الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ] مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ ضَمِنَ إتْلَافَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا.
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]
ُ (مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ) سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا، أَمْ مُسْتَأْجِرًا، أَمْ مُودَعًا، أَمْ مُسْتَعِيرًا، أَمْ غَاصِبًا (ضَمِنَ إتْلَافَهَا) بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا) لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَإِلَّا نُسِبَ إلَيْهَا كَالْكَلْبِ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَلَّ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَلَا فَجِنَايَتُهَا كَجِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَائِقَهَا أَمْ قَائِدَهَا أَمْ رَاكِبَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلَاثًا؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَطْلَقُوا الضَّمَانَ لِلنَّفْسِ فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَنَصْبِ الْحَجَرِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي آخَرِ الْبَابِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دَابَّةٍ أَنَّهَا إذَا تَفَلَّتَتْ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا لَا ضَمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ مَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ فَدَخَلَ فِيهِ إنْسَانٌ فَرَمَحَتْه أَوْ عَضَّتْهُ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ قَالَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَرِدْ، وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ: نَفْسًا وَمَالًا صَيْدَ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَشَجَرَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَيْسَ نَفْسًا وَلَا مَالًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَهُوَ لَمْ يَقُلْ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا لَوْ أَرْكَبَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. ثَانِيهَا لَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ فَنَخَسَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا قَيَّدَ الْبَغَوِيّ فَرَمَحَتْ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ، وَقِيلَ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ أَذِنَ الرَّاكِبُ فِي النَّخْسِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. ثَالِثُهَا لَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَاسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَأَتْلَفَتْ فِي انْصِرَافِهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ الرَّادُّ. رَابِعُهَا: لَوْ سَقَطَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً فَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَكَذَا لَوْ سَقَطَ هُوَ مَيِّتًا عَلَى شَيْءٍ وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِسُقُوطِهَا مَيِّتَةً سُقُوطُهَا بِمَرَضٍ أَوْ عَارِضِ رِيحٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ. خَامِسُهَا: لَوْ كَانَ الرَّاكِبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِهَا فَعَضَّتْ اللِّجَامُ وَرَكِبَتْ رَأْسَهَا فَهَلْ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ؟ قَوْلَانِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ اصْطِدَامُ الرَّاكِبَيْنِ تَرْجِيحُ الضَّمَانِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. سَادِسُهَا: لَوْ كَانَ مَعَ الدَّوَابِّ رَاعٍ فَهَاجَتْ رِيحٌ وَأَظْلَمَ النَّهَارُ فَتَفَرَّقَتْ الدَّوَابُّ وَوَقَعَتْ فِي زَرْعٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِي الْأَظْهَرِ لِلْغَلَبَةِ كَمَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَفْسَدَتْ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَفَرَّقَتْ الْغَنَمُ لِنَوْمِهِ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ رَكِبَ صَبِيٌّ أَوْ بَالِغٌ دَابَّةَ إنْسَانٍ بِلَا إذْنِهِ فَغَلَبَتْهُ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا
وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ.
وَيَحْتَرِزُ عَمَّا لَا يَعْتَادُ كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحْلٍ فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ بَهِيمَةٍ فَحَكَّ بِنَاءً فَسَقَطَ ضَمِنَهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
ضَمِنَهُ. قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ الصَّعْبَةَ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ سَاقَ الْإِبِلَ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ فِيهَا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِذَلِكَ.
فَرْعٌ: لَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ فَتَكَسَّرَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، بِخِلَافِ طِفْلٍ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ لَهُ فِعْلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ.
(وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ) بِمُثَلَّثَةٍ (بِطَرِيقٍ) وَلَوْ وَاقِفَةً (فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ وَالْمَنْعُ مِنْ الطَّرِيقِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ كَذَا هُوَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا، وَخَالَفَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَجَزَمَا فِيهِ بِالضَّمَانِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِخْرَاجِ الْجُنَاحِ وَالرَّوْشَن إلَى الطَّرِيقِ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالْأَوَّلُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي بَابِ وَضْعِ الْحَجَرِ أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ ضَمِنَ مَا تُتْلِفُهُ بِبَوْلِهَا فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ، ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، ثُمَّ إنَّهُ جَرَى عَلَى احْتِمَالِهِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ لَا يُنْكَرُ اتِّجَاهُهُ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ نَقَلَهُ اهـ.
وَمِنْ هُنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ بِرَكْضٍ مُعْتَادٍ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ بَنَاهُ عَلَى احْتِمَالِهِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الضَّمَانُ، وَإِطْلَاقُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَاضِيَةٌ بِهِ اهـ.
ثُمَّ مَحَلُّ الضَّمَانِ فِي الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَارُّ، فَلَوْ مَشَى قَصْدًا عَلَى مَوْضِعِ الرَّشِّ أَوْ الْبَوْلِ فَتَلِفَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا هُنَاكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِطَرِيقٍ عَمَّا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا ضَمَانَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ.
(وَيَحْتَرِزُ) رَاكِبُ الدَّابَّةِ (عَمَّا لَا يُعْتَادُ) فِعْلُهُ لَهُ (كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحَلٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ) لِتَعَدِّيهِ، وَفِي مَعْنَى الرَّكْضِ فِي الْوَحَلِ الرَّكْضُ فِي مُجْتَمَعِ النَّاسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَسِيطِ، وَاحْتَرَزَ بِالرَّكْضِ الشَّدِيدِ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ فِيهِ، فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَلَوْ رَكَضَهَا كَالْعَادَةِ رَكْضًا وَمَحِلًّا وَطَارَتْ حَصَاةٌ لِعَيْنِ إنْسَانٍ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ.
أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ فَيَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عَمَّا لَا يُعْتَادُ يَقْتَضِي أَنَّ سَوْقَ الْأَغْنَامِ لَا يَضْمَنُ بِتَلَفِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ فِي الْغَنَمِ دُونَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إطْلَاقُ الْحُكْمِ فِي الْبَهَائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَحَيَوَانٍ.
(وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ) عَلَى (بَهِيمَةٍ) لَيْلًا أَوَنَهَارًا (فَحَكَّ بِنَاءً) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (فَسَقَطَ ضَمِنَهُ) لِوُجُودِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ دَابَّتِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ.
وَإِنْ دَخَلَ سُوقًا فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ زِحَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَزَّقَ ثَوْبٌ فَلَا، إلَّا ثَوْبَ أَعْمَى وَمُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ، فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِلدَّابَّةِ فَلَا.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ مُسْتَحِقَّ الْهَدْمِ وَلَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْآلَةِ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا سَقَطَ فِي الْحَالِ، فَلَوْ وَقَفَ سَاعَةً ثُمَّ سَقَطَ فَكَمِنْ أَسْنَدَ خَشَبَةٌ إلَى جِدَارِ الْغَيْرِ فَلَا يَضْمَنُ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُنْسَبْ السُّقُوطُ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ (وَإِنْ دَخَلَ سُوقًا) مَثَلًا بِذَلِكَ الْحَطَبُ (فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهِ (إنْ كَانَ) هُنَاكَ (زِحَامٌ) بِكَسْرِ الزَّايِ، سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُسْتَقْبِلًا أَمْ مُسْتَدْبِرًا لِإِتْيَانِهِ بِمَا لَا يُعْتَادُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) زِحَامٌ (وَتَمَزَّقَ) بِهِ (ثَوْبٌ) مَثَلًا (فَلَا) يَضْمَنُهُ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ، إذْ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ (إلَّا ثَوْبَ أَعْمَى) وَلَوْ مُقْبِلًا (وَ) إلَّا ثَوْبَ (مُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُنَبِّهْهُ ضَمِنَهُ لِتَقْصِيرِهِ. وَإِنْ نَبَّهَهُ وَأَمْكَنَهُ الِاحْتِرَازُ وَلَمْ يَحْتَرِزْ فَلَا ضَمَانَ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُنَبِّهْهُ مَا لَوْ كَانَ أَصَمَّ، وَيُلْحَقُ بِالْأَعْمَى مَعْصُوبَ الْعَيْنِ لِرَمَدٍ وَنَحْوِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ضَمَانِ جَمِيعِ الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ جَذْبٌ، فَإِنْ عَلَّقَ الثَّوْبَ فِي الْحَطَبِ فَجَذَبَهُ صَاحِبُهُ وَجَذَبَتْهُ الْبَهِيمَةُ فَعَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ نِصْفُ الضَّمَانِ كَلَاحِقٍ وَطِئَ مَدَاسٍ سَابِقٍ فَانْقَطَعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الضَّمَانِ، لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ السَّابِقِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ انْقَطَعَ مُؤَخِّرُ السَّابِقِ فَالضَّمَانُ عَلَى اللَّاحِقِ، أَوْ مُقَدَّمُ مَدَاسِ اللَّاحِقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّابِقِ، وَلَوْ دَخَلَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الزِّحَامِ وَتَوَسَّطَ السُّوقَ فَحَدَثَ الزِّحَامُ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ زِحَامٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ حَدَثَتْ الرِّيحُ وَأَخْرَجَتْ الْمَالَ مِنْ الثُّقْبِ لَا قَطْعَ فِيهِ، بِخِلَافِ تَعْرِيضِهِ لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ، وَقَيَّدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْبَصِيرَ الْمُقْبِلَ بِمَا إذَا وُجِدَ مُنْحَرِفًا. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْهُ لِضِيقٍ وَعَدَمِ عَطْفَةٍ يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّحَامِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (وَ) صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ (إنَّمَا يَضْمَنُهُ) أَيْ مَا أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَتُهُ (إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ) فِيهِ (فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ) أَيْ الْمَالَ (بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِلِدَّابَّةِ فَلَا) يَضْمَنُهُ فَإِنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ مَا إذَا كَانَ يَمْشِي مِنْ جِهَةٍ وَحِمَارُ الْحَطَبِ مِنْ أُخْرَى فَمَرَّ عَلَى جَانِبِ الْحِمَارِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْحِمَارَ فَتَعَلَّقَ ثَوْبُهُ بِالْحَطَبِ وَتَمَزَّقَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّائِقِ، لِأَنَّهُ جَنَى بِمُرُورِهِ عَلَى الْحَطَبِ.
تَنْبِيهٌ: قَسِيمُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا مَنْ كَانَ مَعَهُ دَابَّةٌ قَوْلُهُ هُنَا.
(وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا بِخِلَافِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
نَهَارًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْلُ الْبَلَدِ إرْسَالَ الْبَهَائِمِ أَوْ حِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ نَهَارًا صُوَرٌ: إحْدَاهَا: مَا إذَا رَبَطَ الدَّابَّةَ فِي الطَّرِيقِ عَلَى بَابِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِشْرَاعِ الْجُنَاحِ. نَعَمْ إنْ رَبَطَهَا فِي الْمُتَّسَعِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِيهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ ثَانِيهَا: مَا إذَا كَانَتْ الْمَرَاعِي مُتَوَسِّطَةً الْمَزَارِعَ، وَكَانَتْ الْبَهَائِمُ تَرْعَى فِي حَرِيمِ السَّوَّاقِي فَيَجِبُ ضَمَانُ مَا تُفْسِدُهُ إذَا أَرْسَلَهَا بِلَا رَاعٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِاعْتِيَادِ الرَّعْيِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
ثَالِثُهَا: مَا إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ تَرَكَهَا فِي زَرْعِهِ وَغَرِمَ صَاحِبُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ. رَابِعُهَا: مَا إذَا أَرْسَلَهَا فِي الْبَلَدِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا لِمُخَالِفَةِ الْعَادَةَ. خَامِسُهَا: مَا لَوْ تَكَاثَرَتْ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ حَتَّى عَجَزَ أَصْحَابُ الزَّرْعِ عَنْ حِفْظِهَا فَحَكَى فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ: رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي لِخُرُوجِ هَذَا عَنْ مُقْتَضَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. سَادِسُهَا: مَا لَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ فَانْتَشَرَتْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَفْسَدَتْهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ أَرْسَلَهَا وَلَوْ كَانَ نَهَارًا، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: إنَّهُ إذَا خَلَّاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَمْ نَهَارًا فَهُوَ مَضْمُونٌ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إرْسَالِهَا.
سَابِعُهَا: لَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ الْمَوْدُوعَةَ فَأَتْلَفَتْ وَلَوْ نَهَارًا لَزِمَ الْمُرْسِلَ الضَّمَانُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَجِيرٌ يَحْفَظُهَا. ثَامِنُهَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفَظُ دَوَابَّهُ فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعَلَى الْأَجِيرِ الضَّمَانُ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهَا فِي الْوَقْتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْفَظُهُ الْمُلَّاكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْأَجِيرُ وَالْمُودَعُ إذَا أَتْلَفَتْ نَهَارًا؛ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ حِفْظَهُ نَهَارًا، وَتَفْرِيطُ الْأَجِيرِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ يَضْمَنُهُ اهـ.
وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ فَهُوَ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَمْ يُعَلِّقُوا الضَّمَانَ بِرَقَبَةِ الْبَهَائِمِ كَمَا عَلَّقُوهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهِيمَةُ يُحَالُ عَلَى تَقْصِيرِ صَاحِبِهَا وَالْعَبْدُ ذُو ذِمَّةٍ يَلْتَزِمُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَّامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النَّحْلُ، وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ النَّحْلِ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ.
إلَّا أَنْ لَا يُفَرِّطَ فِي رَبْطِهَا.
أَوْ حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا، وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي مَحُوطٍ لَهُ بَابٌ تَرْكِهِ مَفْتُوحًا فِي الْأَصَحِّ.
وَهِرَّةٌ تُتْلِفُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا فِي الْأَصَحِّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا،
ــ
[مغني المحتاج]
ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ تَضْمِينِ الْمَالِكِ لَيْلًا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يُفَرِّطَ) صَاحِبُ الدَّابَّةِ (فِي رَبْطِهَا) لَيْلًا بِأَنْ أَحْكَمَهُ فَانْحَلَّ، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهَا فَفَتَحَهُ لِصٌّ، أَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَخَرَجَتْ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعَ الْغَيْرِ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ خَلَّاهَا فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهَا مِنْهُ إلَى الْمَنْزِلِ لَيْلًا كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنِ.
(أَوْ) فَرَّطَ فِي رَبْطِهَا لَكِنْ (حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا) عَنْهُ حَتَّى أَتْلَفَتْهُ فَلَا يَضْمَنُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالْجَزْمِ بِهِ لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنْ كَانَ زَرْعُهُ مَحْفُوفًا بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، بَلْ يَصْبِرُ وَيَغْرَمُ صَاحِبُهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي) مَكَانٍ (مَحُوطٍ لَهُ بَابٌ تَرْكِهِ) صَاحِبُهُ (مَفْتُوحًا) فَلَا يَضْمَنُ مَالِكُهَا وَلَوْ لَيْلًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ غَلْقِهِ. وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ فِي رَبْطِهَا لَيْلًا.
فُرُوعٌ: لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ فِي حِجْرِهِ ثَوْبًا مَثَلًا فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فَلْيُسَلِّمْهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَوْ إلَى نَائِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَالْحَاكِمِ.
، وَلَوْ دَخَلَتْ دَابَّةُ الْغَيْرِ مِلْكَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي سَيَّبَهَا فَلْيُحْمَلْ قَوْلُهُمْ فِيمَا مَرَّ: أَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ زَرْعُهُ مَحْفُوفًا بِزَرْعِ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا سَيَّبَهَا الْمَالِكُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَيِّبْهَا فَيَضْمَنُهَا مُخْرِجُهَا، إذْ حَقُّهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَالِكِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَإِلَى الْحَاكِمِ.
وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى وَقَعَ خَارِجَ مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.
وَيَدْفَعُ صَاحِبُ الزَّرْعِ الدَّابَّةَ عَنْ زَرْعِهِ دَفْعَ الصَّائِلِ، فَإِنْ تَنَحَّتْ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ شَغَلَهَا مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لَا يُبِيحُ إضَاعَةَ مَالِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ دَخَلَتْ دَابَّةٌ مِلْكَهُ فَرَمَحَتْه فَمَاتَ فَكَإِتْلَافِهَا زَرْعَهُ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ فِي مَفَازَةٍ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ وَغَابَ فَأَلْقَاهُ الرَّجُلُ عَنْهَا، أَوْ أَدْخَلَ دَابَّتَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ فَضَاعَتْ فَفِي الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَهُمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ: لَا لِتَعَدِّي الْمَالِكِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوْجَهُ الثَّانِي وَهُوَ الضَّمَانُ لِتَعَدِّي الْفَاعِلِ بِالتَّضْيِيعِ.
(وَهِرَّةٌ تُتْلِفُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا) أَوْ غَيْرَهُ (إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا) أَيْ صَاحِبُهَا الَّذِي يُؤْوِيهَا مَا أَتْلَفَتْهُ (فِي الْأَصَحِّ لَيْلًا) كَانَ (أَوْ نَهَارًا) كَمَا يَضْمَنُ مُرْسِلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا يُتْلِفُهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُرْبَطَ وَيُكَفَّ شَرُّهَا، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُولَعٍ بِالتَّعَدِّي كَالْجَمَلِ وَالْحِمَارِ اللَّذَيْنِ عُرِفَا بِعَقْرِ الدَّوَابِّ وَإِتْلَافِهَا. وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرَبْطِهَا. وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْمُفْسِدُ مِمَّا يُرْبَطُ عَادَةً فَتَرَكَهُ ضَمِنَ مَا يُتْلِفُهُ قَطْعًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْمُرَادُ
وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَعَهُّدُ الْمَالِكِ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ مِنْهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ بِإِرْسَالِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْهَدْ مِنْهَا إتْلَافَ مَا ذُكِرَ (فَلَا) يَضْمَنُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا لَا رَبْطُهَا. وَالثَّانِي يَضْمَنُ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ كَالدَّابَّةِ، وَلَوْ هَلَكَتْ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ لِصِيَالِهَا، وَلَوْ أَخِذَتْ حَمَامَةً وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ فَتْلُ أُذُنِهَا وَضَرْبُ فَمهَا لِتُرْسِلَهَا فَتُدْفَعُ دَفْعَ الصَّائِلٍ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ، وَلَوْ صَارَتْ ضَارِيَةً مُفْسِدَةً فَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهَا. حَالَ سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا سَهْلٌ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي قَتْلَهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فَيَجُوزُ قَتْلُهَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِحَالِ ظُهُورِ الشَّرِّ، وَلَا يَجْرِي الْمِلْكُ عَلَيْهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْيَدِ وَالِاخْتِصَاصِ فِيهَا.
تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْعَادَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كَمَا فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ مَثَلًا مُسَيَّبَةٌ مِلْكَ شَخْصٍ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ يَعْسُرُ عَلَيْهَا الْخُرُوجَ مِنْهُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا.
، وَلَوْ ضَرَبَ شَجَرَةً فِي مِلْكِهِ لِيَقْطَعَهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ تَسْقُطُ عَلَى غَافِلٍ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ الْقَاطِعُ بِهِ فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ دَخَلَ مِلْكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاطِعُ بِذَلِكَ أَوْ عَلِمَ بِهِ وَعَلِمَ بِهِ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَيْضًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ أَعْلَمَهُ الْقَاطِعُ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ.
، وَلَوْ حَلَّ قَيْدَ دَابَّةِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تُتْلِفُهُ كَمَا لَوْ نَقَبَ الْحِرْزَ وَأَخَذَ الْمَالَ غَيْرُهُ،.
وَسُئِلَ الْقَفَّالُ عَنْ حَبْسِ الطُّيُورِ فِي أَقْفَاصٍ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ إذَا تَعَهَّدَهَا مَالِكُهَا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، لِأَنَّهَا كَالْبَهِيمَةِ تُرْبَطُ.
، وَلَوْ كَانَ بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ دَابَّةٌ جَمُوحٌ وَدَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ فَعَضَّهُ الْكَلْبُ أَوْ رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ أَوْ أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ.
وَلَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَعَارَةُ أَوْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا زَرْعًا مَثَلًا لِمَالِكِهَا ضَمِنَهُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْبَائِعُ، لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا، أَوْ أَتْلَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا لِلدَّابَّةِ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَهُ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِلثَّمَنِ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ.