المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة - مفاكهة الخلان في حوادث الزمان

[ابن طولون]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول

- ‌سنة أربع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ست وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسعين وثمانمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة اثنين وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ست وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعة وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعمائة

- ‌سنة إحدى وتسعمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعمائة

- ‌سنة أربع وتسعمائة

- ‌سنة خمس وتسعمائة

- ‌سنة ست وتسعمائة

- ‌سنة سبع وتسعمائة

- ‌سنة ثمان وتسعمائة

- ‌سنة تسع وتسعمائة

- ‌سنة عشر وتسعمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وتسعمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

- ‌سنة أربع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة خمس عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ست عشرة وتسعمائة

- ‌سنة سبع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وتسعمائة

- ‌سنة تسع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وتسعمائة

- ‌القسم الثاني

- ‌سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ست وعشرين وتسعمائة

الفصل: ‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

الحنفية، وتسلكا على يديه وخلق من الفضلاء، وتنقل من أماكن، إلى أن توفي في حادي عشره جمادى الآخرة سنة سبع عشره وتسعمائة بقرية تل معوشي، من معلملة بيروت. وفي يوم الأحد ثامن عشره ختم الدرس بالشامية البرانية.

وفي يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة منها، فوض القاضي الحنفي لعلاء الدين بن الفيقي، وهو رجل أسمر جاهل لكن قيل عنه إنه كثير المال، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الاثنين حادي عشريه شاع بدمشق أن قاضي الحنفية البدري الفرفوري، الذي كان معتقلاً بقلعة دمشق، بشر بعوده إلى الوظيفة، وعزل الزيني بن يونس، وقد اشمأزت النفوس من تجاهره بأخذ الرشوة، ورضوا بالبدري المذكور، ولستخاروه عليه.

وفي ليلة الأربعاء سلخه دخلت زوجة المتوفى شهاب الدين بن المحوجب، على موقع النائب الآن، محب الدين محمد بن الرضي الشويكي، وهو رجل أقر حسناً وجاهاً من زوجها، ولكنه أصغر سناً، وهذا وجه ميلها إليه، والحال أنها لم تبلغ ثمان شهور في الرملة، وهي في عينه من النعمة، وأدخلته على ولديها، وفي منزله، وغيرت لأجله محل كتبية المتوفى، وفرحت به وفرقت على جماعته مالاً، وخرجت بسببه عن حيز العقل لأجل شهرتها، ولا قوة إلا بالله.

‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

استهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي، وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، وهو إلى الآن لم يلبس خلعته، والشافعي ولي الدين بن الفرفور، والمالكي خير الدين بن الغزي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والحاجب الكبير جان بدري الغزالي؛ ونائب القلعة دولتباي.

وفي يوم الثلاثاء سادس المحرم منها، هجم الحرامية على قيسارية القواسين، وأخذوا شيئاً كثيراً؛ وعلى حانوت بالخلعيين وانتقوا خاص قماشه - وفيه سبق من القفل المصري جماعة، نحو مائة بغل وأكديش، وعليها أربابها، من جب يوسف، فلما وصلوا إلى مرج

ص: 253

برغوث، خرج عليهم جماهة من العرب، فأخذوهم وما معهم من البضائع والمال والنساء؛ وقد اشتهر عند المجرمين وقطاع الطريق وغيرهم، طمع النائب في المال منهم فقط، من غير مقابلة، وهذا الذي جرأ هؤلاء الفعال، ولا قوة إلا بالله.

وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل من مصر إلى دمشق أمير ميسرة أصلان، وتلقاه النائب والقضاة على العادة، ثم قرئت مطالعاته.

وفيه لبس قاضي الحنفية البدري الفرفوري خلعته، التي جاءت إليه من مصر، وخرج إلى الجامع على العادة، وجلس بمحراب الحنفية، وبقية الأربعة، وقرأ توقيعه أحد العدول محب الدين بركات بن سقط، وتاريخه مستهل ذي الحجة من الماضية.

وفي هذه الأيام وصل أزدمر الدوادار الكبير من مصر إلى القدس، وهرب أهلها منه لكثرة جماعته، وصادر بعضهم.

