الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
كَقِتَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ حَقَنَ دِمَاءَهُمْ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ حَقَنَ دِمَاءَ الْبُغَاةِ. أَمَّا إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي الْجِزْيَةِ.
تَنْبِيهٌ: تَشْبِيهُ الْمُصَنِّفِ لَهُمْ بِالْبُغَاةِ فِي الْمُقَاتَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يُلْحَقُونَ بِهِمْ فِي نَفْيِ ضَمَانِ مَا يُتْلِفُونَهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا أَسْقَطْنَا الضَّمَانَ عَنْ الْبُغَاةِ لِاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ وَرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ؛ لِئَلَّا يُنَفِّرَهُمْ الضَّمَانُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ؟ وَجْهَانِ: فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْوُجُوبُ. وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُعَاهِدِينَ وَالْمُؤَمَّنِينَ فَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُمْ إلَّا فِي الْإِكْرَاهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ فِي دَعْوَاهُمْ الْإِكْرَاهَ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ.
فَرْعٌ: لَوْ اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ مَنَعَهُمَا الْإِمَامُ فَلَا يُعِينُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ مَنْعِهِمَا قَاتَلَ أَشَرَّهُمَا بِالْأُخْرَى الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ، وَإِنْ رَجَعَتْ لَمْ يُفَاجِئْ الْأُخْرَى بِالْقِتَالِ حَتَّى يَدْعُوَهَا إلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِاسْتِعَانَتِهِ بِهَا فِي أَمَانِهِ، فَإِنْ اسْتَوَتَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ضَمَّ إلَيْهِ أَقَلَّهُمَا جَمْعًا ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا دَارًا ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِيهِمَا وَقَاتَلَ بِالْمَضْمُومَةِ إلَيْهِ مِنْهُمَا الْأُخْرَى غَيْرَ قَاصِدٍ إعَانَتَهَا، بَلْ قَاصِدًا دَفْعَ الْأُخْرَى، وَلَوْ غَزَا الْبُغَاةُ مَعَ الْإِمَامِ مُشْرِكِينَ فَكَأَهْلِ الْعَهْدِ فِي حُكْمِ الْغَنَائِمِ فَيُعْطَى الْقَاتِلُ مِنْهُمْ السَّلَبَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَلَوْ عَاهَدَ الْبُغَاةُ مُشْرِكًا اجْتَنَبْنَاهُ بِأَنْ لَا نَقْصِدَهُ بِمَا نَقْصِدُ بِهِ الْحَرْبِيَّ غَيْرَ الْمُعَاهِدِ.
وَلَوْ قَتَلَ عَادِلٌ عَادِلًا فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ: ظَنَنْتُهُ بَاغِيًا حَلَفَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ لِلْعُذْرِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ عَادِلٌ قَتْلَ بَاغٍ أَمَّنَهُ عَادِلٌ وَلَوْ كَانَ الْمُؤَمِّنُ لَهُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِأَمَانِهِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ.
