المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ست وتسعمائة - مفاكهة الخلان في حوادث الزمان

[ابن طولون]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول

- ‌سنة أربع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ست وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسعين وثمانمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة اثنين وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ست وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعة وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعمائة

- ‌سنة إحدى وتسعمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعمائة

- ‌سنة أربع وتسعمائة

- ‌سنة خمس وتسعمائة

- ‌سنة ست وتسعمائة

- ‌سنة سبع وتسعمائة

- ‌سنة ثمان وتسعمائة

- ‌سنة تسع وتسعمائة

- ‌سنة عشر وتسعمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وتسعمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

- ‌سنة أربع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة خمس عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ست عشرة وتسعمائة

- ‌سنة سبع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وتسعمائة

- ‌سنة تسع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وتسعمائة

- ‌القسم الثاني

- ‌سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ست وعشرين وتسعمائة

الفصل: ‌سنة ست وتسعمائة

وفي أواخر ليلة الثلاثاء رابع عشريه دخل الأمير قصروه الصغير من مصر إلى دمشق خفية، بخلعة نائب الشام قصروه، فلم يلبسها، فرجع بها.

وفي يوم الجمعة سادس عشريه دخل من حماة نائبها يخشباي إلى دمشق.

وفي يوم الجمعة سابع عشريه، عقيب الصلاة، سافر من دمشق إلى مصر الأمير سيباي، الباش الذي أتى من غزة إلى دمشق، وقد أنعم عليه السلطان الجديد جان بلاط بالحجوبية الكبرى بمصر، فسافر إليها يومئذٍ، وخرج النائب لوداعه، وقد خلع عليه خلعة حمراء بسمور خاص، وسافر معه خلق كثير من المصريين وغيرهم، وكان قد سبقه غالب المماليك المصرية.

‌سنة ست وتسعمائة

في الحديد، وذلك في يوم السبت تاسع عشر جمادى الآخرة.

وفيه، بعد عصره، طلع السلطان الملك العادل إلى قصر القلعة، وأحضر القضاة والخليفة أمير المؤمنين، وقرئت عليهم مبايعته بدمشق، فأمضاها له الجميع، ودقت لبشائر وقبلت له الأرض؛ فلما علم أهل دمشق ذلك دقت بشائرها أيضاً، وفرحوا بذلك فرحاً كثيراً وكثر الدعاء له، لبغضهم لجان بلاط، لخبث طويته، ورجاءً لعدل الملك العادل، ثم نودي بالزينة بدمشق، واستمرت البشائر والزينة بدمشق، سبعة أيام، ثم رفعا بكرة يوم الأحد رابع رجب منها.

وفي مستهله يوم الخميس، نودي بدمشق عند نائب الغيبة الحاجب الكبير مغلباي، عن دودار النائب تمرباي، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبطال الخمارات والمناكر، ففرح الناس بذلك، إلا أن السوقة أمروا بالزينة، وهم مشغولون بالمبيت بالأسواق، مع البرد الشديد، وطول اليل، وكثرة الحرامية بدمشق، لغيبة نائبها.

وفي يوم الاثنين خامسه وصل من مصر إلى دمشق دوادار الأتابكي قصروه لأخذ الحريم، وخلع عليه النائب مغلباي، بعد أن أخبره بالأمور التي وقعت بمصر، ثم شرع الدودار في أسباب السفر بالحريم، وجمع الأموال المتعلقة بهم، وحزم الأحمال، وقد تعاظم الأتابكي يومئذٍ بمصر، واستخدم خلقاً كثيراً، وحدثته نفسه بالقبض على السلطان العادل، وضبط عليه كلام يفهم ذلك.

