الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياء والقهر، فلأجل إذا لم يحصل لهم سعد في مرادهم من إظهار العظمة والأبهة عند عملها، فنهبت ثم تفرق الجميع، وقد ضحك على الجميع.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره عقب صلاتها بالجامع الأموي، اجتمع القضاة والخاصكي الحواط، واسمه آقباي، عند باب الخطابة، والجم الغفير من الناس، وقرأوا ربعات وختموها وأهدوها في صحائف السلطان، لأجل إعفائه عنهم عما رسم به أولاً على يد الخاصكي، الذي جاء بخلعة النائب المتوفى، من الكشف على الأوقاف ومصادرة أهلها، حتى المارستان، وكثر الدعاء له بسبب ذلك.
وفي هذه الأيام قام أهل ميدان الحصى، من رجل من أهل الشويكة، اسمه عبد القادر التاجر الأجرود، في توسعة المسجد الذي قد كان عمر ووسع سنة، فأتوا بالقاضي نور الدين بن منعة الحنفي، وحكم بهدم الخلاء والسلخ اللذين كانا في عمرها شمس الدين بن كامل في السنة المذكورة، وأذن الحنفي في أن يجعل مكانهما مضافاً إلى المسجد المذكور، فهدما، وشرع عبد القادر في عمارة ذلك، وجعل المحراب على أساس جدار الخلاء، فدخل السلخ في المسجد زيادة وما سامته من الغرب، قدام الحمام البيدمري، وقيل الخان الشرمري، فأضافوا هذه القسمة إلى هذه الزيادة المذكورة.
قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي: وفي هذه السنة، عقب موت النائب قانصوه اليحايوي، أغرى بعض الفقهاء للزعر بأنه يجوز قتل أعوان الظلمة، فصار من قلبه من أحد شيء إما يقتله أو يغريهم ويعطيهم دراهم فيقتلونه، ويحتجون بأنه عواني، حصل بذلك فساد كثير؛ وقتل في هذه الأيام عندنا في الصالحية نحو الثلاثين، منهم: عبد الرحمن بن زريعة، وأبو بكر بن قبيعة، والشكمي الحمصاني، وأحمد بن كديش، وأحمد الكفروري، ووالي الصالحية بشير الطواشي عتيق الشمسي بن القونصي، وفي المدينة نحو المائة منهم: قاضي حمص كان، قدم دمشق فبرطل عليه أعداؤه للشواغرة فقتلوه بسوق البزوريين؛ فسئلت عن هذه المسألة مرتين فأجبت في الأولى بجواب مختصر نحو الكراسة، وفي الثانية بمطول نحو الثلاثين كراساً وسيمته: الذعر في أحوال الزعر، ومحطمهما عدم الجواز، وأنه لا يجوز لأحد إغراؤهم.
سنة ثلاث وتسعمائة
استهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب العباسي
وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي، وهو شاب أمرد، قيل بالغ، محصور من شدة الاختلاف بمصر؛ ونائبه بدمشق فكان قانصوه اليحياوي، والآن لم نتحرر من هو أيضاً: والحاجب الثاني
…
وهو غائب بمصر؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، وهو غائب بمصر أيضاً، والمالكي شمس الدين الأندلسي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، وكاتب السر عبد الرحيم بن الموفق العباسي؛ وناظر الجيش زين الدين عمر بن النيربي، وهو ناظر القلعة، ووكيل السلطان وناظر الأسرى، ووقف السلطان، والترجمة، أخذ الوكالة ونظر القلعة عن صلاح الدين العدوي، والباقي عن تمربغا القجماسي؛ ونائب القلعة جاني بك؛ وصاحب مكة السيد محمد بن عجلان؛ وصاحب الروم محمد بن بايزيد؛ وصاحب العرب محمد ين يوسف، وقد اتفق في هذه الأعوام أربعة سلاطين، كل منهم اسمه محمد كما ذكرنا.
وفي يوم الثلاثاء مستهلها، لم يكن بدمشق من يحكم غير آقباي الحواط، دوادار خال السلطان، وهو غر بقواعد الأمور، وطريق مصر مخيف، ولذا قل المخبر عن أهلها؛ وثارت زعر دمشق، وزحف زعر القبيبات على أهل ميدان الحصى ولم يحصل للوليمة التي تقدم ذكرها نتيجة.
وفي ليلة الأربعاء تاسعه ورد من مصر نجاب صحبته كتب ومراسيم، واشتهر بدمشق أن الدوادار آقبردي حصر في بيته بعد ما جاء من البلاد القبلية، وقتل من جماعته وجماعة السلطان جماعات، وأن مماليك النائب اليحياوي الذي مات لما دخلوا مصر أنعم عليهم، فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم اتفق قانصوه الألفي، وكرتباي الأحمر، وخال السلطان يخشى، واليحياوية، وطلبوا الدوادار فهرب منهم، وتبعوه إلى خان يونس، الذي كان قد حصل له به النصرة في تلك المرة كما تقدم؛ ثم أرسلوا إلى مشائخ اليلدان بالتحريض على قتاله.
