الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البهار الذي أرسل إليه السلطان أن يشارك الأمناء عليه فورد فيه مرسوم، فحصل له بهدلة بسبب ذلك، فكانت سبب انقطاعه أحد عشر يوماً، ومات في عشر الثمانين، ودفن بمقبرة باب الصغير، بعد أن صلى عليه بالجامع الأموي القاضي الشافعي.
وفي يوم الأربعاء مستهل شوال منها، ثبت ببعلبك الرؤيا ليلة الثلاثاء، فظن بعض الناس أن مطلعهما متفق، أي ببعلبك ودمشق، ثم تحرر اختلافهما؛ حكى ذلك شخص عن الشيخ زين الدين الطرابلسي، كان عالم بعلبك، وسئل شيخنا شمس الدين التبريزي المؤقت بالجامع الأموي، فقال: إن مطلعهما مختلف، وخطب للعيد بالجامع الأموي القاضي الشافعي، بخلاف العيد الآتي فإنه خطب الشيخ سراج الدين بن الصيرفي لحصول بعض توعك له.
وفي ثامنه ورد مرسوم بأن القاضي رضي الدين الغزي الشافعي، أثبت على القاضي برهان الدين بن المعتمد الشافعي، خمسين ألف دينار، للخزائن الشريفة، ورسم يطلبهما فتوجه الرضوي تاسعه، والبرهاني ثالث عشره وكان أصل هذا أنه حصل بينهما اختلاف في حدود أرضين متلاصقتين، إحداهما للمارستان، والأخرى وقف أجداد القاضي برهان الدين، ففي أثناء اختلافهما احتد الرضوي وكتب للقاضي بهاء الدين الباعوني رسالة، ذكر فيها الخمسين ألف دينار، فيقال إنه أطلع عليها غيره، واتصل الخبر بالمصريين.
وفي ثامن عشره سافر الحاج الشامي، وأميرهم برد بك، وقاضيهم تقي الدين ابن قاضي زرع، أحد نواب القاضي الشافعي، وحج في هذه السنة الجمال العقرباني، والشهاب الخيري. وفي ثالث عشريه وصل مرسوم يطلب القاضي كمال الدين بن خطيب حمام الورد، والقاضي شعيب نائبي القاضي الشافعي، ودواداره محمد، ونقيبه ابن الأربلي نور الدين، ومحمد بن سالم محب الدين، وعلي الحمصي نور الدين، الشاهدين ببابه، وباستعجال القاضي الشافعي بالسفر، وكان حصل له حمى عوقته عنه. وفيه طلب العز بن حمدان نائب القاضي الحنفي مع آخرين من جماعته، فضمنهم القاضي الشافعي وسافروا معه.
سنة ست وتسعين وثمانمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين عبد العزيز بن يعقوب العباسي المتوكل على الله؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه
اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي محب الدين بن القصيف، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شهاب الدين المريني، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والأمير الكبير جانم مملوك السلطان، والحاجب الكبير يونس الشرفي؛ والحاجب الثاني تنم مملوك السلطان؛ ودوادار السلطان أركماس الملكي؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي؛ ونقيبها الأمير تمراز القجماسي، ودوادار النائب الخازندار كرتباي؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش تمربغا الترجمان الأسلمي؛ وبيد القاضي الشافعي خطابة الأموي، ومشيخة الشيوخ، ونظر المارستان النوري، ونظر الحرمين.
وفي يوم الخميس خامس المحرم منها، شكت بنت الخواجا شمس الدين بن علوان الشويكي إلى النائب على زوجها بدر الدين حسن بن أيدكي بأنه عنين، وأنها بكر إلى الآن وقام معها جماعة إلى أن طلقها النائب منه، بعد أن أخذ منها نحو مائة وعشرين أشرفيا. وفي يوم تاسوعاء قبض على رجل حرامي بالقصاعين، وأقر على عملات كثيرة، فلم يمهله النائب وشنقه في الحال، وأنكر عليه ذلك.
وفي ليلة الأحد خامس عشره وقع بدمشق وما حولها ثلج كثير، واستمر إلى نصف النهار، فحصل في الأسطحة نحو ذارع، وتكسر بذلك كثير في الأشجار، سيما أشجار الزيتون، وكان الحطب قد غلا سعره وبلغ قنطار اليابس منه إلى نحو الثلاثين درهماً، فرخص سعره من يومئذٍ، واستمر الثلج في بعض الطرق وغيرها نحو عشرين يوماً، وكان آخره بمدينة زرع، وإلى مدينة حماة.
وفي يوم السبت حادي عشريه دخل إلى دمشق كتب الحجاج، وفيها أن الوقفة كانت يوم الأحد، وأن العسل والسمن كان في الطلعة رخيصاً، كل رطل منهما بخمسة دراهم، وأن الشاش والإزار كثير، وأن القماش الأزرق قليل، وأنهم أقاموا بمكة اثني عشر يوماً، وأنهم جاءهم سيل عظيم بها ذهب فيه أموال كثيرة، وأن تقي الدين بن قاضي زرع أتى معهم، وهو قاضي الركب، وأنهم صلوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، الجمعة في الذهاب والإياب، وأن سعر التمر المباع من الثمانية دراهم إلى الخمسة عشر، وأن الجوز الهندي كل ثلاثين بأشرفي، وأن أمير الركب كان ظالماً.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشريه غضب النائب على مملوك الخازندار، وأحاط على موجوده،
وأخرجه في الزنجير وغبا به، ينادي عليه، هذا جزاء من يخون أستاذه، واعتقله. وفي بكرة يوم الجمعة ثامن عشريه خرج نقيب القلعة تمراز بجماعتها على العادة، لتلقي المحمل وتبعه أرباب الدولة والناس على العادة، وكان وحلاً شديداً، فلم يدخل المحمل إلى وقت العصر وغالب العوام لم يصل الجمعة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الخميس ثالث صفر منها، سافر القاضي الشافعي بعد تكرر طلبه إلى مصر، وخرج لوداعه غالب الفقهاء على العادة. وفي بكرة يوم الخميس عاشره لبس نائب السلطنة خلعة حمراء بمقلب على العادة، وكذا أولاده الأربعة، على يد قاصده من مصر، وكان اللبس من القبة، ومعهم القضاة الثلاثة وأرباب الدولة على العادة، وفي يوم الأربعاء دخل إلى دمشق من بلاد يعقوب، باك بن حسن باك قاصده، وصحبته هدايا سنية للسلطان، وصحبته بنت عم يعقوب، طلبها السلطان منه لأجل ابن عمها الذي عنده بمصر، ليزوجه بها.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره بعد صلاتها بالجامع الأموي، نودي بالسدة بالصلاة غائبة على أربعة أنفس من العلماء المصريين، منهم: قاضي المالكية كان، الفقيه العالم برهان الدين اللقاني، وميلاده سنة ست وعشرين وثمانمائة؛ ومنهم خصمه في القضاء العلامة المفتن ابن تقي، توفي بعد خصمه بنحو سبعة عشر يوماً؛ ومنه الشيخ العالم البرهاني شيخ خانقاه سعيد السعداء، زين الدين عبد الرحمن السنتاوي، ميلاده تقريباً سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ومنهم الشيخ العالم زين الدين سنان العجمي الحنفي شيخ تربة يشبك الدوادار، وكثر الترحم عليهم حيئنذٍ - ووقع المطر، وفي يوم الاثنين سابع عشريه وقع بدمشق وبخوارجها مطر، واستمر متراسلاً ليلاً ونهاراً، ووقع منه طباق كثيرة وجدران كثيرة أيضاً، وجاءت الزيادة إلى تحت القلعة.
ووصل حدها إلى مصاطب حمام الكحال، وسمت الماء الذي في جوف القناة قبلي مسجد المؤيد، وذلك في يوم الخميس مستهل ربيع الأول منها. وفي يوم السبت حادي عشره لبس قاضي الحنفية محب الدين بن القصيف خلعة جاءته من مصر، على حكم تفويض الحاجب الكبير، ثم عزل في ثاني عشر جمادى الآخرة منها، فمدة ولايته ثلاثة شهور؛ وورد
مرسوم بالقبض على ابن القطب، فاعتقل بجامع القلعة إلى أن تولى في يوم العزل المذكور.
وفي ليلة الأربعاء ثاني عشريه نقب حبس دوادار السلطان، الذي غربي جامع التوبة بشمال، وخرج منه جماعة كثيرة، غالبهم مظلومون، وهو غائب في الغور عند دوادار السلطان بمصر آقبردي. وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الأمير ماماي، الذي قبض عليه ملك الروم أبو يزيد بن عثمان وطمره، أطلقه وأرسل معه جماعة بالصلح وهم واصلون. وفيها أحدث دوادار السلطان، وهو الناظر على جامع يلبغا، على علو بابه الخارج إلى تحت القلعة، مكتباً للأيتام، وزعم أن أمه التي توفيت في هذه السنة، ودفنها في التربة التي أنشأها لصيق النحاسية، خارج باب الفراديس، أوصت بذلك.
وفي يوم الجمعة سادس عشر ربيع الآخر منها، عقب الصلاة بالجامع الأموي، صلي غائبة على الشيخ العالم المقرئ علاء الدين بن قاسم، توفي ببلده بالخليل. وفي يوم الاثنين تاسع عشره وصل قاصد النائب من مصر وعلى يديه خلعة بطراز لأستاذه، فلبسها من القبة على العادة، وصحبته أرباب الدولة، والقضاة الثلاثة، ما خلا الشافعي فإنه غائب بمصر. وفي يوم الجمعة ثالث عشريه قامت البينة على رجل من كرك، توجه ماشياً، منكرة في حق أبي بكر وعمر، فضرب بالسياط في بيت قاضي المالكية شهاب الدين المريني وطيف به بدمشق، ثم سجن.
وفي هذا الشهر ورد مرسوم شريف للحاجب بالكشف عن المدارس، فشرع يكشف. وفيه شاع أن سلطان العجم يعقوب باك بن حسن باك توفي قتلا، مع جماعة من أهل بيته، وأخبر رجل من بلاده أنه لما تولى كان عمره ست عشرة سنة، وأن له متولياً نحو اثنتي عشرة سنة، فعاش حينئذٍ ثمانية وعشرين سنة. وفيه أمر النائب بإبطال " سمع الله لمن حمده " بالجامع الأموي، فعورض فقال: يجمع بينهما، ثم لم يتم له ذلك. وفيه رسم أن لا يجلس الشهود بالجامع المذكور، لما قيل إنهم يدخلون النساء وأهل الذمة، ولعمري لقد أجاد في ذلك، سيما دركات باب البريد.
وفي يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى منها، كشف الحاجب والقضاة جامع كفر سوسيا والمزة. وفيه وصل الماء إلى حمام كفر سوسيا، الذي اشتراه حميصة وجدده. وفي
يوم الجمعة سابعه ورد خاصكي من مصر، على يديه مرسوم بالفصل بين الأمير الكبير وبين دوادار السلطان في شر وقع بينهما قبل ذلك، وعلى يديه مرسوم بمصادرة من مع الدوادار، فقبض جماعات ووضعهم بالقلعة، واختبطت دمشق. ثم في يوم الأحد تاسعه غوش العمري القواس بالقلعة بحضرة الخاصكي، فدخل الحاجب الكبير ورطن على الخاصكي حتى كاد يقع به، ثم أمر المقبوض عليهم بالخروج إلى منازلهم فخرجوا.
وفي هذه الأيام ورد كتاب الخاصكي ماماي الذي كانت مقبوضاً عليه عند أبي يزيد بن عثمان من طرسوس إلى دمشق، تاريخه حادي عشر ربيع الآخر، وملخص ما فيه، أن أبا يزيد كان عزم على سلخ ماماي المذكور، وأن يخوزق بقية الخاصكية، فدخل الليل فسمعنا به قلبة، فظننا أنه أتى أمر الله، فلما أصبحنا استحضرنا إليه، فحضرنا ونحن على وجل فتلقانا ملتقى حسناً، فعجبنا لذلك، فأخبرنا أنه قد خسف بمكان له، ونزل صاعقة على آلة حربه، وزلزلت أماكن، وعصفت الريح، حتى أنه كاد يهلك، فلما رأى ذلك ذلك سلم لأمر السلطان وأكرمنا وسلمنا مفاتيح القلاع، وقال: إنه كان كافراً وقد أسلم وهو مملوك السلطان، وقد أرسل معنا قاضياً وجماعة خاصكية من جماعته في الرسلية إلى السلطان، ونحن واصلون.
وفي يوم السبت خامس عشره نودي بدمشق بإظهار الزينة لقدوم قاصد السلطان ماماي، ومن معه، من البلاد العثمانية، وتزايدت خلا القلعة، فإنها لم تزين لأن آلة الحرب قد ختم عليها في الحواصل، ولم يكن عادة أن تزين إلا بمرسوم شريف، ولم يرد لهم، وحصل على التجار والسوقة مشقة بالمبيت في حوانيتهم، مع كثرة الخمر والفساد وبنات الخطا وخروج النساء للفرجة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة حادي عشريه وصل القاصد المذكور، ومن معهم، إلى مصطبة السلطان، ونودي بالخروج إليهم من كل بلد وحارة بالعدة وآلة الحرب، فلما كان الثلث من ليلة السبت ثاني عشريه، هرع الناس، وأطلق البارود بالقلعة، وجاءت العشران من كل جانب وتلقوهم، وكان يوماً حافلاً، استمروا إلى قريب الظهر حتى وصل إلى تجاه القصر بالميدان، وكان النائب والخاصكي ماماي نائبه في منزله، وقاضي الرسلية قاسم بن يكن خلفهما مصموداً، وفرح الناس بذلك، وفي يوم الاثنين خامس عشريه رفعت الزينة من دمشق. وفي يوم الخميس ثامن عشريه سافر الخاصكي ماماي وقاضي برصة في الرسلية،
ومن معهما، وخرج لوداعهم نائب السلطنة والحاجب الكبير وأرباب الدولة.
وفي ليلة الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة منها، شاع بين أهل دمشق أن الأرض تزلزلت عقيب صلاة المغرب، وأن القمر خسف، ولم يحس بذلك جماعات، منهم شيخنا المحيوي النعيمي.
وفي يوم الجمعة العشرين منه، عقب صلاة الجمعة، صعد شخص على الكرسي تجاه محراب الحنفية، الذي يعظ عليه شهاب الدين بن عبية، وحضر ابن عبية هذا يسمع كلامه، فتكلم على " بسم الله الرحمن الرحيم " وأسماء الفاتحة، ونقل عن الشيخ شهاب الدين بن العماد وتقي الدين الحصني وغيرهما، فسئل عنه فقيل هذا من نابلس يعرف بابن مكية، لم يكن له شيخ سوى أنه اشتغل يسيراً على شمس الدين بن حامد. وفي بكرة يوم الأحد ثاني عشرينه، وهو أول أيار، تزلزلت الأرض بدمشق أيضاً قبل طلوع الشمس.
وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصل من مصر إلى بيته بالصالحية القاضي جمال الدين بن خطيب حمام الورد، صهر ابن أخي القاضي الشافعي، متولياً بمصر. وفي يوم الخميس عاشره، وهو يوم الموسم، لبس برهان الدين ابن القطب قضاء الحنفية عوضاً عن المحب بن القصيف، على مبلغ ألفي دينار، وذلك بعد أن مكث معتقلاً عليه بجامع قلعة دمشق مدة نحو تسعة شهور، وقرأ توقيعه صاحبه القاضي شمس الدين الحلبي بالجامع على العادة، وتاريخه ثاني عشره جمادى الآخر منها.
وفي يوم الاثنين رابع عشره دخل من مصر الأمير تاني بك مملوك السلطان وقد فوض إليه استادارية الغور، وصحبته أحد الألوف بدمشق قايتباي على إقطاع سودون الطويل، وتلقاهما النائب والقاضي الجديد وأرباب الدولة، ونزل الأول ببيت ابن منجك، والثاني جوار المدرسة الآمدية. وفي يوم الاثنين حادي عشريه وصل من مصر إلى أوائل عمران دمشق القاضي شعيب، وأرسل وراء أعلام الأحمدية، ودخل دمشق على هيئة مهولة، وكان وصل قبله المحب بن سالم والأربلي وجماعة ممن طلبوا إلى مصر.
وفي يوم الاثنين خامس شعبان منها، دخل من مصر إلى دمشق دوادار السلطان، بعد أن كان طلبه السلطان أستاذه، ونصر غرماءه عليهم، منهم عبد القادر بن السيراجي المزي، وأخذ له
منه ستمائة دينار، وأخذ لنفسه منه نحو خمسة عشر ألف دينار على ما قيل، وكان تقدمه عبد القادر المذكور بأيام إلى المزة، وأولم لأهلها وليمة، ودخل مع الدوادار المذكور غرماء عبد القادر المذكور وهم: شعبان المعمم، وشعبان الريس، ويوسف بن الداراتي. وفي يوم الثلاثاء رابع عشره وصل البدري بن أخي القاضي الشافعي من مصر إلى دمشق.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر رمضان منها، وقت الغداء، خرج من أوائل مقابر باب الصغير نجم كبير، وجرى جرياً شديداً إلى جهة القبلة، وله هدير كهدير البعير. وفي يوم الأحد سابع عشره رجع من مصر قاضي برصة، قاصد ملك الروم أبي يزيد بن عثمان، وصحبته جماعة كانوا في الاعتقال بمصر، منهم الطواشي الأبيض الذي كان مسك في البلاد الحلبية وأرسل إلى مصر، ودخلوا في هذا اليوم مخلوعاً عليهم بإكرامٍ حافلٍ، وتلقاهم النائب وأرباب الدولة على العادة، وعشران البلاد، ومشاة الحارات، وقد أفطر منهم خلق كثير، وكان يوماً حافلاً.
وفي هذه الأيام وصل المنفصل عن قضاء الحنفية زين الدين الحسباني إلى غزة، فرفسه فرس وهو راكب، فانكسرت رجله، فحمل إلى دمشق، فوصلها أيام العيد، واستمر في شدة منها. وفي يوم الاثنين خامس عشريه دخل من مصر إلى دمشق، أمير غزة، وناظر وقف السلطان، جان بلاط، قاصداً من السلطان إلى أبي يزيد بن عثمان، ومعه تحف، وكان قاصد ابن عثمان إلى الآن بدمشق.
وصلى في هذا الشهر جماعة من الصبيان، منهم ابن الشاهد بخان السلطان البقاعي، ومنهم ابن مؤدب الأطفال بقبر عاتكة أبي بكر بن المجنون، ومنهم ولد شيخنا المحيوي النعيمي واسمه تقي الدين أبو بكر، ختم بجامع البزوري، ومنهم ولدان من بيت الموصلي.
وفي هذه الأيام وردت الأخبار من حلب بأن العوام حصروا نائبها أزدمر، وقتل من جماعته نحو اثني عشر رجلاً، ومن العوام نحو مائة؛ ومن مصر بأن والي القاهرة، وأحد الألوف، يشبك من حيدر، كان خصماً لأينال الخسيف نائب حماة، فقال السلطان: اذهب إلى حماة مكانه وهو يجيء مكانك، ومن صفد بأن نائبها يلباي عزل واستقر من مصر عوضه أزدمر المسرطن وهو أستاذ آقبردي دوادار السلطان يومئذٍ، وهبه للسلطان لما بلغه أنه من قرابته.
وفي يوم الثلاثاء عاشره دخل الحاج الحلبي من حلب إلى دمشق. وفي يوم الثلاثاء سابع عشره سافر قاصداً السلطان جان بلاط إلى ابن عثمان، وكان تقدمه قاضي برصة قاصد ابن عثمان.
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر الحاج من دمشق؛ قال شيخنا المحيوي النعميم: ولم أرهم تأخروا مثل هذه السنة. وفي يوم الخميس سادس عشرينه رجع الناس من المزيريب، وأخبروا بالرخص المفرط في كل شيء. وفي هذه الأيام لبس أحد مقدمي الألوف، قايتباي، خلعة بنيابة كرك الشوبك، مع المقدمة المذكورة بدمشق.
وفي يوم الاثنين ثامن ذي القعدة منها، دخل من مصر إلى دمشق خاصكي على يمين النائب، وقدامه بريدين بعلامتين صفر، يبشر بوفاء النيل. وفيه شاع بدمشق أن شخصاً اشترى بيتاً احتاج إلى تزويق ثنياته، فأتى لها بمعمارية وشارطهم على عملها، وأعطاهم المفتاح وذهب إلى شغله، فهم في عملها، وحفر مكان وضعها، سقط عليهم من مكان الحفر قشر جوزة هندية، فإذا فيها عدة أربعمائة دينار وعشرة دنانير فتخاصموا عليها، فعلم بها النائب، فأخذها منهم وأعطاهم عشره أشرفية.
وفي يوم الخميس حادي عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير كسباي، قيل إنه من أقارب السلطان، قد فوض إليه أمرة أربعين، وهو الإقطاع الذي للأمير تمراز المتوفى. وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بطلب السيد كمال الدين بن حمزة إلى مصر، فوجد قد سافر إلى الحجاز، فرد الحاجب الكبير الجواب بذلك، ثم سافر إلى مصر.
وفي يوم الجمعة بعد الصلاة سادس عشرينه سافر الأمير الكبير إلى مصر، وودعه الأكابر بدمشق، مطلوباً ليولى أميراً آخوراً بمصر. وفي ليلة الأحد ثامن عشريه وجد شاب أمرد قد قتل وحمل ورمي في خشخاشة بمقبرة الباب الصغير، فأخذ وغسل وكفن بوزره، ثم صلي عليه ثم دفن، ولم يعرف من أين هو ولا من قتله. وفي هذه الليلة نقب خان الحصني من المصلى، وأخذ من داخله مال كثير.
وفي ليلة السبت رابع ذي الحجة منها، سافر وكيل السلطان بدمشق صلاح الدين العدوي إلى مصر مطلوباً. وفي هذه الأيام أرسل النائب سرية بالقبض على نائب حمص المعروف بالحليق بن أصلان بك الغادري، فقبض عليه بغتة وأتي به ووضع في قلعة دمشق، في يوم الأحد خامسه - وفي يوم الاثنين سادسه، دخل إلى دمشق من مصر نائب حمص الجديد.
وفي يوم الخميس، يوم عرفة، دخل من مصر إلى دمشق الخاصكي ماماي قاصداً نائب حلب أزدمر الطويل، ليصلح بينه وبين أهلها، وكان إلى جانب النائب حالة دخوله. وفي يوم الاثنين، آخر أيام التشريق، توفيت زوجة المرحوم إبراهيم بن منجك، وكان قد وقف بيته الجديد الذي كان حمام الصحن عليها، ثم من بعدها على الجامعين الحصوي والقصبي، ودفنت عنده في التربة بالجامع الحصوي. وفي هذه الأيام ورد إلى دمشق جماعات من بلاد المغرب من مقاتلة غرناظة، بعيالهم وأولادهم، لاستيلاء الفرنج على بلادهم.
وقال الشيخ علاء الدين البصروي في ذيله: وفي يوم الخميس ثالث صفر سافر القاضي الشافعي إلى مصر كما قدمنا، ومعه من طلب من جماعته وجماعة القاضي الحنفي، وتوجه معه البدري محمد بن أخيه، والشيخ محمد التونسي، من فضلاء المالكية، ثم لحقه شهاب الدين بن بري، وفي ثامن عشريه اجتمع القاضي الشافعي بالسلطان وحصل له إقبال عليه، ومن أركان الدولة، ونزله بمنزل قريب من جامع الأزهر، عينه له السلطان، يعرف ببيت مثقال، وكان قبل طلوعه إلى القلعة جهز له السلطان سماطاً لتربته وفرساً، ورفع الترسيم عن ابن بري.
وفي ربيع الأول منها، قدم هديته. وفي سابعه أطلق البرهان المعتمد من الترسيم لأجله.
وفي ربيع الآخر منها، أمر النائب أن المبلغ بالجامع الأموي إذا رفع الإمام رأسه من الركوع، أن يقول: ربنا لك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، متعلقاً بأن كل مأموم عند أبي حنيفة يقول: ربنا لك الحمد، ومذهب الشافعي، بأن قول: سمع الله لمن حمده، ذكر الرفع، وقول: ربنا لك الحمد، ذكر الانتصاب للاعتدال، روى فعل الأمرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، البخاري ومسلم، وأما حديثهما إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، فلا دليل لهم فيه، فإنا نقول ذلك مع قول ما ورد في حديث غيره، عملاً بالأحاديث كلها، قلت يعكر على ذلك التعقيب المستفاد من إلغاء، ثم حصل من الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون تحرك مع أنه كان متضعفاً، واجتمع بالنائب في جماعة، وحضر معهم الشيخ برهان الدين الناجي، وحط الحال على أن المحراب المختص بالشافعية، يعمل فيه بمذهب الشافعي، والمختص بالحنفية، يعمل فيه بمذهب أبي حنيفة، وانفصل الحال على هذا.
وفي جمادى الأولى منها، عاد من الروم قاصد السلطان بسبب الصلح، واسمه ماماي،
ومعه الشيخ بدر الدين بن جمعة من أعيان العلماء الفضلاء بمصر.
وفي عاشر رجب منها، لبس القاضي برهان الدين بن القطب قضاء الحنفية، وفوض للقاضي شمس الدين الحلبي، والقاضي محيي الدين الناصري، والقاضي بهاء الدين الحجيني، والقاضي كمال الدين بن سلطان، والقاضي شمس الدين الغزي، وعمي القاضي جمال الدين بن طولون، وشرط على الجميع أن لا يحكموا إلا بالتورية.
وفي شعبان منها، اجتمع القاضي شمس الدين الغزي الحنفي عند القاضي محب الدين بن القصيف، في بستان، ونزل واغتسل في النهر الذي في البستان بحضرة الجماعة، فقال ابن القطب مستخلفه: إن هذا الفعل على هذه الكيفية مسقط للمروء.
وفي رمضان منها، عزل ابن القطب نائبه كمال الدين بن سلطان.
وفي تاسع عشر شوال منها، سافر الحاج وأميره برد بك الظاهري، وقاضي الركب شهاب الدين الحمصي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي.
وفي ذي القعدة منها، في تاسع عشره، سافر الحاجب الكبير يونس إلى مصر، وخرج عليه قطاع الطريق قريب الملاحة وأخذوا ما معه من المال، يقال عشرة آلاف دينار. وفي سادس عشريه سافر الأتابكي بدمشق، جانم مصبغة، إلى مصر متولياً تقدمة بها.
وفي ثالث ذي الحجة منها، سافر القاضي صلاح الدين العدوي إلى مصر مطلوباً. وفي يوم عرفة توفي قاضي القضاة شهاب الدين أحمد المريني المالكي، وصلي عليه بالجامع الأموي عقب صلاة الجمعة، ودفن بمقبرة باب الصغير، قريب جامع جراح، وكان له اشتغال لكن مع وقوف ذهنه، وكان سليم الخاطر أول ما تولى القضاء في عشري المحرم سنة 876، وتخللها ولاية القاضي كمال الدين العباسي في نصف جمادى الأولى سنة 879، ثم عزل في جمادى الأولى سنة 885 وقد بلغ الثمانين، وكان عفيفاً في باب القضاء، لم يقل عنه إنه ارتشى قط. وفيه توفي الشيخ محمد التونسي المالكي، وكان عالماً بفقه المالكية، وبالقراءات والنحو وغيرها، سريع الإدراك، حسن التصور.