وفي يوم الاثنين تاسع عشره ركب النائب والحاجب الكبير، وأراقوا الخمور، وأبطلوا الخمارات؛ ونودي بدمشق بأن لا يحمل أحد سكيناً، وفرح الناس بذلك لكثرة الزعر وحملهم الخناجر المهولة، ولله الحمد.

وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه عرض عسكر دمشق من المقطعين، ورمي على الحارات مال لأجل التجريدة لعرب كرك الشوبك.

وفي يوم الثلاثاء رابع صفر منها، خرج النائب بجماعته من دمشق، لأجل التجريدة المذكورة.

وفي هذه الأيام تواترت الأخبار أن مركباً في البحر بالأباحة، غرق بأهله، وهم نحو المائتين، ولم ينج منهم إلا القليل.

وفي عشية يوم الاثنين مستهل ربيع الأول منها، اختلفوا في صفر هل هو ناقص أم تام، وحط الأمر على ما ذكرنا.

وفي ليلة الأحد سابعه قطعت رأس الأزعر ابن الأستاذ.

وفي صبيحة يوم السبت بعث القاضي الشافعي لنائبه، شيخنا محيي الدين النعيمي، وأن يلزم بيته، فأجابه بالسمع والطاعة، وحمد الله؛ وقد كان القاضي الشافعي أرسل إليه في وقت العشاء من ليلة الأحد سادس شوال من الماضية مشرفته، في أن يقترض له مائة أشرفي من أصحابه، حيلة عليه، مع علمه أنه لم يحصل له بالقضاء فائدة من نحو توليته، نظر ولا استئجار بلد، ولم يقبل لأحد هيئة، ففي الحال أنكر ذلك، وأعلمه بعدم قدرته على الاقتراض، فلما رأى الجد، سكت إلى هذه الأيام، عزله.

وفي يوم الأحد حادي عشريه، وهو أول آب، وصل الخبر من مصر إلى دمشق، أن

ص: 254

السيد إبراهيم بن السيد محمد، وهو يومئذٍ نقيب الأشراف بدمشق، توفي في خامس الشهر، وأنه جعل النظر على أولاده للقاضي كاتب السر بدمشق ابن أجا، وتقلد أموراً في حياته، وبعد موته، وهو من بيت بني الجن، وميلاده سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.

وفي هذه الأيام أراد جماعة النائب أن يطرحوا على الحارات شعيراً للنائب، زيادة على ما رموا على الحارات من المصادرات، فسعى نائب القلعة في إبطال ذلك، كل ذلك والنائب وأزدمر الدوادر الكبير بمصر، وبقية أمراء دمشق، مقيمون بأرض حوران، بعد أن نهب أهل البر وصودروا وعمل فيهم ما لا يحل.

ثم نودي بدمشق بالزينة، قيل وسببها أن جند السلطان، الذي بعثه إلى الحجاز، انتصر على عدوه.

وفي يوم الأحد ثامن عشريه سافر القاضي الشافعي، وابن عمه القاضي الحنفي، للسلام على الدوادار أزدمر والنائب.

وفي يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر منها، راجعاً إلى دمشق.

وفي يوم الخميس تاسعه رجع النائب ومن معه إلى دمشق.

وفي بكرة يوم السبت حادي عشره خرج النائب وأرباب الوظائف وغيرهم، إلى قرب قبة يلبغا، وألبس النائب خلعته التي جاءت في غيبته من مصر، وكذلك القاضي ولي الدين الشافعي، ثم دخل على العادة.

وفي يوم الاثنين ثالث عشره رفعت الزينة، بعد فساد كثير، وتعب شديد لأرباب الأسواق، ولا قوة إلا بالله.

وفي يوم الجمعة سابع عشره، عقب الصلاة، صلي بالجامع الأموي غائبة على العالم العلامة، على ما قيل، عبد الرحيم الوردي، من محلة الوردة.

وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الخارجي الصوفي قد خرج على الأمير علي دولات وقاتله، وأنه قرب من حلب، فزاد وقوف الحال من الرميات على الحارات، ومما يرميه المحتسب على أرباب المعاشات، ومن كثرة ما يأخذ زعر كل حارة من حوانيت الناس، ويقيمون فيها من تحت أيديهم من يبيع لهم، ويحمونه من هذه الرميات.

وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى منها، رمى النائب على أهل الحارات، مشاة لأجل التجريدة للصوفي.

وفي يوم السبت ثالثه أمر النائب بأن تعرض مشاة القبيبات وميدان الحصى والمصلى والسويقة المحروقة، فعرضوا عليه بالمرجة؛ ثم في ثاني يوم عرض الشواغرة

ص: 255

والصوالحة.

وفي هذه الايام شاع بدمشق أن الله قد أهلك من أهلك الحرث والنسل، دوادار السلطان بمصر أزدمر.

وفي ليلة الجمعة أول جمادى الآخر منها، نزل جماعة على الناصري محمد بن جان بقرية بابيلا وقتلوه، وسمى القاتل نفسه بهميل، فعرف حينئذٍ، وهو من جماعته قديماً، ثم تغير عليه.

وفي برز النائب إلى مصطبة السلطان، وخرج معه القضاة ودوادار السلطان بدمشق، على نية السفر والتجريدة للخارجي الصوفي، ثم سافر يوم الخميس سابعه.

وفي يوم الجمعة سلخه رجع القاضي الشافعي من سفره إلى دمشق، وقد كان توجه مع النائب.

وفي يوم الاثنين ثالث رجب منها، أتى الشهاب بن بري إلى شيخنا المحيوي النعيمي، وبشره بأن القاضي الشافعي فوض إليه، وأشار عليه بالاجتماع به من كل بد بقدومه، فاجتمع به يوم الثلاثاء، فسلم عليه، وبعده ألزمه بحضور النوبة يوم الأربعاء غداً، فتأخر عن المجيء يوم الأربعاء، فأرسل قاصده إليه، فأتى إليه وعنده دواداره تقي اليدن بن طالوا، وأخوه علاء الدين، واستاداره، ناصر الدين القدسي، فتلقوه بالترحيب، وسأله القاضي الشافعي عن سبب الإبطاء، فأظهر أن السبب عدم إرادته لذلك، فألزمه بالمباشرة، وفوض إليه، وباشر.

وفي أواخر هذا الشهر قد كثر قتل الأنفس، لغيبة نائب دمشق عنها، ورميات الأموال من دوادراه نائب الغيبة على الناس بسبب ذلك، وقد ضاع الأمر، ولم يتكلم أحد من الأكابر.

وفي ليلة الثلاثاء حادي عشر رجب منها، أتى جماعة إلى الشاب علي بن عبد القادر بن قرنبع، أحد العرفاء، وضربوه بالسكاكين، وتركوه ميتاً على باب أبيه، بمحلة قصر حجاج.

وفي هذه الأيام رجع من عند النائب بحلب جماعة من أرباب الدولة، منهم الأمير الكبير، ودوادار السلطان.

وفي يوم الخميس عشريه دخل من مصر إلى دمشق محب الدين الأسلمي، لموت ولده الرجل، ومعه عدة وظائف، منها كتابة السر، ونظر الجيش، وعداد التركمان، ونظر القلعة.

وفي هذه الأيام كثر جلب المماليك الجراكسة من بلادهم إلى مصر، وكلما مروا بدمشق نهبوا ما قدروا، فتغلق الأسواق، فيقفون في الطرق يأخذون عمائم وشدود، وغالبهم كبار بذقون.

وفي يوم الخميس سابع عشريه فوض القاضي الشافعي نيابة إمامة الجامع الأموي، بعد

ص: 256

عزل القاضي شهاب الدين أحمد الرملي السبعي الشافعي، للغريب شهاب الدين أحمد الرملي السبعي الشافعي المعروف بابن الملاح، وقد وافق للمعزول في لقبه واسمه وبلده وفضيلته ومذهبه؛ وهنا نكتة، وهي أن الشيخ غرس الدين اللدي، الذي أخذ عنه المعزول لما توفي كان سنه قريباً من سن هذين.

وفي يوم السبت تاسع عشريه جمع طومانباي، نائب قلعة دمشق، جميع المعمارية، وأشرف على البرج الشمالي الشرقي جوار الطاحون وباب الفرج، فحضره القضاة الأربعة فرأوه قد قرب سقوطه، فأمرهم بالحضور في يوم الجمعة الآتي.

وفي عصر يوم الثلاثاء ثاني شعبان منها، دخل النائب سيباي إلى دمشق، من بلاد بعلبك والبقاع، وبعد رجوعه من تجريدة الصوفي، التي وصل فيها إلى حلب. - وفي يوم الأحد حادي عشريه أعيد القاضي الحنفي البدري الفرفوري إلى الاعتقال بالقلعة، على ثلاثة آلاف دينار، وخصمه ابن يونس بمصر.

وفي يوم الخميس خامس عشريه أصلح النائب بين القاضي الشافعي والقاضي المالكي، لأجل الوقفة والقلقلة، التي كان سببها تقي الدين بن قاضي زرع، لما حكم في حوالةٍ بشهادة بعض الفسقة، والحال أنها لا تسمى حوالة، لكون المحال به غير مستقرّ، لأنه غرامة في مظلمة، وشرع يماري ويجادل بالباطل، وخالفه كل الجماعة إلا القاضي الشافعي، لأجل الفائدة الدنيوية، فدافع عنه؛ فلم يرجع النائب ولا القضاة إلى قوله، بل أيّد المالكي، وأصلح النائب بينهما، فما وسعه إلا أن أخذه معه من دار العدل إلى بيته، وخلع عليه، وعلى نائبه الشمسي الموصلي، وشرع يلوم ابن قاضي زرع.

وفي يوم السبت سابع عشريه توفي الأبله المبارك ابن الخطاب الشويكي، كان أول أمره حائكاً مجيداً، ثم حصل له تولّه وتزايد عليه، ودفن بالحميرية، وجعل على قبره إشارة. - وفي يوم الأحد تاسع عشريه أعاد القاضي الشافعي، القاضي شهاب الدين الرملي إلى إمامة الجامع الأموي، بعد عزل شهاب الدين بن الملاح منها، ولا قوة إلا بالله.

وفي يوم الأربعاء ثاني رمضان منها، ذهب القضاة الثلاثة، خلا الحنفي، فإنه بالقلعة كما مرّ ذكره، إلى دار العدل، ومعهم السيد كمال الدين مفتيها من الشافعية، فرسم النائب لهم بهدم

ص: 257

ما بناه كاتم السرّ محب الدين الأسلمي، قبلي قبّة الشيخ رسلان، من حيطان، على مقابر المسلمين، ونبش قبور جماعة، فرجع القضاة ومعهم جماعات أخر إلى المكان المذكور، وهدموه، وقد غرم عليه جملة، وحصل عنده قهر، وهو ناوٍ للشرّ لمن كان السبب في ذلك.

وفي يوم الجمعة رابعه أتى النائب إلى الجامع، وصلّى بالشباك الكمالي على العادة، فذهب القضاة الثلاثة، والسيد كمال الدين، إلى عنده، فأخرج النائب لهم من جيبه بسلارية، درجاً طويلاً، مكتوباً بخط هذا الشريف المغربي، الذي أتى إلى الصالحية، وفيه آيات من القرآن، وأحاديث من السنة، في التحذير من الظلم، وللترك ونحوهم.

ثم انتقل إلى الفقهاء والقضاة، فحذّرهم من أكل مال الأوقاف، ثم حرّض على الاستسقاء وذكر ما يتعلّق بذلك، ومن نقل ذلك من السلف بحيث أن النائب ذرف دمعه؛ فهم في أثناء قراءة ذلك وقع المطر، لكون النائب يرى الإقلاع عن الظلم، وكذلك بعض الحاضرين، فاعتقد الناس صلاح الكاتب المذكور، وزاد فيه من كان يعتقد، بحيث يخشى على الكاتب العجب بنفسه.

والحال أن جلّ قصده وبيت قصيده هو شيخ الأسلام تقي الدين بن قاضي علجون، بل قيل لي إنه صرّح به في الكتابة المذكورة، وحطّ عليه كعادته، لكنهم لم يقرأوه احتراماً وخوفاً من عاقبة ذلك، وبلغني ممن أثق به أنه صرّح بأنه فاسق، ولا خلاف أنه حطّ عليه بكلمات لا ينبغي أن يقولها وليّ الله، إذ شرطه أن يكون محفوظاً من الزلل، كما أن شرط النبي أن يكون معصوماً من الخلل، وحجّة الكاتب المذكور أن تقي الدين هذا لا ينهى عن المنكر، وأنه يأكل الأوقاف الحرام، منها مكان في الصالحية يعرف بالسيفية.

وبلغني من جمّ غفير أن شمس الدين الكفرسوسي ذهب إليه إلى الصالحية بجمّ غفير، فكان المجلس جميعه في غيبته، ويقول عنه إنه شقي الدين بحضرة الجمّ الغفير، قيل إنهم نحو المائتين؛ ثم ذهب إليه مرة ثانية بجمّ كثير، أكثر من المرة الأولى، فكان مجلسه معه كذلك، وكان الكفرسوسي هو السبب في هذين المجلسين، وكان بحضور محمد بن عراق؛ قال شيخنا محيي الدين النعيمي عنه إنه رجل متذوكر، يعتقد مذهب ابن عربي، وإنه يعلم ذلك منه لأمور يطول ذكرها، انتهى.

ص: 258

وفي يوم الاثنين رابع عشره اتّفق جماعة من أوباش الشويكة، ومحلّة، قبر عاتكة، على فتح حوانيت سوقها، فغار منهم فقتلوه، ثم بعد يومين عرفوا، فمسكوا.

وفي يوم الجمعة ثاني شوال منها، سافر السيد كمال الدين إلى مصر، خوفاً من مرسوم يأتي فيه، بسبب محبّ الدين الدين كاتب السرّ، حيث هدم ما بناه على ولده عند الشيخ رسلان.

وفي يوم السبت عاشره حضر القاضي الشافعي العادلية الكبرى، وجرّح على شهود المراكز؛ وكان السبب في ذلك المفتي المصري، وخصمه عبد القادر بن شعبان، حيث تنازعا على مركز مسجد العجمي.

وفي يوم السبت سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق.... وتلقّاهم النائب، وأرباب الوظائف، وغيرهم، وهم نحو الخمسين نفراً، والمتعيّن فيهم اثنان، وجميعهم بعمائم بيض بوسطها طناطير حمر بارزة طويلة، نحو الذراع.

وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه قطع ماء نهر المنيقبة، وحضره النائب، وهرع الناس إلى ذلك، بحيث خلت أسواق دمشق. - وفي يوم الاثنين سادس عشريه، وهو أول آذار، لبس النائب خلعة حمراء بسمّور خاص، جاءته من مصر، وكان يوماً مطيراً.

وفي يوم الأربعاء سادس ذي القعدة منها، أتى ساع من مصر، ومعه كتب في بعضها وفاة أبي الطيب بن البادرائي السيوفي، من جماعة شاد بك الجلباني كان؛ وبوفاة شهاب الدين بن كركي الصالحي الحنفي.

وفي يوم الخميس سابعه بلغ نائب قلعة دمشق أن بموضع من نهر بانياس، شمالي الطريق الآخذ إلى المزّة، وشرقي القلندرية، رئي تراب فيه بعض زئبق، إذا معك به النحاس صار ظاهره كالفضة البيضاء؛ فركب إليه وصحبته جماعة من جهة النائب، فأزيح التراب المذكور من مكانه ليروا مطلباً، فلم يروا شيئاً فأخذ كثير من الناس من التراب، ومعكوا به خواتم من نحاس فصارت كالفضة، وكذلك في الفلوس والدراهم الزغل، كما شاهدنا ذلك.

ص: 259

وفي يوم الأحد عاشره ورد مرسوم سلطاني، بطلب محبّ الدين الأسلمي، ومن تعصّب عليه في نبش المقبرة، التي هدم ما بناه فيها عند الشيخ رسلان؛ فقبض جماعة منهم؛ نجم الدين ابن الشيخ تقي الدين وشهاب الدين الرملي، وبرهان الدين الصلتي القصير، لأوجل ابن عمّه القاضي برهان الدين الذي هرب، ونور الدين بن القباقبي، أحد خدّام الشيخ رسلان، قيل إنه هو الذي ألجأ محبّ الدين المذكور إلى فعل ما فعله؛ وبات الجميع بالقلعة.

ثم في ثاني يوم، يوم الاثنين، ضمنهم محب الدين، وأطلقوا للتأهب إلى السفر إلى مصر، ثم كتب نائب القلعة يعلم بهروب برهان الدين المذكور، والظاهر أنه إنما هرب إلى مصر خوفاً من الترسيم والخسارة، وأن الباقين واصلون إلى الأبواب الشريفة، استحثهم في ذلك.

وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره أظهر النائب قصة، فيها أن السيد علي بن ميمون المغربي، الذي أطلق لسانه في الشيخ تقي الدين، كما تقدم ذكره، يشتكي فيها على القاضي الشافعي، بسبب النصرية البرانية، غربي الصالحية، التي تحت نظره، وأنها خراب، وأطلق لسانه فيه أيضاً؛ فركب النائب والقاضي الشافعي، وذهبا إلى الناصرية المذكورة، ثم لحقهم إليها الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وولده نجم الدين، واجتمعوا كلهم مع جماعة آخرين بالناصرية هذه، وطلبوا السيد الشاكي، فاعتل بحضور الشيخ تقي الدين في المجلس في عدم حضوره، فعلم الشيخ تقي الدين ذلك، فرجع هو وجماعته؛ وأما النائب والقاضي الشافعي فذهبا إلى الشاكي في منزله، وأخذ القاضي الشافعي في تأديبه بالقول وتهديده، وذكره بما وقع منه، ثم تلطف فيها النائب، ورجع الجميع، والله يحسن حال المسلمين.

وفي يوم السبت سادس عشره ورد مرسوم من قاضي بيروت ابن الزهري، على لسان السلطان، بقبض القطبي التاجر، والصلتي القصير، والقباقبي خادم الشيخ رسلان، ومحمد دوادار الشافعي؛ وكان النائب سافر إلى الخربة، على عادة النواب الدمشقية.

وفي يوم الاثنين خامس عشريه دخل من دمشق إلى مصر، قاضي الحنفية بدمشق، الزيني بن يونس، بعد عزل البدري الفرفوري، وصحبته نقيب الأشراف الجديد، حسام الدين ابن السيد إبراهيم؛ وقد مر أن والده هذا توفي بمصر، فسافر ولده هذا، فقرر لمكانه؛ وصحبتهما دوادار سكين أحد الخاصكية؛ وصحبتهم قاضي بيروت ابن الزهري، المعروف بابن الأسلمي؛ وقرئ توقيع ابن يونس، وتاريخه سابع شوال من هذه السنة، وشرع ابن الزهري في عذاب المقبوضون، الذين ورد المرسوم المتقدم فيهم، حتى تراضوا بما يرمى على كل واحد منهم.

ص: 260

وفي يوم الاثنين تاسع ذي الحجة، يوم عرفة، سافر من دمشق الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، بولده النجمي، إلى مصر، ليرد عنه لمحب الدين الأسلمي من جهة هدم التربة، جوار الشيخ رسلان، وصحبتهما الشهابي الرملي مطلوباً.

وفي ليلة الأربعاء ثامن عشره رجع النائب إلى دمشق من الخربة، وكان قبل رجوعه بأيام جاءه نذير من جماعة ابن ساعد، يعلمه بأن عرب آل قني بالمكان الفلاني، فركب في الحال إليهم وتلاحقه العسكر، فلحقوا آخرهم بعد رحيلهم، فقتلوا منهم جماعات، وأخذوا منهم جمالاً.

وفي بكرة يوم الخميس سادس عشريه حضر النائب، والقضاة، بتربة النائب قانصوه البرجي، بمحلة الشيخ رسلان، لأجل الكشف على ما أحدثه وتجرأ عليه المحب الأسلمي، وهدمه السيد الكمالي، وقاضي المالكية يومئذٍ بدمشق خير الدين وقاضي الحنابلة يومئذٍ بها نجم الدين، لورود المراسيم بتحرير ذلك، بعد أن اجتمع السيد الكمالي بالسلطان، قبل وصول الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وولده النجمي، وغيرهما إلى مصر.

فلما تكامل حضور المجلس بالتربة المذكورة، وكان منهم المحيوي النعيمي، فخطر بباله أن أحاديث نبوية ترشد إلى قول الحق، فالتفت إلى النائب، قبل أن يتكلم أحد، وقال: يا مولانا ملك الأمراء، نفع الله بكم الإسلام والمسلمين، وأنت السلطان الحاضر، والحاضر يرى ما لا يرى الغائب، روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يمنعن أحدكم مهابة الناس أن يقوم بالحق إذا علمه "، وعنه أنه قال صلى الله عليه وسلم:" أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإن اجتمعت فعليكم بالسواد الأعظم "، وقال صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه "، وقال صلى الله عليه وسلم:" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قالوا، ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً، قال:" تأخذ على يدي الظالم "، وقال صلى الله عليه وسلم:" قل الحق ولو كان مراً ".

فالتفت النائب إلى القاضي الشافعي وتساراً ثم افتتح الكلام فيما جاؤوا لأجله، وقرئت المراسيم، وفيها أن المطالعات اختلفت علينا، يعني السلطان، بسبب ما هدم؛ ثم أخذوا في الكلام في ذلك، وطال وتجرأ المحب الأسلمي المذكور، بقلة الأدب، مع المالكي في ذلك، وطال، وتجرأ المحب الأسلمي المذكور، بقلة الأدب، مع المالكي خير الدين، إلى أن قال له النائب: اسكت أنت حتى أتكلم عنك؛ فظهر التعصب منه ومن القاضي الشافعي.

ثم قام الجميع للكشف، وصحبتهم المعمارية كابن العطار، والمهندسون الذين جاؤوا من مصر بسبب ذلك، فزاد المتجرئ المحب المذكور في قلة الأدب، وقوله: وا ديناه وا إسلاماه، هدموا مالي؛ ثم رجع الجميع إلى مكانهم بالتربة، وشهد المعمارية ومن معهم من المهندسين والحفارين زورا.

ص: 261

وأراد النائب والقاضي الشافعي أخذ خطوط من حضر في المجلس، بالشهادة على شهادة المعمارية ومن معهم، فقام المالكي من المجلس حرداً، وتبعه شيخ المالكية عبد النبي، فزاد المتجرئ المحب، وعضده قاضي بيروت ابن الأعمى الزهري، فظهر ظلمة المجلس، فقام المحيوي النعيمي، فطلب، فاحتج بالخلاء، فتبعه جماعة بالترسيم عليه، ثم رجع وجلس خلف الحلقة، ثم كتب جماعة كالمجبرين، ثم قاموا وأشرفوا على المقابر، فأنزل الله المطر، فتفرق الناس، ولم يصلوا إلى منازلهم إلا بشدة.

وفي يوم السبت ثامن عشريه جاء الخبر إلى النائب بأن العرب طاشت وهاشت، لأجل ما أخذه النائب من أموالهم، فسافر إليهم.

وفي هذا العام كانت واقعة الخطباء بمصر، وهي أنه كانت العادة أن يخطب للسلطان قاضي مصر، وكان قاضيها في هذا العام الجمال إبراهيم القلقشندي الشافعي، وكان شيخاً مسناً، فاختشى السلطان من أنه يخرج منه ريح على المنبر، فيستحي أن يعيد الوضوء، وقد يصلي بغيره حياء، فكره الصلاة خلفه وأمره بالاستراحة، وأن يستنيب، فاستناب نائب الشهاب الحمصي الدمشقي الشافعي، فضعف.

فطلع قاضي القضاة عبد البرّ بن الشحنة وباس الأرض للسلطان، وكان قصده أن يستمرّ دائماً في الخطابة، ويبطل الشافعي، فأذن له، فخطب في أواخر رجب منها، بعد أن لبس سواداً، فلم يعجب السلطان، ولما خرج من بيت الخطابة علق طرف الطرحة السوداء فوقع شاشه عن رأسه، فأخذه المرقيّ وألبسه أياه؛ وبالغ في ألقاب السلطان وقال: يا ملك الدوري، انصر عبدك الأشرف الغوري؛ فأنكر العلماء عليه ذلك.

ثم خطب بعده في الجمعة التي تليها البرهان الدميري المالكي، فلما رقي المنبر وقع وقام، ثم طلع فوقع أيضاً، فطلع له رجل عضّده إلى أن صار أعلى المنبر، فلما شرع في الخطبة قعد، ثم قام، ثم قعد، ثم قام، ثم قعد، ولم نعلم خطبته، ولم يعرف ما قال، ونزل وصلّى فغوّش السلطان والأمراء عليه؛ ثم خطب بعده قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الشيشيني الحنبلي، وأجاد في الخطبة الأولى، والثانية أطال فيها، وساق فيها الوعظ ونزل

ص: 262