وورد مرسوم إلى الخراط آقباي بأن يقبض على نائب القلعة الجديد ونقيبها، الذي كان شفيع اليحياوي قبل موته في استمراره بها، ورد النقيب الذي كان أتى صحبة نائبها الجديد، فلما قرأ الحواط المرسوم أرسل إلى نائب القلعة بأن يدق البشائر عشية، فلم يفعل، ولعله لم يسهل به ما وقع في حق الدوادار، ثم دقت البشائر صبحة يوم الأربعاء ثم أتى نائب القلعة
ليسلم على الحواط، فأمر بالترسيم عليه، وأخبره بالمرسوم، ثم أرسل طلب نقيبها أيضاً، فامتنع، فأكد الطلب عليه، فلما حضر قرأ عليهما المرسوم، قامتثلا، فرسم عليهما وأخرجهما من القلعة، ووضع في القلعة نائب البيرة دولات باي، قيل وطلب أيضاً الأمير الكبير ليرسم عليه لكونه من جهة الدوادار، وتحقق الناس أن أمر الدوادار آل أمره إلى الهوان به لقلة محبيه في جميع البلاد، لكثرة ظلمه أيام حكمه.
وفي ليلة السبت ثاني عشره ثارت زعر ميدان الحصى، وزحفت على أهل الشاغور، وكان الوقعة بمحلة مسجد الذبان، وارتجف الناس فوق ما هم فيه من الخوف من الوباء، وقلة الحكام، وكثرة الظلم، وقوة الأخبار المخوفة، واستمر الهواش بينهم إلى قريب ثلث الليل، ثم أصبحوا كذلك، والبشائر التي تقدم ذكرها تدق، ثم كثر الشر بينهم وزحف أهل الشاغور على السويقة المحروقة بالنشاب والهدم إلى قريب الظهر، فجاءت خيل الترك الذين بدمشق، كالحواط وأمير كبير، فحالوا بينهم، وبعد ثلاثة أيام صالحوا بينهم وسكن الشر بعض سكون.
وفي هذه الأيام احتاج الناس إلى تتميم البوابات والتدريبات التي كان النائب المتوفى أمر برسمها، فلما مات بطل الاهتمام بها، والآن شرع الناس في إتمام أمرها، سيما لما جاء الخبر بقتل أتابك العساكر المصرية تمراز، وهروب نائب غزة قرقماس، الذي كان حاجباً بدمشق، إلى الرملة، وأخذ نائب صفد برد بك، الذي كان دوادار السلطان بدمشق، قلعة صفد من نائبها بالحيلة، ليتقوى بها على قتال الدوادار.
واجتمع شيخ بلاد نابلس ابن إسماعيل عدو الدوادار، وجميع العشير الطائع للسلطان، على مكان يخرج منه الدوادار من غزة ليحصروه للقتال، وقد اجتمع على الدوادار بغزة العصاة وقطعوا طريق مصر، وكان أول دخوله غزة ضعيفاً، ولو ثبت نائبها كان ظفر به، وكفى الناس شره وتحدث الناس أنه على عدم ثباته وفيها رجع إلى بيته بدمشق حان بلاط، الذي كان أمير الحاج بدمشق، وهو مجروح، ونم عليه أن كان حاملاً صنجق الدوادار، فطلب ورفع إلى القلعة.
وفي يوم الجمعة ثامن عشره ورد مرسوم شريف على الحواط بالقبض على الخاصكي، الذي كان أتى بالقلعة للنائب في حال ضعفه وأظهر أنه كاشف الأوقاف، فمسك ورفع إلى القلعة. وفيه شاع أنه رسم بأن يبعث وراء أركماس نائب حماة، والسواري نائب حمص،
ليحضروا إلى دمشق ليقفو افي وجه الدوادار.
وفي يوم الأحد عشرينه نودي بدمشق بالحجوبية الكبرى لتنم، الذي كان أرسل نائباً للكرك في أيام السلطان المتوفى، ثم رجع إلى دمشق واستنابه جان بلاط دوادار السلطان بدمشق فيها، بعد أن كان عزل عنها وخرج أميراً للحاج؛ وهو رجل فاجر عدو نائب حماة، وهما من حزب الدوادار، فعجب الناس من ذلك، فإنه قد اشتهر في دمشق وغيرها، أن كل من كان من حزب الدوادار ممقوت عند جماعة السلطان.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه اشتهر بدمشق أن كاشف الرملة أتى إلى دمشق بغتة، وأخبر أن الدوادار نادى يوم الاثنين الحادي والعشرين بالرحيل من غزة، وأن العشران لم يقفوا في وجهه لعدم المرسوم السلطاني.
وفيه ركب الحواط، والأمير الكبير، وتنم الذي نودي له بالحجوبية، والخاصكي الذي كان رفع إلى القلعة في يوم الجمعة المار، وذهبوا إلى أهل ميدان الحصى ليحضوا عرض الزعر والخيالة بها، فعرضوا عليهم مجاراتهم تخويفاً للدوادار المتقدم، فإن الحواط قد خاف من عاقبته، ولأجل هذا ذهب إلى عندهم استجلاباً لهم، وكان القياس أن يمكث في الأصطبل السلطاني أو غيره ويأتون إليه، ثم منح مشائخهم خلعاً.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه دخل إلى دمشق نائب حماة ونائب حمص، المطلوبان ليقفا في وجه الدوادار.
وفيه ضرب أخو أحمد بن شدود امرأة بسكين عدة ضربات، وقتل الزعر شخصاً في سطح مسجد القصب.