ونقل إلى السلطان على ما قيل عنه، وبلغه أنه بعث جماعة خفية إلى دمشق بالتوصية

ص: 187

بضبط القلعة؛ فأرسل السلطان أيضاً خفية نائباً لها، وهو الأمير دولتباي اليحياوي، المعروف بخال الأسياد، وبقبض جماعة قصروه التي بدمشق، وأمر قاصده بالسفر سريعاً قبل وصول قاصد قصروه، فستر ووصل إلى دمشق في ليلة الأحد حادي عشره، وهو سلخ كانون الثاني، وعلى يديه مراسيم شريفة بالقبض على مغلباي الحاجب الذي ولاه قصروه، واستمر فيها وفي نيابة الغيبة إلى يومئذٍ وعلى دوادار قصروه الذي أتى من مصر لأخذ الحريم، وعلى عبد القادر الحموي، والمعروف بأبي النائب، وعلى ابن حسن، المعروف بأبي النائب، الذي هو الآن بمصر، فلما قبض عليهم كثر الكلام بدمشق، فمن قائل مات قصروه من جرح أصابه في محاصرة قلعة مصر مع العادل، ومن قائل سقياً، ومن قائل قبض عليه السلطان، وفرح أهل دمشق وكثر الدعاء للعادل.

وفي يوم الأربعاء رابع عشره وصل من مصر إلى دمشق القاصد الذي أرسله قصروه بالمطالعات بضبط القلعة، وفد سبقه قاصد السلطان، فقبض جماعته.

وفي يوم الأحد ثامن عشره وردت المطالعات والمراسيم الشريفة إلى دمشق، بأن تقرأ على الأمراء المقبوض عليهم بالقلعة، بأنا قد رسمنا بعد القبض على الأمير قصروه، بتسفيره إلى مكة المشرفة بطالاً، مرسماً عليه، وصحبته جماعة منهم يخشباي نائب حماة كان، ومنهم مغلباي السمين، وفلان وفلان، وعد نحو عشرة أمراء، وأنكم تكون صدوركم منشرحة لما يأتي عليكم إن شاء الله تعالى.

وفي يوم الثلاثاء عشرينه ورد الخبر إلى دمشق بأن الأتابكي قصروه خنق، بعد إخراج الأشرف جان بلاط إلى الإسكندرية بثلاثة أيام، وأنه غسل وكفن وصلية عليه، ودفن في تربة قجماس، وأقام حريم قصروه بدمشق عراة، فكان كما يقال: جاء قصروه إلى وروه؛ ثم أرسل إلى الإسكندرية أيضاً، فخنق الأشرف أيضاً، ولم يصدق بذلك حتى أتي إليه برأسه، فرآه؛ فتذكرت ما أنطق الله به لسان شيخي محيي الدين النعيمي يوم خروج جماعة العسكر " كأنهما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ".

وفي يوم الأحد خامس عشريه شاع بدمشق أنه ورد نجاب من مصر، له عنها مدة أحد عشر يوماً، وأخبر بأن نائب الشام دولتباي، أخا العادل، قد عزم علي المجيء إلى كفالته.

وفي بكرة يوم الثلاثاء سابع عشريه دخل من مصر إلى دمشق الأمير أزدمر اليحاوي، وقد ولي أمرة المسيرة.

وفي بكرة يوم الأربعاء سادس شعبان منها، ورد الخبر من مصر إلى دمشق بعزل قاضي المالكية الشمسي بن يوسف، وإعادة الشمسيى الطولقي بتاريخ خامس عشري رجب، الشهر

ص: 188

الماضي.

وفي بكرة يوم الخميس سابعه دخل من مصر إلى دمشق الأمير برسباي المجنون، وهو لابس خلعة الحجوبية الثانية بدمشق، وتلقاه ناس قلائل؛ ثم خلع خلعة على أحمد بن شاهين الحاجب الثالث.

وفي بكرة يوم الاثنين حادي عاشره، وهو أول آذار، دخل من مصر إلى دمشق، الأمير دوادار سكين بمصر، مارا إلى البلاد الشمالية ليكشف على قلاعها، وتقليد نواحيها، وخرج لتلقيه أرباب الوظائف على العادة، منهم دوادار النائب أبي قورة، وخرج معه زعر الشاغور، وأظهروا لأهل ميدان الحصى عناداً كثيراً، فاقتتلوا وقتل من أهل الشاغور رجل يقال له الكساوي، فهاشوا بسبب ذلك، ومنعوا أهل الميدان من الانتشار في أسبابهم، وظهر قلة حرمة الدوادار، وطمع أهل الزعارة لرذالته، وغيبة النائب.