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ]
وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَغْيَ هُوَ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا فَيَالَهَا رُتْبَةً مَا أَسْنَاهَا وَمَرْتَبَةً مَا أَعْلَاهَا احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ فَعَقَدَ لَهُ فَصْلًا، فَقَالَ [فَصْلٌ]
[فَصْلٌ] شَرْطُ الْإِمَامِ
ــ
[مغني المحتاج]
فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ. وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْقَضَاءِ، إذْ لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ إمَامٍ يُقِيمُ الدِّينَ وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَيَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، وَقَدَّمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْكَلَامَ عَلَى الْإِمَامَةِ عَلَى أَحْكَامِ الْبُغَاةِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ: الشُّرُوطُ بِقَوْلِهِ (شَرْطُ الْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ شَرْطٍ: أَيْ شُرُوطِهِ حَالَ عَقْدِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْعَهْدِ بِهَا، أُمُورٌ:
كَوْنُهُ مُسْلِمًا
ــ
[مغني المحتاج]
أَحَدُهَا (كَوْنُهُ مُسْلِمًا) لِيُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَلَوْ عَلَى كَافِرٍ
مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا
ــ
[مغني المحتاج]
ثَانِيهَا كَوْنُهُ (مُكَلَّفًا) لِيَلِيَ أَمْرَ النَّاسِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِجْمَاعٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي حَضَانَةِ غَيْرِهِ، فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ الْأُمَّةِ؟ وَفِي الْحَدِيثِ «نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ إمَارَةِ الصِّبْيَانِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَالِثُهَا كَوْنُهُ (حُرًّا) لِيَكْمُلَ وَيُهَابَ، بِخِلَافِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ غَيْرِهِ، وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَمِعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، رَابِعُهَا كَوْنُهُ (ذَكَرًا) لِيَتَفَرَّغَ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ، فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ امْرَأَةٍ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» وَلَا وِلَايَةُ خُنْثَى وَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ
قُرَشِيًّا
ــ
[مغني المحتاج]
كَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَاضِي فَالْإِمَامُ أَوْلَى.
خَامِسُهَا كَوْنُهُ (قُرَشِيًّا) لِخَبَرِ النَّسَائِيّ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
وَبِهِ أَخَذَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. هَذَا عِنْدَ تَيَسُّرِ قُرَشِيٍّ لِلشُّرُوطِ، فَإِنْ عُدِمَ فَمُنْتَسِبٌ إلَى كِنَانَةَ، فَإِنْ عُدِمَ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ عُدِمَ فَرَجُلٌ جُرْهُمِيٌّ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ. وَجُرْهُمُ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمِنْهُمْ تَزَوَّجَ سَيِّدُنَا إسْمَاعِيلُ حِينَ أَنْزَلَهُ أَبُوهُ صلى الله عليه وسلم أَرْضَ مَكَّةَ، فَإِنْ عُدِمَ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ إلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا بِاتِّفَاقٍ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ
مُجْتَهِدًا شُجَاعًا ذَا رَأْيٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ.
وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِالْبَيْعَةِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. سَادِسُهَا: كَوْنُهُ عَدْلًا، وَلَوْ ذَكَرَهُ بَدَلَ مُسْلِمًا لَعُلِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَإِذَا تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ قَدَّمْنَا أَقَلَّهُمْ فِسْقًا. سَابِعُهَا: كَوْنُهُ عَالِمًا (مُجْتَهِدًا) لِيَعْرِفَ الْأَحْكَامَ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ وَلَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِفْتَاءِ غَيْرِهِ فِي الْحَوَادِثِ لِأَنَّهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَالسُّؤَالِ يَخْرُجُ عَنْ رُتْبَةِ الِاسْتِقْلَالِ، ثَامِنُهَا: كَوْنُهُ (شُجَاعًا) بِتَثْلِيثِ الْمُعْجَمَةِ، وَالشَّجَاعَةُ قُوَّةُ الْقَلْبِ عِنْدَ الْبَأْسِ لِيَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ وَيُدَبِّرَ الْجُيُوشَ وَيَقْهَرَ الْأَعْدَاءَ وَيَفْتَحَ الْحُصُونَ. تَاسِعُهَا: كَوْنُهُ (ذَا رَأْيٍ) يُفْضِي إلَى سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَهُوَ مِلَاكُ الْأُمُورِ. قَالَ الْمُتَنَبِّي:
الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
…
هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي
فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً
…
بَلَغَتْ مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ
وَلَرُبَّمَا قَهَرَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ
…
بِالرَّأْيِ لَا بِتَطَاوُلِ الْأَقْرَانِ
وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي سَدَادِ الرَّأْيِ (وَ) .