وفي يوم الأحد سابع عشرينه تواترت الأخبار بأن نائب حلب أينال الفقيه، استقر في نيابة الشام، وأنه يستمر بحلب حتى يأتي متسلمها.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشريه دخلت كتب الحاج؛ ووقع بدمشق مطر وهو أول مطر وقع بها، وذلك بعد مضي عيد الزبيب باثني عشر يوماً.
وفي بكرة يوم الخميس مستهل صفر، أو ثانية منها، دخل دمشق متسلم النائب الجديد أينال، وفرح به الناس لكثرة فساد الزعر وبغيهم، وقلة حرمة الحواط وغيره. وفي يوم الجمعة ثانيه أو ثالثه دخل غالب الوفد. وفي ثانيه دخل المحمل إلى دمشق.
وفي عشية هذا اليوم تواترت الأخبار بأن الدوادار المطرود من مصر، ومعه جماعة من الأمراء، كجانم نائب قلعتها، وكالظريف واليها، وكتنبك قرا أحد المقدمين بها، وكآقباي نائب غزة كان، وصلوا إلى بلاد الغور، وصحبتهم كريم الدين بن عجلان، ومحمود الأذرعي، ثم إلى أربد في نحو ثلثمائة، خيال ملبسين، وقلعة دمشق حينئذٍ محصنة بالرجال وآلة الحرب، فماج الناس بعضهم في بعض، ولم ينمم غالب أهل دمشق من الليل إلا قليلاً، لشدة رفع أصواتهم على جوانب القلعة،
ثم نقل غالب الأكابر إنائهم وأموالهم إلى داخل المدينة، خوفاً من عشير يأتي، ومن منافقي غوغاء الحارات.
وفي يوم الأحد خامسه رجع الكشاف الذين أرسلوا من دمشق، وأخبروا بأن أمر الدوادار المذكور وجماعته متراخ، لم يلتف العشير عليهم، لكونهم مظهرين الطاعة للسلطان، فقوي قلوب ترك دمشق كالحواط، وأركماس نائب حماة، وإبراهيم بك نائب حمص، اللذين طلبا إلى دمشق خوفاً عليهما، وكذا متسلم النائب الجديد أينال الفقيه الذي أتى من حلب؛ ونودي في اليوم بأن لا ينتقل أحد من منزله، وإن خالف ينهب، فكف الناس عن النقلة.
وفيه هجم والي دمشق وجماعة المتسلم على
…
وقبضوا على صبي ابن
…
أحمد بن شدود، وهو من أهل الريب، وذهبوا به إلى المتسلم، فأمر بتوسيطه، فوسط تجاه اصطبل دار السعادة، ثم إن أهله أخذوه وبيتوه عندهم إلى وقت الغداء من يوم الاثنين سادسه، فحمل إلى خان جقمق وغسل وصلي عليه ودفن عند أبيه.
وفي هذه الساعة خرج الحواط في جماعة إلى قبة يلبغا، واستعوض جيش دمشق هناك، ثم رجع الجميع.
ثم في بكرة يوم الثلاثاء فعل ذلك، فاطمأن الناس قليلاً.
وفي بكرة يوم الخميس تاسعه نادى الحاط بأن المرسوم الشريف ورد، بأن الدوادار آقبردي عاص، وروحه للسلطان وماله لغيره.
وفي يوم الجمعة عاشره قيل إن الدوادار والعاصين معه ترحلوا إلى حوالي قرية الصنمين.
وفي يوم الأحد ثاني عشره تحقق نزوله بها - وفي هذه الأيام أمر بسد أبواب المدينة إلا باب النصر والفرج الصغير، وشرعوا في تجديد باب آخر خارج باب الصغير.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره شاع بدمشق وصول النائب أينال الفقيه من حلب إلى بعض بلاد دمشق، وأتت عشران البلاد مطلوبين إلى دمشق.
وفي صبحة يوم الأربعاء خامس عشره تحقق نزول العصاة بمرج دمشق حوالي قرية الغزلانية.
وفي يوم الخميس سادس عشره دخل برد بك نائب صفد إلى دمشق بجماعته، ومعه عشير كثير، بحيث أن الناس استكبروا ذلك على العصاة، وظنوا أن النائب الجديد يخامر مع
العصاة ثم تحقق وصوله إلى حمص، فزاد ظنهم أنه مخامر.
وفي صبحة يوم الأحد سادس عشيره هرب المتسلم إلى عند أستاذه النائب الجديد أينال، وظهر عصيانهما ومخامرتهما مع العصاة، ونودي عليهما ذلك بدمشق في يوم المذكور، والتقى النائب الجديد والعصاة على قرية عذراً، وقيل إن الدوادار تنازل وتواضع مع النائب المذكور، وقيل إنه بشره بالسلطنة سراً وأخفيا العصيان، وأظهر الطاعة مكراً وتقية بقولهما: نحن طائعون الله ورسوله والسلطان، فانتقل الناس ورحل غالبهم إلى داخل المدينة، وخالفوا المنادى المتقدمة لشدة الخوف، فامتلأت المدينة من الخلق.
