الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ فَخَطَأٌ أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ.
[فَصْلٌ] دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْعَاقِلَةِ مَا لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ صَنَعَهُ رُفَقَاؤُهُ وَقَصَدُوا الرَّفِيقَ الْمَذْكُورَ لِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ وَغَلَبَتْ إصَابَتُهُمْ فَهُوَ عَمْدٌ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بَلْ هُوَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مُخْطِئٍ. قَالَ: وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ صَوَّرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ (أَوْ) قَتَلَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ (غَيْرَهُمْ) أَيْ الرُّمَاةِ (وَلَمْ يَقْصِدُوهُ) أَيْ الْغَيْرَ (فَخَطَأٌ) قَتْلُهُ يُوجِبُ الدِّيَةَ الْمُخَفَّفَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ) قَتْلُهُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ أَيْ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي مَالِهِمْ (إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ) مِنْهُمْ لِانْطِبَاقِهِ حِينَئِذٍ عَلَى حَدِّ الْعَمْدِ.
وَالثَّانِي شِبْهُ عَمْدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدُ مُعَيَّنٍ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ هَذَا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ عَمَّا إذَا لَمْ تَغْلِبْ إصَابَتُهُ بِأَنْ غَلَبَ عَدَمُهَا أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَإِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ قَصَدُوا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ الْجَمَاعَةِ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يَعْتَمِدُ قَصْدَ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِهِ: اُقْتُلْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ.
[فَصْلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ]
[فَصْلٌ] فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ) فِي الْأَطْرَافِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا فِي نَفْسِ غَيْرِ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ، وَكَذَا الْحُكُومَاتُ وَالْغُرَّةُ (تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ) لَا الْجَانِيَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَذَكَرَهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مِنْ زِيَادَةِ الْكُتَّابِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فَقَطْ، وَلَوْ عَكَسَ كَانَ أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُلَاقِي الْجَانِيَ أَوَّلًا، بَلْ يُلَاقِي الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَحَمَّلُونَهَا إعَانَةً لَهُ كَقَضَاءِ دَيْنِ مَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَتَغْرِيمُ غَيْرِ الْجَانِي خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ، لَكِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَمْنَعُونَ مَنْ جَنَى مِنْهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يَدْنُوا مِنْهُ وَيَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ فَجَعَلَ الشَّارِعُ بَدَلَ تِلْكَ النُّصْرَةِ بَذْلَ الْمَالِ، وَخَصَّ ذَلِكَ بِالْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ لِكَثْرَتِهِمَا، سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ يَتَعَاطَى حَمْلَ السِّلَاحِ فَأُعِينَ كَيْ لَا يَفْتَقِرَ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ بِالْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ فَصَدَّقُوهُ وَإِنْ كَذَّبُوهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ يَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِذَا حَلَفُوا وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ، وَهَذَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. أَمَّا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ. فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَقَتَلَ خَطَأً تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ
وَهُمْ عَصَبَتُهُ إلَّا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ وَقِيلَ يَعْقِلُ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ، وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ، ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ
ــ
[مغني المحتاج]
عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ كَالْخَطَإِ فِي ذَلِكَ، وَجِهَاتُ تَحَمُّلِ الدِّيَةِ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ وَوَلَاءٌ وَبَيْتُ مَالٍ لَا غَيْرُهَا كَزَوْجِيَّةٍ وَمُحَالَفَةٍ وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ. وَلَا الْعَدِيدُ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ جِهَاتِ التَّحَمُّلِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (وَهُمْ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْجَانِي الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِالنَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ لِمَا فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ أَوَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي رِوَايَةٍ، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَاتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ، وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. قَالَ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ وَإِنْ أَيْسَرَا لَا يَحْمِلَانِ شَيْئًا، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ عِنْدِي اهـ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَصْلَ الْجَانِي