وفي يوم الأحد سابع عشره سافر إلى مصر الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، وصحبته ولده النجمي، بعد أن انقلب عليهم القاضي الشافعي.

وفيه قبض على أحد المجرمين بمحلة قبر عاتكة، يقال له المزاوي، ووعد بمال، فلم يفده وشنق في عشيته، وأراح الله منه العباد والبلاد.

وفي يوم الأحد رابع عشريه وصل إلى دمشق من الرملة مبشر، بأن نائب الشام دولتباي وصل من مصر إلى الرملة، فتهيأ أهل الولايات بدمشق لتلقيه بالفواكه والحلاوات والمعمول غير ذلك.

وفي هذه الأيام سافر الشمسي بن يوسف، المعزول عن قضاء المالكية بدمشق، إلى مصر ليسعى على غريمه الشمسي الطولقي.

وفي يوم الاثنين خامس عشريه رجع من مصر إلى دمشق العلامة السيد كمال الدين بن حمزة، وصحب معه زوجته المصرية، وأولاده منها، وهم خمس بنات، وله ولد ذكر من زوجته بنت الصلاح العدوي، وأما زوجته الثالثة، فليس له منها ولد.

وفي يوم الخميس سادس رمضان منها، دخل نائب الشام إلى دمشق بعسكر قليل، وقد شاع بدمشق أنه قد أنعم عليه بالأتابكية بمصر مضافة لنيابة الشام، وأنه استناب فيها، وعما قليل يرجع إلى مصر؛ وكان قبل دخوله قد هجم عرب طريق الحاج على بعض جمالة وأخذوا منها شيئاً، فرجع عليهم وتبعهم على ما قيل إلى بلاد الحسا، ودخل إلى القدس، ثم أتى ودخل دمشق في اليوم المذكور؛ ودخل صحبته الأمير برد بك الذي عزله عن نيابة طرابلس قبل ذهابه إليها، وقد أنعم عليه بأتابكية دمشق، بعد عزل القرناص قرقماس منها.

ولما كان النائب بقبة يلبغا، وخرج دوادار السلطان قانصوه الفاجر لتلقيه والسلام عليه،

ص: 189

جلس فوق أمير ميسرة، فنهاه النائب، فقلل أدبه، فأمر باعتقاله، فأخرج من القبة مرسماً عليه إلى القلعة، ورسم باعتقال المعلم أحمد الأقرع، الذي له بعض تكلم في المارستان النوري، بعد أن كان هو اعتقل على جماعة من أرباب وظائفه، منها القاضي الرضي الغزي، والنجم، الخيضري، والزيني عبد القادر العدوي، فأمر النائب بفكهم من الاعتقال، وأكرم النجم الخيضري، وهو دليل على قلة دينه.

ولما دخل دمشق لم يطلب، وعليه خلعة خضراء بطراز حافل، وعلى يمينه الشافعي بخلعة صفراء بمقلب سمور خاص، كان قد بعث إلى دوادار ليعملها لنفسه، فآثر بها الشافعي، وهي بكمين صغيرين، فلما استقر بدار السعادة، أمر المناداة حسب المرسوم الشريف من المقام الشريف وبالأمان والاطمئنان، وإبطال المشاة من بيوت الحكام، وأن لا يحمل أحد سكينا.

وفي يوم الجمعة سابعه صلي صلاتها بجامع تربة العجمي بالحدرة الذي هو محل الحشرية.

