الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وتسعين وثمانمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؛ ونائبه بدمشق قانصوه اليحياوي؛ والقضاة: الحنفي برهان الدين بن القطب، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وهو بمصر مقيماً، والمالكي وظيفته شاغرة، وفي أثنائها كما سيأتي تولى شمس الدين الطولقي التاجر، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، والأمير الكبير جانم، وهو مقيم بمصر؛ والحاجب الكبير الشرفي يونس، وهو مقيم بها أيضاً؛ والحاجب الثاني تنم؛ ودوادار السلطان أركماس الملكي؛ ونائب القلعة مملوك السلطان الأيدكي، ونقيبها الأمير تمراز القجماسي؛ ودوادار النائب مملوكه جندر، وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش تمربغا الترجمان الأسلمي.
وفي يوم الجمعة ثاني المحرم منها، ورد كتاب من برصة، أرسله الخواجا شمس الدين محمد بن حسن الطواقي الأربلي ثم العاتكي الدمشقي، فيها أنه وصل إلى برصة يوم عيد الفطر، وأنه ليلته احترق بها ألف بيت، وأنه وجد بها وباء بالطاعون، ولكنه في أواخر شوال من السنة الماضية نقص عنهم. وفي يوم الخميس منه، أفرج عن نائب حمص الحليق من قلعة دمشق، وخلع عليه استادارية الغور، وخرج من دار السعادة بها، وهي خلعة معظمة، وذلك بمقتضى مرسوم شريف، قيل إنه كان غضب عليه السلطان وعزله عن نيابة حمص، وقبض عليه لتأخر قوده، فلما وصل قوده بعث بالإفراج عنه، وأن يفوض إليه لنائب الاستادارية المذكورة، ففعل.
وفي يوم الجمعة سادس عشره والخطيب على منبر المصلى، وجمٌ غفير بالشمس في المصلى، وإذا قد رأوا جارياً بطرفه الشرقي إلى جهة القبلة، فهرع الناس إلى طرده وضربه، فرجع من الجهة الشمالية إلى الغربية، ثم اصطيد، وذبحه رجل غريب، وقد أقيمت صلاة الجمعة بعد أن ارتج المصلى من الغوغاء.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره اجتمع أرباب صناعة القماش الحريري من كل حارة بدمشق، وحملوا أعلام الجوامع، وكبروا تجاه دار السعادة على الخاصكي الذي ورد من مصر لمصادرتهم، على كل نول حرير يأخذ شيئاً معلوماً، فلم يأخذ النائب بيدهم، ورسم له منهم
بنحو خمسة عشر ألف درهم، يرمي على كل حارة بشيء معلوم، ولا قوة إلا بالله.
وفي بكرة يوم الخميس ثاني عشريه، دخل دمشق كتب الوفد الشريف. وفي بكرة يو الثلاثاء سابع عشريه دخل أوائل الحاج، وحينئذٍ لبس النائب خلعة حمراء بفرو، من القبة على العادة، ودخل دمشق ومعه أرباب الدولة، ثم فيه دخل المحمل بعد الظهر. وفي يوم الجمعة سلخه عقب الصلاة كبر بالجامع الأموي أهل قرية المزة وغيرهم، على دوادار السلطان لكثرة ظلمه لأهل المزة مراراً وضربهم، ولم يعتبر بما جرى له بمصر بسببهم، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة سابعه سافر جندر دوادار النائب، وصحبته نائب بعلبك المخصي، وصحبتهما صدقة السامري ديوان النائب، مطلوبين إلى مصر. وتولى الدوادارية الأمير قطش مضافاً لما معه من الحسبة. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره سافر قاضي الحنفية برهان الدين بن القطب، ولحقه المنفصل عن نيابة صفد الأمير يلباي للحساب بينه وبين نائبها المتصل بها أزدمر المسرطن، وقد بشر يلباي المذكور بالأمرة الكبرى. وفيه خرج من دمشق إلى الغور أستاداره المنفصل عن نيابة حمص، المشهور بالحليق.
وفي يوم الخميس بعد ظهره، سابع عشريه، صدر ولد المرحوم شمس الدين بن خطيب السقيفة، ولقبه صدر الدين، في تصدير والده بالجامع الأموي لما توفي، وحضره الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، والشيخ شهاب الدين المحوجب، والقاضي الرملي، وآخرون؛ ودرس في قوله تعالى:" إن ولي الله الذي نزل الكتاب "، وتكلم عليها يسيراً على قدره، ثم قال تقي الدين: يكفي هذا، وسقى الحاضرين سكراً.
وفي بكرة يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول منها، رجع إلى دمشق الأمير جان بلاط، قاصد السلطان في الصلح إلى أبي يزيد بن عثمان، وقد أنعم عليه، وعلى ستة أنفار معه، بالخلع والمماليك والجواري والجمال والقماش الحرير والذهب وغير ذلك، وأنه راضٍ بما أراده السلطان منه، وكانت غيبته نحو خمسة شهور، وقد حصل للناس أمن في أوطانهم، ولله الحمد؛ وتلقاه أرباب الدولة على العادة.