عَاشِرُهَا: كَوْنُهُ ذَا (سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ) لِيَتَأَتَّى مِنْهُ فَصْلُ الْأُمُورِ، وَلَا يَضُرُّ ثِقَلُ السَّمْعِ وَالتَّمْتَمَةُ وَلَا كَوْنُهُ أَعْشَى الْعَيْنِ لِأَنَّ عَجْزَهُ حَالَ الِاسْتِرَاحَةِ وَيُرْجَى زَوَالُهُ. وَأَمَّا ضَعْفُ الْبَصَرِ فَإِنْ مَنَعَ تَمْيِيزَ الْأَشْخَاصِ مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ الْبَصَرَ جَوَازُ كَوْنِهِ أَعْوَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَمِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فَقْدُ شَمٍّ وَذَوْقٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ حَرَكَةِ النُّهُوضِ كَالنَّقْصِ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْصُومًا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَضُرُّ قَطْعُ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ إلَّا الْعَدَالَةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا الْجُنُونَ الْمُتَقَطِّعَ، إذَا كَانَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَكْثَرَ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِلَّا فِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الدَّوَامِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ وَالْمَرَضِ الَّذِي يُنْسِيهِ الْعُلُومَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ بِقَوْلِهِ (وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ) بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ. أَحَدُهَا (بِالْبَيْعَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا بَايَعَ الصَّحَابَةُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
وَالْأَصَحُّ بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَشَرْطُهُمْ صِفَةُ الشُّهُودِ وَبِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ الْمُبَايِعِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَتَعَيَّنُ عَدَدٌ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ (بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ) لِأَنَّ الْأَمْرَ يَنْتَظِمُ بِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ سَائِرُ النَّاسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَدٌ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، بَلْ لَوْ تَعَلَّقَ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ بِوَاحِدٍ مُطَاعٍ كَفَتْ بَيْعَتُهُ، وَلَزِمَهُ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُتَابَعَةُ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ مِنْ خَمْسَةٍ غَيْرِ الْبَائِعِ كَأَهْلِ الشُّورَى، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ خَطَرًا مِنْ الْجُمُعَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِهَا إشْهَادُ شَاهِدَيْنِ أَوْ لَا؟ حَكَى فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلَ لِئَلَّا يُدْعَى عَقْدٌ سَابِقٌ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ دُونَ النِّكَاحِ، وَقِيلَ إنْ عَقَدَهَا وَاحِدٌ اُشْتُرِطَ الْإِشْهَادُ، أَوْ جَمْعٌ فَلَا، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي (وَشَرْطُهُمْ) أَيْ الْمُبَايِعِينَ (صِفَةُ الشُّهُودِ) مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَايِعُ مُجْتَهِدًا إنْ اتَّحَدَ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مُجْتَهِدٌ إنْ تَعَدَّدَ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ هُنَا الْمُجْتَهِدُ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ لَا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّنْجَانِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ (وَ) ثَانِيهِمَا يَنْعَقِدُ (بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) شَخْصًا عَيَّنَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَكُونَ خَلِيفَتَهُ بَعْدَهُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِعَهِدْتُ إلَيْهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، بِقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ، إنِّي اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنْ بَرَّ وَعَدَلَ فَذَاكَ عِلْمِي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ جَارَ وَبَدَّلَ فَلَا عِلْمَ لِي بِالْغَيْبِ، وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ جَامِعًا لِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ، فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِخْلَافِ الْجَاهِلِ وَالْفَاسِقِ، وَأَنْ يَقْبَلَ الْخَلِيفَةَ فِي حَيَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ بَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ اشْتِرَاطَ الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْحَيَاةِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِيصَاءِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى الْأَصْلَحَ لِلْإِمَامَةِ بِأَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ وَلَّاهُ، وَلَهُ جَعْلُ الْخِلَافَةِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِعَمْرٍو، ثُمَّ بَعْدَهُ لِبَكْرٍ، وَتَنْتَقِلُ عَلَى مَا رَتَّبَ كَمَا رَتَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَرَاءَ جَيْشِ مُؤْتَةَ، فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ فَالْخِلَافَةُ لِلثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي أَيْضًا فَهِيَ لِلثَّالِثِ، وَإِنْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ وَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ أَحْيَاءً وَانْتَصَبَ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَنْ
فَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعٍ فَكَاسْتِخْلَافٍ فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ.