وفي يوم الاثنين سابع عشريه نصب الصنجق السلطاني على طارمة القلعة، واجتمع الطائعون تحته فتعدى مملوك على آخر مثله، فهرب منه، فقلد كل من العسكر الآخر ولم يعلموا الأمر، فهرب العسكر جميعه وظنوا أن العصاة قد أتو بغتة، ثم تبين الأمر فتعجب الناس لذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه قيل اجتمع الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وشهاب الدين المحوجب، بالعصاة على المصطبة، فأجاب النائب بالطاعة وأنه مع الدوادار، وأن الدوادار أمير سلاح السلطان بمصر، وأنه أتى المرسوم الشريف بذلك، وأما المرسوم الذي أظهره الحواط إنما أتى من خال السلطان دواداره، لا منه، وأنا نائب الشام ولا بد من دخولها، والدوادار معي وأنزله بالقصر، وأراجع السلطان في أمره، فمهما رسم امتثلت أمره.
وفي بكرة يوم الأربعاء تاسع عشريه تصافى العصاة والطائعون، وذهب النائب من المصطبة إلى الصالحية، فخرج عليه جماعة منها، فقتل منهم نحو الخميس رجلاً، وقتل من جماعته بعضهم، وأسر جماعة ملبسين، وكان الطائعون من أهل الصالحية، فلما ركب أينال الظريف من المصطبة نجدة للنائب، هرب الطائعون إلى دمشق، وأهل الصالحية إلى داخل التداريب المحدثة بها، ورجع العاصون إلى المصطبة.
وفي يوم الخميس سلخه قيل ورد مرسوم شريف بعزل النائب المذكور، وتولية جان بلاط، الذي كان عين لنيابة حلب بدل أينال الفقيه، في نيابة الشام؛ وأن يلباي الأمير الكبير بدمشق فوض إليه نيابة طرابلس؛ وأن نائبها نقل إلى نيابة حلب، ونودي بذلك في دمشق؛ وأن من أحب من مماليك السلطان الذين هم من العصاة أن يأتي إلى تحت علم السلطان ويأخذ له جامكية، فليفعل، وأن من أراد من الأمراء، العصاة أن يأتي إلى عندنا وله الأمان، فليفعل، أو أراد الذهاب إلى القدس، فليفعل، ويشاور عليه السلطان، وأن نائب القلعة يومئذٍ، الذي كان نائب البيرة، جعل رأس العسكر الطائعين، وأن الحواط جلس مكانه في نيابة القلعة، وعرض
العسكر الطائع عليه بالميدان يوم الخميس المذكور، وأن الركوب على العصاة غداً، يوم الجمعة، مستهل الشهر الجديد.
وفي بكرة يوم الجمعة مستهل ربيع الأول منها، أراد الباش المذكور أن يركب بالعسكر ويهجم على العصاة بالمصطبة، فوقع المطر، فعوقوا عن ذلك.
وفي بكرة يوم السبت ثانيه ركب جيش دمشق كله، والعشير جميعة، ووقفوا، ثم تفرقوا من المطر أيضاً، ثم أتاهم رجل من السعادة وأظهر لهم أنه أتى من مصر بمراسيم شريفة، فظهر أنه من عند العصاة مزور، فقطع لسانه ويده، نودي عليه بذلك.
وفي يوم الثلاثاء خامسه، وهو أول تشرين الثاني، ورد الخبر من طرابلس بوفاة نائبها أينال، الذي قيل عنه إنه استقر في نيابة حلب، كما تقدم ذكره، وإنه لو عاش كان يخامر مع العصاة.
وفي بكرة يوم الخميس سابعه حمل العصاة من المصطبة أثقالهم وموجودهم، فشاع ذلك في دمشق، فظن أهلها أنهم يريدون الذهاب إلى طرابلس لأخذ مال نائبها أينال المتوفى، أو أنهم ينزلون إلى البحر منها، فساروا نحو الغوطة، وأتوا على قرية بيت الآبار، ثم على قرية البويظة، فخرج جماعة من جند دمشق وكشفوا قبليها ورجعوا بعد العصر، ومعمار السلطان وجماعة المعمارية يومئذٍ يعمرون في أساس سور برأس القبيبات القبلي، كما فعلوا في محلة العنابة، ومقابر باب الصغير، وغيرها من الأماكن التي يخاف منها، فهم كذلك وإذا بأوائل العصاة قد أقبل بغتة عجلاً، فوقف جماعة من أهل القبيبات في وجوههم، فقتلوا سريعاً، ثم تلاحق العصاة وهرب المعمارية، وملك العصاة أوائل العمران، ثم تلاحقوا حتى وصلوا إلى عند رأس محلة قصر حجاج، فخرب جماعة من الطائعين إلى داخل المدينة، وآخرون إلى القلعة، وازداد خوف الناس، وأرادوا العوام البطش فاستأمنهم العصاة، وقالوا لهم: لكم الأمان منا ولا تدخلوا بيننا.
ثم دخل الليل ونزل العصاة بميدان الحصى، فالدوادار عند السيد إبراهيم، والنائب المعزول في زاوية ابن عجلان، وتنبك قرا عند الشهاب بن المحوجب، ووالي مصر بتربة تنم.
وفي بكرة يوم الجمعة ثامنه ركب الدوادار وأينال المعزول من نيابة دمشق، وتنبك قرا، وولده، وآقباي نائب غزة كان، وجانم مصبغة، وقنبك نائب إسكندرية، ومعهم جماعة من مشائخ العشير، ومشاة كثيرة، ومماليك أجلاب ملبسة، وطبل الحرب تدق ووقع القتال من محلة مسجد الذبان، إلى محلة الجامع الصابوني، واستمروا.
ولم تصل الجمعة في غالب الجوامع، ثم تفرقوا قبل العصر بعد قتل جماعة من
الفريقين، وظهرت الذلة على العصاة من المكحلة التي ركبت على السور تجاه تربة العجمي، وأرادوا العصاة أن يحرقوا التدريب الذي عمل عن خان الهجانة، قرب تربة اليحياوي، من طريق قصر حجاج، فلم يقدروا على ذلك من كثرة الرمى عليهم من المكاحل البندقية، والكفية، والنشاب وغير ذلك، فذهب العصاة المذكورون إلى ناحية الشاغور وحرقوا مكاناً قريب زاوية المغاربة، وقتل جماعة من الفريقين ومن غيرهم، وجرح آخرون، واستمر شاليش العصاة إلى آخر نهار الجمعة بغير صلاة.
وفي يوم السبت تاسعه أتى شاليشهم كذلك ومعهم مكحلة بندقية مهولة، أصاب يومئذٍ منها دي دوشن ابن
…
بنتا لبنت عمر الحبال ابن عمر ابن
…
فماتت.
وفيه شرع العصاة في عمل مكاحل كبار، وجنويات كثيرة.
وفي يوم الأحد عاشره رتب نائب صفد برد بك على باب شرقي، وأركماس نائب حماة على باب الصغير، وعلى كل جانب منه أمير يحرسونه، فباتوا يصوتون ويطلقون المكاحل، حتى أسهروا الناس، وبعضهم يفحش في حق الدوادار وغيره من العصاة بصوت عالٍ، في مكان عالٍ، في هدوء الليل.
وفيه احترق جانب من سشوق المزار بالشاغور، ومقشر القنب، ونهبت المدرسة الترابية الحصنية، وأخذت الكتب التي بها، بخط الشيخ تقي الدين الحصني، وخط غيره، حتى قيل أنها نحو ألف مجلدة.
وفي يوم الاثنين حادي عشره رمى رجل من غوغاء مشاة الطائعين عودي حطب، فيهما نار، على بارية شمالي أول جملون السويقة جوار بيت شيخنا المحيوي النعيمي، فاستغاث بعض الناس وعارضه، فانطلق الرامي ونهب ميزان فلوس ليحيى التواتي المغربي، وهرب به إلى المعصرة، تجاه خان السبيل، فتتبعه رجل إلى أن دخل مقبرة الأشراف، جوار مسجد الذبان، فقبض عليه وقطع رأسه، فأصبح يوم الثلاثاء مقطوع الرأس، فأعلم به أهله فأتوا وأخذوه.
وفيه ألجأ شيخنا المذكور أن يأتي أكابر الطائعين ويشفع في عدم الأمر بإحراق سوق محلته، ففعل، وقبلوا شفاعته، ونودي بدمشق: إنما نحرق بدمشق: إنما نحرق بيوت من نعرف عصيانه، يعنون السيد إبراهيم ونحوه.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره تزايد الخوف من الحريق من غوغاء الزعر النهاب، فانتقل شيخنا المذكور من منزله إلى بيت حسين البغدادي بجواره، لإمكان الهروب منه إلى حارة قناة البريدي، ثم انتقل منه إلى بيت الخواجا ابن عرب بمحلة القناة المذكورة، ونام فيه ليلة الأربعاء ثالث عشره، وقد أيس من سلاتمة منزله ومحلته.
وفي يوم الخميس رابع عشره أتى إلى دمشق رجل هجان، من جماعة نائب حمص إبراهيم باك، وظاخبر بخروج جيش من مصر لكثرة طلب ذلك من الطائعين بدمشق، فخلع عليه.
وفيه بنى باب النصر من تربة بهادر آص، إلى تربة فرج بن منجك بحجارة مكينة، ومرام، فاشتد خوف الناس، وتقطعت الأسباب، وفصل بين الحارات بتداريب مسدودة، وبعضها بخوخة يدخل منها بمشقة شديدة، واستمر العصاة بميدان الحصى، وشاليشهم بالبندقيات عند باب المصلى، وشاليش الطائعين عند الجامع الصابوني، حتىانزعج من ذلك الخلق والطير في السماء من شدة صوت المكاحل، وكل أهل حارة خائفون من الحريق أو النهب أو منهما جميعاً، وطمع في ذلك أهل الزعارة.
وفي يوم السبت سادس عشره أتى عشير كثير من الروافض إلى عند العصاة، فلم يجدوا لهم موضعاً بميدان الحصى لكثرة الترك فيه، وسكناهم في دور الناس بخيلهم وغلمانهم وجواريهم، فتوزع العشير المذكور في أطراف الميدان المذكرور، وإلى محلة باب المصلى.
وفي هذه الأيام شرع العصاة في عمل سلالم كبار طوال، وجنويات، زحافات، وفي زعمهم أخذ المدينة والقلعة، ويظهرون للناس أن السلطان من جهتهم، وإنما يميله خاله وجماعته، ويخرجون مراسيم على مرادهم، عليهم علائم السلطان؛ والطائعون يظهرون أنه قد خرج من مصر جيش كثير من نائب الشام جان بلاط، وأن العشير كان أتى إليهم ثم رجع إلى بلاده ينتظر قدوم الجيش وجان بلاط المذكور ليدخل معهما.
وفي يوم الأحد سابع عشره قطع لعصاوة يد شاب مغربي ولسانه وأذنه، لما قيل عنه أنه ساع أتى إلى الطائعين، كما فعل الطائعون بذلك المغربي الذي تقدم ذكره.
وفي عشية يوم
الثلاثاء تاسع عشره ركب العصاة واستمروا في القتال عند مسجد الذبان مع الطائعين، وحرقوا جانباً من قرب قصر حجاج، قرب باب الجابية، ليدخلوا بغتة إلى أذى الطائعين، فعجزوا ورجعوا، ونادوا بأن يستمر الجيش والمشاة إلى ثاني يوم، ورجوا أن يدخلوا المدينة، فأتاهم مطر شديد، واستمر إلى ليلة الخميس حادي عشريه، فلم ينالوا خيراً، وقتل جماعة وجرح آخرون، ونهب المشاة في الحريق أموال الناس.
فإن في ليلة الأربعاء عشرينه حرق العصاة أيضاً الترب والبيوت التي شرقي الطريق، غربي المقبرة، شرقي الجامع الصابوني، وبيوتاً كثيرة أيضاً غربيه.
وفيها أخذ مشاعلية العصاة أبواب حوانيت السويقة المحروقة، وجعلوا جملونه كناً لهم من المطر، وقام الدوادار قبليها، والنائب أينال الفقيه شرقيها، وجعلوا تلك الأبواب حطباً للمشاعل ولدفايهم، واستمروا إلى أن طلع الفجر، فهموا بالقتال أيضاً في يوم الأربعاء المذكورة ليأخذوا المدينة كما رجوا، فقوي المطر عليهم فكبتوا خامر منهم جماعة إلى الطائعين: دوادار نائب حماة كان، واستادار الغوركان، ودخلا إلى القلعة؛ واستمر شاليش الفريقين بالبندقيات والكفيات ليلاً ونهاراً عند الجامع الصابوني.
سمع الطائعون أن النائب المعزول يريد أن يسكن في بيت فارس بالسويقة المحروقة، ولم يعلم نائب القلعة أنه تحت نظره، فأمر بإحراقه، فحرق الحوش والداير والاصطبل، وكان فيه للأمير علي باك، خازندار النائب اليحياوي المتوفى، تبن وشعير كثير، فنهبه العصاة.
وفي يوم السبت ثالث عشريه سدت الخوخات التي بقيت إلى باب الجابية، ولم يتركوا خوخة نافذة.
وفي صبحة يوم الأحد رابع عشرينه ركب العصاة، وذهب الدوادار بجماعته إلى الباب الشرقي من أبواب المدينة، ومعهم السلالم، وحاصروه، وأتى النائب بجماعته إلى محلة مسجد الذبان، واستمروا في القتال والمكاحل ترمى إلى المغرب، وجاع العسكر في اليوم المذكور أشد جوع، وشرع بعضهم ينهب البيوت، وقتل جماعة وجرح آخرون، سيما من جماعة الدوادار، عند الباب الشرقي، من جماعة نائب صفد الموكل به، وكان يوماً مهولاً لم ير مثله.
وفي هذه الأيام سمعنا أن الأمير الكبير بمصر أزبك الظاهري المنفي إلى مكة، طلب
إلى مصر ودخلها، وفوض إليه الأمرية الكبرى على عادته.
وفي صبحة يوم الاثنين خامس عشرينه ركب العصاة أيضاً وأتوا إلى الطائعين من جهة قصر حجاج، فخرج أهل المدينة والطائعون عليهم، فردوهم على أعقابهم، وقتل منهم وجرح جماعات كثيرة، فعادوا إلى جهة ميدان الجامع الصابوني، فلم ينالوا أيضاً مراداً، ثم عادوا، أو غالبهم إلى جهة قصر حجاج أيضاً، فعاينوا القهر البليغ، ثم أشاع بعضهم عن بعض اليحياوية الطائعين أنه طلب الصلح، فطمع العصاة، سيما الدوادار، وأسمعه الطائعون من السور كلاماً سيئاً، ثم رجعوا إلى القتال بعد المغرب، ثم تفرقوا.
وفي صبحة يوم الثلاثاء سادس عشريه أتت الطبلخاناه إلى قبالة الطائعين، ثم رجعت وترك القتال وأمن بعض الناس، ثم أرسل العصاة إلى القلعة رسولاً للصلح بشرط أن يرسل إليهم برد بك نائب صفد، وأركماس نائب حماة، فقتله الطائعون قتلاً شنيعاً.
وفي صبحة يوم الأربعاء سابع عشريه ركب العصاة أيضاً، وأتوا في أمر شنيع مهلك، وداوروا الطائعين من جهات عديدة، ومن جهة قصر حجاج، ومن الميدان، وغير ذلك، فكبت منهم خلق كثير قتلاً وجرحاً، ونزل نائب القلعة منها بنفسه واستوحى العوام، وقاتلوا قتالاً شديداً حتى ظهرت النصرة للطائعين، ثم رجع العصاة بعد المغرب مكبوتين مغلوبين.
وفي يوم الخميس ثامن عشريه ركب الطائعون، وقد ألبس الأمير الكبير يلباي نيابة الغيبة، وحضر الجميع واستعدوا للقتال، فلم يحضر من العصاة أحد؛ وشاع بدمشق أن الدوادار شرع في عمل مكحلة كبيرة تحمل على عجلة تجرها البغال، ونادى الطائعون بالأمن والأمان للناس كافة، سيما أهل ميدان الحصى، والقبيبات، وأن من أتى منهم إلى عندنا أكرم، ولم يؤاخذ بما مضى، ومن تأخر عن ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
وفي يوم الجمعة تاسع عشريه استعد الطائعون أيضاً للقتال، فلم يحضر أحد من العصاة.
وفي يوم السبت سلخه كذلك.
وفيه أرسل الطائعون على لسان القضاة والعلماء، مع قاصدين لهم، مراسيم شريفة سلطانية بتولية نيابة الشام لكرتباي الأحمر، وأنك يا أينال الفقيه إن كنت طائعاً فلا تقاتل فقد عزلت، وإن كنت عاصياً فأعلمنا حتى ننظر، كذا قيل.
وفي يوم الأحد مستهل ربيع الآخر منها، دقت البشائر لعزل أينال الفقيه، وتولية كرتباي
الأحمر، فأشاع العصاة بأن السلطان رضي على أينال الفقيه المعزول، وأن خلعته واصلة، وأن كرتباي عزل عنها، والله أعلم بصحة ذلك.
وقد جرت عادة العصاة أنهم يناقضون ما أشاعه الطائعون، حتى لا يذهب عنهم غوغاء الزعر، ومشائخ العشير، ويظهرون القوة وشدة البأس حتى أشاع بعضهم أنهم أرسلوا يطلبون علي دولات أخا سوار ليستعينوا به في القتال، تحنيقاً وإرهاباً وزوراً، وقد كثر الكذب منهم وعنهم، وهو دليل الإكبات.
وفي يوم السبت سابعه حرق الطائعون مكتب ومسجد المدرسة المزلقية بمحلة مسجد الذبان.
وفي يوم الاثنين تاسعه اتقع الفريقان بالنشاب والبندق الرصاص وغير ذلك، وتزايد الحرب، واشتد القتال، وقتل جماعة وجرح آخرون، ثم ولوا بعد المغرب.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره وصلت النار إلى المئذنة البصية، بمحلة مسجد الذبان، فسقطت بعد العصر وتباشرت الناس يومئذ بقرب دخول العسكر المصري إلى دمشق، مع شدة الخوف في كل حارة بدمشق من الحريق والنهب، وتعاظم الأوباش من الزعر وغيرهم، لميل الترك إليهم لجعلهم مشاة لهم.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن العصاة عملوا لأنفسهم بقسماطا كثيراً، وحزموه في زواملة، وحزموا حطباً كثيراً، وهم ينقلون الخيل على هيئة المتأهبين للرحيل.
وفي ليلة يوم الأحد خامس عشره رحل غالب أهل ميدان الحصى، والقبيبات، إلى محلة قبر عاتكة، والشويكة وغيرهما.
وشاع أن العصاة مولون وكان طلب منهم أهل الميدان، والقبيبات، أن يتلبثوا لهم حتى ينقلوا حوائجهم ويوزعوها، خوفاً من النهب من الطائعين، والعشير الذي عندهم، وأهل الشاغور وغيرهم.
وفيه حرق الطائعون من أهل القلعة والشاغور بيت المنوفي الطباخ، وبيت زقزوق بجواره، وأرادوا إحراق السويقة المحروقة، فلطف الله وتركوها.
ثم في آخر هذا اليوم ركب العصاة من أواخر مقابر باب الصغير، وبعضهم من الطريق السلطاني، وهموا بإحراق محلة قصر حجاج، من عند بيت فارس، فطفيت النار، واستمروا في القتال إلى بعد العشاء، ثم ولوا.
وفي بكرة يوم الاثنين سادس عشره نادي العصاة بلبس العدة الكاملة، وأن أحداً لا يخرج من بيته، وأن اليوم يوم الزحف على المدينة، وركب معهم ابن القواس، وكانت ركبة مهولة لم يركبوا مثلها، وأتو بمكاحل كبار وصغار، ونصبوها بمقابر باب الصغير، ووطئوا على مقابر
الأولياء، واستمروا إلى قرب ثلث الليل، ثم كبتوا وانقلبوا خائبين بسلالمهم الطوال، بعد أن حرقوا جامع جراح ليلتئذ، ليلة الثلاثاء سابع عشره، ثم اختفى أمرهم في اليوم المذكور، وأخبرهم الكشاف بقرب العسكر المصري، مع نائب الشام كرتباي الأحمر، ومع جان بلاط نائب حلب، ومعهم مشايخ البلدان، كابن إسماعيل، وابن الجبوسي، وغيرهم، ونائب غزة قراجا، فهرب العصاة في الثلث الأول من ليلة الخميس تاسع عشره، وتركوا غالب أثقالهم، وبعض حوائجهم، ومواعينهم فيها الطعام، واللحم الضأن معلق لم يطبخ وتركوا كوساتهم.....
.... إلى المرج، ثم رجع وقطع يد صهر الشريف قريش كبير الزعر بالشاغور، لكونه تآمر على جماعة من المشاة، فهرب من حلب.
وفي بكرة يوم الاثنين ثاني عشريه خرج وفد الله من دمشق، وأميرهم دولتباي.
وفي ظهر يوم الأحد سابع عشريه رجع المزيريبة، وأخبروا بالرخص وقلة الحاج، وأن العرب كثير، وأن ابن ساعد له يد بيضاء في عمل الخير مع الوفد.
وفي يوم الخميس مستهل ذي القعدة منها، وسط النائب رجلين من زعر دمشق، أحدهما من زقاق البركة، يعرف بابن الفكيك، لقتله رجلاً مغربياً، والثاني من محلة الشاغور، يعرف ببركات، لكونه من المراقي الدماء، ولله الحمد.
وفي هذه الأيام صالح النائب بين أميري آل مري، مهنا بن عامر بن مقلد، وجانباي، وقسم البلاد بينهما، وأشهد عليهما القضاة، وكتب بذلك ثلاث نسخ: مع النائب واحدة، ومع مهنا واحدة، ومع جانباي واحدة، وخلع عليهما.
وفي يوم الخميس ثامنه خرج النائب إلى المرج، ومعه أهبة السفر، وأمر أمراء دمشق وجندها باتباعه، وتضجر جماعة منهم من إقطاعهم لأجل الخسائر الكثيرة، وضرب النائب جماعة من الجوامعة، وصادرهم، وهرب بعضهم، وطلب أن يخرج معه إلى مقصده من كل نوع من الصنائع صناع، كالمعمارية والنجارين والخراطين والحجارين والفامية والأساكفة، ولم يعلم أحد بمقصده.
ثم في ليلة السبت عاشره انتقل من المرج إلى قريب عقبة شحرور، قبلي دمشق، وليس معه من المماليك إلا نحو السبعين، وإنما استخدم مشاة كثيرة بجامكية.
الكلام الجيد والأمر الطيب والكف عن الشر جهده، بخلاف الدوادار آقبردي ومن معه من المصريين، وكان أشد الناس عليهم نائب القلعة فإنه بذل نفسه وجميع أموال القلعة وعددها؛ وكان غيره من الأتراك لا يغنون شيئاً، إنما يلبسون ويدورون داخل البلد، ولا يخرج أحد منهم إلى الدوادار وجماعته، وهو يقول: هؤلاء العلوق المخابثة، ما أحد منهم يقدر يواجهني أو يفتح عينه في عيني ".
" ولم يسعف نائب القلعة غير العوام، خصوصاً أهل الشاغور، فإنهم برزوا للدوادار عن شر كثير وأذاقوه البلاء الزائد، وعضدتهم مماليك نائب الشام المتوفى قانصوه اليحياوي، حتى بلغني عن الدوادار أنه قال؛ ما كنت أظن أن أحداً من العوام يقدر على القتال هكذا، وكانوا يظهرون على سور دمشق ويسبونه ويوبخونه وينادون عليه، يا غراب، لكونه أسمر، ما فاعل ما صانع، وهو يتألم من ذلك، وينكبت منه ".
" ولم يتمكن من البلد بشيء، مع أنه التف عليه من المقدمين شيخ بلاد نابلس حسن بن إسماعيل، ونائب بعلبك ابن الحرفوش، ومقدم الزبداني، وغيره ابن باكلوا، وكبير المرج خالد الغزلاني، ومقدم التيامنة ابن بشارة، وبالجملة فكان أكثر من معه طائفة اليمينة وكان هؤلاء الذين معه يفسدون ويقطعون الطرقات، وأكثر منهم فساداً وقطعاً للطرقات نائب غزة آقباي، فكانوا يأخذون أموال الناس ودوابهم وحصل منهم الأذى العام، وخصوصاً ابن باكلوا منهم، حتى قتل بقرية دمر رئيسها وكبيرها ابن مرجوح، وكان يطعم الطعام على الطريق وهو رجل جيد غير أنه من حزب القيسة ".
" قيل وبالحصار قتل تنم الحاجب الثاني بدمشق مع أنه كان يتهم أنه في الباطن من حلف الدوادارية، والأصح أنه لم يعلم قاتله، ثم إني رأيت في ليلة الاثنين رؤيا تدل على ذهاب هذه الشدة، وحكيتها للطلبة في الدرس، وقلت: لا يأتي يوم الجمعة إلا وأمره قد انفصل.
ففي يوم الخميس أصبح الناس وقد ذهبوا وخلوا غالب ما لهم، وحتى الطعام في القدور، فتغنم الناس من ذلك، ولا سيما نائب حماة والصوالحة،، ونهب ميدان الحصى، وأحرقت أماكن منه، وأظهروا خبايا لأهله، حتى يقال إن خبايا كانت من زمن اللنك ما عرف أحد مكانها، ظهرت في هذه النهبة من كثرة فحص الناس.
ثم بعد أربعة أيام قدم كرتباي الأحمر على نيابة دمشق، وجان بلاط على نيابة حلب، ومعهما جماعة من مماليك السلطان، فأقاموا بدمشق مدة ثم توجه جان بلاط إلى جهة حلب، وتأخر بعده كرتباي قليلاً. واستخدم خلائق وذهب خلفه " انتهى كلام محدثنا.