وفي يوم الأحد ثامنه خرج جان بلاط المذكور من دمشق، مسافراً إلى مصر، وخلع عليه النائب خلعة حمراء بفرو سمور خاص؛ ثم وصل إلى مصر في ثاني عشرين الشهر. وفي يوم الخميس ثاني عشره لبس الأمير يلباي المؤيدي، أحد الباقين من مماليك الملك المؤيد، ولد
السلطان أينال الأجرود، المنفصل عن نيابة صفد، أتابك عساكر دمشق، عوض المنفصل عنها جانم الذي تولى في الشهر قبله وظيفة أمير آخور بمصر، بعد سفره من دمشق، كما تقدم.
وفي هذا اليوم وهو ثاني عشره الأصم، جاء الأمير الشرقي قاسم بن الصارمي إبراهيم بن منجك، إلى تربة عم جده الأمير أبي المعالي عمر بن الأمير أبي الجود منجك الركني، وصحبته جماعة منهم أقضى القضاة نور الدين بن منعة الحنفي، ومعمهما شاهدان، أحدهما العالم شمس الدين الصباغ الحنفي، والآخر أحد المعدلين العكاري، ومنهم شمس الدين الطيبي النابلسي، ومعمار الوقف المعالم أبو بكر أجير عبد الوهاب، وحضر شيخنا المحيوي النعيمي، وجلس على يمين المحراب بالتربة المذكورة، على يسار الأمير يلباي، وعن يمينه القاضي المذكور.
ثم برز الشيخ محمد بن عصفور الشاكي على الأمير بمرسوم يتضمن: أن الحاجب الثاني يلزم الأمير المذكور بإخراج كتاب وقف التربة المذكورة والعمل بما فيه، طلبه يوسف مملوك ناظر الخاص بن الصابوني، فورد على يد عبد الرحمن الأخفافي، فأبرز الأمير كتاب وقف أمضاه لواقف عامله عبد الرزاق، والد الديوان شهاب الدين بن عبد الرزاق، وهو المورق، وشهد معه على الواقف عتيقة يلبغا المنجكي، ورجل آخر اسمه سليمان، فعدد فيه جهات مرسومة على باب التربة فوق العتبة العليا، وذكر فيه أن للإمام كاتب الغيبة في كل شهر مبلغ خمسة وأربعين درهماً، وللبواب المقيم المؤذن مبلغ ستين درهماً، ولعشر قراء يقرؤون كل يوم مجتمعين أو فرادى حزباً واحداً، في كل شهر مبلغ مائة وخمسين درهماً، ولعشر أيام، بشرط ألا يجاوز أحدهم مكثه أربع سنين، في كل شهر مبلغ مائة وخمسين درهماً، وفي تفرقة خبز على باب التربة كل شهر ثلثمائة درهم.
ويصرف في السنة للأيتام المذكورين كسوة مبلغ خمسمائة درهم، ومبلغ خمسين درهماً أيضاً في ثمن حبر وأقلام ودوى، وأن يجلس لهم مؤدبهم، وهو الآن الشاكي على الأمير، ومن صحوة النهار يؤدبهم ويقرئهم ويكتبهم على العادة ثم يقرأ بهم قبيل العصر مجتمعين ما تيسر من القرآن، ثم يهديه إلى الواقف وأخيه إبراهيم، ثم المسلمين، وشرطه أن يكو، رجلاً مسلماً حافظاً لكتاب الله ديناً غير متهم، وله في كل شهر مبلغ أربعين درهماً، ويصرف لرجل مسلم عالم بالحديث والنحو واللغة، فصيح اللسان، يقرأ في كل سنة في رجب ثم شعبان ثم رمضان
صحيح البخاري جميعه، وفي السنة التالية صحيح مسلم، ويخم يوم سابع وعشرين منه، ويصرف في يوم العيدين في ثمن نقل يفرقه الناظر مبلغ عشرين درهماً، ويصرف في الموسمين في ثمن حلوى مبلغٍ خمسين درهماً، ويصرف في عيد الأضحى كل سنة في ثمن أضحية مبلغ مائة وخمسين درهماً، ويصرف في ثمن زيت، برسم التنوير، في كل شهر مبلغ خمسة عشر درهماً، ويصرف لرجل يأتي في كل شهر مبلغ عشرين درهماً، ولرجل يكون عاملاً يحصل ريع الوقف في كل شهر مبلغ ثلاثين درهماً.
وأن يكن النظر للأرشد فالأرشد من أولاد الوقف، إن كان، ثم الأرشد فالأرشد من أولاد أخيه إبراهيم، ثم أولادهم، وأولاد أولادهم، فإن لم يوجد أحد منهم يكون لخطيب المسلمين، ثم لحاكمهم، وشهد الشهود على الواقف مرتين، الأولى في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، والثانية في سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وأدوا على عز الدين بن العز معتوق بن الكشك الحنفي، وشهدوا أيضاً بالملك والحيازة بذيل الكتاب في رسم شهادتهم، ولم يحكم القاضي بصحة ذلك.
قال شيخنا النعيمي: وتريبنا ذلك لوجوه، الأول كون ذلك في الوارث للواقف، وأنه عمل ذلك في حياته إن صح ذلك، والثاني كونه لم يذكر في التربة سوى قاعتين، وبها أربع قاعات، الثالث لم يذكر أخلية التربة الثنيتين المعروفتين داخلها، الرابع جعل حدها من القبلة قليط وإنما هو غربيها، الخامس جعل حدها من الشرق مسجد الذبان، وإنما مسجد البص، ومسجد الذبان شمالي السكة، السادس لم يذكر الحاصلين جوار المعصرة، وهما بناء الواقف، السابع لم يذكر نصف سوق الهواء، ولا البستان بالمحاجية، ولا السوق بالمنيبع، والفرن بها، الثامن لم يذكر ثمن الحصر ولا البسط ولا القناديل، ولا أجرة الشاوي ولا المجاورين ولا شيخهم؛ وفي اليوم المذكور حكم القاضي المذكور بمنع حمدان من التعرض لخلاء التربة، ولا يمنع منه الدخول لأحد.
وفي هذه الأيام أتى رجل يعرف بابن الذئب، من قرية داريا، من مصر، وعلى يديه مرسوم إلى نائب السلطنة، بأخذ حقه ممن قتل ولده وهو خطيب داريا، وجماعة آخرون عاصون، فنادى النائب لأهل داريا بالأمان، بحيث أمن الجماعة المذكورون، فبيتهم ابن الذئب المذكور، وأتى ليلة الخميس تاسع عشره وأعلم بهم النائب فأرسل سرية بالليل وأمسكهم،
وقطع رأس الخطيب المذكور، وولده ثلاثة رؤوس آخرين، وقبض جماعة، وعلقوا الرؤوس في رقابهم ودخلوا بهم ينادي عليهم: هذا جزاء من يقتل التي حرم الله ويعصي، فلما وصلوا إلى النائب أمر بصلب المقبوض عليهم ويتوسيط جماعة منهم، ولا قوة إلا بالله.
وفيه ورد مرسوم شريف إلى نقيب قلعة دمشق بأن يأخذ من كل مذهب قاضياًَ وشهوداً معتبرين، وأن يأخذ معمار السلطان والحجارين، وأن يسافروا إلى قرية كفر دانس، وأن يحفروا في جبل هناك مغارة بها مطلب، وكان ذهب دفن الجاهلية، فيعطى خمسه للفقراء والباقي يحمل بعد ضبطه ويوضع بقلعة دمشق، وإن لم يوجد شيء في ذلك فلا يغرم أحد من الذين سعوا في ذلك، ولا يتعرض لهم، فسافر الجماعة المذكورون يوم السبت حادي عشريه، ثم بعد أيام رجعوا، ولم يروا شيئاً بعد تعب شديد، ومدة غيبتهم أربعة أيام، ولا قوة إلا بالله.
وفيها ورد من مصر كتاب بأن وظيفة قضاء المالكية قد خرجت باسم شمس الدين الطولقي المالكي، التاجر في حانوت يومئذٍ بدمشق، وأن تقليده أخذه قاضي الشافعية شهاب الدين بن الفرفور، الذي هو الآن بمصر، وهو السبب في ذلك. وفي يوم الخميس سادس عشرينه وصل الأمير ماماي من حلب إلى دمشق، بعد أن أصلح بين أهل حلب ونائبهم.
وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر منها، شاع بدمشق موت أزدمر نائب حلب؛ وأن أزبك الظاهري، أتابك مصر، أمره السلطان بالذهاب إلى مكة. وفي يوم الاثنين رابع عشره وصل الخبر إلى دمشق بأن الحاجب الكبير بها، الذي سافر إلى مصر في السنة الماضية، خرج من مصر يوم الجمعة رابع الشهر؛ وأن برهان الدين بن المعتمد تولى نيابة تدريس الأتابكية بالصالحية، وتدريس الشامية الجوانية.
وفي يوم الخميس خامس عشريه رجع من مصر الحاجب الكبير بدمشق يونس، وصحبته دوادار النائب كان، جندر، مخلوعا عليهما، وصحبتهما خلعة للنائب؛ وكان يوماً شديد الوحل، فيه بعض ثلج أتى ليلاً، ثم ذاب، وجدت المزاريب حال دخولهم.
وفي يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى منها، تكلم المعمارية بدمشق في ميل مئذنة جامع حسان، وأنها آيلة إلى السقوط على جهة الشرق، فخاف الناس، فنقضت في يوم الاثنين بعده. وفي هذه الأيام نقض أيضاً حمام قصيعة، قبلي المئذنة المذكورة. وفي يوم الاثنين سابع عشريه دخل راجعاً من مصر إلى دمشق القاضي الشافعي، وصحبته برهان