وَفَرْعَهُ، فَقَالَ (إلَّا الْأَصْلَ) مِنْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا (وَ) إلَّا (الْفَرْعَ) مِنْ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ، فَكَمَا لَا يَتَحَمَّلُ الْجَانِي لَا يَتَحَمَّلُ أَبْعَاضُهُ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ «لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَيْ جَرِيمَةِ ابْنِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ " وَبَرَّأَ الْوَلَدَ " أَيْ مِنْ الْعَقْلِ، وَقِيسَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ (وَقِيلَ يَعْقِلُ) عَنْ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ (ابْنٌ) لَهَا (هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا) أَوْ ابْنُ مُعْتِقِهَا كَمَا يَلِي نِكَاحَهَا، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ مَوْجُودَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ أَنَّ الْبُنُوَّةَ هُنَا مَانِعَةٌ وَهُنَاكَ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٍ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى عَمِلَ عَمَلَهُ (وَيُقَدَّمُ) فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مِنْ الْعَصَبَةِ (الْأَقْرَبُ) فَالْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ مِنْهُمْ، وَالْأَقْرَبُ الْأُخُوَّةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا (فَإِنْ) لَمْ يُوفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ بِأَنْ (بَقِيَ) مِنْهُ (شَيْءٌ فَمَنْ) أَيْ فَيُوَزَّعُ الْبَاقِي عَلَى مَنْ (يَلِيهِ) الْأَقْرَبُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَلِيهِ وَهَكَذَا (وَ) يُقَدَّمُ مِمَّنْ ذُكِرَ (مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ) عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ عَلَى الْجَدِيدِ كَالْإِرْثِ (وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ (ثُمَّ) بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ إنْ فُقِدُوا أَوْ لَمْ يُوَفَّ مَا عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ فِي الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُ (مُعْتِقٌ) ذَكَرٌ لِخَبَرِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (ثُمَّ) إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ أَوْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ تُقَدَّمُ (عَصَبَتُهُ) مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا مَرَّ فِي أَصْلِ الْجَانِي، وَفَرْعُهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ " أَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهَا دُونَ ابْنِهَا الزُّبَيْرِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَقِيسَ بِالِابْنِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ.
قَالَ: لِأَنَّ الْمُعْتِقَ يَتَحَمَّلُ فَهُمَا كَالْمُعْتِقِ لَا كَالْجَانِي وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَانِي بِأَصْلِيَّةٍ وَلَا فَرْعِيَّةٍ.
وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُعْتِقِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجِنَايَةِ، وَيَكْفِي هَذَا إسْنَادُهُ لِلْمَنْقُولِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ مُشْكِلٌ (ثُمَّ مُعْتِقُهُ) أَيْ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) كَذَلِكَ وَهَكَذَا مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ
وَإِلَّا فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ وَكَذَا أَبَدًا، وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ.
وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِ،
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَى مَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقٌ وَلَا عَصَبَةٌ (فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ) مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ (ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ) غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَعَبَّرَ الْمُحَرَّرُ بِثُمَّ، وَهُوَ أَوْلَى (وَكَذَا أَبَدًا) إذَا لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقُ الْأَبِ وَلَا عَصَبَتُهُ يَتَحَمَّلُ مُعْتِقُ الْجَدِّ ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي كَالْإِرْثِ، وَيُفَارِقُ الْأَخْذُ مِنْ الْبَعِيدِ إذَا لَمْ يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ الْإِرْثَ حَيْثُ يَحُوزُهُ الْأَقْرَبُ بِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِمِيرَاثِ الْعَصَبَةِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ هُنَا فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ ضَرَبْنَا عَلَى الْمُعْتِقِ فَبَقِيَ شَيْءٌ يُضْرَبُ عَلَى عَصَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الصَّغِيرِ بِرُجْحَانِ عَدَمِ الضَّرْبِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ (وَعَتِيقُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ الْجَانِي (يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا) وَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَقْلَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهَا مَنْ يَتَحَمَّلُ جِنَايَتَهَا مِنْ عَصَبَاتِهَا كَمَا يُزَوِّجُ عَتِيقَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا إلْحَاقًا لِلْعَقْلِ بِالتَّزْوِيجِ لِعَجْزِهَا عَنْ الْأَمْرَيْنِ (وَمُعْتِقُونَ) فِي تَحَمُّلِهِمْ جِنَايَةَ عَتِيقِهِمْ (كَمُعْتِقٍ) وَاحِدٍ فِيمَا عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِجَمِيعِهِمْ لَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ (وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ) فِي حَيَاتِهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ.
فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَحْمِلُهُ؟ .
أُجِيبَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمْ تَوَزُّعَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلَا يَرِثُونَ الْوَلَاءَ مِنْ الْمَيِّتِ بَلْ يَرِثُونَ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِكَوْنِ الْمُعْتِقِ جَمْعًا، فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا وَمَاتَ عَنْهُ إخْوَةٌ مَثَلًا ضُرِبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ الْمَيِّتُ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ.
(وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ) عَنْ مُعْتِقِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَا يَرِثُ، وَالثَّانِي يَعْقِلُ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لِلنُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ، وَالْعَتِيقُ أَوْلَى بِهِمَا. أَمَّا عَصَبَةُ الْعَتِيقِ فَلَا تَعْقِلُ عَنْ مُعْتِقِهِ قَطْعًا (فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ) مِمَّنْ ذُكِرَ (أَوْ) وُجِدَ، وَ (لَمْ يَفِ) مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ (عَقَلَ) ذَوُو الْأَرْحَامِ إنْ قُلْنَا بِتَوْرِيثِهِمْ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرَائِضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ ذَكَرًا غَيْرَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ، فَإِنْ انْتَظَمَ عَقَلَ (بَيْتُ الْمَالِ عَنْ) الْجَانِي (الْمُسْلِمِ) كَمَا يَرِثُهُ، وَلِخَبَرِ «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَالْمُسْلِمُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُعَاهِدِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَا لَهُمْ فَيْئًا، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَا لَهُمْ مُؤَجَّلَةً، فَإِنْ مَاتُوا حَلَّتْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ
فَإِنْ فُقِدَ فَكُلُّهُ عَلَى الْجَانِي فِي الْأَظْهَرِ.
وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَقْلِ بَيْتِ الْمَالِ اللَّقِيطُ إذَا جُنِيَ عَلَى نَفْسِهِ خَطَأً وَفُقِدَتْ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ، فَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَابِ اللَّقِيطِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ لِتُعَادَ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ كَذَلِكَ (فَإِنْ فُقِدَ) بَيْتُ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُهُ بِحَيْلُولَةِ الظَّلَمَةِ دُونَهُ أَوْ لَمْ يَفِ (فَكُلُّهُ) أَيْ الْوَاجِبِ أَوْ الْبَاقِي مِنْهُ (عَلَى الْجَانِي فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْمِلُ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مَتَى وُزِّعَ الْوَاجِبُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَفَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْجَانِي مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ كَالْعَاقِلَةِ، وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي صُوَرٍ أُخَرُ، مِنْهَا مَا لَوْ جَرَحَ ابْنُ عَتِيقَةٍ أَبُوهُ رَقِيقٌ شَخْصًا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِهِ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَعَلَى الْجَانِي لِحُصُولِ السِّرَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَهُ، لَا عَلَى مَوَالِي أَبِيهِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ عَلَى الِانْجِرَارِ، وَلَا عَلَى مَوَالِي أُمِّهِ لِانْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْهُمْ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَلَا بَيْتِ الْمَالِ لِوُجُودِ جِهَةِ الْوَلَاءِ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِأَنْ سَاوَى أَرْشُ الْجُرْحِ الدِّيَةَ: كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ الْجُرْحَ حِينَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ يُوجِبُ هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجَارِحُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ عِتْقِ أَبِيهِ وَمَاتَ الْجَرِيحُ سِرَايَةً مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ لَزِمَ مَوَالِيَ الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَلَزِمَ مَوَالِيَ الْأَبِ بَاقِيَ الدِّيَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ شَخْصًا خَطَأً وَمَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ مَا يَخُصُّ الْجُرْحَ وَبَاقِي الدِّيَةِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَأَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ، وَلَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجَارِحُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ إسْلَامِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ أَرْشُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بَاقِي الدِّيَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ رَمَى شَخْصٌ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ تَخَلَّلَتْ مِنْهُ رِدَّةٌ أَوْ إسْلَامٌ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ مَعَ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ.
(وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْقَاضِي (دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ) بِإِسْلَامٍ وَحُرِّيَّةٍ وَذُكُورِيَّةٍ (ثَلَاثَ سِنِينَ) بِنَصْبِ ثَلَاثٍ (فِي) آخِرِ (كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ) مِنْ الدِّيَةِ. أَمَّا كَوْنُهَا فِي ثَلَاثٍ فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، وَعَزَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى قَضَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثًا فَتَوْزِيعًا لَهَا عَلَى السِّنِينَ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْفَوَائِدَ كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَاعْتُبِرَ مُضِيُّهَا لِيَجْتَمِعَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ فَيُوَاسُونَ عَنْ تَمَكُّنٍ.
وَذِمِّيٍّ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثًا، وَامْرَأَةٍ سَنَتَيْنِ فِي الْأُولَى ثُلُثٌ، وَقِيلَ ثَلَاثًا.
وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ، فَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ فِي ثَلَاثٍ.
وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَفِي ثَلَاثٍ، وَقِيلَ سِتٌّ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: تُؤَجَّلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْجِيلٍ بِضَرْبِ الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَاقِلَةِ يُخْرِجُ بَيْتَ الْمَالِ وَالْجَانِيَ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِتَأْجِيلِهَا عَلَى الْجَانِي إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ إلَّا فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عِنْدَ الْحَوْلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُطَالَبُ إلَّا بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعٍ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يَحِلُّ الْأَجَلُ عَلَى الْأَصَحِّ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَالْوُجُوبُ عَلَى الْجَانِي سَبِيلُهُ صِيَانَةُ الْحَقِّ مِنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَسْقُطُ كَيْ لَا يَضِيعَ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي مَعْنَى تَأْجِيلِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَوْنَهَا بَدَلَ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَأَنَّ مُقَابَلَةَ كَوْنِهَا بَدَلَ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ أَشَارَ إلَى مَسَائِلَ تَظْهَرُ فِيهَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ، فَقَالَ (وَ) تُؤَجَّلُ دِيَةُ (ذِمِّيٍّ) عَلَى الْأَصَحِّ (سَنَةً) لِأَنَّهَا قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ مُسْلِمٍ (وَقِيلَ) تُؤَجَّلُ (ثَلَاثًا) أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ (وَ) تُؤَجَّلُ دِيَةُ (امْرَأَةٍ) مُسْلِمَةٍ (سَنَتَيْنِ فِي) آخِرِ (الْأُولَى) مِنْهُمَا (ثُلُثٌ) مِنْ دِيَةِ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَالْبَاقِي آخِرَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (وَقِيلَ) تُؤَجَّلُ دِيَتُهَا (ثَلَاثًا) أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ.
تَنْبِيهٌ: الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ.
(وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ) أَيْ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرِّ، لَكِنْ بِقِيمَتِهِ خَطَأً وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ وَتَعَلَّقَ قِصَاصٌ وَكَفَّارَةٌ فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَالثَّانِي لَا تَحْمِلُهُ بَلْ هِيَ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ فَأَقَلَّ ضُرِبَتْ فِي سَنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ (فَفِي) آخِرِ (كُلِّ سَنَةٍ) يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ (قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ) كَامِلَةٍ نَظَرًا إلَى الْمِقْدَارِ (وَقِيلَ) تُؤْخَذُ كُلُّهَا (فِي ثَلَاثٍ) مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ فِي قِيمَتِهِ صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ لِكَوْنِهِمْ غَارِمِينَ.
(وَلَوْ قَتَلَ) شَخْصٌ (رَجُلَيْنِ) مَثَلًا كَامِلَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا (فَفِي) أَيْ فَتُؤَجَّلُ دِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي (ثَلَاثٍ) مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دِيَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَالْمُسْتَحِقُّ يَخْتَلِفُ، فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ وَاحِدٍ بِاسْتِحْقَاقِ آخَرَ كَالدُّيُونِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ آجَالِهَا (وَقِيلَ) تُؤَجَّلُ دِيَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي (سِتٍّ) فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ سُدُسِ دِيَةٍ لِأَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ يُضْرَبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيُزَادُ لِلْأُخْرَى مِثْلُهَا وَفِي عَكْسِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَتَلَ اثْنَانِ وَاحِدًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فِي سَنَتَيْنِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمُسْتَحِقِّ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا كُلَّ
وَالْأَطْرَافُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ كُلُّهَا فِي سَنَةٍ وَأَجَلُ النَّفْسِ مِنْ الزُّهُوقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِنَايَةِ، وَمَنْ مَاتَ فِي بَعْضِ سَنَةٍ سَقَطَ.
وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ
ــ
[مغني المحتاج]
سَنَةٍ ثُلُثُ مَا يَخُصُّهُ كَجَمِيعِ الدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ امْرَأَتَيْنِ أُجِّلَتْ دِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي سَنَتَيْنِ لِمَا مَرَّ (وَالْأَطْرَافُ) كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالْحُكُومَاتُ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ تُؤَجَّلُ (فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرَ ثُلُثِ دِيَةٍ) كَامِلَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثُلُثَيْهَا ضُرِبَ فِي سَنَتَيْنِ وَأُخِذَ قَدْرُ الثُّلُثِ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ زَادَ: أَيْ الْوَاجِبُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ ضُرِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِي سِتِّ سِنِينَ (وَقِيلَ) تُؤْخَذُ (كُلُّهَا فِي سَنَةٍ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلَ نَفْسٍ حَتَّى تُؤَجَّلَ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْأَرْشُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ دُونَهُ ضُرِبَ فِي سَنَةٍ قَطْعًا، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْأَطْرَافِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ تُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَدِيَةِ النَّفْسِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَأَجَلُ) دِيَةِ (النَّفْسِ) يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ (مِنْ الزُّهُوقِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ (وَ) أَجَلُ دِيَةِ (غَيْرِهَا) أَيْ النَّفْسِ كَقَطْعِ يَدٍ انْدَمَلَ (مِنْ) ابْتِدَاءِ (الْجِنَايَةِ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا حَالَةُ الْوُجُوبِ فَأُنِيطَ الِابْتِدَاءُ بِهَا كَمَا نِيطَ بِحَالَةِ الزَّهُوقِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ وَجَبَ دِيَتُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُطَالَبُ بِبَدَلِهَا إلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَنْدَمِلْ بِأَنْ سَرَى مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ: كَأَنْ قُطِعَ أُصْبُعُهُ فَسَرَتْ إلَى كَفِّهِ فَأَجَلُ أَرْشِ الْأُصْبُعِ مِنْ قَطْعِهَا وَالْكَفِّ مِنْ سُقُوطِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ الْعَاقِلَةِ (فِي بَعْضِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ (سَنَةٍ سَقَطَ) مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ كَالزَّكَاةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فِي بَعْضِ سَنَةٍ عَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا يَسْقُطُ وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، وَهِيَ خَمْسٌ: الذُّكُورَةُ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ. أَمَّا الصِّفَةُ الْأُولَى فَقَدْ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ سَابِقًا: وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، أَيْ لَا هِيَ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَعْقِلْ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، فَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا هَلْ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَعَلَّ أَصَحَّهُمَا نَعَمْ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي شَاهِدِ النِّكَاحِ وَوَلِيِّهِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي سَتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ اهـ.
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ بِالْقُوَّةِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَة فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ) وَلَوْ كَسُوبًا لِأَنَّ الْعَقْلَ مُوَاسَاةٌ، وَلَيْسَ الْفَقِيرُ مِنْ أَهْلِهَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ.
فَإِنْ قِيلَ: تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ، فَهَلَّا كَانَ مِثْلَ هَذَا؟ .
أُجِيبَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَوْضُوعَةٌ لِحَقْنِ الدَّمِ وَلِإِقْرَارِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ عِوَضًا، وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَا يَعْقِلُ (رَقِيقٌ) وَلَوْ مُكَاتَبًا، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا مُوَاسَاةَ، وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ مَلَكَ فَمِلْكُهُ
وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسِهِ.
وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ.
وَعَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ،
ــ
[مغني المحتاج]
ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَلْحَقَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُبَعَّضَ بِالْمُكَاتَبِ لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَا يَعْقِلُ (صَبِيٌّ وَ) لَا (مَجْنُونٌ) لِأَنَّ مَبْنَى الْعَقْلِ عَلَى النُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ فِيهِمَا لَا بِالْعَقْلِ وَلَا بِالرَّأْيِ، بِخِلَافِ الزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى فَإِنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ لِأَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ وَالْمُطْبِقِ، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ فِيمَا إذَا كَانَ يُجَنُّ فِي الْعَامِ يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ هُوَ آخِرُ السَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَا يَعْقِلُ (مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ) لِأَنَّهُ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَوَارُثَ فَلَا مُنَاصَرَةَ.
(وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ) كَالْإِرْثِ، إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِي لَا، لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: يَتَعَاقَلُ ذِمِّيٌّ وَمُعَاهِدٌ إنْ زَادَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ عَلَى مُدَّةِ الْأَجَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَصَتْ عَنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ سَاوَتْهَا تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضَى، وَيَكْفِي فِي تَحَمُّلِ كُلِّ حَوْلٍ عَلَى انْفِرَادِهِ زِيَادَةُ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحَمُّلِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِنَا، وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ.
ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَقَالَ (وَعَلَى الْغَنِيِّ) مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ (نِصْفُ دِينَارٍ) عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ، وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا ضَابِطَ لَهَا (وَ) عَلَى (الْمُتَوَسِّطِ) مِنْهُمْ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ. فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ دُونَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قَدْرَهَا، وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ لِئَلَّا يَبْقَى فَقِيرًا.
فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ بِهِ الْغَنِيُّ لِئَلَّا يَبْقَى مُتَوَسِّطًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ (رُبُعٌ) مِنْ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْغَنِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَلَمْ نُجِزْ إلْحَاقَهُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ إفْرَاطٌ أَوْ تَفْرِيطٌ فَتَوَسَّطَ فِيهِ بِرُبُعِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ عَنْهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ضَبَطْنَا بِهِ الْغَنِيَّ وَالْمُتَوَسِّطَ هُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي بِالْعُرْفِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَوْنُ الْغَنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّينَارِ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ لَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ نَاصٌّ وَلَا خَبَرٌ، لَكِنَّهُمْ رَاعَوْا مَعْنَى الْمُوَاسَاةِ، وَيَجِبُ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ (كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِهِ كَالزَّكَاةِ، فَجَمِيعُ مَا يَلْزَمُ الْغَنِيَّ فِي الثَّلَاثِ سِنِينَ دِينَارٌ وَنِصْفٌ، وَالْمُتَوَسِّطَ