الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ حَزَّ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ.
[فَصْلٌ] تَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَهِيَ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ، وَقِيلَ إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَمْدًا، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الْأَطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الْأَوَّلُ فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الْأُولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ. وَالثَّانِي تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا.
(وَلَوْ حَزَّ) الرَّقَبَةَ (غَيْرُهُ) أَيْ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ (تَعَدَّدَتْ) أَيْ الدِّيَةُ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يَدْخُلُ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ.
[فَصْلٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ شَرَعَ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي لَا تَقْدِيرَ لِأَرْشِهَا فِيهِ وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ: [فَصْلٌ](تَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيمَا) أَيْ شَيْءٍ يُوجِبُ مَالًا لِيَخْرُجَ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا فَقَطْ كَقَلْعِ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَوْلُهُ (لَا مُقَدَّرَ فِيهِ) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْ مُقَدَّرٍ، فَإِنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهُ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ بِقُرْبِ مُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ وَحُكُومَةٌ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى حُكُومَةً فَإِنَّهَا الَّتِي يُقَدَّرُ الْحُرُّ فِيهَا رَقِيقًا، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ فِي أَوَّلِ بَابِ الدِّيَاتِ: وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إنْ عَرَفْتَ نِسْبَتَهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ قِسْطِهِ وَمِنْ الْحُكُومَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ رَقِيقًا حَتَّى يُعْرَفَ الْأَكْثَرُ، وَسُمِّيَتْ حُكُومَةً لِاسْتِقْرَارِهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْحُكُومَةُ بَعْدَ الْمُقَدَّرَاتِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالْغَزَالِيُّ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَذِكْرُهَا هُنَا أَحْسَنُ لِيَتِمَّ الْكَلَامُ عَلَى الِانْتِظَامِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهَا هُنَا (وَهِيَ جُزْءٌ) مِنْ الدِّيَةِ (نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ) فِي الْأَصَحِّ.
(وَقِيلَ) نِسْبَتُهُ (إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ) الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا. مِثَالُهُ جَرَحَ يَدَهُ فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَوْ كَانَ رَقِيقًا، فَإِذَا قِيلَ: مِائَةٌ فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ؟ فَإِذَا قِيلَ: تِسْعُونَ فَالتَّفَاوُتُ الْعَشْرُ، فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَهُوَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ لَا إلَى دِيَةِ النَّفْسِ فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ الْيَدِ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ
فَإِنْ كَانَتْ بِطَرَفٍ لَهُ مُقَدَّرٌ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا تَبْلُغَ مُقَدَّرَهُ فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، أَوْ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ كَفَخِذٍ فَأَنْ لَا تَبْلُغَ دِيَةَ نَفْسٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُصْبُعٍ وَجَبَ بَعِيرٌ، أَوْ عَلَى أُنْمُلَةٍ وَجَبَ ثُلُثُ بَعِيرٍ فِي غَيْرِ الْإِبْهَامِ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ وَلِلْحَاجَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ إلَى تَقْدِيرِ الرِّقِّ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: الْعَبْدُ أَصْلُ الْحُرِّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا: كَمَا أَنَّ الْحُرَّ أَصْلُ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا، وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إبِلًا كَالدِّيَةِ لَا نَقْدًا. وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِبِلِ فَقَالَ: فِي إذْهَابِ الْعُذْرَةِ فَيُقَالُ: لَوْ كَانَتْ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ؟ فَإِنْ قِيلَ: الْعُشْرُ وَجَبَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ، حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْغَرَضِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوٍ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الصَّدْرِ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ اُعْتُبِرَتْ الْحُكُومَةُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَتُقَدَّرُ لِحْيَةُ امْرَأَةٍ أُزِيلَتْ فَفَسَدَ مَنْبَتُهَا لِحْيَةَ عَبْدٍ كَبِيرٍ يَتَزَيَّنُ بِهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ قَلَعَ سِنًّا أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَلَمْ يَنْقُصْ بِذَلِكَ شَيْءٌ قُدِّرَتْ زَائِدَةً لَا أَصْلِيَّةً خَلْفَهَا وَيُقَوَّمُ لَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَقْطُوعُ الزَّائِدِ فَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ تَشُدُّ الْوَجْهَ وَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ جَمَالٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ النِّسْبَةِ لَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفٌ زَائِدٌ فَيَجِبُ فِيهَا مَعَ دِيَةِ أُنْمُلَةٍ حُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَوِّمَ لَهُ الزَّائِدَةَ بِلَا أَصْلِيَّةٍ ثُمَّ يُقَوِّمَ دُونَهَا كَمَا فُعِلَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ، أَوْ يُعْتَبَرَ بِأَصْلِيَّةٍ كَمَا اُعْتُبِرَتْ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ بِلِحْيَةِ الرَّجُلِ، وَلِحْيَتُهَا كَالْأَعْضَاءِ الزَّائِدَةِ، وَلِحْيَتُهُ كَالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا مَا ذُكِرَ لَزَادَ زِيَادَةً تَضُرُّ بِالْجَانِي؛ لِأَنَّ أَرْشَهَا يَكْثُرُ بِذَلِكَ.
(فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْحُكُومَةُ (بِطَرَفٍ) أَيْ لِأَجْلِهِ (لَهُ) أَرْشٌ (مُقَدَّرٌ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ (اُشْتُرِطَ أَنْ لَا تَبْلُغَ) تِلْكَ الْحُكُومَةُ (مُقَدَّرَهُ) أَيْ الطَّرَفِ لِئَلَّا تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعُضْوِ مَعَ بَقَائِهِ مَضْمُونَةً بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْعُضْوُ نَفْسُهُ فَيُنْقِصَ حُكُومَةَ الْأُنْمُلَةِ بِجُرْحِهَا أَوْ قَطْعِ ظُفْرِهَا عَنْ يَدِهَا، وَحُكُومَةَ جِرَاحَةِ الْأُصْبُعِ بِطُولِهِ عَنْ دِيَتِهِ، وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ مَا دُونَ الْجَائِفَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ عَلَى الْبَطْنِ أَوْ نَحْوِهِ أَرْشَ الْجَائِفَةِ (فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي) مِنْهُ (شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ، وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقَلُّهُ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا أَوْ صَدَاقًا أَيْ فَيَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ (أَوْ) كَانَتْ لِطَرَفٍ (لَا تَقْدِيرَ فِيهِ) وَلَا يَتْبَعُ مُقَدَّرًا (كَفَخِذٍ) وَسَاعِدٍ وَظَهْرٍ وَكَفٍّ (فَأَنْ) أَيْ فَالشَّرْطُ أَنْ (لَا تَبْلُغَ) حُكُومَتُهُ (دِيَةَ نَفْسٍ) وَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَكْثَرُ مِنْ الْجُزْءِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَصِيرَ بُلُوغُهَا أَرْشَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ
وَيُقَوَّمُ بَعْدَ انْدِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ نَقْصٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ، وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَقِيلَ لَا غُرْمَ.
وَالْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ كَمُوضِحَةٍ يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ.
وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ يُفْرَدُ
ــ
[مغني المحتاج]
بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْعُضْوِ، فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْعُضْوِ، فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا كَالْكَفِّ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصَابِعَ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَبْلُغَ ذَلِكَ دِيَةَ الْمُقَدَّرِ، إنْ بَلَغَ بِحُكُومَةِ الْكَفِّ دِيَةَ أُصْبُعٍ جَازَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا دَفْعًا وَاحْتِوَاشًا تَزِيدُ عَلَى مَنْفَعَةِ أُصْبُعٍ، كَمَا أَنَّ حُكُومَةَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ الْيَدِ وَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ أُصْبُعٍ وَأَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ السَّاعِدَ كَالْكَفِّ حَتَّى لَا يَبْلُغَ بِحُكُومَةِ جُرْحِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْأَصَابِعَ دُونَ السَّاعِدِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي لَقْطِ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ الْمَرْفِقِ لَزِمَهُ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةُ السَّاعِدِ (وَيُقَوَّمُ) لِمَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِفَرْضِ رِقِّهِ، لَكِنْ (بَعْدَ انْدِمَالِهِ) لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ قَدْ تَسْرِي إلَى النَّفْسِ، أَوْ إلَى مَا يَكُونُ وَاجِبُهُ مُقَدَّرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْحُكُومَةُ (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ) بَعْدَ انْدِمَالِهِ (نَقْصٌ) فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ وَلَا تَأَثَّرَتْ بِهِ الْقِيمَةُ (اُعْتُبِرَ) فِيهِ (أَقْرَبُ نَقْصٍ) مِنْ حَالَاتِ نَقْصٍ فِيهِ (إلَى الِانْدِمَالِ) وَهَكَذَا لِئَلَّا تُحِيطَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَعْصُومِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ النَّقْصُ إلَّا حَالَ سَيَلَانِ الدَّمِ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ وَاعْتَبَرْنَا الْجِرَاحَةَ دَامِيَةً.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى اعْتِبَارِهِ أَقْرَبَ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَقْصٌ كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَفِيفَةً لَا تُؤَثِّرُ فِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ عُزِّرَ فَقَطْ إلْحَاقًا لَهَا كَمَا فِي الْوَسِيطِ بِاللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لِلضَّرُورَةِ لِانْسِدَادِ بَابِ التَّقْوِيمِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْحُكُومَةِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: الْحَاكِمُ يُوجِبُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ) أَيْ يُقَدِّرُ النَّقْصَ الْمَذْكُورَ (قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ) لِئَلَّا تَخْلُوَ الْجِنَايَةُ عَنْ غُرْمٍ (وَقِيلَ لَا غُرْمَ) حِينَئِذٍ، بَلْ الْوَاجِبُ التَّعْزِيرُ كَالضَّرْبَةِ وَالصَّفْعَةِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الْقِيَاسُ. .
(وَالْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ) أَرْشُهُ (كَمُوضِحَةٍ) وَمَأْمُومَةٍ (يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ) الْكَائِنُ (حَوَالَيْهِ) وَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَ بِالْإِيضَاحِ جَمِيعَ مَوْضِعِ الشَّيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا كَانَ الشَّيْنُ فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ، فَإِنْ تَعَدَّى شَيْنُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ عَنْ مَحَلِّهِ إلَى الْقَفَا أَوْ الْوَجْهِ لَمْ يَتْبَعْهُ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ لِتَعَدِّيهِ مَحَلَّ الْإِيضَاحِ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاسْتِتْبَاعِ مَا لَوْ أَوْضَحَ جَبِينَهُ فَأَزَالَ حَاجِبَهُ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ وَحُكُومَةِ الشَّيْنِ وَإِزَالَةِ الْحَاجِبِ، حَكَيَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ جَرَحَهُ عَلَى بَدَنِهِ جِرَاحَةً وَبِقُرْبِهَا جَائِفَةٌ قُدِّرَتْ بِهَا وَلَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْقِسْطِ وَالْحُكُومَةِ كَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهَا مُوضِحَةٌ.
(وَمَا) أَيْ وَالْجُرْحُ الَّذِي (لَا يَتَقَدَّرُ) أَرْشُهُ كَدَامِيَةٍ (يُفْرَدُ)
بِحُكُومَةٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَفِي نَفْسِ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ، وَفِي غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ فِي الْحُرِّ، وَإِلَّا فَنِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ (بِحُكُومَةٍ) عَنْ حُكُومَةِ الْجُرْحِ (فِي الْأَصَحِّ) لِضَعْفِ الْحُكُومَةِ عَنْ الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ.
وَالثَّانِي تَتْبَعُ الْجُرْحَ كَمَا فِي الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ.
تَنْبِيهٌ: أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُتَلَاحِمَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً، وَهِيَ كَالْمُوضِحَةِ فِي اسْتِتْبَاعِ الشَّيْنِ إذَا قَدَّرْنَا أَرْشَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوضِحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا.
فُرُوعٌ: لَوْ ضَرَبَهُ أَوْ لَطَمَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ بِذَلِكَ شَيْنٌ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْنٌ كَأَنْ اسْوَدَّ مَحَلُّ ذَلِكَ أَوْ اخْضَرَّ وَبَقِيَ الْأَثَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ، وَالْعَظْمُ الْمَكْسُورُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إذَا انْجَبَرَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ وَهُوَ الْغَالِبُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ، وَلَوْ انْجَبَرَ مُعْوَجًّا فَكَسَرَهُ الْجَانِي لِيَسْتَقِيمَ وَلَيْسَ لَهُ كَسْرُهُ لِذَلِكَ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ جَدِيدَةٌ، وَفِي إفْسَادِ مَنْبَتِ الشُّعُورِ حُكُومَةٌ إذَا كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ. أَمَّا مَا الْجَمَالُ فِي إزَالَتِهِ كَشَعْرِ الْإِبِطِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ التَّعْزِيرُ وَاجِبًا لِلتَّعَدِّي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِيهِ وُجُوبَ الْحُكُومَةِ أَيْضًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهَا فَإِنَّهُ لَا حُكُومَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا، وَضَابِطُ مَا يُوجِبُ الْحُكُومَةَ وَمَا لَا يُوجِبُهَا إنْ بَقِيَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ شَيْنٍ أَوْجَبَ الْحُكُومَةَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْأَصَحِّ، بِأَنْ يُعْتَبَرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِغَيْرِ جُرْحٍ وَلَا كَسْرٍ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. ثُمَّ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ الْحُكُومَةَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَمْرٍ تَقْدِيرِيٍّ وَإِنْ كَانَ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ضَمَانِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا، إلَّا أَنَّهُ أَعَادَ الْكَلَامَ فِيهِ هُنَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ تَارَةً تَكُونُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْغَصْبِ وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُنَا.
فَقَالَ (وَ) تَجِبُ (فِي) الْجِنَايَةِ عَلَى (نَفْسِ الرَّقِيقِ) الْمَعْصُومِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (قِيمَتُهُ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتْلَفَةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي قِيمَتِهِ التَّغْلِيظُ. أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ فِي إتْلَافِهِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجِبُ فِي إتْلَافِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ (وَ) يَجِبُ (فِي) إتْلَافِ (غَيْرِهَا) أَيْ نَفْسِ الرَّقِيقِ مِنْ أَطْرَافِهِ وَلَطَائِفِهِ (مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) سَلِيمًا (إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (فِي الْحُرِّ) وَلَمْ يُتْبَعْ مُقَدَّرًا وَلَا يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ قِيمَةَ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَةَ عُضْوِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُرِّ (وَإِلَّا) بِأَنْ قُدِّرَتْ فِي الْحُرِّ كَمُوضِحَةٍ وَقَطْعِ عُضْوٍ (فَنِسْبَتُهُ) أَيْ فَيَجِبُ مِثْلُ نِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ (مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ لِأَنَّا نُشَبِّهُ الْحُرَّ بِالرَّقِيقِ فِي الْحُكُومَةِ لِيُعْرَفَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ لِيُرْجَعَ بِهِ، فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ التَّكْلِيفِ