وفي يوم الثلاثاء حادي عشره ذهب رجل دين بفرس له إلى فسيل له ببستان، جوار ضريح الشيخ سراج، بمحلة المزاز، من أرض بثنية، فتبعه عدو له ومعه جماعة، فضربوه بالسكاكين وقتلوه، وأخذوا فرسه، وأرادوا دفنه بخشخاشة هناك، فلم يمكنهم ذلك من الخوف؛ ثم بعد أيام رمى استادار النائب عبد العزيز الحلبي على أهل تلك المحلة، وأهل كفر سوسيا مالاً كثيراً، وأخذ من بعض التجار، الذي له بستان هناك، نحو مائة دينار، ولم يلتفت إلى ما رسم به السلطان، حينئذ العادل، لأهل دمشق، من أنه إذا قتل قتيل بمحلة لا يغرم أهلها بسببه، بل يتبع الغريم؛ ونقش ذلك في جميع حارات دمشق على الحيطان الحجر؛ ثم بعد أيام قبض على اثنين من غرماء القتيل، وهرب الثالث بالفرس، وهو عدوه الكبير منهم.

وفي بكرة يوم الاثنين سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير يلباي العادلي، نقيباً لقلعة دمشق، في أبهة حافلة، لم يدخلها نائب الشام.

وفي يوم الأربعاء تاسع عشره أمر النائب بإشهار النداء للحاج، بأن ما لكم أمير إلى الحجاز إلا ملك الأمراء، وأظهر النفقة على خروجه لذلك، وصادر الخواجا ناظر الجيش بدمشق ابن النيربي، الذي كان في العام الماضي أمير الحج، وكان قد عين أيضاً لهذه السنة، وأخذ بركه، ونهب مال زوجه قصروه بجوار منزل

ص: 190

ابن النيربي المذكور، وصار أيضاً المجرم، الذي كان قد أقامه قصروه في حال عصيانه ديواناً لضبط أموال المصريين بدمشق، ابن شنتمر، وغيره.

وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن مصر مخبطة، وأن الغوري اختفى، ومعه تنبك الجمالي، وقنبك الرماح، وأن السلطان قد أهلك خلقاً كثيراً تغريقاً وخنقاً، وهو يتبع الجماعة الجانبلاطية من جميع البلاد، وأن نائب حلب أركماس عزل منها، لأنه ظهر منه بعض مخالفة للسلطان.

وفي ليلة الجمعة حادي عشريه ختم الطفل، الثماني السن، زين العابدين، ابن أحد عدول دمشق، شيخنا شمس الدين الخطيب المصري، وخطب على باب مقصورة الجامع الأموي، تحت نسره، وخلع عليه جماعة، ولم يحضر أحد من القضاة الأربعة، بل أرسلوا بعض جماعتهم، ثم مشيت أنا والشيخ محب الدين بن هشام، وجماعات كثيرة من الأفاضل، قدامه، وطفنا دورة دمشق ليلاً، خرجنا من الباب الصغير بالشاغور، ودخلنا من باب الفراديس، وكان مرورنا على دار السعادة، وذكر لنا والده أن هذه عادة المصريين إذا ختم الولد عندهم، ولم يصل هذا الولد بجميع القرآن، وإنما صلى بربعه، وعاد أولاد الشاميين أن يصلوا بالقرآن كله.

وفي يوم الخميس عشريه، وهو خميس البيض، قبض فيه على مملوك أصله افرنجي من بلاد طرابلس، كان خدم مع أينال الفقيه نائب الشام، الممنوع من دخولها، وهو سائر داخل بأبي الفرج والفراديس، ضبط عليه أنه قتل جماعة وأخفاهم، وأخذ أموالهم، وعرّى جماعة من النساء، وأخذ الأساور من أيديهن مجاهرة عند باب المرستان النوري، وأنه كان يأكل بقائم فجوره، فأمر النائب بقطع يده ورجله، ففعل به ذلك عند باب المارستان المذكورة، فهجم العوام عليه وضربوه بالخناجر، وسحبوه حياً بدمائه الكثيرة على الطرقات إلى عند المشنقة بالخراب وحرقوه بالنار؛ فبلغ النائب ذلك، فأمر بالركوب على العوام، فركبت مماليكه وبطشوا في كل من رأوه في طريقهم، وعرّى جماعات وذهب مال كثير للناس، وغلقت الأسواق، ورفع جماعات إلى النائب، فصادر بعضهم، وصفح عن آخرين، وكان يوماً مهولاً.

وفي يوم السبت ثاني عشريه شاع بدمشق عزل نائب حلب أركماس، بنائب غزة الأمير قانصوه رحله.

وفيه نودي بدمشق أن الأمير يلباي الأينالي، الذي كان نائب طرابلس، وصادره قصروه في حال عصيانه، وأخذ موجوده، الذي هو الآن بمصر بعد وصوله من دمشق، قد ولاه السلطان دوادارية السلطان بدمشق، عوضاً عن قانصوه الفاجر، وولاه أيضاً وظيفة نظر الجيش، عوضاً عن الخواجا بن النيربي، وولاه أيضاً

ص: 191

وظيفة عداد الغنم، ووظيفة النظر على وقف الملك الأشرف قايتباي بالشام، فهن أربع وظائف؛ ثم في آخر النهار المذكور نودي بأن وظيفة نظر الجيش لمحب الدين الأسلمي، لا للأمير يلباي المذكور، وهذا من العجائب.

وفي يوم الأحد ثالث عشريه اشتهر بدمشق وفاة نور الدين بن الصابوني، ناظر الخواص الشريفة بمصر، في أوائل رمضان، وأنه تولى مكانه فيها علاء الدين ابن الإمام، وأن السلطان عزل صلاح الدين بن الجعيان من كتابة السر التي وليها قريباً عن ابن مزهر زين الدين، وتولاها ابن أجا الحنفي الحلبي؛ وأن وظيفة كتابة الخزانة الشريفة، التي هي من قديم مع بيت الجيعان إلى الآن، عزل عنها صلاح الدين المذكور، وتولاها أبو المنصور ديوان آقبردي كان، ثم ديوان هذا السلطان.

وأن ابن يوسف قاضي المالكية بدمشق، الذي كان قد عزل عنها في خامس عشري رجب منها، بشمس الدين الطولقي، قد أعيد إليها، وعزل الطولقي منها، وذلك في تاسع عشر رمضان، وأنه لم يعط للسلطان شيئاً غير قراءة الفاتحة على قاعدة قراء المغاربة، وأن السلطان قال لكاتب السر: ونختصر الفاتحة أيضاً، وأنه أرسل ليستناب في الحكم عنه الشهاب الطرابلسي، وأنه تصالح مع شيخ المالكية عبد النبي، الذي كان سافر للشكوى عليه.

وفي يوم الاثنين ثامن شوال منها، دخل من مصر إلى دمشق الأمير يلباي الأينالي المؤيدي، بالأربعة وظائف المتقدم ذكرها، وتلقاه النائب وأرباب الدولة على العادة.

وفي صبحة يوم الجمعة ثاني عشره، وهو آخر نيسان، دخل جماعة من مصر بغتة، بسرعة إلى دمشق، وصحبتهم مملوك بمراسيم شريفة، ومطالعات بالأخبار، بأن السلطان العادل حوصر يوم سابع عشري رمضان، ثم طلع الأمير الدوادار الكبير قانصوه الغوري، وأن العادل فقد، وأنه يوم العيد بويع بالسلطنة بعده لفقده، وأنه لقب بالسلطان الملك الأشرف.

وصحبتهم أيضاً مرسومان شريفان، أحدهما لأهل القلعة بالحرص عليها، وتحصينها، وإطلاق الأمراء المقبوض عليهم بها، وأن يستمروا بدمشق حتى يرد عليهم ما يعتمدونه؛ والمرسوم الثاني لملك الأمراء دولتباي، ففي الحال أظهر الذلة، ولا قوة إلا بالله، وطلبوا منه

ص: 192

الحضور إلى القلعة، فوعدهم إلى غد، فلما انتصف الليل ركب في جماعة وذهب، فلم يعلم حقيقة خبره؛ وقيل إن نائب القلعة دولتباي اليحياوي، والحاجب الكبير برد بك تفاح، أرادا الهجم على دار السعادة لضبط موجوده، فلم يمكنا، والناس الآن في حيرة وتأسف على العادل لعدم العلم بحقيقة حاله.

وورد مرسوم شريف أيضاً بإبقاء أركماس نائب حلب بها، وعزل قانصوه رحله الذاهب إليها؛ ثم ورد الخبر من حماة بأن نائبها سيباي قبض على قانصوه رحله بمرسوم شريف.

وفي هذه الأيام قبض الأمراء، الذين أطلقوا من حبس القلعة، على نقيبها يلباي، الذي تقدم ذكر دخوله إلى دمشق قريباً، وصادروه وأخرجوه منها.

وفيها وجد الرجل الصالح خطاب بن عمر الشويكي الأسمر الحنبلي المقرئ بخلوته بالضيائية، جوار الجامع المظفري، بسفح قاسيون، مشنوقاً في حبل قد اشتراه من حانوت بالصالحية بنصف درهم، ولم يعلم حاله في ذلك، هل هو لأجل شيء فاته، أو عرض له يبسٌ في دماغه، وقد كان من شهور عرض له ضعف بدن، وذهب إلى مرستان الصالحية القيمري، وعوفي وقد كان أظهر لرجل بالضيائية، أن معه مالاً، عدده من الذهب الأشرفية أربعمائة وثلاثة عشر أشرفياً، وأنها تكون عنده وديعة إلى أن تأتي زوجته من المجاورة. وأن له ابن عم وأخا، فأبى الرجل قبول الوديعة بغير شهود، وهذا الرجل يعرف بابن مكنا، وهو رجل صالح.

فاختار القاضي محيي الدين الرجيحي وأوصى إليه ولزاويته بعشرين أشرفيا، وأن يحج عنه بثلاثين أشرفيا، ولشهود الوصية بعشرة أشرفية، ولختمات شريفة بكذا، والباقي يرصد لقدوم الغائبين، فأرصدت تحت يد الشافعي، ثم طلب الأمير يلباي دوادار السلطان بدمشق القاضي الرجيحي، ورسم عليه وعلى شهود الوصية، وطلب المال منهم أياماً وزين الدين خطاب هذا كمان يقرئ الأطفال بالمدرسة السعدية، المشهورة بمدرسة الخواجا إبراهيم، بالجسر الأبيض، وكان على خير، يقرأ في بعض الأيام ختمتين، ويلزم حضور درس الشيخ شهاب الدين بن سلم يوم السبت والثلاثاء، ولكن الأعمال بالخواتيم.

وفي ليلة يوم السبت عشرينه ثار محمد النجار الأزعر، في محلة رأس قصر حجاج، وضرب يوسف بن عبد الوهاب الطيان، أحد الثلاثة الذين قتلوا الشريف الوهراني الشاهد بالمحلة المذكورة، فتحامل إلى بيته بالشويكة، ومات بعد ساعة ثم في غدوة اليوم أتى رفيقه

ص: 193

يوسف بن الكسار بالحطب، وأراد إحراق حانوت النجارة التي للضارب، فمنعه أهل السوق، فهاش بخنجره وأتى إلى علي بن الحبال اللحام بالسويقة المحروقة، ولم يكن له يد في قتل رفيقه، فضربه بخنجره في رقبته، فهرب ومات بعد ساعة.

ثم أتى الوالي وختم على حوانيت السويقة المحروقة، ثم ذهب إلى المضروب أولا فمر على أحد زعر الشويكة، فهرب إلى زقاق ينفذ إلى بستان، وفي الزقاق بيت الخواجا ابن الماجوري، فدخل الوالي بجماعته إلى الزقاق، وهجموا على حريم ابن الماجوري، ونهبوا له غالب موجوده، وخرجوا وختموا على باب البستان عجزاً عن تحصيل الهارب، وأمر بدفن المقتولين في اليوم المذكور.

ويوسف بن الطيان هو الذي عارض شيخنا محيي الدين النعميي ومعه رفيقه أحمد المعتوه، وفي صبحة يوم الجمعة حادي عشر رمضان من السنة الماضية، وأخذا شاشه، وأرادا إعدامه، فسلمه الله منهما، وهما ورفيقهما الهارب اللحام من حين قتلوا الشريف المذكور قد تجبروا على السرقة والتجني في البساتين، ونهب دواب الناس، والسفر إلى صفد وطرابلس وغيرهما في بيع ما أخذوه، وعرف ذلك أهل الحارات بحيث أنهم صاروا في غنية بعد فقر، وهم في هيئة مجرمة من لبس الأبشات بالكمام الكبار، لتستر البولاد الذي حاملوه خوفاً من أعدائهم.

وفي هذه الأيام كثر الكلام عن السلطان الجديد قانصوه الغوري، وأشاعوا عجزه، وكان قد عزم كثير من الناس على الحج، ثم أراد بعضهم ترك ذلك، وتردد بعضهم، وقوي عزم بعضهم، بواسطة قيام نائب الغيبة برد بك تفاح، وإقامته تمرباي القجماسي المشهور بأبي قوره في أمرة الحج، في ثالث عشر شوال.

وفيها غلا القمح إلى قريب كل كيل بثلاثين درهماً، والدبس بأكثر من ثلثمائة القنطار؛ وبلغني أن الزرع غير المسقي تلف في جميع البلاد الحورانية.

وفي يوم الاثنين ثاني عشريه خرج الوفد من دمشق إلى الحجاز، وأميرهم تمرباي القجماسي، وخرج معه حج كثير من الأروام والحلبيين والدمشقيين وغيرهم.

وفي يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة منها، ورد مرسوم شريف إلى دمشق، بأن الأمراء الذين أطلقوا من حبس القلعة يأتون إلى مصر، وكان قد انضم إليهم جماعة أخر من المنفيين، وقد سالموا وعاطوا بدمشق، وجميعهم بالقلعة؛ وبلغ ما يحتاجون إليه من الشعير في كل يوم

ص: 194

ثمانية عشر غرارة، وبقي لهم كلمة وسلطة لاجتماعهم، سيما الأمير آزدمر، وقرقماس الذي كان تولى نيابة حلب.

وفي يوم السبت ثاني عشره سافر إلى مصر هذه الجماعة بعد أن حصل منهم شر كثير، من أخذ الدواب، وتسخيرها، وغير ذلك.

وفي هذه الأيام شاع بدمشق استقرار الأمير قانصوه البرجي، لأنه كان نائب البرج الذي بناه قايتباي بالإسكندرية، وكان قد نفاه الملك العادل إلى مكة، والحال أنه كان السبب في تسليم قلعة مصر له؛ ولقانصوه هذا ثلاثة أخوة خضر بك الذي ولي نيابة القدس، وخير بك الذي حبسه العادل بقلعة دمشق، وجان بلاط الذين كان دوادارا للسلطان بدمشق، ثم هرب من قصروه إلى حلب واستمر معزولاً.

وفي بكرة يوم الاثنين رابع عشره نودي بدمشق أن الأمير جان بلاط المذكور يكون نائب الغيبة بها، عن أخيه قانصوه البرجي.

وفي هذه الأيام قطعت الطرق من كثرة العرب من المفارجة.

وفي بكرة يوم الخميس سابع عشره أمر نائب الغيبة بإشهار المناداة بدمشق للأجناد والأمراء وأهل الجهاد، أن تأهبوا للجهاد في سبيل الله، وذلك لأجل العرب الذين خارج دمشق، وفي أطرافها، وتقطعت الطرق بسببهم، ووقف حال الناس من كثرة الظلم، ثم بعد أيام رحل العرب عن الطرق، وقل شرهم.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه ورد الخبر إلى دمشق بأن جماعة كبسوا بيت العادل طومان باي، الذي كان يسكنه قديماً، فقبضوه، وقطع رأسه، وعلق على قلعة مصر.

وفي ليلة الخميس رابع عشريه قبضت امرأة من محلة الشويكة على خصيان حرامي، فقبض ورفع إلى نائب الغيبة، فعذب بالكلس والماء والضرب، إلى أن مات، ولم يقر، وأصله من بيت إيما.

وفي اليوم المذكور دخل من مصر إلى دمشق خاصكي صحبته خلعة لجان بلاط المذكور، بنيابة الغيبة بدمشق، إلى أن يأتي أخوه قانصوه البرجي من مكة؛ وقد أنعم السلطان بمماليك دولتباي المنفصل على النائب الآتي المذكور، فردوا قبل وصولهم إلى مصر.

وفيه شاع بدمشق أن النائب المنفصل قد ظهر في بلاد حمص، وأنه كان قد أرسل إلى السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري يسأل من صدقاته، أن يكون بمكة أو بالقدس بطالاً، فأجيب إلى ذلك؛ وكان لما جاءه الخبر بفقد السلطان العادل أخيه، تأهب للهروب، فأعتق مماليكه، وأخذ ما يقدر على أخذه، وأودع ما لا يقدر على أخذه عند خواصه بدمشق، ثم لما

ص: 195

ورد المرسوم إليه وأمر أن يقرأه في القلعة، ضيعه إلى الليل، وتسحب، ولم يظهر أمره إلى هذه الأيام.

وفيها عزل الحاجب الكبير بدمشق؛ برد بك تفاح، الذي ولاه العادل.

وفي ليلة الجمعة خامس عشربه احترق سوق النحاسين، تحت قلعة دمشق، والربع فوقه من شرقي المدرسة التغرورمشية، إلى آخر جسر الزلابية ولم يصل لعمارة القاضي الشافعي.

وفي بكر يوم الاثنين ثامن عشره دخل من مصر إلى دمشق نقيب قلعتها الجديد، عوضاً عن يلباي، الذي كان أرسله العادل.

وفي يوم الأحد رابع ذي الحجة منها، وصل خاصكي من مصر إلى دمشق، بالبشارة بقطع رأس الملك العادل طومان باي، في يوم الاثنين رابع عشر ذي القعدة، وصحبته مرسوم شريف بتصديق بشارته، وأخبر بعض الحجازيين الآتين من مصر صحبة الخاصكي المذكور، أن الذي ألجأ طومان باي على هربه من القلعة في رمضان، أن بعض الناس أظهر بمصر، أن قانصوه خمسمائة ظهر، وكبروا لذلك فرحاً وقت المغرب، فنزل من القلعة جميع من يأكل السماط، ولم يبق مع العادل أحد، فهرب خوفاً من باب آخر للقلعة، واختفى، فتحيل عليه جماعة وتوصلوا إليه، وحسنوا له أن يعود إلى الملك، فظهر لبعضهم، فهجم عليه جماعة، منهم الأمير أرزمك خازندار جان بلاط، وبيده السيف مصلتا، فقال له: أين جان بلاط؟ فعلم أنه مقتول، فهرب إلى فوق جدار ورمى بنفسه، فنزل إليه المذكور وقطع رأسه، وأتوا به إلى الأشرف الغوري فعلقه على قلعة مصر.

وأخبر هذا البعض من الحجازيين أن الملك الظاهر قانصوه، خال الناصر، حي باق، وهو مقيم ببرج يسبك الدوادار بالإسكندرية، وقد كان أشيع أن العادل أرسل قتله؛ وقبل هذا الخاصكي بخمسة أيام، دخل من مصر إلى دمشق، الأمير قانصوه الفاجر، الذي كان نائب صفد، حاجباً كبيراً بدمشق، عوضاً عن برد بك تفاح، الذي كان العادل ولاه.

وفي هذه الأيام وصل كتاب من مصر إلى دمشق من ابن الخشاب الطرابلسي، المعروف بمصر بصبي تمراز، يخبر فيه بأن القاضي علاء الدين بن موسى الحموي الحنفي، الذي سافر إلى مصر بعد عزله من نيابة الحنفي بدمشق، قد ولي قضاء طرابلس مستقلاً، وأن نقيب الأشراف بدمشق كان، المعروف بها بالزهري، وبمصر بان حسبي الله؛ استقر في قضاء الشافعية بطرابلس أيضاً، وفي كتابة سرها أيضاً، والحالة أنه رجل جاهل، فلا قوة إلا بالله.

ثم بعد ثلاثة أيام أظهر السيد إبراهيم، الذي كان نقيب الأشراف قبله، مرسوماً شريفاً من

ص: 196