأَهْدَابِ مَعَ الْأَجْفَانِ.

الْعُضْوُ السَّادِسُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي قَطْعِ (لِسَانٍ) لِنَاطِقٍ سَلِيمِ الذَّوْقِ (وَلَوْ) كَانَ اللِّسَانُ (لِأَلْكَنَ) وَهُوَ مَنْ فِي لِسَانِهِ لُكْنَةٌ أَوْ عُجْمَةٌ (وَ) لَوْ لِسَانَ (أَرَتَّ) بِمُثَنَّاةٍ (وَ) لَوْ (أَلْثَغَ) بِمُثَلَّثَةٍ، وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (وَ) لَوْ لِسَانَ (طِفْلٍ) وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ، وَقَوْلُهُ (دِيَةٌ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَلْسِنَةِ الْمَذْكُورَةِ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَنَقَلَ فِي الْأُمِّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً يَتَمَيَّزُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ فِي الْبَيَانِ وَالْعِبَارَةِ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ: الْكَلَامُ، وَالذَّوْقُ، وَالِاعْتِمَادُ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ وَإِدَارَتُهُ فِي اللَّهَوَاتِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ طَحْنَهُ بِالْأَضْرَاسِ (وَقِيلَ شَرْطُ) الدِّيَةِ فِي قَطْعِ لِسَانِ (الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ) أَيْ اللِّسَانِ (لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ) لِلثَّدْيِ؛ لِأَنَّهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى سَلَامَةِ اللِّسَانِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ سَلَامَتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَلَغَ الطِّفْلُ أَوَانَ النُّطْقِ وَالتَّحْرِيكِ وَلَمْ يُوجَدَا مِنْهُ فَحُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ لِإِشْعَارِ الْحَالِ بِعَجْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ النُّطْقِ فَدِيَةٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَخَذًا بِظَاهِرِ السَّلَامَةِ كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ بَطْشٌ وَلَا مَشْيٌ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ أُخِذَتْ دِيَةُ اللِّسَانِ فَنَبَتَ لَمْ تُسْتَرَدَّ، وَفَارَقَ عَوْدُ الْمَعَانِي كَمَا يَأْتِي بِأَنَّ ذَهَابَهَا كَانَ

ص: 309

وَلِأَخْرَسَ حُكُومَةٌ.

وَكُلِّ سِنٍّ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ سَوَاءٌ أَكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ أَوْ قَلَعَهَا بِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

مَظْنُونًا، وَقَطْعُ اللِّسَانِ مُحَقَّقٌ، وَالْعَائِدُ غَيْرُهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ، وَلَوْ أُخِذَتْ الْحُكُومَةُ لِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى إيجَابَهَا ثُمَّ نَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَعَرَفْنَا سَلَامَةَ لِسَانِهِ وَجَبَ تَمَامُ قِسْطِ دِيَتِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ اللِّسَانُ عَدِيمَ الذَّوْقِ فَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ فِيهِ حُكُومَةً كَالْأَخْرَسِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الذَّوْقَ فِي اللِّسَانِ، وَقَدْ يُنَازِعُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ اهـ.

وَاللِّسَانُ ذُو الطَّرَفَيْنِ إنْ اسْتَوَيَا خِلْقَةً فَلِسَانٌ مَشْقُوقٌ فَتَجِبُ بِقَطْعِهِمَا الدِّيَةُ وَبِقَطْعِ أَحَدِهِمَا قِسْطُهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا، فَفِي قَطْعِ الْأَصْلِيِّ الدِّيَةُ، وَفِي قَطْعِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ (وَ) فِي لِسَانِ (الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ) وَلَوْ كَانَ خَرَسُهُ عَارِضًا كَمَا فِي قَطْعِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِقَطْعِهِ الذَّوْقُ أَوْ كَانَ ذَاهِبَ الذَّوْقِ. فَأَمَّا إذَا قَطَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِلذَّوْقِ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ فِي الذَّوْقِ الدِّيَةَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وُلِدَ أَصَمَّ فَقَطَعَ لِسَانَهُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ أَمَارَةُ النُّطْقِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَهُوَ مَأْيُوسٌ مِنْ الْأَصَمِّ وَالصَّغِيرُ إنَّمَا يَنْطِقُ بِمَا يَسْمَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَنْطِقْ، وَفِي قَطْعِ اللَّهَاةِ حُكُومَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبِقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ.

الْعُضْوُ السَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي قَلْعِ (كُلِّ سِنٍّ) أَصْلِيَّةٍ تَامَّةٍ مَثْغُورَةٍ غَيْرِ مُقَلْقَلَةٍ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاء نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا، فَفِيهَا (لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ وَالضِّرْسِ وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهَا بِاسْمٍ كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فِي الْأَصَابِعِ وَفِيهَا لِأُنْثَى حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ، وَلِذِمِّيٍّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ، وَلِمَجُوسِيٍّ ثُلُثُ بَعِيرٍ، وَلِرَقِيقٍ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَشَمِلَ جَمِيعَ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ انْتَهَى صِغَرُ السِّنِّ إلَى أَنْ لَا يَصْلُحَ لِلْمَضْغِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ. الثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَالِبَ طُولُ الثَّنَايَا عَلَى الرُّبَاعِيَّاتِ فَلَوْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَقْصَرَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخَمْسُ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهَا بِحَسَبِ نُقْصَانِهَا، ثُمَّ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (سَوَاءٌ أَكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَإِعْجَامِ الْخَاءِ، وَيُقَالُ بِالْجِيمِ أَصْلُهَا الْمُسْتَتِرُ بِاللَّحْمِ (أَوْ قَلَعَهَا بِهِ) أَيْ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي دِيَتِهَا بَيْنَ حَالَةِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا كَالْقَلْعِ أَوْ لَا كَالْكَسْرِ لِأَنَّ النَّسْخَ تَابِعٌ، فَأَشْبَهَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَ مَنْفَعَةَ السِّنِّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ مَنَافِعِهَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي خِلْقَةً. أَمَّا لَوْ ظَهَرَ

ص: 310

وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ حُكُومَةٌ، وَحَرَكَةُ السِّنِّ إنْ قَلَّتْ فَكَصَحِيحَةٍ وَإِنْ بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ فَحُكُومَةٌ، أَوْ نَقَصَتْ فَالْأَصَحُّ كَصَحِيحَةٍ.

وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ فَلَمْ تَعُدْ وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَجَبَ الْأَرْشُ،

ــ

[مغني المحتاج]

بَعْضُ السِّنْخِ لِخَلَلٍ أَصَابَ اللِّثَةَ لَمْ يُلْحَقْ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ بَلْ يُكَمِّلُ الدِّيَةَ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ تَجِبُ لِلسِّنْخِ حُكُومَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْقَالِعُ لَهَا وَاحِدًا وَقَلَعَهُمَا مَعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ قَلَعَ الظَّاهِرَ ثُمَّ السِّنْخَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ قَلَعَ وَاحِدٌ السِّنَّ وَآخَرُ السِّنْخَ وَجَبَ لِلسِّنْخِ حُكُومَةٌ جَزْمًا، وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ فَبَقِيَتْ مُعَلَّقَةً بِعُرُوقِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالْإِبَانَةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَإِنْ كَسَرَ سِنًّا مَكْسُورَةً وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ الْفَائِتِ صُدِّقَ صَاحِبُهَا فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَوَاتِ الزَّائِدِ، وَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ صَحِيحَةً وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ مَا كَسَرَ مِنْهَا صُدِّقَ الْجَانِي فِي قَدْرِ مَا كَسَرَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.

(وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ) وَهِيَ الْخَارِجَةُ عَنْ سَمْتِ الْأَسْنَانِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُخَالِفَةِ نَبَاتَهَا (حُكُومَةٌ) كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالشَّاغِيَةِ كَالْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تَشْمَلُ الزَّائِدَ عَلَى الْغَالِبِ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَسْنَانِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ فِيهَا أَرْشًا، وَيُعَزَّرُ قَالِعُ سِنٍّ اُتُّخِذَتْ مِنْ نَحْوِ ذَهَبٍ كَفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَلَا حُكُومَةٍ وَإِنْ تَشَبَّثَتْ بِاللَّحْمِ وَاسْتَعَدَّتْ لِلْمَضْغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ الشَّخْصِ (وَحَرَكَةُ السِّنِّ) لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ (إنْ قَلَّتْ) بِحَيْثُ لَا تُؤْذِي الْقِلَّةُ لِنَقْصِ مَنْفَعَتِهَا مِنْ مَضْغٍ وَغَيْرِهِ (فَكَصَحِيحَةٍ) حُكْمُهَا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ (وَإِنْ بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ) مِنْهَا لِشِدَّةِ حَرَكَتِهَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِيهَا لِلشَّيْنِ الْحَاصِلِ بِزَوَالِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ وَحَبْسَ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ مَوْجُودَةٌ (أَوْ نَقَصَتْ) تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ (فَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا (كَصَحِيحَةٍ) فَيَجِبُ الْأَرْشُ لِوُجُودِ أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَضْغِ وَحِفْظِ الطَّعَامِ وَرَدِّ الرِّيقِ وَلَا أَثَرَ لِضَعْفِهَا كَضَعْفِ الْبَطْشِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ تَزَلْزَلَتْ سِنٌّ صَحِيحَةٌ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ ثَبَتَتْ وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْجِرَاحَةِ نَقْصٌ وَلَا شَيْنٌ، وَإِنْ عَادَتْ نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ فَفِيهَا أَرْشٌ، كَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي فِي الْأَنْوَارِ لَزِمَتْهُ الْحُكُومَةُ لَا الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَلْعِهِمَا كَمَا مَرَّ. قَالَ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّةُ الْقَدَمِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَقْصِ الْمَنْفَعَةِ ذَهَابُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ.

(وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ) أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يُثْغَرْ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ، وَهِيَ رَوَاضِعُهُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا غَالِبًا عَوْدُهَا بَعْدَ سُقُوطِهَا (فَلَمْ تَعُدْ) وَقْتَ أَوَانِ عَوْدِهَا (وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ) مِنْهَا (وَجَبَ) الْقِصَاصُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ أَوْ (الْأَرْشُ) تَامًّا، فَإِنْ

ص: 311

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا شَيْءَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ، وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ فَبِحِسَابِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ إنْ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ.

ــ

[مغني المحتاج]

عَادَتْ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ، وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إنْ بَقِيَ شَيْنٌ، وَإِلَّا فَلَا (وَالْأَظْهَرُ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ) لِحَالِ طُلُوعِهَا وَعَدَمِهِ (فَلَا شَيْءَ) عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَعَادَتْ، وَالثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَوْدِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وُجُوبَهَا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِسْطِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ تَكْمُلْ، وَلَوْ قَلَعَهَا قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا آخَرُ اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَالدِّيَةُ عَلَى الْآخَرِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ أَكْثُرُ مِنْ الْحُكُومَةِ الْأُولَى، وَإِنْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ غَيْرِ الْمَثْغُورَةِ آخَرُ بَعْدَ قَلْعِ غَيْرِهِ لَهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ رَجَّحَهُ فِي الْبَيَانِ، وَإِنْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ شَخْصٌ مَنْبَتَهَا لَزِمَهُ حُكُومَةٌ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْلَعْ سِنًّا (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ لَوْ قَلَعَ) شَخْصٌ (سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ) تِلْكَ الْمَقْلُوعَةُ (لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ) لِأَنَّ الْعَوْدَ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ كَمُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ الْتَحَمَتْ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْتِحَامِهَا الْقِصَاصُ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِأَنَّ الْعَائِدَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ تَعُدْ وَجَبَ الْأَرْش جَزْمًا (وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ) كُلُّهَا، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فِي غَالِبِ الْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ؛ أَرْبَعُ ثَنَايَا، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ، ثُمَّ أَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ: ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ، ثُمَّ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ وَاثْنَا عَشَرَ ضِرْسًا، وَتُسَمَّى الطَّوَاحِينَ، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّتُهُ أَنَّ النَّوَاجِذَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ آخِرُهَا.

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ قَضِيَّتَهُ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِثُمَّ، ثُمَّ عَطَفَ النَّوَاجِذَ وَالْأَضْرَاسَ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا. وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» فَالْمُرَادُ ضَوَاحِكُهُ؛ لِأَنَّ ضَحِكَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ تَبَسُّمًا (فَبِحِسَابِهِ) فَفِيهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا، سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا لِمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ (وَفِي قَوْلٍ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا (لَا يَزِيدُ) أَرْشُ جَمِيعِ الْأَسْنَانِ (عَلَى دِيَةٍ إنْ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ) عَلَيْهَا كَأَنْ أَسْقَطَهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ انْدِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ جِنْسٌ مُتَعَدِّدٌ، فَأَشْبَهَ الْأَصَابِعَ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْأَسْنَانَ فِي أَنْفُسِهَا وَإِنْ زَادَ أَرْشُهَا عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ نَبَاتُهَا وَيَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ، فَاحْتِيجَ إلَى اعْتِبَارِهَا فِي أَنْفُسِهَا، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ مُتَفَقِّهٌ فِي النَّبَاتِ فَقُسِّطَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ الِانْدِمَالُ بَيْنَ كُلِّ سِنٍّ وَأُخْرَى أَوْ تَعَدَّدَ الْجَانِي فَإِنَّهَا تُزَادُ قَطْعًا

ص: 312

وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ.

وَكُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ قُطِعَ مِنْ كَفٍّ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْأَسْنَانُ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَجِبُ لِكُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَفِي سِنٍّ زَائِدٍ حُكُومَةٌ، هَذَا كُلُّهُ إنْ خُلِقَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، فَإِنْ خُلِقَتْ صَفِيحَتَانِ كَانَ فِيهِمَا دِيَةٌ فَقَطْ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ، وَذَكَرَ هُنَا فَائِدَتَيْنِ الْأُولَى قَالَ: جَزَمَ فِي الْجَوَاهِرِ تَبَعًا لِابْنِ سِيدَهْ أَنَّ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ وَالْكَوْسَجُ: لَا تَكْمُلُ أَسْنَانُهُ الْعِدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ. الثَّانِيَةُ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْأَمِيرُ مَاتَ بِأَسْنَانِهِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا وَلَمْ يُثْغِرْ، وَكَانَتْ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَسْفَلِ، وَقِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَعْلَى، وَعَاشَ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً.

الْعُضْوُ الثَّامِنُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي (كُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ لَامِهِ وَكَسْرِهَا وَاحِدُ اللَّحْيَيْنِ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا كَالْأُذُنَيْنِ، وَهُمَا عَظْمَاتُ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى، وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ. أَمَّا الْعُلْيَا فَمَنْبَتُهَا عَظْمُ الرَّأْسِ.

تَنْبِيهٌ: اسْتَشْكَلَ الْمُتَوَلِّي إيجَابَ الدِّيَةِ فِي اللَّحْيَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا خَبَرٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعِظَامِ الدَّاخِلَةِ فَيُشْبِهَانِ التَّرْقُوَةَ وَالضِّلْعَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِي السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ، وَهِيَ عِظَامٌ فِيهَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مِنْ الْوَجْهِ كَانَا أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ (وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ) فَكِّ (اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ، وَلَهُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ وَاسْمٌ يَخُصُّهُ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ كَالْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ، وَالثَّانِي يَدْخُلُ كَمَا تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَشْمَلُ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ، وَلَا يَشْمَلُ اللَّحْيَانِ الْأَسْنَانَ، وَبِأَنَّ اللَّحْيَيْنِ كَامِلَا الْخَلْقِ قَبْلَ الْأَسْنَانِ بِدَلِيلِ الطِّفْلِ، بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سِنَّ الْمَثْغُورِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَيُتَصَوَّرُ إفْرَادُ اللَّحْيَيْنِ عَنْ الْأَسْنَانِ فِي صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ بِهَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَكَّهُمَا أَوْ ضَرَبَهُمَا فَيَبِسَا لَزِمَهُ دِيَتُهُمَا، فَإِنْ تَعَطَّلَ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى اللَّحْيَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. الْعُضْوُ التَّاسِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.

(وَ) فِي (كُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْيَدِ: الْكَفُّ مَعَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ، هَذَا (إنْ قُطِعَ) الْيَدُ بِتَأْوِيلِهَا بِالْعُضْوِ (مِنْ) مَفْصِلِ (كَفٍّ) وَهُوَ الْكُوعُ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُهُ: إنْ قُطِعَ مِنْ الْكَفِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ النِّصْفُ إذَا قُطِعَ الْأَصَابِعُ وَبَقِيَ

ص: 313

فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ فَحُكُومَةٌ أَيْضًا.

وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَأُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ، وَأُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا.

وَالرِّجْلَانِ

ــ

[مغني المحتاج]

الْكَفُّ، لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ بِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَكُلِّ إصْبَعٍ عَشَرَةٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْيَدِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ احْتِمَالِ إيجَابِ الْحُكُومَةِ لِأَجْلِ الْكَفِّ لَا لِلنَّقْصِ إنْ قُطِعَ مِنْ دُونِهِ، وَهَذَا إذَا حَزَّهُ مِنْ الْكَفِّ، فَإِنْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ ثُمَّ قَطَعَ الْكَفَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ كَمَا فِي السِّنْخِ مَعَ السِّنِّ. وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَكَفُّهَا أَقْصَرَ مِنْ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْقَصِيرَةِ نِصْفُ دِيَةٍ كَامِلَةٍ بَلْ يَجِبُ نِصْفُ دِيَةٍ نَاقِصَةِ حُكُومَةٍ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ (فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ) أَيْ الْكَفِّ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ (أَيْضًا) مَعَ دِيَةِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْكَفِّ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا فِي السَّرِقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] .

تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قَدْ يَجِبُ فِي الْيَدِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَمِينَ آخَرَ حَالَ صِيَالِهِ ثُمَّ يَسَارَهُ حَالَ تَوَلِّيهِ عَنْهُ، ثُمَّ رِجْلَيْهِ حَالَ صِيَالِهِ عَلَيْهِ ثَانِيًا، فَمَاتَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِلْيَدِ الْيُسْرَى اهـ.

وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ أَنَّ النَّفْسَ فَاتَتْ بِثَلَاثِ جِرَاحَاتٍ فَوُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّ الْيَدَ وَجَبَ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَدَيْنِ بَعْضُ الدِّيَةِ كَأَنْ سَلَخَ جِلْدَ شَخْصٍ فَبَادَرَ آخَرُ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ يَدَيْهِ، فَالسَّالِخُ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَقَاطِعُ الْيَدَيْنِ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ يُنْقَصُ مِنْهَا مَا يَخُصُّ الْجِلْدَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْيَدَيْنِ اهـ.

وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا نَقَّصْنَا مِنْهَا شَيْئًا لِأَجْلِ مَا فَاتَ مِنْ الْيَدَيْنِ، لَا أَنَّا أَوْجَبْنَا دُونَ الدِّيَةِ فِي يَدَيْنِ تَامَّتَيْنِ.

(وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ) أَصْلِيَّةٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُ دِيَةِ صَاحِبِهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، فَفِيهَا لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ (عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ (وَ) فِي كُلِّ (أُنْمُلَةٍ) مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ (ثُلُثُ الْعَشَرَةِ) لِأَنَّ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهُ أُنْمُلَتَانِ كَمَا قَالَهُ (وَ) فِي (أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا) عَمَلًا بِقِسْطِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ انْقَسَمَتْ أُصْبُعٌ أَرْبَعَ أَنَامِلَ مُتَسَاوِيَةً فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعُ الْعُشْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَيُقَاسُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّاقِصَةُ عَنْ الثَّلَاثِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقْسِمُوا دِيَةَ الْأَصَابِعِ عَلَيْهَا إذَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَمَا فِي الْأَنَامِلِ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً. قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ مِنْ الْأَصَابِعِ مُتَمَيِّزَةٌ وَمِنْ الْأَنَامِلِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَلِذَلِكَ اشْتَرَكَتْ الْأَنَامِلُ وَتَفَرَّقَتْ الْأَصَابِعُ، وَأَيْضًا أَنَّ الْأَنَامِلَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ، وَلَمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَصَابِعُ فِي الْخِلْقَةِ الْمَعْهُودَةِ فَارَقَهَا حُكْمُ الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِأُصْبُعِهِ أَنَامِلُ فَفِيهِ دِيَةٌ تَنْقُصُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْيَدِ.

الْعُضْوُ الْعَاشِرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالرِّجْلَانِ) فِي

ص: 314

كَالْيَدَيْنِ.

وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا، وَحَلَمَتَيْهِ حُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ دِيَتُهُ.

وَفِي أُنْثَيَيْنِ دِيَةٌ.

وَكَذَا ذَكَرٌ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

قَطْعِهِمَا وَأَصَابِعِهِمَا وَأَنَامِلِهِمَا (كَالْيَدَيْنِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِمَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ، وَالْقَدَمُ كَالْكَفِّ. وَالسَّاقُ كَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذُ كَالْعَضُدِ، وَالْأَعْرَجُ كَالسَّلِيمِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ، وَإِنَّمَا الْعَرَجُ نَقْصٌ فِي الْفَخِذِ، وَالشَّلَلُ فِي الرِّجْلِ كَمَا فِي الْيَدِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

الْعُضْوُ الْحَادِيَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي حَلَمَتَيْهَا) أَيْ الْأُنْثَى (دِيَتُهَا) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ، سَوَاءٌ أَذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْإِرْضَاعِ أَمْ لَا، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، وَالْحَلَمَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْمُجْتَمَعِ النَّاتِئِ عَلَى رَأْسِ الثَّدْيِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ صَادِقٌ بِحَلَمَةِ الرَّجُلِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْنُ الْحَلَمَةِ يُخَالِفُ لَوْنَ الثَّدْيِ غَالِبًا، وَحَوَالَيْهِ دَائِرَةٌ عَلَى لَوْنِهَا، وَهِيَ مِنْ الثَّدْيِ لَا مِنْهَا، وَلَوْ قَطَعَ بَاقِيَ الثَّدْيِ أَوْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَطَعَهُ مَعَ الْحَلَمَةِ دَخَلَتْ حُكُومَتُهُ فِي دِيَتِهَا فِي الْأَصَحِّ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعَ جِلْدَةِ الصَّدْرِ وَجَبَتْ حُكُومَةُ الْجِلْدَةِ مَعَ الدِّيَةِ، فَإِنْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ الْبَاطِنَ وَجَبَ أَرْشُ الْجَائِفَةِ مَعَ الدِّيَةِ (وَ) فِي (حَلَمَتَيْهِ) أَيْ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى (حُكُومَةٌ) إذْ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ جَمَالٍ (وَفِي قَوْلٍ دِيَتُهُ) أَيْ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ، فَالْخُنْثَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُلْحَقُ بِالْأُنْثَى كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا: وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ.

تَنْبِيهٌ: يَجِبُ لِلْحَلَمَةِ الَّتِي تَحْتَ حَلَمَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْخُنْثَى حُكُومَةٌ أُخْرَى وَلَا يَتَدَاخَلَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ مِنْهُ عُضْوَانِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ ثَدْيٌ، وَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةُ لَحْمٍ مِنْ صَدْرِهِ.

فَرْعٌ: لَوْ ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَجَبَتْ دِيَتُهُ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ وَإِنْ ضَرَبَ ثَدْيَ خُنْثَى فَاسْتَرْسَلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ حُكُومَةٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ وَلَا يَفُوتُهُ جَمَالٌ فَإِذَا تَبَيَّنَ امْرَأَةً وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ.

الْعُضْوُ الثَّانِيَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي أُنْثَيَيْنِ) مِنْ الذَّكَرِ (دِيَةٌ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَمَحَلُّ التَّنَاسُلِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، سَوَاءٌ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ عِنِّينٍ وَمَجْبُوبٍ وَطِفْلٍ وَغَيْرِهِمْ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَأَمَّا الْخُصْيَتَانِ فَالْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ.

الْعُضْوُ الثَّالِثَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا ذَكَرٌ) سَلِيمٌ فِي قَطْعِهِ دِيَةٌ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ (لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ) وَخَصِيٍّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ وَلِأَنَّ ذَكَرَ الْخَصِيِّ سَلِيمٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيلَاجِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ الْإِيلَادُ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْقَلْبِ، وَالْمَنِيَّ فِي الصُّلْبِ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ بِمَحَلٍّ

ص: 315

وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا وَقِيلَ مِنْ الذَّكَرِ، وَكَذَا حُكْمُ بَعْضِ مَارِنٍ، وَحَلَمَةٍ.

وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ وَكَذَا شُفْرَاهَا

وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْأَشَلِّ.

(وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ) فَيَجِبُ فِي قَطْعِهَا وَحْدَهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مِنْ الذَّكَرِ كَالتَّابِعِ لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الذَّكَرِ وَهُوَ لَذَّةُ الْمُبَاشَرَةِ تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَحْكَامُ الْوَطْءِ تَدُورُ عَلَيْهَا (وَبَعْضُهَا) أَيْ قَطْعُهُ يَجِبُ (بِقِسْطِهِ) أَيْ الذَّكَرِ (مِنْهَا) أَيْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَطْعِهَا فَقُسِّطَتْ عَلَى أَبْعَاضِهَا (وَقِيلَ) يَجِبُ بِقِسْطِهِ (مِنْ) كُلِّ (الذَّكَرِ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ مَجْرَى الْبَوْلِ، فَإِنْ اخْتَلَّ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِسْطِ الدِّيَةِ وَحُكُومَةِ فَسَادِ الْمَجْرَى كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ قَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ بَعْدَ قَطْعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهُ مَعَهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ شَقَّ الذَّكَرَ طُولًا فَأَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ: كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ فَأَشَلَّهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِضَرْبِهِ الْجِمَاعُ بِهِ، لَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَمَنْفَعَتَهُ بَاقِيَانِ وَالْخَلَلُ فِي غَيْرِهِمَا، فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصِ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَمَّا الذَّكَرُ الْأَشَلُّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ (وَكَذَا حُكْمُ) قَطْعِ (بَعْضِ مَارِنٍ، وَ) قَطْعِ بَعْضِ (حَلَمَةٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ هَلْ يُنْسَبُ الْمَقْطُوعُ إلَى الْمَارِنِ وَالْحَلَمَةِ، أَوْ إلَى الْأَنْفِ وَالثَّدْيِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالْأَصَحُّ التَّوْزِيعُ عَلَى الْحَلَمَةِ وَالْمَارِنِ فَقَطْ.

الْعُضْوُ الرَّابِعَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي الْأَلْيَيْنِ) وَهُمَا النَّاتِئَانِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ (الدِّيَةُ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي الرُّكُوبِ وَالْقُعُودِ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، وَفِي بَعْضٍ بِقِسْطِهِ إنْ عُرِفَ قَدْرُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْبَدَنِ النَّاتِئِ، وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ بُلُوغُ الْحَدِيدِ إلَى الْعَظْمِ، وَلَوْ نَبَتَ مَا قُطِعَ لَمْ تَسْقُطْ الدِّيَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ.

تَنْبِيهٌ: اللَّحْمُ النَّاتِئُ عَلَى الظَّهْرِ فِي جَانِبَيْ السِّلْسِلَةِ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَجَرَى فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ دِيَةً، قِيلَ: وَلَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ.

الْعُضْوُ الْخَامِسَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا شُفْرَاهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ الشِّينِ، وَهُمَا اللَّحْمَانِ الْمُحِيطَانِ بِحَرْفَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ إحَاطَةَ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ فَفِي قَطْعِهِمَا وَإِشْلَالِهِمَا دِيَتُهَا، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً، إذْ بِهِمَا يَقَعُ الِالْتِذَاذُ بِالْجِمَاعِ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِمَا لَيْسَ فِي الشُّفْرَيْنِ بَلْ فِي دَاخِلِ الْفَرْجِ، وَلَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَوْ زَالَتْ بِقَطْعِهِمَا الْبَكَارَةُ وَجَبَ أَرْشُهَا مَعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَطَعَ الْعَانَةَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ الذَّكَرِ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهُمَا فَجَرَحَ مَوْضِعَهُمَا آخَرُ بِقَطْعِ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَ الثَّانِيَ حُكُومَةٌ.

الْعُضْوُ السَّادِسَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ) فِيهِ دِيَةُ

ص: 316

إنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَحَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ.

[فَرْعٌ] فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ

ــ

[مغني المحتاج]

الْمَسْلُوخِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَنْبُتْ؛ لِأَنَّ فِي الْجِلْدِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(إنْ بَقِيَ) فِيهِ (حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) إلَّا أَنَّ إيجَابَ الدِّيَةِ فِيهِ إنَّمَا يَظْهَرُ إنْ فُرِضَتْ الْحَيَاةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ سَلْخِهِ اهـ.

(وَ) مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ السَّلْخِ كَأَنْ (حَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ) بَعْدَ السَّلْخِ فَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أَزْهَقَ رُوحَهُ وَعَلَى السَّالِخِ الدِّيَةُ، وَمِثْلُ حَزِّ غَيْرِ السَّالِخِ مَا لَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ حَائِطٌ أَوْ نَحْوُهُ، فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ السَّلْخِ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ حَزَّ السَّالِخُ رَقَبَتَهُ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ دِيَةُ النَّفْسِ إنْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ.

تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَزُّ الرَّقَبَةِ إلَّا مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ عَمْدًا وَالْأُخْرَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَتَدَاخَلَانِ.

تَتِمَّةٌ: فِي كَسْرِ التَّرْقُوَةِ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ: الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ حُكُومَةٌ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَقِيلَ الْوَاجِبُ فِيهَا جَمَلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْحُكُومَةَ كَانَتْ فِي الْوَاقِعَةِ قَدْرَ جَمَلٍ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ تَرْقُوَتَانِ، وَالْجَمْعُ تَرَاقٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة: 26] وَالضَّمِيرُ فِي بَلَغَتْ لِلنَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ حَاتِمٌ:

لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الْفَتَى

إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ

فَائِدَةٌ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اُحْتُضِرَ جَلَسَتْ ابْنَتُهُ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ تَبْكِيهِ وَتُكَرِّرُ هَذَا الْبَيْتَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لَا تَقُولِي هَكَذَا وَلَكِنْ قَوْلِي:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ الْآيَةَ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ: إزَالَةُ الْمَنَافِعِ بِالْجِنَايَةِ وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَرْعٌ: وَتَرْجَمَ فِي الْمُحَرَّرِ بِفَصْلٍ وَهُوَ أَوْلَى، وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ: عَقْلٌ، سَمْعٌ، بَصَرٌ، شَمٌّ، نُطْقٌ، صَوْتٌ، ذَوْقٌ، مَضْغٌ، إمْنَاءٌ، إحْبَالٌ، جِمَاعٌ، إفْضَاءٌ، بَطْشٌ، مَشْيٌ. الشَّيْءُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فِي الْعَقْلِ) أَيْ إزَالَتِهِ إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يُظَنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا (دِيَةٌ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي، وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ، فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي سِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَفِي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ

ص: 317

فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا، وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ.

وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْقِسْطِ إنْ ضُبِطَ بِزَمَانٍ كَأَنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أَوْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فِيهَا وَجَبَتْ دِيَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ: كَمَا لَوْ قُلِعَ سِنُّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا، وَقَوْلُهُ: سِنُّ مَثْغُورٍ صَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: سِنُّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ كَانَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَا عَبَّرَ بِهِ، فَالْمُشَاحَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى الْمُتَوَلِّي، لَا فِي الْحُكْمِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ.

تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدِّيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ، فَقِيلَ الْقَلْبُ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ مَسْكَنُهُ الدِّمَاغُ وَتَدْبِيرُهُ فِي الْقَلْبِ. وَيُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنْ التَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ، وَلَا يُزَادُ شَيْءٌ عَلَى دِيَةِ الْعَقْلِ إنْ زَالَ بِمَا لَا أَرْشَ لَهُ كَأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ أَوْ لَطَمَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ.

(فَإِنْ زَالَ) الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ (بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ) مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ (أَوْ حُكُومَةٌ) كَالْبَاضِعَةِ (وَجَبَا) أَيْ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ أَوْ هِيَ وَالْحُكُومَةُ، وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً غَيْرَ حَالَّةٍ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ، وَكَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْجِنَايَةُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ (يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ) فَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ أَكْثَرَ كَأَنْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهِ دِيَةُ الْعَقْلِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَيَا كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالتَّدَاخُلِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ التَّدَاخُلُ أَيْضًا.

(وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ) أَيْ الْعَقْلِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي وَنَسَبَهُ إلَى التَّجَانُنِ اُخْتُبِرَ فِي غَفَلَاتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ.

فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ عَلَى عَقْلِهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي انْتِظَامُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ حَلَفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ، وَالِاخْتِبَارُ لَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ بَلْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ، وَلَا بُدَّ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الزَّوَالِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ تَحْتَمِلُ زَوَالَ الْعَقْلِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى وَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَحُصُولِ الْمَوْتِ بِصَعْقَةٍ خَفِيفَةٍ

ص: 318

وَفِي السَّمْعِ دِيَةٌ، وَمِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ، وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ.

وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ فَدِيَتَانِ.

وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: أَيْ ادَّعَى ذَلِكَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الدَّعْوَى مِنْ وَلِيٍّ أَوْ مَنْصُوبِ حَاكِمٍ، وَالشَّارِحُ قَدَّرَ بَعْدُ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدَّرَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ أَيْضًا، إذْ كَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْنُونِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَالَ فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ: وَاسْتُشْكِلَ سَمَاعُ دَعْوَاهُ لِتَضَمُّنِهِ زَوَالَ عَقْلِهِ، وَأُوِّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ادَّعَى وَلِيُّهُ، وَمِنْهُ مَنْصُوبُ الْحَاكِمِ اهـ.

وَلَوْ قَدَّرَ هَذَا أَوَّلًا كَانَ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يُقْرَأُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَيُقَدَّرُ بِمَا ذُكِرَ.

الشَّيْءُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي السَّمْعِ) أَيْ إزَالَتِهِ (دِيَةٌ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الْفَهْمَ وَيُدْرِكُ مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَلَا يُدْرِكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتُ، وَالْبَصَرُ يُدْرِكُ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ، فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكَثَرَ كَانَ أَشْرَفَ.

تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ، فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالُوا: لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا وَلَكِنْ انْسَدَّ مَنْفَذُ السَّمْعِ وَالسَّمْعُ بَاقٍ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ، فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَ) فِي إزَالَتِهِ (مِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ) مِنْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ، إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ، بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ) مِنْهُ مِنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ بِحَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

(وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ)(فَدِيَتَانِ) لِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ غَيْرُ مَحَلِّ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَعَمِيَ. فَائِدَةٌ: السَّمْعُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي الصِّمَاخِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ: خَرْقُ الْأُذُنِ يُدْرَكُ بِهَا الصَّوْتُ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْوُصُولَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى خَلْقِ اللَّهِ الْإِدْرَاكَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْوُصُولِ.

(وَلَوْ)(ادَّعَى) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (زَوَالَهُ) أَيْ السَّمْعِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْجَانِي (وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ)(فَكَاذِبٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّصَنُّعِ.

تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ بِكَاذِبٍ أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْلِفُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهِ أَنَّ سَمْعَهُ لَبَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْزِعَاجُ بِالصِّيَاحِ، بَلْ الرَّعْدِ وَطَرْحِ

ص: 319

وَإِلَّا حُلِّفَ وَأَخَذَ دِيَةً.

وَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطُهُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ.

وَإِنْ نَقَصَ مِنْ أُذُنٍ سُدَّتْ وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ.

وَفِي ضَوْءِ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ

ــ

[مغني المحتاج]

شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ مِنْ عُلُوٍّ كَذَلِكَ، وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ وَفِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُ السَّمْعِ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْزَعِجْ بِالصِّيَاحِ وَنَحْوِهِ فَصَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ وَ (حُلِّفَ) حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ (وَأَخَذَ دِيَةً) لِسَمْعِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا بُدَّ فِي يَمِينِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِذَهَابِ سَمْعِهِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي لِجَوَازِ ذَهَابِهِ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ زَوَالٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُرَاجَعُ عُدُولُ الْأَطِبَّاءِ، فَإِنْ نَفَوْا عَوْدَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ جَوَّزُوا عَوْدَهُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَعِيشُ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ عَادَ فِيهَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ وَإِلَّا وَجَبَتْ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ ادَّعَى الزَّوَالَ مِنْ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ حُشِيَتْ السَّلِيمَةُ وَامْتُحِنَ فِي الْأُخْرَى عَلَى مَا سَبَقَ (وَإِنْ نَقَصَ) سَمْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَقِسْطُهُ) أَيْ النَّقْصِ مِنْ الدِّيَةِ (إنْ عُرِفَ) قَدْرُ مَا ذَهَبَ بِأَنْ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ مَكَانِ كَذَا فَصَارَ يَسْمَعُ مِنْ قَدْرِ نِصْفِهِ مَثَلًا، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُحَدِّثَهُ شَخْصٌ وَيَتَبَاعَدَ إلَى أَنْ يَقُولَ: لَا أَسْمَعُ فَيُعَلِّيَ الصَّوْتَ قَلِيلًا، فَإِنْ قَالَ: أَسْمَعُ عُرِفَ صِدْقُهُ ثُمَّ يَعْمَلَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْمَسَافَتَانِ ظَهَرَ صِدْقُهُ، ثُمَّ يُحْسَبُ ذَلِكَ مِنْ مَسَافَةِ سَمَاعِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ إنْ عُرِفَ وَيَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ نِصْفًا وَجَبَتْ الدِّيَةُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ بِالنِّسْبَةِ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِيهِ (بِاجْتِهَادِ قَاضٍ) فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ (وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: مَنْ لَهُ مِثْلُ سِنِّهِ (فِي صِحَّتِهِ) كَأَنْ يَجْلِسَ الْقَرْنُ بِجَنْبِهِ وَيُنَادِيَهُمَا رَفِيعُ الصَّوْتِ مِنْ مَسَافَةٍ لَا يَسْمَعُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، ثُمَّ يَقْرُبُ الْمُنَادِي شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ يَقُولَ قَرْنُهُ سَمِعْت، ثُمَّ يَضْبِطَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، ثُمَّ يَرْفَعَ صَوْتَهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَقُولَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ سَمِعْتُ (وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ) بَيْنَ سَمْعَيْهِمَا وَيُؤْخَذُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا أَعْرِفُ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ سَمْعِي. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَالْحَيْضِ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا الْقِرْنُ بِكَسْرِ الْقَافِ فَهُوَ الْكُفْءُ.

(وَإِنْ نَقَصَ) سَمْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (مِنْ أُذُنٍ) وَاحِدَةٍ (سُدَّتْ) هَذِهِ النَّاقِصَةُ (وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ) بِأَنْ تُسَدَّ الصَّحِيحَةُ وَيُضْبَطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ النَّاقِصَةِ (وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ) وَيُؤْخَذُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَسَافَةِ السَّمِيعَةِ وَالْأُخْرَى النِّصْفُ فَلَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ رُبْعَ سَمْعِهِ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ عَلَيْهِ سُدُسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: بِالِاتِّفَاقِ.

الشَّيْءُ الثَّالِثُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إذْهَابِ (ضَوْءِ) أَيْ بَصَرِ (كُلِّ عَيْنٍ) صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، حَادَّةٍ أَوْ كَالَّةٍ، صَحِيحَةٍ أَوْ عَلِيلَةٍ، عَمْشَاءَ أَوْ حَوْلَاءَ مِنْ شَيْخٍ أَوْ طِفْلٍ حَيْثُ الْبَصَرُ سَلِيمٌ (نِصْفُ دِيَةٍ) وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ لِخَبَرِ مُعَاذٍ «فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ» وَهُوَ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ.

ص: 320

فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ يَزِدْ.

وَإِنْ ادَّعَى زَوَالَهُ سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، أَوْ يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً، وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ؟

وَإِنْ نَقَصَ فَكَالسَّمْعِ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَائِدَةٌ: الْبَصَرُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ الْخَارِجَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ ثُمَّ تَنْعَطِفُ الْعَصَبَةُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى، وَاَلَّتِي مِنْ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَتَلَاقَيَا، ثُمَّ تَأْخُذُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى يَمِينًا، وَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ الْيُسْرَى يَسَارًا حَتَّى تَصِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى عَيْنٍ تُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الْأَلْوَانَ وَغَيْرَهَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِدْرَاكُ مَا ذُكِرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةِ (فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ يَزِدْ) عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْأُذُنِ مَعَ السَّمْعِ لِمَا مَرَّ.

(وَإِنْ ادَّعَى) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (زَوَالَهُ) أَيْ الضَّوْءِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي (سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) بِذَلِكَ: أَيْ عَدْلَانِ مِنْهُمْ مُطْلَقًا، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ أَوْ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ السَّمْعِ لَا يُرَاجَعُونَ فِيهِ، إذْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَيْهِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ فِي مَعْرِفَةِ زَوَالِهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ يُمْتَحَنُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ) مُحْمَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (مِنْ عَيْنَيْهِ بَغْتَةً وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ) أَوْ لَا؟ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَجَعَلَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا فَقَالَ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إلَخْ.

وَالثَّانِي: يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ إلَخْ وَرَتَّبَ فِي الْكِفَايَةِ فَقَالَ يُسْأَلُونَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ اُمْتُحِنَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَإِذَا جُعِلَتْ " أَوْ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ: أَيْ إذَا عَجَزَ عَنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَيُنْقَلُ إلَى الِامْتِحَانِ وَافَقَ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ قَالُوا: يَعُودُ وَقَدَّرُوا مُدَّةً اُنْتُظِرَ كَالسَّمْعِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عَوْدِهِ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهِ لَوْ عَاشَ، وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الثَّانِي لِلشُّبْهَةِ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي عَوْدَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ.

(وَإِنْ نَقَصَ) ضَوْءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَكَالسَّمْعِ) أَيْ فَحُكْمُهُ كَنَقْصِ السَّمْعِ فَإِنْ عَرَفَ قَدْرَ النَّقْصِ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ نِصْفِهَا مَثَلًا فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، فَإِنْ نَقَصَ بَعْضُ ضَوْءِ عَيْنِهِ عُصِبَتْ وَوَقَفَ شَخْصٌ فِي مَوْضِعٍ يَرَاهُ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَبَاعَدَ حَتَّى يَقُولَ: لَا أَرَاهُ، فَتُعْرَفُ الْمَسَافَةُ ثُمَّ تُعْصَبُ الصَّحِيحَةُ وَتُطْلَقُ الْعَلِيلَةُ وَيُؤْمَرُ الشَّخْصُ بِأَنْ يَقْرَبَ رَاجِعًا إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيُضْبَطَ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ وَيَجِبَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ مَثَلًا وَبِالْأُخْرَى مِنْ مِائَةٍ فَالنِّصْفُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ تَحْتَاجُ إلَى مِثْلِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى لِقُرْبِ الْأُولَى

ص: 321

وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي الْكَلَامِ الدِّيَةُ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ ثُلُثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ، وَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ، وَفِي إزَالَةِ عَيْنِ الْأَعْشَى بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ وُجُوبُ نِصْفِهَا مُوَزَّعًا عَلَى إبْصَارِهَا بِالنَّهَارِ وَعَدَمِ إبْصَارِهَا بِاللَّيْلِ، وَإِنْ أَعْمَشَهُ أَوْ أَخْفَشَهُ أَوْ أَحْوَلَهُ أَوْ أَشْخَصَ بَصَرَهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ، وَإِنْ أَذْهَبَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ الضَّوْءَ وَالْآخَرُ الْحَدَقَةَ وَاخْتَلَفَا فِي عَوْدِ الضَّوْءِ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ. حَادِثَةٌ: سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَرْمَدَ أَتَى امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ تَدَّعِي الطِّبَّ لِتُدَاوِيَ عَيْنَهُ، فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهَا ضَمَانُهَا؟

فَأَجَابَ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِتَدَاوِيهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا ضَمَانُهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهَا فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْمَدُ أَذِنَ لَهَا فِي الْمُدَاوَاةِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَضْمَنُ. قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَذِنَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فِي قَطْعِ سِلْعَتِهِ أَوْ فَصْدِهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إذْنُهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ.

الشَّيْءُ الرَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إزَالَةِ (الشَّمِّ) مِنْ الْمَنْخَرَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى رَأْسٍ وَغَيْرِهِ (دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَكَمُلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ.

وَالثَّانِي: لَا بَلْ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ ضَعِيفُ النَّفْعِ، إذْ مَنْفَعَتُهُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ وَالْأَنْتَانِ أَكْثَرَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَيَكُونُ التَّأَذِّي أَكْثَرَ مِنْ التَّلَذُّذِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِي إزَالَةِ شَمِّ كُلِّ مَنْخَرٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ، وَإِنْ نَقَصَ شَمُّ أَحَدِ الْمَنْخَرَيْنِ اُعْتُبِرَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غُفْلَانِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ، فَإِنْ هَشَّ لِلطِّيبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ حُلِّفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا حُلِّفَ هُوَ لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ، وَلَوْ وَضَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ لَهُ الْجَانِي: فَعَلْتُ ذَلِكَ لِعَوْدِ شَمِّك، فَقَالَ: بَلْ فَعَلْتُهُ اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَامْتِخَاطٍ وَرُعَافٍ وَتَفَكُّرٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ، فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَدِيَتَانِ كَمَا فِي السَّمْعِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ. فَائِدَةٌ: الشَّمُّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّاتِئَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيَيْنِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الثَّقْبِ يُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى: يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي الشَّخْصِ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةَ.

الشَّيْءُ الْخَامِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الْكَلَامِ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ (الدِّيَةُ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إنْ مُنِعَ الْكَلَامُ» . وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ

ص: 322

وَفِي بَعْضِ الْحُرُوفِ قِسْطُهُ، وَالْمُوَزَّعُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ لَا يُوَزَّعُ عَلَى الشَّفَهِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ.

ــ

[مغني المحتاج]

إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَعُودُ كَلَامُهُ، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَيْ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً يَعِيشُ إلَيْهَا أَوْ لَا، فَإِنْ أُخِذَتْ ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ، وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَ نُطْقِهِ اُمْتُحِنَ بِأَنْ يُرَوَّعَ فِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ وَيُنْظَرَ هَلْ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ حُلِّفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يُحَلَّفُ الْأَخْرَسُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، هَذَا فِي إبْطَالِ نُطْقِهِ بِكُلِّ الْحُرُوفِ (وَ) أَمَّا (فِي) إبْطَالِ (بَعْضِ الْحُرُوفِ) فَيُعْتَبَرُ (قِسْطُهُ) مِنْ الدِّيَةِ، هَذَا إذَا بَقِيَ لَهُ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ مَفْهُومٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ (وَ) الْحُرُوفُ (الْمُوَزَّعُ) أَيْ الَّتِي تُوَزَّعُ (عَلَيْهَا) الدِّيَةُ (ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ) أَيْ مَنْ كَانَتْ لُغَتَهُ، بِحَذْفِ كَلِمَةِ لَا؛ لِأَنَّهَا لَامٌ أَلِفٌ وَهُمَا مَعْدُودَتَانِ، فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي إبْطَالِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبْعُ سُبْعِهَا، وَعَدَّهَا الْمَاوَرْدِيُّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِإِثْبَاتِ كَلِمَةِ لَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ عَدُّوهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِالْأَلِفِ وَالْهَمْزَةِ، وَأَسْقَطَ الْمُبَرِّدُ الْهَمْزَةَ وَجَعَلَهَا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَمَنْ أَطْلَقَ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَهُوَ إمَّا سَهْوٌ وَإِمَّا تَسَامُحٌ فِي الْعِبَارَةِ بِإِطْلَاقِ الْأَلِفِ عَلَى أَعَمَّ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ السَّاكِنَةِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الْأَلِفِ عَلَى الْهَمْزَةِ تَجَوُّزًا اهـ.

وَاحْتُرِزَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ عَنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لُغَتُهُ غَيْرَهَا وُزِّعَ عَلَى حُرُوفِ لُغَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَقَدْ انْفَرَدَتْ لُغَةُ الْعَرَبِ بِحَرْفِ الضَّادِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَفِي اللُّغَاتِ حُرُوفٌ لَيْسَتْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَالْحَرْفِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْجِيمِ وَالسِّينِ، وَالْحُرُوفُ الْمَذْكُورَةُ تُسَمَّى حُرُوفَ الْهِجَاءِ وَالتَّهَجِّي الَّتِي أَوَّلُهَا فِي الْعَدِّ عَادَةً أَلِفٌ: أَيْ هَمْزَةٌ، بَاءٌ، تَاءٌ إلَى آخِرِهَا فَالْبَاءُ اسْمٌ وَمُسَمَّاهُ بِهِ وَهَكَذَا إلَخْ.

تَنْبِيهٌ: حُرُوفُ اللُّغَاتِ مُخْتَلِفَةٌ، بَعْضُهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَبَعْضُهَا أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ وَحُرُوفُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أَوْ عَلَى أَقَلِّهِمَا؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ، وَلَا فَرْقَ فِي تَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْحُرُوفِ بَيْنَ اللِّسَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ (وَقِيلَ لَا يُوَزَّعُ عَلَى) غَيْرِ اللِّسَانِيَّةِ مِنْ (الشَّفَهِيَّةِ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْبَاءُ وَالْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ نِسْبَةً لِلشَّفَةِ عَلَى أَصْلِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ شَفَهَةٌ، وَلَكَ أَنْ تَنْسُبَهَا عَلَى اللَّفْظِ فَتَقُولَ شُفَيٌّ. وَقِيلَ: أَصْلُ شَفَةٍ شَفْوَةٌ فَحُذِفَتْ الْوَاوُ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ الشَّفَوِيَّةُ (وَ) مِنْ (الْحَلْقِيَّةِ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلْحَلْقِ وَهِيَ سِتَّةٌ: الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ الْمُهْمَلَتَانِ، وَالْغَيْنُ وَالْخَاءُ الْمُعْجَمَتَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى اللِّسَانِ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى الْحُرُوفِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَهِيَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُوَزَّعُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ اللِّسَانِ النُّطْقُ بِهَا فَتَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهَا وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُرُوفَ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْمَخَارِجِ الِاعْتِمَادُ فِي جَمِيعِهَا

ص: 323

وَلَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ، وَقِيلَ قِسْطٌ أَوْ بِجِنَايَةٍ فَالْمَذْهَبُ لَا تَكْمُلُ دِيَةٌ.

وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكْسٌ فَنِصْفُ دِيَةٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

عَلَى اللِّسَانِ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ النُّطْقُ وَيَكْمُلُ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَالْبَاءُ فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُهُمَا مَعَ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ أَوْ لَا؟ . وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، وَيَضْمَنُ أَرْشَ حَرْفٍ فَوَّتَتْهُ ضَرْبَةٌ أَفَادَتْهُ حُرُوفًا لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ النُّطْقِ بِهَا وَلَا يَنْجَبِرُ الْفَائِتُ بِمَا حَدَثَ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ، وَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى الْحُرُوفِ وَفِيهَا الْحُرُوفُ الْمُفَادَةُ أَوْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ؟ قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ (وَلَوْ عَجَزَ) الْمَجْنِيُّ عَلَى لِسَانِهِ (عَنْ بَعْضِهَا) أَيْ الْحُرُوفِ (خِلْقَةً) كَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ، وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ (أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ) كَامِلَةٌ فِي إبْطَالِ كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نَاطِقٌ وَلَهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ، إلَّا أَنَّ فِي نُطْقِهِ ضَعْفًا، وَضَعْفُ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ لَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الدِّيَةِ كَضَعْفِ الْبَطْشِ وَالْبَصَرِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْحُرُوفِ، فَالتَّوْزِيعُ عَلَى مَا يُحْسِنُهُ لَا عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ (وَقِيلَ قِسْطٌ) مِنْ الدِّيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْحُرُوفِ. أَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً وَكَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَالْفَارِسِيِّ الَّذِي لَا ضَادَ فِي لُغَتِهِ، فَالْمَعْرُوفُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَطْعُ بِالتَّكْمِيلِ (أَوْ) عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا (بِجِنَايَةٍ فَالْمَذْهَبُ لَا تَكْمُلُ دِيَةٌ) فِي إبْطَالِ كَلَامِهِ، لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَخْصِيصُ التَّصْوِيرِ بِجِنَايَةِ مَنْ تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ حَتَّى تَكُونَ جِنَايَةُ الْحَرْبِيِّ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَحْسَبُهُ كَذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْمَذْهَبِ يَقْتَضِي إثْبَاتَ طَرِيقَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا غَيْرُ خِلَافٍ مُرَتَّبٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَيْ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْطِ هُنَاكَ فَهُنَا أَوْلَى، أَوْ بِالتَّكْمِيلِ هُنَاكَ فَهُنَا فِيهِ وَجْهَانِ. وَحَاصِلُهُ طَرِيقَانِ: قَاطِعَةٌ وَحَاكِيَةٌ لِخِلَافٍ، وَلَوْ أَبْطَلَ بَعْضَ مَا يُحْسِنُهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَجَبَ قِسْطُهُ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ.

(وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَذَهَبَ) حُرُوفٌ هِيَ (رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكْسٌ) بِأَنْ قَطَعَ رُبْعَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ حُرُوفٌ هِيَ نِصْفُ كَلَامِهِ (فَنِصْفُ دِيَةٍ) تَجِبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ اللِّسَانَ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ وَكَذَا الْكَلَامُ، وَلَوْ لَمْ تُؤَثِّرْ الْجِنَايَةُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا لَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، فَإِذَا أَثَّرَتْ فِيهِمَا وَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ قِسْطُهُ، وَلَوْ قَطَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ آخَرُ الْبَاقِيَ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ، وَقَطَعَ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ وَفِيهِمَا قُوَّةُ الْكَلَامِ وَلَوْ تَسَاوَتْ نِسْبَةُ الْجِرْمِ وَالْكَلَامِ بِأَنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا يَقْتَصُّ مَقْطُوعُ نِصْفٍ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مِنْ مَقْطُوعِ نِصْفٍ ذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ إذَا قَطَعَ الثَّانِي الْبَاقِيَ مِنْ لِسَانِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَجْرَيْنَا الْقِصَاصَ فِي بَعْضِ اللِّسَانِ لِنَقْصِ الْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي، وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ لِسَانٍ وَبَقِيَ نُطْقُهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ لَا قِسْطٌ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، إذْ لَوْ وَجَبَ لَلَزِمَ إيجَابُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي لِسَانِ

ص: 324

وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ.

فَإِنْ أَبْطَلَ مَعَهُ حَرَكَةَ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ دِيَةٌ.

وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، وَيُدْرَكُ بِهِ حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْأَخْرَسِ، وَلَوْ قَطَعَ لِسَانًا ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مَثَلًا بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْهُ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ قَطَعَ جَمِيعَ اللِّسَانِ مَعَ بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَاقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي فَلَمْ يَذْهَبْ إلَّا رُبْعُ كَلَامِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ، فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْقِصَاصِ مُهْدَرَةٌ.

الشَّيْءُ السَّادِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الصَّوْتِ) مَعَ إبْقَاءِ اللِّسَانِ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ (دِيَةٌ) لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الصَّوْتِ إذَا انْقَطَعَ الدِّيَةُ " وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ فِي غَرَضِ الْإِعْلَامِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الصَّوْتِ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَحُمِلَ كَلَامُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَلَى الْكَلَامِ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ.

(فَإِنْ أَبْطَلَ مَعَهُ) أَيْ الصَّوْتِ (حَرَكَةَ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ) لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَتْ بِالتَّفْوِيتِ كَمَالُ الدِّيَةِ (وَقِيلَ دِيَةٌ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَلَامُ لَكِنَّهُ يَفُوتُ تَارَةً بِبُطْلَانِ الصَّوْتِ، وَأُخْرَى بِعَجْزِ اللِّسَانِ عَنْ الْحَرَكَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا مُقْتَضَى ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.

تَنْبِيهٌ: لَوْ أَذْهَبَ بِإِبْطَالِ الصَّوْتِ النُّطْقَ وَاللِّسَانُ سَلِيمُ الْحَرَكَةِ وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعْطِيلَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ كَإِبْطَالِهَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إيجَابُ حُكُومَةٍ لِتَعْطِيلِ النُّطْقِ.

الشَّيْءُ السَّابِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الذَّوْقِ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ (دِيَةٌ) لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ فَأَشْبَهَ الشَّمَّ.

تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ هَلْ هُوَ فِي طَرَفِ الْحُلْقُومِ أَوْ فِي اللِّسَانِ؟ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي قَطْعِ لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَذْهَبْ الذَّوْقُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي اللِّسَانِ ذَهَبَ وَلَا بُدَّ، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالثَّانِي، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ يُدْرَكُ بِهَا الطُّعُومُ بِمُخَالَطَةِ اللُّعَابِيَّةِ الَّتِي فِي الْفَمِ بِالْمَطْعُومِ وَوُصُولِهَا لِلْعَصَبِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْمُخَالَطَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ كَالنُّطْقِ مَعَ اللِّسَانِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِّسَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْوَاعَ الطُّعُومِ وَاقْتَصَرَ كَالْأَصْحَابِ مِنْهَا عَلَى خَمْسَةٍ، فَقَالَ (وَيُدْرَكُ بِهِ) أَيْ الذَّوْقِ (حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفَرَّعَهَا أَهْلُ الطِّبِّ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَلَا تَعْتَبِرُهَا فِي الْأَحْكَامِ لِدُخُولِ بَعْضِهَا

ص: 325

وَتُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ نَقَصَ فَحُكُومَةٌ.

وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَضْغِ.

وَقُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ.

وَقُوَّةِ حَبَلٍ وَذَهَابِ جِمَاعٍ، وَفِي إفْضَائِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ

ــ

[مغني المحتاج]

فِي بَعْضٍ كَالْحَرَافَةِ مَعَ الْمَرَارَةِ (وَتُوَزَّعُ) الدِّيَةُ (عَلَيْهِنَّ) أَيْ الْخَمْسَةِ، فَإِذَا أَبْطَلَ إدْرَاكَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَجَبَ فِيهَا خُمْسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا (فَإِنْ نَقَصَ) الْإِدْرَاكُ نَقْصًا لَا يَتَقَدَّرُ بِأَنْ يَحِسَّ بِمَذَاقِ الْخَمْسِ لَكِنْ لَا يُدْرِكُهَا عَلَى كَمَالِهَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِي ذَلِكَ النَّقْصِ وَتَخْتَلِفُ بِقُوَّةِ النُّقْصَانِ وَضَعْفِهِ، فَإِنْ عُرِفَ قَدْرُهُ فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ اُمْتُحِنَ بِالْأَشْيَاءِ الْمُرَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْحَامِضَةِ الْحَادَّةِ بِأَنْ يُلْقِيَهَا لَهُ غَيْرُهُ مُعَافَصَةً، فَإِنْ لَمْ يَعْبِسْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَالْجَانِي بِيَمِينِهِ.

الشَّيْءُ الثَّامِنُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي) إبْطَالِ (الْمَضْغِ) كَأَنْ يَجْنِيَ عَلَى أَسْنَانِهِ فَتَخَدَّرَ وَتَبْطُلُ صَلَاحِيَّتُهَا لِلْمَضْغِ لِأَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ الْعُظْمَى لِلْأَسْنَانِ وَفِيهَا الدِّيَةُ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهَا كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالْبَطْشِ مَعَ الْيَدِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَتَبِعَهُمَا مَنْ بَعْدَهُمَا.

الشَّيْءُ التَّاسِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ (قُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ النَّسْلُ، بِخِلَافِ انْقِطَاعِ اللَّبَنِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الثَّدْيِ، فَإِنَّ فِيهِ حُكُومَةً فَقَطْ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَاسْتِعْدَادُ الطَّبِيعَةِ لِلْإِمْنَاءِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْفُحُولِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْإِمْنَاءَ الْإِنْزَالُ، فَإِذَا أَبْطَلَ قُوَّتَهُ وَلَمْ يَذْهَبْ الْمَنِيُّ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ لَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْزَالُ بِمَا يَسُدُّ طَرِيقَهُ فَيُشْبِهُ ارْتِتَاقَ الْأُذُنِ اهـ.

وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ. وَالصُّلْبُ الظَّهْرُ، وَيُقَالُ الصَّلَبُ بِفَتْحَتَيْنِ كَفَرَسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ. .

الشَّيْءُ الْعَاشِرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ (قُوَّةِ حَبَلٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ لِفَوَاتِ النَّسْلِ فَيَكْمُلُ فِيهِ دِيَتُهَا لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ: كَذَا صَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ بِإِذْهَابِهِ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَى صُلْبِهِ فَيَصِيرَ مَنِيُّهُ لَا يُحْبِلُ فَتَجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ. قَالَ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا جَنَى عَلَى الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ إنَّهُمَا مَحَلُّ انْعِقَادِ الْمَنِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ فِي غَيْرِ مَنْ ظَهَرَ لِلْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ عَقِيمٌ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ.

الشَّيْءُ الْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي (ذَهَابِ جِمَاعٍ) مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ عَلَى صُلْبِهِ مَعَ بَقَاءِ مَائِهِ وَسَلَامَةِ ذَكَرِهِ فَيَبْطُلُ التَّلَذُّذُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ فِيهِ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَهَابَهُ وَأَنْكَرَ الْجَانِي صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ كَمَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: حِضْتُ، وَلَوْ أَبْطَلَ إمْنَاءَهُ أَوْ لَذَّةَ جِمَاعِهِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَبَ دِيَتَانِ كَمَا فِي إذْهَابِ الصَّوْتِ مَعَ اللِّسَانِ.

الشَّيْءُ الثَّانِيَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي إفْضَائِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً بِوَطْءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ) أَيْ دِيَتُهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ أَوْ اخْتِلَالِهَا،

ص: 326

وَهُوَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ، وَقِيلَ ذَكَرٍ وَبَوْلٍ.

فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ إلَّا بِإِفْضَاءٍ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ.

وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشُهَا، أَوْ بِذَكَرٍ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ،

ــ

[مغني المحتاج]

وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ التَّنَاسُلَ؛ لِأَنَّ النُّطْفَةَ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَحَلِّ الْعُلُوقِ لِامْتِزَاجِهَا فِي الْبَوْلِ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الذَّكَرِ.

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ لِأَنَّ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي الْإِهْدَارَ فِي الزَّانِيَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكْرَهَةُ وَالْمُطَاوِعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُطَاوِعَةَ لَا تَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي الْإِفْضَاءِ، وَأَصْلُ الْإِفْضَاءِ مِنْ الْفَضَاءِ، وَهِيَ الْبَرِيَّةُ الْوَاسِعَةُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِفْضَاءُ (رَفْعُ مَا) أَيْ حَاجِزٍ (بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ) فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدًا، إذْ بِهِ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَقِيلَ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ، فَقَالَا: الْإِفْضَاءُ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ (ذَكَرٍ وَ) مَخْرَجِ (بَوْلٍ) فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَبَوْلِهَا وَاحِدًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ قَوِيٌّ لَا يَرْفَعُهُ الذَّكَرُ وَبَيْنَهُمَا عَظْمٌ لَا يَتَأَتَّى كَسْرُهُ إلَّا بِحَدِيدَةٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا يُحْمَلُ الْإِفْضَاءُ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَأَمَّا الَّذِي فِي الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ فَاقْتَصَرَا فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَتْبَاعِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالثَّانِي فَصَارَ بَوْلُهَا لَا يُسْتَمْسَكُ لَزِمَ الْجَانِيَ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةٌ صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقِيَاسُهُ إيجَابُ الْحُكُومَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُسْتَمْسَكْ الْغَائِطُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إفْضَاءٌ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يَخْتَلُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَوْ أَزَالَ الْحَاجِزَيْنِ لَزِمَهُ دِيَتَانِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ، فَإِنْ الْتَحَمَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ بَقِيَ أَثَرٌ كَمَا لَوْ عَادَ ضَوْءُ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتْ ثَمَّ بِالِاسْمِ، وَهُنَا بِفَقْدِ الْحَائِلِ وَقَدْ سَلِمَ فَلَا مَعْنَى لِلدِّيَةِ.

(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ) لِلزَّوْجَةِ (إلَّا بِإِفْضَاءٍ) مِنْ زَوْجِهَا: إمَّا لِكِبَرِ آلَتِهِ أَوْ ضِيقِ مَنْفَذِهَا (فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ) وَطْؤُهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْإِفْضَاءِ الْمُحَرَّمِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ بِكِبَرِ آلَتِهِ، أَوْ لَهُ الْفَسْخُ بِضِيقِ مَنْفَذِهَا؟ تَقَدَّمَ فِي بَابِ خِيَارِ النِّكَاحِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

(وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا) أَيْ الْبِكْرِ (فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ) مِنْهَا (بِغَيْرِ ذَكَرٍ) كَأُصْبُعٍ وَخَشَبَةٍ (فَأَرْشُهَا) يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْحُكُومَةُ بِتَقْدِيرِ الرِّقِّ كَمَا سَيَأْتِي.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَأَرْشُهَا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ تُزِيلَ بِكْرٌ بَكَارَةَ أُخْرَى فَيُفْتَضَّ مِنْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ كَانَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْقَوَدَ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعٍ وَنَحْوِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ) أَزَالَهَا (بِذَكَرٍ) وَلَوْ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ (لِشُبْهَةٍ) كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ (أَوْ) كَانَتْ (مُكْرَهَةً) عَلَى ذَلِكَ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا) يَلْزَمُهُ (وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ) زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ لِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ،

ص: 327

وَقِيلَ مَهْرُ بِكْرٍ، وَمُسْتَحِقُّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنْ أَزَالَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشٌ.

وَفِي الْبَطْشِ دِيَةٌ وَكَذَا الْمَشْيُ، وَنَقْصِهِمَا: حُكُومَةٌ.

وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ دِيَةٌ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَالْأَرْشُ يَجِبُ لِإِزَالَةِ تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَهُمَا جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ (وَقِيلَ) : يَلْزَمُهُ (مَهْرُ بِكْرٍ) وَلَا أَرْشَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ الِاسْتِمْتَاعُ، فَإِزَالَةُ تِلْكَ الْجِلْدَةِ تَحْصُلُ ضِمْنَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَفْضَاهَا دَخَلَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا لِلْإِتْلَافِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، فَإِنَّ الْمَهْرَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْأَرْشَ لِإِزَالَةِ الْجِلْدَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً عَمَّا لَوْ أَزَالَهَا بِزِنًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَهَدَرٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَ الْأَرْشُ، إنْ قُلْنَا: يُفْرَدُ عَنْ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَقَدَّمْتُ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَابِ الْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَفِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ إذَا طَاوَعَتْهُ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِالْحَالِ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْأَمَةِ الْمَهْرُ الْمُتَمَحِّضُ لِلْوَطْءِ، أَمَّا ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ فَلَا.

تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَرْأَةِ، أَمَّا الْخُنْثَى إذَا أُزِيلَتْ بَكَارَةُ فَرْجِهِ وَجَبَتْ حُكُومَةُ الْجِرَاحَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ جِرَاحَةٌ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْبَكَارَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فَرْجًا، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (وَمُسْتَحِقُّهُ) أَيْ افْتِضَاضِهَا وَهُوَ زَوْجُهَا (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) فِي إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ شَرْعًا فَلَا يَضُرُّهُ الْخَطَأُ فِي طَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ (وَقِيلَ إنْ أَزَالَ) بَكَارَتَهَا (بِغَيْرِ ذَكَرٍ) كَأُصْبُعٍ (فَأَرْشٌ) يَلْزَمُهُ لِعُدُولِهِ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ.

الشَّيْءُ الثَّالِثَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الْبَطْشِ) مِنْ يَدَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِمَا فَشُلَّتَا (دِيَةٌ) لِزَوَالِ مَنْفَعَتِهِمَا.

الشَّيْءُ الرَّابِعَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا الْمَشْيُ) أَيْ إبْطَالُهُ مِنْ الرِّجْلَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى صُلْبٍ فِيهِ دِيَةٌ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا، وَفِي إبْطَالِ بَطْشٍ أَوْ مَسِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ دِيَتُهَا، وَلَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ حَتَّى يَنْدَمِلَ، فَإِنْ انْجَبَرَ وَعَادَ بَطْشُهُ أَوْ مَسُّهُ كَمَا كَانَ فَلَا دِيَةَ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْنٌ فَحُكُومَةٌ (وَ) فِي (نَقْصِهِمَا) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ إنْ لَمْ يَنْضَبِطْ (حُكُومَةٌ) لِمَا فَاتَ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ النَّقْصِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، سَوَاءٌ احْتَاجَ فِي مَشْيِهِ لِعَصًا أَمْ لَا، فَإِنْ انْضَبَطَ وَجَبَ الْقِسْطُ كَالسَّمْعِ.

(وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَذَهَبَ) مَعَ سَلَامَةِ الرِّجْلِ وَالذَّكَرِ (مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ) مَشْيُهُ (وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ (وَقِيلَ دِيَةٌ) لِأَنَّ الصُّلْبَ مَحَلُّ الْمَنِيِّ، وَمِنْهُ يُبْتَدَأُ الْمَشْيُ وَيُنْشَأُ الْجِمَاعُ، وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ يَقْتَضِي اتِّحَادَ الدِّيَةِ وَمَنَعَ الْأَوَّلُ مَحَلِّيَّةَ الصُّلْبِ لِمَا ذُكِرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَلَّتْ رِجْلَاهُ أَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَإِنْ شَلَّ ذَكَرُهُ أَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِيَاتٍ، قَالَهُ فِي الْكَافِي.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُفْرَدُ كَسْرُ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الذَّكَرُ وَالرِّجْلَانِ سَلِيمَيْنِ، فَإِنْ شَلَّا وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ الْحُكُومَةُ لِأَنَّ الْمَشْيَ مَنْفَعَةٌ فِي الرِّجْلِ، فَإِذَا شَلَّتْ

ص: 328

[فَرْعٌ] أَزَالَ أَطْرَافًا وَلَطَائِفَ تَقْتَضِي دِيَاتٍ فَمَاتَ سِرَايَةً فَدِيَةٌ.

وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي قَبْلَ انْدِمَالِهِ فِي الْأَصَحِّ.

فَإِنْ حَزَّ عَمْدًا وَالْجِنَايَاتُ خَطَأٌ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا تَدَاخُلَ فِي الْأَصَحِّ

ــ

[مغني المحتاج]

فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ لِشَلَلِهَا فَأُفْرِدَ كَسْرُ الصُّلْبِ بِالْحُكُومَةِ، وَإِذَا كَانَتْ سَلِيمَةً فَفَوَاتُ الْمَشْيِ لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكُومَةِ، وَيُمْتَحَنُ مَنْ ادَّعَى ذَهَابَ مَشْيِهِ بِأَنْ يُفَاجَأَ بِمُهْلِكٍ كَسَيْفٍ، فَإِنْ مَشَى عَلِمْنَا كَذِبَهُ، وَإِلَّا حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ.

فَرْعٌ: اجْتِمَاعُ دِيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي شَخْصٍ بِجِرَاحَاتٍ بِقَطْعِ أَطْرَافٍ وَإِبْطَالِ مَنَافِعَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهِيَ تَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ دِيَةً. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا سَبَقَ وَجَدْتهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَسَرَدَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ تُضَافُ إلَيْهَا الْمَوَاضِحُ وَسَائِرُ الشِّجَاجِ وَالْجَوَائِفُ وَالْحُكُومَاتُ فَيَجْتَمِعُ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا يَنْحَصِرُ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ دِيَتَانِ لِلْيَدَيْنِ وَلِلْبَطْشِ، وَدِيَتَانِ لِلرِّجْلَيْنِ وَلِلْمَشْيِ، وَدِيَةٌ لِلَّحْيَيْنِ، وَدِيَةٌ لِلْمَضْغِ، وَثَلَاثُ دِيَاتٍ لِلِّسَانِ وَالنُّطْقِ وَالصَّوْتِ، وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِالْفَرْعِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ.

إذَا (أَزَالَ) الْجَانِي (أَطْرَافًا) تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ (وَلَطَائِفُ تَقْتَضِي دِيَاتٍ) كَإِبْطَالِ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ (فَمَاتَ سِرَايَةً) مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِلْ الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (فَدِيَةٌ) وَاحِدَةٌ وَسَقَطَ بَدَلُ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا. أَمَّا إذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُلْ مَا انْدَمَلَ فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لَا مَدْخَلَ لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلَا يَدْخُلُ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَمَّا مَا لَا يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُلُ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالْأَوْلَى.

(وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي) أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (قَبْلَ انْدِمَالِهِ) مِنْ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ.

وَالثَّانِي: تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالِانْدِمَالِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ أَوْ عَادَ وَقَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تَدْخُلْ قِيمَةُ أَطْرَافِهِ فِي قِيمَتِهِ، بَلْ أَوْجَبُوا قِيمَتَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، فَهَلَّا كَانَ كَمَا هُنَا؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ مَضْمُونٌ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ، وَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِمُقَدَّرٍ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ فِي ضَمَانِهِ التَّعَبُّدُ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَجْنِيِّ بِهِ.

(فَإِنْ) كَانَ مُخْتَلِفًا كَأَنْ (حَزَّ) الرَّقَبَةَ (عَمْدًا وَالْجِنَايَاتُ) الْحَاصِلَةُ قَبْلَ الْحَزِّ (خَطَأٌ) أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (أَوْ عَكْسُهُ) كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (فَلَا تَدَاخُلَ) لِشَيْءٍ دُونَ النَّفْسِ فِيهَا (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ يُسْتَحَقُّ الطَّرَفُ وَالنَّفْسُ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ

ص: 329