وَبِاسْتِيلَاءِ جَامِعِ الشُّرُوطِ، وَكَذَا فَاسِقٌ وَجَاهِلٌ
ــ
[مغني المحتاج]
يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ، لِأَنَّهَا لَمَّا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَ أَمْلَكَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَعْهَدْ إلَى أَحَدٍ، فَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَيْعَةِ أَنْ يُبَايِعُوا غَيْرَ الثَّانِي وَيُقَدَّمُ عَهْدُ الْأَوَّلِ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِخْلَافِ رِضَا أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ: بَلْ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ بَيْعَتُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ غَيْرِهِ وَلَا مُشَاوَرَةِ أَحَدٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ، (فَلَوْ جَعَلَ) الْإِمَامُ (الْأَمْرَ) فِي الْخِلَافَةِ (شُورَى) هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّشَاوُرِ (بَيْنَ جَمْعٍ فَكَاسْتِخْلَافٍ) حُكْمُهُ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ) بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فَيُعَيِّنُونَهُ لِلْخِلَافَةِ كَمَا جَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ: عَلِيٍّ، وَالزُّبَيْرِ، وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه أَمَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ خَافُوا تَفَرُّقَ الْأَمْرِ وَانْتِشَارَهُ بَعْدَهُ اسْتَأْذَنُوهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ أَهْلُ الشُّورَى مِنْ الِاخْتِيَارِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ، وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ الْمَعْهُودُ إلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَوْصَى بِهَا جَازَ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ، لَكِنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ وَيَتَعَيَّنُ مَنْ اخْتَارَهُ لِلْخِلَافَةِ بِالِاسْتِخْلَافِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْقَبُولِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهُ، وَإِنْ اسْتَعْفَى الْخَلِيفَةُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يُعْفَى وَيُوجَدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ وَإِعْفَاؤُهُ وَخَرَجَ مِنْ الْعَهْدِ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا، وَإِلَّا امْتَنَعَ وَبَقِيَ الْعَهْدُ لَازِمًا، وَيَجُوزُ الْعَهْدُ إلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ كَمَا يَجُوزُ إلَى غَيْرِهِمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ كَالتَّزْكِيَةِ وَالْحُكْمِ، وَقِيلَ: تَجُوزُ لِلْوَالِدِ دُونَ الْوَلَدِ، لِشِدَّةِ الْمَيْلِ إلَيْهِ.
فَرْعٌ: لَوْ صَلَحَ لِلْإِمَامَةِ وَاحِدٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ، أَوْ اثْنَانِ اُسْتُحِبَّ لِأَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ تَقْدِيمُ أَسَنِّهِمَا فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ الْحُرُوبُ كَأَنْ ظَهَرَ أَهْلُ الْفَسَادِ أَوْ الْبُغَاةِ فَالْأَشْجَعُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الشَّجَاعَةِ، أَوْ كَثُرَتْ الْبِدَعُ فَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الْعِلْمِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقُرِعَ وَإِنْ لَمْ يَتَنَازَعَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي لِأَنَّ فَيْأَهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ مَنْ شَاءُوا بِلَا قُرْعَةٍ، وَلَوْ تَنَازَعَاهَا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِمَا تَنَازُعُهَا؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا لَيْسَ مَكْرُوهًا (وَ) ثَالِثُهَا (بِاسْتِيلَاءِ) شَخْصٍ مُتَغَلِّبٍ عَلَى الْإِمَامَةِ (جَامِعِ الشُّرُوطِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِمَامَةِ عَلَى الْمُلْكِ بِقَهْرٍ وَغَلَبَةٍ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ لَيَنْتَظِمَ شَمْلُ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَيِّ فَإِنْ كَانَ الْحَيُّ مُتَغَلِّبًا انْعَقَدَتْ إمَامَةُ الْمُتَغَلِّبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا بِبَيْعَةٍ أَوْ عَهْدٍ لَمْ تَنْعَقِدْ إمَامَةُ الْمُتَغَلِّبِ عَلَيْهِ (وَكَذَا فَاسِقٌ وَجَاهِلٌ) تَنْعَقِدُ إمَامَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ وُجُودِ
فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ بِالِاسْتِيلَاءِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِفَقْدِ الشُّرُوطِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَجْرِي فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الْفِسْقِ وَالْجَهْلِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مُشْعِرَةٌ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ عِنْدَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، فَإِنْ جَعَلْتُ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَهُ فَلَا مُخَالَفَةَ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالْفِسْقِ وَالْجَهْلِ، بَلْ سَائِرُ الشُّرُوطِ إذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا كَذَلِكَ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلِيَ الْأَكْنَانَ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ حِينَ مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
قُلْتُ: لَوْ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَضَعُوا التَّاجَ عَلَى بَطْنِ أُمِّهِ وَعَقَدُوا لِحَمْلِهَا اللِّوَاءَ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَمَلَكَهُمْ إلَى أَنْ مَاتَ، نَعَمْ الْكَافِرُ إذَا تَغَلَّبَ لَا تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَقَوْلِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ: وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى إقْلِيمٍ فَوَلَّوْا الْقَضَاءَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ انْعِقَادُهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِوِلَايَةِ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يَرْجِعُ لِلْعُقَلَاءِ أَوْ امْرَأَةٍ هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا لِعَامٍّ فِيمَا يُوَافِقُ الْحَقَّ كَتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ وَالْوُلَاةِ؟ فِيهِ وَقْفَةٌ اهـ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ وَقْفَةٌ فِي ذَلِكَ فَالْكَافِرُ أَوْلَى.
فُرُوعٌ: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِخَبَرِ «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ اتِّحَادُ الْكَلِمَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ، وَتَجِبُ نَصِيحَتُهُ لِلرَّعِيَّةِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِإِمَامَيْنِ فَأَكْثَر وَلَوْ بِأَقَالِيمَ وَلَوْ تَبَاعَدَتْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَالِ الرَّأْيِ وَتَفَرُّقِ الشَّمْلِ، فَإِنْ عُقِدَتْ لِاثْنَيْنِ مَعًا بَطَلَتَا أَوْ مُرَتَّبًا انْعَقَدَتْ لِلسَّابِقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي وَمُبَايِعُوهُ إنْ عَلِمُوا بِبَيْعَةِ السَّابِقِ لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا. فَإِنْ قِيلَ وَرَدَ: فِي مُسْلِمٍ «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا» فَكَيْفَ يُقَالُ بِالتَّعْزِيرِ فَقَطْ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُطِيعُوهُ فَيَكُونُ كَمَنْ قُتِلَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ أَصَرَّ فَهُوَ بَاغٍ يُقَاتَلُ، فَإِنْ عُلِمَ سَبْقٌ وَجَهْلٌ بَطَلَ الْعَقْدَانِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَالنِّكَاحِ، وَإِنْ عَلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ وَقَفَ الْأَمْرُ رَجَاءَ الِانْكِشَافِ، فَإِنْ أَضَرَّ الْوَقْفُ بِالْمُسْلِمِينَ عُقِدَ لِأَحَدِهِمَا لَا لِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَهُمَا أَوْجَبَ صَرْفُهَا عَنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ بَطَلَ عَقْدَاهُمَا بِالْإِضْرَارِ، وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ بِجَوَازِ عَقْدِهَا لِغَيْرِهِمَا، وَالْحَقُّ فِي الْإِمَامَةِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا السَّبَقَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْآخَرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ خَلِيفَةً، وَخَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَخْلَفُ مَنْ يَغِيبُ وَيَمُوتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةَ اللَّهِ بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُد عليهما السلام، وَعَنْ ابْنِ مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ خَلْعُ الْإِمَامِ مَا لَمْ تَخْتَلَّ الصِّفَاتُ فِيهِ، وَلَا يَصِيرُ الشَّخْصُ إمَامًا بِتَفَرُّدِهِ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ فِي وَقْتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الطُّرُقِ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ يَصِيرُ عَنْ غَيْرِ عَقْدٍ، حَكَاهُ الْقَمُولِيُّ.
