الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ] مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوهُ جُلِدَ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ، وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ، وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ جُلِدَ فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ إلَّا وَهُوَ تَائِبٌ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ وَحْدَهُ وَالثَّانِي تَسْقُطُ بِهَا قِيَاسًا عَلَى حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
تَنْبِيهٌ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَارِكُ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَابَ سَقَطَ الْقَتْلُ قَطْعًا وَالْكَافِرُ إذَا زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ، وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي بَابِ الزِّنَا، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ حَيْثُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيَسْقُطُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَصَرَّ يُقْتَلُ كُفْرًا لَا حَدًّا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ، تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» وَوَرَدَ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَإِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُقَمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ لِحَدِيثِ: «اللَّهُ أَعْدَلُ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ» وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِرَاحِ.
[فَصْل فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]
[فَصْلٌ] فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَهِيَ إمَّا لِآدَمِيٍّ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لَهُمَا، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (مَنْ لَزِمَهُ) لِجَمَاعَةٍ (قِصَاصٌ) فِي نَفْسٍ (وَقَطْعٌ) لِطَرَفِ آدَمِيٍّ (وَحَدُّ قَذْفٍ) لِآخَرَ (وَطَالَبُوهُ) بِذَلِكَ (جُلِدَ) أَوَّلًا لِلْقَذْفِ (ثُمَّ قُطِعَ) لِقِصَاصِ الطَّرَفِ (ثُمَّ قُتِلَ) لِقِصَاصِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ ذَلِكَ تَعْزِيرٌ لِآدَمِيٍّ بُدِئَ بِهِ (وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ) فَلَا تَجِبُ الْمُهْلَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ (لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُهْلَكُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ قِصَاصُ النَّفْسِ (وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ) وَأَنَا أُبَادِرُ بِالْقَتْلِ بَعْدَهُ فَإِنَّا لَا نُعَجِّلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي نُبَادِرُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِالتَّقْدِيمِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ) وَطَلَبَ الْآخَرَانِ حَقَّهُمَا (جُلِدَ) لِلْقَذْفِ أَوَّلًا (فَإِذَا بَرِئَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مِنْ الْجَلْدِ (قُطِعَ) لِلطَّرَفِ، وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا خَوْفَ الْهَلَاكِ فَيَفُوتُ قِصَاصُ النَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي غِنًى عَنْ هَذَا بِمَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا غَابَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهُ لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ) حَقَّهُ، وَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ حَقَّهُ مِنْ قَاذِفِهِ
جُلِدَ، وَعَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ صَبْرُ الْآخَرِينَ.
وَلَوْ اجْتَمَعَ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى قُدِّمَ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ.
أَوْ عُقُوبَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْآدَمِيِّينَ قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنًا،
ــ
[مغني المحتاج]
(جُلِدَ، وَ) وَجَبَ (عَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ) بِحَقِّهِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُ النَّفْسِ أَمْ تَأَخَّرَ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِهِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي نَقُولُهُ: إنْ لِمُسْتَحِقِّ النَّفْسِ أَنْ يَقُولَ لِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ: إمَّا أَنْ تَسْتَوْفِيَ أَوْ تَعْفُوَ أَوْ تَأْذَنَ لِي فِي التَّقْدِيمِ، وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ مَكَّنَ الْحَاكِمُ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ مِنْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الضَّرَرُ مِنْ مُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ، وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ طَالِبُ حَقٍّ أَثْبَتَهُ اللَّهُ لَهُ بِقَوْلِهِ:{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33](فَإِنْ بَادَرَ) مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ (فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ) فِي تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ) مِمَّا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِهَا فِي الصَّغِيرِ، وَعَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ: يَنْبَغِي (صَبْرُ الْآخَرِينَ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُهُمَا لِئَلَّا يُفَوِّتَا عَلَيْهِ حَقَّهُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ بِقَوْلِهِ: تَبِعَ فِي الْقِيَاسِ الرَّافِعِيَّ، وَلَيْسَ الْقِيَاسُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ، ثُمَّ لَا يَفُوتُ الْجَلْدُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنْ الْقَطْعِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الطَّرَفُ أُذُنًا أَوْ أُنْمُلَةً أَوْ نَحْوِهِمَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (وَلَوْ اجْتَمَعَ) عَلَى شَخْصٍ (حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى) كَأَنْ شَرِبَ وَزَنَى، وَهُوَ بِكْرٌ وَسَرَقَ وَارْتَدَّ (قُدِّمَ) وُجُوبًا (الْأَخَفُّ) مِنْهَا (فَالْأَخَفُّ) سَعْيًا فِي إقَامَةِ الْجَمِيعِ، فَأَخَفُّهَا حَدُّ الشُّرْبِ فَيُحَدُّ لَهُ، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُجْلَدُ لِلزِّنَا، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ، ثُمَّ يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ، ثُمَّ يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُهْلَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ، وَهَلْ يُقَدَّمُ قَطْعُ السَّرِقَةِ عَلَى التَّغْرِيبِ؟ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لَهُ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ، لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَفُوتُ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: يُقَدَّمُ الْأَخَفُّ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْحُدُودِ تَعْزِيرٌ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْ قَوْلِهِ: فَالْأَخَفُّ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَفَاوَتَتْ الْحُدُودُ، فَلَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ رِدَّةٍ، وَرَجْمُ زِنًا قَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ قَتْلُ الرِّدَّةِ، إذْ فَسَادُهَا أَشَدُّ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يُرْجَمُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَتْلُ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ أَكْثَرُ نَكَالًا، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ اجْتَمَعَا وَقَتْلُ قَطْعِ الطَّرِيقِ. قَالَ الْقَاضِي: قُدِّمَ وَإِنْ جُعِلَ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ قَطْعُ سَرِقَةٍ وَقَطْعُ مُحَارَبَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لَهُمَا، وَهَلْ تُقْطَعُ الرِّجْلُ مَعَهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ. وَقِيلَ تُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْرَأَ الْيَدُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَقَالَ (أَوْ) اجْتَمَعَ (عُقُوبَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْآدَمِيِّينَ) كَأَنْ انْضَمَّ إلَى هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ حَدُّ قَذْفٍ (قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى) حَدِّ (زِنًا) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّتِهِ.