الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغائب بمصر يومئذ، بعد محنته، وعند من ولاه القضاء وغيره النجمي ابن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، وعند قاضي الحنفية المحيوي بن يونس، بسبب المدرسة البلخية، لكونه، نزل عنها لصبي يدعى محمد بن السجان، وعند قاضي المالكية خير الدين الغزي.
وفي هذه الأيام قطع الماء من الجامع الأموي، لأجل انسداد مصارفه، ورمي على ذي الحقوق مالاً كثيراً. وفي هذه السنة جدد النائب مكاناً قبلي دار السعادة والمدرسة العذراويه، وغربي المدرسة الصارمية، وشمالي حارة الغرباء، وغربي المارستان النوري، وجدد تجاهه قناة وبركة، وساق الماء إليهما، واشتهر بين الناس أن رجلاً من الجند اسمه أبو بكر بن شعبان الرجبي، بالجيم، حسن للنائب ذلك، وأنه رأى في منامه بعض الصالحين، يدعي سيدي أحمد عمود، مدفوناً لصيق عمود في هذا المكان، فأبرز القبر والعمود وكساهما؛ ولما توفي النائب المذكور محا الرجبي المذكور اسمه من الطراز بالمكان، وجعل اسمه موضعه، وقال: إنما كتبت اسم النائب حشمة معه، وأوقف عليه قيسارية البهار قبلي قيسارية تنكز، وغير ذلك.
سنة ست عشرة وتسعمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي؛ والأمير الكبير الأتابك برد بك تفاح؛ والحاجب الكبير يخشباي؛ والقضاة بها: الحنفي المحيوي بن يونس، والشافعي الولوي ابن الفرفور، وهو مقيم بمصر، والمالكي خير الدين الغزي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي وهو ناظر الجيش؛ ونائب القلعة مسرباي؛ ودوادار السلطان بها أقطوه.
وفي ليلة الخميس المحرم منها، رجع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون من بيروت. وفي بكرة يوم الأحد خامسه رجع النائب إلى دمشق من سفره إلى البلاد الشمالية، وكان ذهب نجدة لنائب حمص، بمقتضى مرسوم شريف على عرب الفضل بن نعير، فأخذوهم غروراً وهم طائعون، وأخذوا منهم جمالاً وغنماً كثيرة وغير ذلك، وقتلوا منهم، ومن أكابرهم، جماعات، ودقت البشائر بدمشق وغيرها أياماً، وأرسل إلى السلطان منها جمال كثيرة.
وفي يومي الخميس والجمعة، تاسعه وعاشره، وأظهر علاء الدين الرملي مرسوماً
شريفاً، أرسله القاضي شهاب الدين الرملي بالشكوى على تقي الدين القاري، والقاضي زين الدين عبد الرحيم ابن الشيخ تقي الدين، من جهة خلوة الكلاسة، أسكناها رجلاً يدعى ابن الخشاب، وعلي بن أيوب، ناظر العميان من جهة وقف السبع، فرسم على الثلاثة بقاعة بدار العدل، ثم أطلقوا عشية الجمعة.
وفي يوم الاثنين ثالث عشره أمر النائب بإشهار المناداة بإبطال المظالم والرميات على الحارات، وأن لا يؤخذ أحد إلا بمشتكى، وفرح الناس بذلك. وفي بكرة يوم الجمعة سابع عشره، سادس عشر نيسان، هب الهواء كثيراً، ثم وقع مطر، ثم أرعدت، ثم قوي المطر، ثم زاد الرعد بحيث خاف الناس، ووقعت صاعقة على منارة الناصرية، غربي الصالحية، فخربت رأسها وجانباً منها، وأخذت جانباً من عتبة الشباك الذي تحتها، وكان ذلك في حال قدوم زوار بيت المقدس، الذين سافروا من نحو شهر، حتى كادوا أن يغرقوا برأس القبيبات، ثم أصحت ونشفت الأرض، وخرج الناس إلى الجمعة.
وفي ليلة السبت ثاني عشره رمى بعض الفساق خرقة فيها نار، في بيت امرأة غائبة عنه وزوجها غائب أيضاً غربي مصلى العيدين، فاحترقت حوائجها والبيت، ولولا أنه كان أوائل الليل، وكثر الناس، لاحترق بيوت كثيرة.
وفي يوم الأحد سادس عشريه نودي بالزينة، ودقت البشائر، واشتهر أن السلطان ولد له ولد ذكر، والعادة أن يهب للمماليك شيئاً معيناً، فنقض عنه، فخرج عليه جماعات منهم، قيل ونهبوا الأسواق، فنزل إليهم وقبض جماعات، فغرق وقتل وخوزق وحبس، فلما انتصر عليهم نودي بالزينة، لأجل ذلك، ولأجل فرحة بالولد.
وفي يوم الاثنين سابع عشريه لبس الأمير عز الدين، ناظر الجوالي وأحد الألوف، من بين يدي النائب خلعة أتته من مصر، بسعي النائب له في ذلك، بوظيفة نظر الجيش وكتابة السر، بعد عزل جاره المحب الأسلمي، الذي هو الآن بمصر، عنهما.
وفي بكرة يوم الأربعاء تاسع عشريه دخل إلى دمشق راجعاً، الدوادار الثاني علان، من بلاد الروم، وصحبته عشرة خاصكيه، وقد خلع ابن عثمان على الجميع، وتلقاه النائب وأرباب الولايات، ونزل بالميدان الأخضر. وفي يوم الخميس سلخه لبس الأمير عز الدين، ناظر الجوالي، خلعة ثانية، أتته من مصر، بالترجمة وأستدارية السلطان، تكملة ست وظائف؛ والمحب الأسلمي غريمه بمصر إلى الآن.
وفي يوم الجمعة مستهل صفر، وصل الخبر إلى دمشق بوفاة أخينا محيي الدين بن كمال الدين بن سلطان، بمكة المشرفة، في رابع عشر ذي الحجة من السنة الماضية، ولم يكن ببيت ابن سلطان أولى منه.
وفي هذه الأيام ورد المرسوم السلطاني بإشهار المناداة بالتهيؤ لأمور الحج في الركب الآتي، وأن أمير الوفد أمير ميسرة أصباي بدمشق، ففرح الناس بذلك لاندراج أمور الناس، فإنه من حين بطل خروج الركب الشامي من دمشق وقفت صنائع كثيرة، وله أربع سنين قد بطل. وفي يوم الثلاثاء خامسه دخل إلى دمشق حج كثير، أتى صحبة الغزواي، وأخبروا بأن الرخص بمكة كثير، إلا أن الماء قليل، وأن الوقفة كانت يوم الأربعاء، وأن القماش الأبيض كان قليلاً.
وفي يوم السبت تاسعه توفي الرجل الديّن التاجر كان، زين الدين يخشى، بعد أن هرب من منزله بحارة الجمالين قرب عاتكة، إلى الصالحية عندنا، من كثرة الرميات والظلم، ثم قبل موته بيومين رجع إلى منزله متضعفاً، فمات وهو حاضر الذهن، وكان ممن يقضي حوائج المسلمين، ودفن بالحميرية، عن بنت وزوجة.
وفي بعد الصلاة يوم الجمعة خامس عشره، سافر الدوادار الثاني علان من دمشق إلى مصر، راجعاً من عند ابن عثمان، وخرج لوداعه النائب وخلع عليه. وفي هذه الأيام فرض دائرة على القضاة لشهاب الدين بن الملاح الرملي.
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه طلب الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، إلى مجلس المحيوي بن يونس قاضي الحنفية، الدعوى عليه بألف دينار أصالية، وضماناً، واستهجن الناس ذلك.
وفي يوم الخميس تاسع عشر ربيع الأول منها، أتى نائب القلعة راكباً بجماعتها، وبين يديه رجل مختف في زند حديد، إلى قرب بيت قاضي الحنفية، ثم مالت فرقة من جانب بابه الشرقي، وفرقة إلى بابه الغربي وهجموا عليه إلى حريمه وأخرجوه، وذهبوا به راكباً إلى القلعة، ثم رجع وحده إلى بيته، ثم تراضاه حتى خلع عليه.
وفي يوم الجمعة ثامن ربيع الآخر منها، نودي بدمشق بأن كل من كان من أرباب الإقطاعات يلحق النائب، وأن يرمى مال على الحارات، لأجل مشاة تلحقه أيضاً.
وفي يوم الاثنين خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق، قاضي الشافعية ولي الدين بن الفرفور، وصحبته القاضي شهاب الدين الرملي، وأخبر أنهما خرجا من مصر ثامن ربيع الأول، وأنهما زارا القدس والخليل، وأن تولية القاضي في توقيعه يوم ثاني ذي القعدة من الماضية، وتلقاه أردبش الدوادار الكبير نائب الغيبة.
وفي يوم السبت عشريه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، قيل اسمه سودون الخندي، بخلعة بطراز خاص، وصحبته نحو عشرة أنفس خاصكية ووشاقية، بخيل خاص وأبهة حافلة، قيل أرسله السلطان إلى الخارجي إسماعيل الصوفي، وكان يومئذٍ وقد وصل إلى دمشق من حلب وغيرها جماعة صحبتهم من الفرنج، قيل معهم مكاتبات مخبأة في عكاكيزهم من الفرنج إلى إسماعيل المذكور.
وفي يوم الخميس خامس عشريه تحيل هذا الخاصكي حيلة في أخذ أموال الناس، بأن قال: ذهب لي بالميدان الأخضر سيف وبقجة وترس، ونحو ذلك، فرمى على أهل الحارات مال بسبب ذلك.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه صلى هذا الخاصكي بالشباك الكمالي بالجامع الأموي، مكان يصلي النائب، ثم بعد الصلاة دخل إلى قبر زكريا وزاره في زحمة، ثم دخل من باب المقصورة الشرقي، وخرج من بابها الغربي، ولم يلتفت للقاضي الشافعي ببيت الخطابة، ثم مر على محراب الحنفية، ثم خرج من باب البريد، وهو في ضخامة حافلة بمن معه. وفي هذه الأيام وقع النائب في بلاد ابن ساعد، وغيره، بالحرق، وتخريب الأمكنة، وإتلاف الزروع والمغلات والحيوانات، وقتل منه جماعات، منهم الدوادار الثاني له.
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه فوض القاضي الشافعي لخاله محب الدين بن الخيضري، وابن خاله الآخر أبي اليمن، وكان قبل ذلك فوض لشهاب الدين الرملي، ولشيخه الذي بعث من مصر استنابة في الخطابة بالجامع، شهاب الدين الحمصي، وللشريف البرهان الصلتي، فجملة النواب خمسة، وأما الباقي منهم فيريد منهم مالاً فامتنعوا من الاجتماع به خوفاً من أن يحابيهم في قبول التفويض، ثم يكتب عليهم وصولات بما يريد، على كل واحد، فإن لم يورد ذلك عزله تعزيزاً له.
وفي يوم الجمعة رابع جمادى الأولى منها، لم يصل القاضي الشافعي الجمعة، وهو متضعف في بيته. وفي يوم الثلاثاء دخل النائب إلى دمشق، راجعاً من طوفه على البلاد، بعد قتل جماعات، ونهب للناس مالاً كثيراً، وكان في غيبته قد أتت له من السلطان خلعة ودقت لها البشائر بدمشق، دخل يومئذٍ وهو لابسها، بسمور خاص، وتلقاه الناس، ومنهم القضاة الثلاثة، وتخلف الشافعي لضعفه على العادة؛ ثم توعك النائب واستمر لم يركب إلى يوم الجمعة ثالث عشريه، فصلى بالشباك الكمالي بالجامع الأموي على العادة.
وفي يوم الخميس عاشره كان عيد الجوزة، والجوز قليل، وكذا اللوز والزيتون والعنب الدبسي، في غالب النواحي.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره اشتهر عن مطر المعصراني، فراش بوابة ذي الجوشن، أنه رأس منسر الحرامية، وقبض جماعة، ثم هو أيضاً، ولطخ عرض عريف حارته، أبي بكر بن المبادلة، وغرم بسبب ذلك مالاً، وخلع عليه يوم الخميس سابع عشره، ثم أعدم مطر المذكور، توسيطاً، وجماعته.
وفي يوم الأحد عشريه قطعت الجوزة الكبيرة التي خلف القناة والسبيلين، وتعرف تلك المحلة بحارة الجوزة، وكانت هذه المحلة تعرف قبل ذلك بزقاق التوتة، لتوتة كانت هناك فقطعت، وكانت هذه الجوزة صغيرة، فلما كبرت في هذا اليوم قطعها مالكها، خولي النائب، ياسين، وأنكر عليه بعض الغوغاء.
وفي يوم السبت سادس عشريه رجع الدوادار الكبير أردبش من بلاد حوران، وقد وقع بعرب زبيدة، وقتل منهم جماعة وهرب جماعات، وسبى من نسائهم وأولادهم جماعات، وأما الإبل والبقر والغنم فأخذ شيئاً كثيراً.
وفي أواخر هذا الشهر أشيع وفاة المعلم محمد بن سليمان القابوني، وبيده بعض وظائف، فأخذت يومئذٍ وتجهز لأجل إرثه جماعة الحشرية، وجماعة نائب القلعة وجماعة الأستادار، وخرجوا إلى القابون فوجدوه حياً وهو في الحمام، ثم توفي في يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان منها، قيل عن أخت.
وفي يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة منها، كان خامس أيلول. وفي صبحة يوم
السبت ثالثه أتى محمولاً بالشريف كرباج البوصيني الحبال بالمزة، وهو ابن عم محمد بن المحب الحصني، وهو مقتول ليلاً بنشاب في بطنه، ووضع بباب خان الحصني، تحت زاوية ابن عمه، ثم حمل إلى دار النيابة، فأمر النائب بتجهيزه، ودفن بتربة الأشراف غربي مسجد الذبان، وعرف قاتله من المزة.
وفي يوم الخميس ثامنه، وهو أول فصل الخريف، توفي أحد الشهود المعدلين بصالحية دمشق، برهان الدين إبراهيم التسيلي الشافعي، رفيق عز الدين ابن قاضي نابلس الحنبلي، وقد قارب الأربعين ظناً، وهما عجيباً الحال.
وفيه شاع بدمشق أن الفرنج أخذوا طرابلس الغرب من المسلمين، وبلاداً أخرى، وأنهم أخذوا من البحر عدة مراكب فيها مال كثير لبعض المغاربة، وأنهم أخذوا مراكب فيها خشب، اشتراه يونس العادلي المتقدم ذكره، باسم السلطان، وجهزه في البحر إلى القاهرة، ليعمل مراكب؛ والناس في شدة من كثرة القتلى بدمشق، وغلا اللحم الضاني الذي هو كل رطل بخمسة.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل راجعاً إلى دمشق ومصر، تاج الدين ابن الديوان، بوظيفة عداد الغنم. وفي يوم الخميس خامس عشره توفي أحد الشهود بمركز باب الصغير، المشهور بالجهل والتزوير وغير ذلك، يحيى ابن إمام جامع المزاز بالشاغور، في حبس باب البريد، بسبب مال ضمنه عن الأمير عز الدين ناظر الجوالي.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره وقع المطر الجديد. وفيه حرج على الفحم أن لا يباع إلا في خان الليمون، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذا الشهر كملت عمارة القناة التي بجانب مسجد شبل الدولة، قبلي قصر حجاج، وقبلي السويقة المحروقة، بعد خراب قنطرتها الآجر، وقنطرة بيت الخلاء، قبليها، بعد أن أخرج إلى سمت جدار المسجد شماله، وبنى جانباه بالحجارة المنحوتة، وعليت عما كانت قبل ذلك، فولى النائب ياسين لأجل مصلحة نفسه، ليأخذ من مائها إلى داره.
وفي يوم الجمعة سابع رجب منها، أخبر عمي العلامة جمال الدين بن طولون، أن أحمد الأعور، الرسول المغربي الذي يزعم أنه شريف، وأن عبد القادر بن شهبة نزل له عن نظر المدرستين الإقباليتين، الشافعية والحنفية، قد باع من وقفهما أماكن منها فدادين من السموقة كل فدان بألف درهم، لبعض من لا يخاف الله، وأن النائب اشترى خان نقيب الأشراف، خارج بابي النصر والجابية، قبلي جامع الطواشي، وهو وقف.
وهذا الخان هو الذي جرى لبانيه قاضي القضاة شهاب الدين بن نقيب الأشراف، مع العلامة الرباني تقي الدين الحصني، ما جرى، كما ذكره الشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة في تاريخه بعد العشرين وثمانمائة، وقد كثر في هذه الأيام بيع الأوقاف، بسبب تولي قضاء الحنفية للمحيوي بن يونس، فأسأل الله أن يسلط عليه ما يستحقه.
وفي يوم الخميس خامس شعبان منها، كتب محضر بالقلعة بأن الأمير طراباي، أخا قيت الرجبي، المسجون بالبرج بها المقيد، قيل بقيدين، قيل ومزنجر أيضاً، عامل اثنين من جماعة القلعة على سرقة قصدير السلطان، المخزون تحت برجه، فسرق، فعلم نائبها ونقيبها، فكتب بذلك هذا المحضر، وجهز إلى القاهرة للسلطان.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره، عقب صلاة الجمعة بالجامع الأموي، نودي بالصلاة غائبة بالنية، على الشيخ العالم بدر الدين بن الياسوفي، ولم يذكر الحاضرة، التي أتت ووضعت قبل الصلاة عند مجلس بدر الدين المذكور للصلاة، فخرج الخطيب الشهابي بن الحمصي، وأتى إلى الموضع المذكور، وصلى على الحاضر والغائب وصلى الناس خلفه عليهما، فتعجب، لذلك حكمة من الله تعالى.
وفي يوم السبت رابع عشره أتى المقدم ابن العزقي إلى دمشق، بعد أن كان شوش على خازندار النائب، فلم يزل به حتى أمنوه وأتوا به إلى عند النائب وأظهر الطاعة، فأضافه الخازندار في بيته، فلما أمن قام الخازندار وضربه بدبوس في رأسه، ثم ضرب رقبته بالسيف.
وفي يوم الأحد خامس عشره أتى جماعة الجوامعية، المباشرون بالجامع الأموي، الذي مات منهم الشيخ بدر الدين بن الياسوفي، وقد خلع عليهم أربعة آلاف دينار، وأخبروا أن المقام الشريف بلغة أن جماعة بالجامع المذكور، يستنيبون في وظائفهم بالنزر اليسير، وآخرون لم يباشروا، يأخذون معاليم.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره فوض القاضي الشافعي لكمال الدين محمد ابن الشيخ أبي الفضل بن الإمام، بالنحاسية، نيابة الحكم. وفي يوم الخميس تاسع عشره ورد مرسوم شريف بطلب نائب القلعة بدمشق، إلى الأبواب الشريفة، لكونه امتنع من ذهابه إلى مكة وتشفع بالنائب بأن يستمر في وظيفته.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه فوض القاضي الشافعي إلى علاء الدين الرملي، صبي القاضي الشهابي الرملي، بمبلغ مائة أشرفي؛ وقبل هذه الأيام فوض إليه التكلم على جهات الحرمين، بمبلغ وخمسين أشرفياً، فصار نائبه في القضاء وفي نظر الحرمين.
وفي هذه الأيام جرت قضية عجيبة، وهي أن إبراهيم بن علي، الموصلي الأصل، العاتكي، بحارة رستم، الشهير بابن الملاح، كان تزوج بجارية حبشية متهمة، وأتت منه بولد، فدفن في مكان من داره مالاً، قيل ألفاً دينار، وهو رجل سفار، فلما عرض له السفر إلى مصر، أسر إلى زوجته المذكورة، أن هنا مالاً مدفوناً، ثم سافر.
فلما علمت وصوله إلى مقصده بمصر، تحيلت حيلة، فجمعت حوائج في كارات، ووضعتها ليلاً في مكان غير حرزها، وأحرقت مكاناً قرب المكان المدفون فيه المال الذكور؛ ثم صاحت بصوت مهول قرب نصف الليل، فخرج الناس على صوتها، وسألوها عن الحال، فأظهرت أن الحرامية نزلوا علينا، فأخذوا لنا حوائج، وأحرقوا هذا المكان.
فشرع النائب في إطفاء الحريق، وأظهرت الكارات، وأن الحرامية لم يقدروا على أخذ الجميع، فتعلق الظلمة على أهل الحارة، وضرب رجل منها بالمقارع، وغرموهم مالاً، فلما علم زوجها بمصر ذلك، سافر وجاء، فأظهرت له ذلك، وأن المال نبشوه الحرامية، وأخذوا كذا وكذا، وحرقوا هذا المكان، فظن صدقها وكتم ما عنده.
ثم بعد أيام ظهر له ريبة، فتجسس وتحسس، فرآها ترسل عبده خفية إلى أخذان لها بالشاغور، فلما جاء الليل أظهر لها أنه نائم وجلس في مكان مشرف على الطريق والباب، فدق الباب، فردت جارة المكان عليهم، واستيقظ الناس، فهربوا فزادت ريبته فيها، فسأل العبد، فاعترف، وحكى لسيده أنهم جاؤوا، لقتلك بوعد منها لهم.
فقبض عليها، وأتى بجارية كانت عندهم قبل ذلك، فأقرت عليها بأمور، فعلم أنها التي أخذت المال وأرادت قتله، فعلم الظلمة ذلك، فأخذت وضربت، وفأقرت على زوجة ابن العقري، وأنها التي شجعتها على ذلك، وأنها أخذت من المال كذا وكذا، فطلبها الظلمة وتطلبوا الأخذان من الشاغور.
وفي يوم الاثنين ثامن رمضان منها، سافر نائب القلعة المطلوب إلى مصر، وقد خلع عليه النائب، وسافرت مطلقة النائب معه. وفي يوم الثلاثاء عاشره نهب المقدم برغشة خيل خصمه المقدم الآخر، لكون مات من كان ينصره عليه، وهو دوادار السلطان أقطوه، ورمى
جماعة النائب على أهل الصالحية والمزة مالاً، وقبض على جماعة وصودورا.
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال منها، سافر الأمير عز الدين، ناظز الجوالي وغير ذلك، إلى مصر، وسافر صحبته نور الدين خادم الشيخ رسلان، المشهور بقنينة، وصحبتهما المال على القاضي الشافعي ولي الدين، وقدره اثنا عشر ألف دينار، وقيل هي نحو نصف ما عليه.
وفي يوم الاثنين ثالث عشره توفي الرسول الشريف الأكتع المغربي الصقلي، الشهير بأبي دية، ودفن بمقبرة الباب الصغير. وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بإبطال بيع الأوقاف، تاريخه سابع عشر شعبان منها، وقيل إن سببه أن النائب اشترى السيبائية، وقف التقوى على المدرسة التقوية، والبرج وغير ذلك.
وفي يوم الخميس سادس عشره لبس النائب خلعة حمراء بسمور خاص، من قريب قبة يلبغا، وتلقاه الناس على العادة، أتت إليه مع خاصكي، فدخل معه وهو مخلوع عليه خلعة بطراز. وفي هذا الأيام توفي الشاهد بمركز الخضريين، شمس الدين الحلاوي، المعروف ببيض اللقح، وهو خطيب جامع الحشرة بالحدرة.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه أتى النائب بجماعة من أولاد سيف الدين الحماري، كانوا قد قتلوا وأفسدوا ونهبوا بتوسيط بعضهم، وبشنق بعضهم. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه خرج النائب بعسكره إلى عند القبة، قيل على نية نهب بلاد ابن ساعد. وفي يوم الأربعاء تاسع عشريه فوض القاضي الشافعي للتقوي ابن قاضي زرع.
وفي يوم الخميس مستهل ذي القعدة منها، فوض القاضي الشافعي أيضاً لجلال الدين البصروي، لكن بلغني أنه لم يحكم. وفي يوم الأحد حادي عشره حضر السيد كمال الدين ابن حمزة، مدرساً للمدرسة الشامية البرانية، نيابة عمن تولى تدريسها، وهو الزيني عبد القادر، ناظر الجيش، القصروي المصري، ودرس في الرافعي في كتاب الأيمان.
وفي هذه الأيام جدد قبر الشيخ تقي الدين الحصني، بعمارة مهولة لا تليق به، وعمارته الأولى كانت أليق بمقام الأولياء والعلماء الصالحين. وفي يوم الاثنين تاسع عشره فوض القاضي الشافعي للمحيوي النعيمي، بعد تمنع زائد منه، وانفض المجلس إلى أن يستخير الله تعالى.
وفي هذه الأيام وقع القاضي الحنفي، المحيوي بن يونس، بالقاضي شهاب الدين الرملي، بكلمات عجيبة، بحضرة مستخلفة القاضي الشافعي الولوي بن الفرفور، لكونه كان أرسل كتاباً إلى كاتب السر ابن أجا بمصر للشكوى عليه، فلفه ابن أجا، وكتب للحنفي كتاباً، ووضع ذلك داخل هذا، وأرسلهما إليه، وانتصر له التقوي ابن قاضي زرع، فوقع به بكلمات أدبه بها، وفي يوم الثلاثاء سابع عشريه نزل الحرامية على امرأة ذي مال، داخل الباب الصغير، فاستغاثت، فقتلوها وأخذوا مالها.
وفي هذا الشهر اتفق عجبان: الأول دخول اليهودي معلّم دار الضرب بدمشق، بخلعة، راكباً وحوله جماعات من المسلمين والمنافقين؛ الثاني أن ابن رجل يعرف بابن سليمان بمحلة قناة البريدي، شكا على أبيه من عند جماعة النائب وكذب عليه بأنه وجد في عمارة صطلين ذهب، فوضعوه ليضربوه بحضرة ولده بالعصا، فلم يرض بالعصا بل بالمقارع، وقال: إذا فرغتم منه هاتوا أمي واضربوها بالمقارع؛ والحال أن أبويه زوّجاه بمال كثير بعد تعبهما عليه، وإنشائه في كنفهما.
واستهلّ ذو الحجة بالسبت كما قال المؤقّتون، وهو أول آذار، وأهل الصالحية والمزّة في مشقّة من قلّة الماء، لكون المشدّ أخذ جامكيته وقدرها على العادة خمسون ديناراً، ثم أخذ المال المرصد لتعزيل الأنهار جميعه، وذهب مع النائب، فتوقّف الرؤساء في التعزيل لقلّة المصروف، وأخذوا يظلمون الناس.
وفي هذه الأيام سقط ابن العقرباني القبيباتي في نهر القنوات، مات. - وفيها كبس جماعة شباب بالصالحية على معصية، ومنهم البدر بن المعتمد. - وفيها وقع القاضي الشافعي بالمحيوي بن شعبان الغزّي، حمية لعلاء الدين الرملي.
وفي الجمعة سابعه ورد مرسوم إلى نقيب القلعة، يومئذ صنطباي، بالقبض على القاضي الحنفي المحيوي بن يونس، على مبلغ سبعة آلاف دينار، قيل وخمسمائة، فأرسل إليه قبيل الصلاة إلى القلعة، ولم يعلمه، فعلم هو بالحال، فأمر جماعته بأخذ آلة الحبس بجامع القلعة، ثم ذهب ودخل القلعة، فقريء عليه المرسوم، ثم أدخل الجامع وجاءته الناس يسلّونه وهو في وجل كبير.
وفي يوم الأحد عرفه تاسعه، وصل راجعاً إلى دمشق، قاصد القاضي الشافعي، وهو نور الدين القنينة، وصحبته مراسيم شريفة، وخلعة لأستاذه، ونزل بالبيت الذي كان جدّده