قَالَ: وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَلْحَقَ الْقَاضِيَ بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ: لَوْ شَغَرَ الزَّمَانُ عَنْ الْإِمَامِ انْتَقَلَتْ أَحْكَامُهُ إلَى أَعْلَمِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِيمَا لَوْ عَادَ الْبَلَدُ مِنْ الْبُغَاةِ إلَيْنَا (لَوْ ادَّعَى) بَعْضُ أَهْلِهِ (دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ) بِلَا يَمِينٍ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ وَ (بِيَمِينِهِ) إنْ اُتُّهِمَ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَالْمُسْلِمُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَمْرِ دِينِهِ.
أَوْ جِزْيَةٍ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا خَرَاجٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَدَّقُ فِي حَدٍّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: الْيَمِينُ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ هُنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّمِيرِيُّ (أَوْ) ذِمِّيٌّ ادَّعَى دَفْعَ (جِزْيَةٍ فَلَا) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ السَّكَنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ دَفْعَ الْأُجْرَةِ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ كَالْمُزَكِّي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ فِيمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ (وَكَذَا خَرَاجٌ) لِأَرْضٍ دَفَعَهُ الْمُسْلِمُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِقَاضِي الْبُغَاةِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ كَالزَّكَاةِ. أَمَّا الْكَافِرُ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْخَرَاجِ فَلَا يُصَدَّقُ جَزْمًا (وَيُصَدَّقُ) الشَّخْصُ (فِي) إقَامَةِ (حَدٍّ) أَنَّهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بِلَا يَمِينٍ، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ) الْحَدُّ (بِبَيِّنَةٍ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ الْحَدِّ (فِي الْبَدَنِ) فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إقَامَتِهِ وَلَا قَرِينَةَ تَدْفَعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْحَدِّ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ بَقَاءَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْإِمَامَةِ.
خَاتِمَةٌ: لَا يَنْعَزِلُ إمَامٌ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ لَهُمْ إمَامٌ إلَّا إنْ وَقَعَ الْيَأْسُ وَلَمْ يَعُدْ إلَى إمَامَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبُغَاةِ إمَامٌ لَمْ يَنْعَزِلْ الْإِمَامُ الْمَأْسُورُ، وَإِنْ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ وَيَسْتَنِيبُ عَنْ نَفْسِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ وَإِلَّا اُسْتُنِيبَ عَنْهُ، فَلَوْ خَلَعَ الْإِمَامُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَصِرْ الْمُسْتَنَابُ إمَامًا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَانَ الْمُعْتَصِمُ بِاَللَّهِ يُدْعَى الْمُثَمَّنَ، لِأَنَّهُ كَانَ ثَامِنَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ، وَهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ مِنْ السَّنَةِ، وَفَتَحَ ثَمَانِ فُتُوحَاتٍ، وَوَقَفَ ثَمَانِيَةُ مُلُوكٍ وَثَمَانِيَةُ أَعْدَاءٍ بِبَابِهِ، وَعَاشَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثَمَانِ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ. وَخَلَّفَ ثَمَانِ بَنِينَ، وَثَمَانِ بَنَاتٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ فَرَسٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ بَعِيرٍ وَبَغْلٍ وَدَابَّةٍ: وَثَمَانِيَةَ آلَافِ خَيْمَةٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ عَبْدٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ أَمَةٍ، وَثَمَانِيَةَ قُصُورٍ، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ، وَكَانَتْ غِلْمَانُهُ الْأَتْرَاكُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا.