المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وتسعمائة - مفاكهة الخلان في حوادث الزمان

[ابن طولون]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول

- ‌سنة أربع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ست وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسعين وثمانمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة اثنين وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ست وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعة وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعمائة

- ‌سنة إحدى وتسعمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعمائة

- ‌سنة أربع وتسعمائة

- ‌سنة خمس وتسعمائة

- ‌سنة ست وتسعمائة

- ‌سنة سبع وتسعمائة

- ‌سنة ثمان وتسعمائة

- ‌سنة تسع وتسعمائة

- ‌سنة عشر وتسعمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وتسعمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

- ‌سنة أربع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة خمس عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ست عشرة وتسعمائة

- ‌سنة سبع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وتسعمائة

- ‌سنة تسع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وتسعمائة

- ‌القسم الثاني

- ‌سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ست وعشرين وتسعمائة

الفصل: ‌سنة أربع وتسعمائة

‌سنة أربع وتسعمائة

استهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي؛ ونائبه بدمشق كرتباي الأحمر؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين ابن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي شمس الدين الطولقي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، وأشيع عزله بابن قدامة ولم يصح لمساعدة النائب له؛ والأمير الكبير قانصوه اليحياوي؛ والحاجب الثاني

؛ ونائب القلعة الأيدكي، ولاه النائب في السنة الماضية؛ ونقيبها

وكاتب السر محب الدين الأسلمي؛ وناظر الجيش الخواجا زين الدين محمد النيربي، وهو ناظر الجوالي؛ وناظر القلعة ووكيل السلطان والمحتسب ابن الحنبلية؛ ودوادار السلطان جان بلاط؛ وصاحب مكة الشريف بركات بن محمد بن عجلان؛ وصاحب الروم محمد بن بايزيد بن عثمان وصاحب المغرب محمد بن يوسف.

وفي يوم الاثنين ثاني محرمها، عاد النائب من بلاد ابن ساعد عجلاً إلى دمشق، وتريب بعض الناس من عجلته، ثم شرع في مصادرة الناس في أموالهم وفي عبيدهم، وجمع عبيداً كثيرة، وعلمهم الرمي بالمبندقيات والكفيات والسبقيات بالبارود، وجعلهم طبقات، لكل طبقة كبير، وألبسهم الأقباع والجوخ الحمر، وصاروا يشار إليهم بدمشق، وبطل غالب النقباء وأهل الزعارة.

وفي يوم الثلاثاء، يوم عاشوراء، لبس النائب خلعة خضراء بطراز خاص، وكان يوماً حافلاً بعد أن استبطأ الناس.

وفي يوم الاثنين سادس عشره دخل من مصر إلى دمشق خاصكي من خشداشين النائب، جاء ليتسلم منه قلعة دمشق ليولوا فيها بعد ذلك نائباً، وتلقاه النائب والقضاة، فدخل على العادة بخلعة بطراز خاص، ثم لم يسلمه القلعة وفي يوم الأربعاء خامس عشريه، وهو عيد الزبيب، جمع النائب بالاسطبل جميع من له وظيفة بالجامع الأموي، وآخر ما انتهى الأمر عليه أن لا يستنيب أحد في وظيفته، وأن يباشرهم بنفسه، وأن يسوّي بين المؤذنين والمباشرين في المعلوم، - وفيه أطلق المقبوض عليهم من أكابر الصالحية من المناحيس " كفر فجة ".

ص: 164

وفي يوم الخميس سادس عشريه وصلت كتب الحاج إلى دمشق، وأخبروا بالأمور. - وفي عشيّة يوم السبت ثامن عشريه، بعد العشاء، بعث النائب وراء الشيخ شهاب الدين بن المحوجب، والي البرّ، وأستداره ابن الخياطة، ومشاة كثيرة نحو الثلاثين، فأخرجوه من داره قرب ثلث الليل وأركبوه، والمشاة حوله، فكاد ينقطع خوفاً، فلما وصل هدّده وأضمر له شرّاً لأجل مكاتبته ابن ساعد، ثم أودعه في القجماسية مرسّماً عليه، فبات ليلتأذ، فلما حضر القضاة والفقهاء والمستحقون في الجامع الأموي، لأجل تحرير أرباب وظائفه، وفرغوا من ذلك، شفع فيه القاضي الشافعي، فشفعه فيه بالجهد، وأتى به إلى بيته، ثم تحدثا وانصرفا.

وفي يوم الأحد تاسع عشريه حضر القاضي الشافعي تدريس الغزالية بالجامع الأموي عند باب الخطابة، وشرع في شرع " المنهاج " للمحلّي.

وفي آخر ليلة الثلاثاء تاسع صفر منها، وهو خامس عشرين أيلول، أرعدت السماء وأبرقت، ثم وقع المطر الجديد، ثم انقطع واستمر البرق. - وفي يوم الأربعاء عاشره كبس النائب أهل كرك نوح، وأتى بمشائخه وقتل منهم جماعة. - وفي يوم الإثنين خامس عشره خرج النائب إلى بلاد ابن ساعد أيضاً.

وفي يوم الجمعة ثالث ربيع الأول منها، رجع من سفره بعد أن نهب غور هديم، عند قصر شبيب بالقرب من الزرقاء، وأخذ منهم غنماً كثيراً وجواراً، وأتى بحريمهم، ثم أطلقهم بالقبيبات، ثم حصل له توعك عقب سفره هذا. - وفي أثنائه قدمت خلعة القاضي الحنبلي نجم الدين بن مفلح، على يد صبيّة عثمان من مصر، بعد عزل من أخذ منه وهو بهاء الدين بن قدامة بمصر، فأذن النائب في إلباسها بكرة يوم الإثنين رابعه، فلبسها، وعنده الأطباء، وقيل إنه قصد.

وفي يوم الأربعاء ثامنه أمر خزنداره وجماعته بتفرقة ألفي دينار على الفقراء والمساكين، فأتوا إلى الجامع الأموي، فارتج الجامع من كثرة الأصوات. - وزاد ألمه يوم الخميس تاسعه، واستمر إلى أواخر ليلة الجمعة عاشره، فأفصد فشاع موته سريعاً بدمشق، فسافر مشائخ العشران كابن إسماعيل، والجيوشي، وغيرهما في الحال إلى بلادهم؛ وخاف الناس بدمشق

ص: 165

من الغوغاء، وكان قبل موته قد قمعهم، وهرب غالب الزعر منه إلى البلدان واختفوا؛ وكان قد عزل قبل موته الحاجب الكبير واستمر معزولاً؛ ولم يكن بدمشق حينئذٍ حاكم إلا دوادار السلطان، فركب ووقف على باب الحبس، وضبط دمشق بعض الضبط، واطمأن الناس.

وفي بكرة يوم الأحد، صح أن أول الشهر المذكور الثلاثاء، فيكون يوم الأحد هذا ثالث عشره؛ ودخل من مصر إلى دمشق الحاجب الكبير الجديد قانصوه بن سلطان شركس، وهو شاب، سعى في توليته الحجوبية وهو بمصر نائب الشام المتوفى، بعد أن عزل الحاجب قانصوه اليحياوي، وتلقاه القضاة ودوادار السلطان الذي ضبط بدمشق؛ وختم على موجود النائب؛ فلما أن قرئ توقيع الحاجب المذكور، زعم أنه هو نائب الغيبة على عادة الحجاب، فنازعه دوادار السلطان، ووقع بينهما، ثم جلس دوادار السلطان للحكم ونادى لنفسه بنيابة الغيبة في اليوم المذكور.

وفي عشاء ليلة الأربعاء سادس عشره، وهو سلخ تشرين الأول، وقع ثلاثة من الزعر الغوغاء: ابن الطيان عبد الوهاب، وابن كسار الخطيب، والمعبيوي، بالشريف محمد بن أحمد بن محمد الكلزي الوهراني، فقتلوه بالسويقة المحروقة، ثم تحامل بنفسه إلى باب زاوية ابن الحصني، فلحقوه فأفصلوه عنده، قيل كان اتهمهم في نهب بيته مع أحمد بن شدود الذي وسط في العام الماضي، وشكى عليهم دونه؛ فوضع هذا المقتول بقية الليلة المذكورة في المسجد بباب خان السبيل، ثم أتى نائب الغيبة وقبض على ابن شرباش أخي زوجة الأمير أحمد بن شاهين الحاجب الثالث، لكونه كان يستخدمهم عنده، وعلى آخرين، ثم أتى إليه أيضاً شيخا المغاربة بجماعة المغاربة، وحملوه، بعد أن كتبوا له محضراً، إلى زاوية المغاربة، وغسلوه بها ودفن عند صفة الشهداء، كل ذلك بحضرة ولده أحمد البالغ، لكنه غير رشيد.

وفي هذا اليوم وجد رجل مذبوح بحارة العجالنة.

وفي ليلة الخميس سابع عشره شنق نائب الغيبة رجلاً من المجرمين الزعر، بمحلة جامع حسان، يعرف ببركات بن أبي الخير، دلال الجوار، ومعه آخر.

وفي بكرة يوم الخميس رابع عشريه لبس دوادار السلطان بدمشق، الذي نادى لنفسه بنيابة الغيبة وباشرها، خلعة جاءته بنيابة الغيبة من نائب حلب جان بلاط، فلبسها من المصطبة، ودخل بها دمشق مدخلاً حسناً؛ وتواترت الأخبار بأن نائب حماة دولتباي ذهب إلى حلب، نصرة لنائب حلب، وخوفاً من الدوادار آقبردي، وأنه قرب من حلب، أتى من البيرة إلى عينتاب، ثم منها إلى حيلان، ومعه علي دولات وبقية العصاة.

ص: 166

وفي عشية يوم الثلاثاء تاسع عشريه دقت البشائر بدمشق، ونودي بالزينة بها أسبوعاً؛ وشاع أن السلطان الملك الناصر محمد بن قايتباي قد قتله الدوادار الثاني طومان باي، بإشارة خال السلطان المذكور قانصوه، وهم في الصيد، يوم الاثنين رابع ربيع الأول المذكور؛ وأن قانصوه المذكور تسلطن يوم السبت تاسع عشره، ولقب بالظاهر؛ وأن طومان باي دواداره الكبير، وأنه عين لنيابة حلب قصروه؛ وأن نائب حلب جان بلاط، الذي هو الآن محصور من الدوادار آقبردي وعلي دولات ومن معهم، يأتي إلى الشام نائباً.

وفي صبحة يوم الأربعاء سابع ربيع الآخر منها، احترق سوق الشيخي، بشرقي خان الليمون، إلى شمالي سوق الخضر، وقبلي حارة السعاة، غربي حارة البغيل، ولم ينهب ما فيه من القماش وغيره شيء، بل احترق الجميع، وافتقر من سكانه جماعات من الأغنياء، أما الفقراء فكادوا أن يهلكوا.

وكان أمس هذا اليوم آخر أيام الزينة التي حصل فيها من الفساد شيء كثير سيما في النساء والمردان، مع الخمر والحشيش وغير ذلك.

وفيه شاع أن مصر مخبطة، وأن السلطان الجديد، الملقب بالظاهر، متزلزل؛ وأن نائب حلب ومن معه محصورون بحلب من الدوادار آقبردي وعلي دولات.

وفي هذه الأيام أخبر القاضي الشافعي، أن السلطان الملك الأشرف قايتباي، وجد له مال عين، مبلغ ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف دينار، وأن ولده الملك الناصر محمد أذهبها.

وفي يوم السبت عشره دخل من مصر إلى دمشق متسلم نائب قلعتها، وهو حاجب ثاني أيضاً، عوض الحاجب الثاني الذي سافر إلى مصر بسيف كرتباي، وولى هناك بمصر أمرة أربعين، وأتى هذا بدله، ودخل في أبهة حافلة.

وفيه شاع بدمشق أن أهل حلب في ضيق من محاصرة الدوادار آقبردي ومن معه، وأنه غر بهم لما سمع بقتل السلطان محمد بن عمه، فأظهر لهم الهروب وترك غالب ثقله ليغريهم بالنهب، فلما سمعوا برحيله بغتة ظنوا أنه فعل كما فعل في ميدان الحصى بدمشق، لما سمع بمجيء كرتباي والعشران معه، فزحفوا خلفه، واشتغل غالبهم بالنهب فرد عليهم بغتة، فقتل خلق كثير، وقبض على آخرين.

وفي يوم الأحد ثامن عشره دخل من مصر إلى دمشق الحواط على تركة كرتباي،

ص: 167

وصحبته أستادار السلطان، وصحبتهما أخو كرتباي، مدخلاً حافلاً.

وفي يوم الثلاثاء عشريه قتل في الصالحية رجلان.

وفي هذه الأيام رد القاضي شعيب من حماة إلى دمشق، وأعاده القاضي الشافعي قاضياً.

وفي يوم الأربعاء حادي عشريه وصل من طرابلس إلى المصطبة بغتة نائبها أركماس، وصحبته أمراؤها، والمنفيون بها، بمرسوم شريف، ليقيمون بدمشق إلى أن يأتيهم ما يعتمدون عليه.

وفي بكرة يوم الخميس شاع بدمشق، وتواترت الأخبار المحاصرة الدوادار آقبردي لأهل حلب، وأنهم في مشقة شديدة منه مع الغلاء، وأنه يخشى عليهم من تسليم حلب له.

وفي بكرة يوم الجمعة ثالث عشريه دخل من صفد نائبها برد بك، بمرسوم شريف، وأراد أن ينزل بدار السعادة واصطبلها والقصر، فلم يمكن، فنزل في بيته.

وفيه رجع قاضي الحنفية بدر الدين بن الفرفوري من كفرجون إلى دمشق.

وفي بكرة يوم الأحد خامس عشريه دخل من مصر إلى دمشق نائب قلعتها الجديد آقباي، وهو كان الحواط على تركة اليحياوي، وأحد من قام في منع الدوادار آقبردي من دخول دمشق، ثم سافر إلى مصر بعد هروب الدوادار؛ وفي دخوله لبس أركماس خلعة أتت إليه بالاستمرار على نيابته بطرابلس، فلبسها من قبة يلبغا مع دخول نائب القلعة المذكور، إلى أن وصلا إلى دار السعادة؛ فلم ينزل نائب طرابلس ووقف إلى أن لبس نائب القلعة خلعته من حضرة نائب الغيبة، وهو حاجب الحجاب ابن سلطان شركس، الذي أعيد إلى نيابة الغيبة، بعدما منعه منها دوادار السلطن بدمشق جان بلاط، بإتيان خلعة من مصر إلى الحاجب المذكور بها، فجلس يومئذٍ بدار السعادة على عادة نواب الغيبة، ثم خرج نائب القلعة بخلعته من دار السعادة، والقضاة والأمراء معه، ثم سار نائب طرابلس معهم إلى عند باب الفرج، ففارقهم نائب طرابلس إلى بيته، ودخل الجماعة مع نائب القلعة.

ثم في هذه الساعة هرب محب الدين الأسلمي كاتب سر دمشق، وعدا خلفه الزعر بإشارة الحاجب فلم يلحقوه ونجا بنفسه، وكان قد عرس جديداً على بنت ابن المزلق البكر، من نحو عشرة أيام، ولم يقدر على أخذ وجهها.

وفي بكرة بوم الخميس تاسع عشريه دخل مصر إلى دمشق قصروه نائب حلب الجديد، عوضاً عن جان بلاط، الذي هو الآن بحلب

ص: 168

محاصر من الدوادار آقبردي، وصحبته أمير ميسرة بدمشق، مخلوعاً عليهما، وتلقاهما أرباب الدولة، والقضاة، ونائب طرابلس، ونائب صفد، وكاتب السر محب الدين الأسلمي الهارب كما تقدم، ونزل الإصطبل، بعد أن انتقل الحواط منه إلى دار السعادة.

وفي هذه الايام غضب القاضي الشافعي على نائبه شهاب الدين الرملي، فعزله مرة ثانية.

وفي يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى منها، دخل إلى دمشق نائب غزة قراجا، ونزل على المصطبة، وأرباب الدولة جميعهم بها؛ قصروه نائب حلب، وأركماس نائب طرابلس، وبرد بك نائب صفد، والحاجب الكبير بدمشق، وقد استناب في نيابة الغيبة لأبي قورة القجماسي، ولم يبق بدمشق، من الترك إلا هو، ونائب القلعة، وقد قيل إن الحيرة دخلت عليهم لكثرة الخلق من الدوادار آقبردي، الذي هو محاصر حلب من مدة، وإلى الآن.

وفي يوم الخميس حادي عشريه فوض القاضي الشافعي نيابة القضاة لمحمد ولد الشيخ التقي بن قاضي عجلون، وخلع عليه خلعة خضراء، صوف بفرو سمور.

وفي يوم الحمعة، بعد صلاتها، تاسع عشريه، دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، ماراً إلى البلاد الحلبية، قيل معه خلعة للأمير علي دولات، الذي هو الآن صحبة الدوادار أقبردي، وإنه يقول له: إن كان الأمير علي طائعاً يلبس هذه الخلعة ويقبض على الدوادار المذكور، وإن كان عاصياً يظهر عصيانه، وتلقاه يومئذٍ بدمشق من أرباب الدولة، والقلعية، والحرافيش على غير العادة.

وفي يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة منها، دخل من مصر إلى دمشق باش العساكر تنبك الجمالي، وصحبته الأمير آخور بباب السلسلة قنبك الرماح باش المماليك.

وفي هذه الأيام قد امتلأت دمشق من المماليك المصرية، وكثر فسادهم، وامتنع أرباب الدواب من إخراجها من البيوت، وانقطع الجلب من دمشق، وهجموا على بيوت كثيرة.

وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الدودار آقبردي والهعصاة معه قد هربوا من محاصرة حلب وولوا، وأن الأمير علي دولات قد انقلب عليهم لعلمه بأن السلطان الجديد أشد عداوة للدوادار المذكور، ظاهراً وباطناً، بخلاف السلطان المقتول، وأن تنبك قرا خامر عليهم، وقرر في نيابة البيرة بشفاعة أتابك العساكر أزبك.

وفي بكرة يوم الجمعة ثالث عشره ركب المماليك المصرية السلطانية على باشهم الصغير أمير آخور، وهم بدمشق، لأجل أخذ الجامكية.

وفي عقب صلاة الجمعة شاع بدمشق أن

ص: 169

متسلم جان بلاط أتى من حلب، ليتسلم لأستاذه دمشق، حسب ما رسم له بها السلطان الملك الناصر محمد المقتول، بعد عزله من حلب وتوليتها لقصروه ومسافرته لنيابتها، ونزل بالمصطبة، وأن المماليك المصرية عارضوه في تسليم دمشق لأستاذه جان بلاط، إلا بمرسوم شريف من السلطان الجديد لملك الظاهر قانصوه وكادوا أن يقتلوه، فهرب منهم وتحصن في مكان، وسبب ذلك على كما قيل أن المتسلم المذكور تعرض في طريقه لبعض من ينتسب إلى باشهم قنبك الرماح، فأتوا إلى أستاذهم وشكوا إليه، فأرسل المماليك يعارضونه، ثم دخل القاضي الشافعي في الصلح بينهم خوفاً من فتنة تقع، فخرج إلى المصطبة ومعه بقية القضاة الأربعة، عشية السبت رابع عشره ولاطف الجميع حتى اصطلحوا.

وفي بكرة الأحد خامس عشره دخل المتسلم المذكور إلى دمشق ومعه القضاة، وقنبك الرماح والمماليك، على العادة خبراً لما وقع.

وفي بكرة يوم الثلاثاء سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق الحاجب الثاني بمصر، وصحبته عدة سبع بغال، وقيل ثمان، عليها مالا في صناديق صغار طوال، قيل في كل حمل عشرون ألف دينار، وقيل في كل صندوق، أرسله السلطان ليصرف على العساكر المرسلين إلى الدوادار الهارب ومن معه، وقيل إن هذا المال اطلع عليه السلطان الجديد في مخبأة في بيت قايتباي، كان ادخره لابنه الناصر محمد، وقيل إنما مال الدوادار آقبرديب ظفر به في بيته، وكان أرساله لطفاً من الله بأهل دمشق، وإلا كان غالب أكابرهم في المصادرة؛ وتلقاه القضاة المصريون على العادة.

وفي عشية هذا اليوم وصل النائب الجديد جان بلاط من حلب، إلى مصطبة السلطان بدمشق.

وفي يوم الأربعاء ثامن عشره كان الأمير خير الرملي، ابن عم قاضي القضاة الخيضري، جالساً بسوق جقمق، وأتاه رجل أصله مملوك، كان أجيراًَ للشويخاتي، بقرب سوق البزورية، ثم خدم في فتنةالدوادار إلى أن صار على هيئة المماليك السلطانية، فضرب خيراً المذكور، فظن أنه يلعب معه، فإذا هو سكران، فحاضنه، فأخرج المملوك سكيناً فضرقه بها في بطنه، فقتله، فمسك ووضع بالقلعة، ثم شكىعليه لباش المماليك قنبك الرماح، فأخر أمره ليحكم فيه ملك الأمراء الجديد.

ثم استمر النائب الجديد ليدخل أول رجب، وقيل ليراجع السلطان الجديد ويخرج له تقليده بدمشق، وقيل ليتوجه العسكر المصري الذي بدمشق إلى حلب.

وفي بعض هذه الأيام ركب النائب المذكور من المصطبة وأتى على الصالحية، ثم نزل منها إلى أن أتى إلى زيارة تنبك الجمالي الباش الكبير، وهو نازل ببيت برد بك نائب صفد، الذي جوار بيت شاد

ص: 170

بك، الجلباني، فسلم عليه لكونه كان خرج إليه للسلام عليه إلى المصطبة، مع بقية العسكر المصري وغيره.

وفي يوم الخميس سادس عشريه وقع ثلج، ثم كثر في ليلة الجمعة، واستمر والنالئب الجديد بالمصطبة إلى يوم الاثنين سلخه.

وفي هذه الأيام وقع النائب المذكور في المصطبة، بالأمير أبي يزيد، من خواص النائب كرتباي المتوفى، وضربه وصادره.

وفي صبحة يوم الثلاثاء مستهل رجب منها، خرج الباشان المصريان، والأمراء، والقضاة، إلى النائب بالمصطبة، واستمالوه في دخول دمشق، إلى أن يأتي له التقليد والخلعة من مصر، من السلطان الجديد، فدخل إلى دمشق في اليوم المذكور، بتخفيفة من غير تطليب.

وفي عقيب صلاة الجمعة ثامن عشره صلى النائب جان بلاط بجامع يلبغا، وأرباب الدولة معه، والخاصكي خير بك، الذي كان الملك الناصر سيره لسلطان الروم أبي يزيد بن عثمان بأرمغان وهدايا سنية، ليخطب له بنته كما مر، والآن قد رجع وأراد السفر إلى مصر، فخلع عليه النائب، وكرب لوداعه في اليوم المذكور.

وسافرت صحبته زوجة النائب كرتباي المتوفى، راجعة إلى مصر، قيل وأخو كرتباي معهم أيضاً راجعاً، وأخرج كرتباي من الفسقية بتربة قجماس، ووضع في سحلية، وكذلك ولده الذي توفى في غيبة والده في بلاد ابن ساعد، وكذبلك أخته، التي كانت زوجة من أقامه هو نائب قلعة دمشق، المتوفاة، كل منهما في سحلية أيضاً، وأخذوا صحبة خير بك المذكور، مع قفل كبير إلى مصر، ليدفنوا في ترب هناك أنشأها كرتباي المذكور - وفي هذه الأيام فشت المعاصي والخمور ولا قوة إلا بالله.

وفي ليلة الأحد عشريه ختم والي البر على حوانيت خارج باب الجابية، واحتج بوضع قناديل، على كل حانووت قنديل، وأخذ على ذلك كله، فشكى عليه إلى النائب، فرسم يعود المال إلى أربابه، وفك الختوم، ونودي بوضع القناديل المذكورة، وأن لا يحمل أحد سلاحاً، ولا منكراً، بالليل.

وفي ليلة يوم الخميس رابع عشريه سافر الباش الثاني المصري، قنبك الرماح، من دمشق إلى حلب، بعد أن تقدمه جماعة من الغز، وفرح أهل دمشق بسفرهم منها لكثرة فسادهم وشرهم؛ وتأخر الباش الكبير تنبك الجمالي بجماعته، ثم لحقه.

وفي يوم الجمعة خامس عشريه ظهرت المعايش، وكثير من البضائع، وتيسر اللحم، فظهرت الخرفان التي أخفيت خوفاً من الغز الذين سافروا.

ص: 171

وفي يوم الأحد والاثنين سابع وثامن عشريه شاع بدمشق أن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم قد تحرك، وهم بالمجيء والمشي على هذه البلاد، لأجل من قتل الملك الناصر محمد بن قايتباي، قيل لكوهه صاهره وأراد تزويجه بابنته، وقيل بابنة أخيه الجمجمة، التي هي من مدة سنين بمصر، مع أم الجمجمة التي توفيت، كابنها الجمجمة، وإن ابن عثمان استفتى على من قتله، وتولى مكانه، وما أظن هذا الشيوع صحيحاً، ولا قوة إلا بالله.

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشربه جاء مبشر من مصرلا بخروج خلعة النائب الجديد، فطاف على القضاة، والأمراء، وأخذ من بشارته مالاً كثيراً.

ودقت البشائر إلى صبحة يوم الخميس متسهل أو ثاني شعبان منها، فخرج أرباب الدولة، والقضاة الأربعة، والنائب، والعبيد البارودية مشاة بين يديه، والقلعية قبلهم، والحرافيش قبلهم، ولبس من قبة يلبغا على العادة، ودخل في أبهة حافلة، وعليه خلعة خضراء بسمور خاص، بشاش بطراز خاص، وقدامه خاصكي بخلعة بطراز.

وفي عشية يوم الجمعة ثانيه أو ثالثه سافر من دمشق إلى بلده بيت المقدس، الشيخ برهان الدين، أخوا العلامة كمال الدين بن أبي شريف، وقد أتى إلى دمشق مراراً، ثم إلى حلب، ثم إلى مصر، ثم إلى بلده، وأكرمه في هذه المرة القاضي الشافعي قولاً وفعلاً، وأنزله ببيت السيد تاج الدين قاضي حلب، بعد أن كان نزل بخلوة بالخانقاة السيمساطية، وأراد البرهان المذكور أن يتزوج من بنات دمشق، فلم يتيسر له، فأرتاد التسري فلم يتيسر له إلا بسمراء، وهو منور الوجه، كثير الفضيلة، وسافر صحبته العلامة علاء الدين البصروي الدمشقي، وجماعة.

وفي هذا اليوم صلى النائب في الجامع الأموي، وأقد له بباب البريد الشموع والسرج الكثيرة.

وفي يوم الاثنين سادسه لبس النائب خلعة، وذلك بعد أن ودع الحواط إلى قبة يلبغا، وخرج أرباب الدولة على العادة، ثم رجع من وداعه وهو لابسها، وقيل أن الحواط خلعها عليه، كما خلع هو عليه، وقيل خلع نظر الاقطاعات، وقيل خلعة الاستمرار.

وفي هذه الأيام اتفق موت اثنين من أكابر القلعية، أحدهما ديوانها عبد القادر، والثاني أحد مقدميها ابن سكر.

ص: 172

وفي يوم الخميس ثالث عشريه سافر النائب إلى حوران، وانحاز على العرب، وكسب منهم إبلا كثير، ثم عاد إلى دمشق يوم الأحد سادس عشريه، وكان القاضي الشافغي حينئذ بالخانقاه الكججانية بالشرف الأعلى.

وفي ليلة السبت خامس عشريه فقد الرجل المجرم الأزعر المشهور بابن الطيبي الحوراني الأصل الحصوي، قرب العشاء بدمشق، ثم وجد مطروحاً في نهر الأنباط، شرقي جامع نصر الدين محمد بن منجك، بميدان الحصى، وأراح الله منه العباد والبلاد، والله الحمد.

ثم في يوم الاثنين سابع عشريه قبض على غرمائه وهم ثلاثة، فشنقوا، بعد أن تبين أنهم قاتلون لغيره أيضاً.

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه دخل إلى دمشق وزير الملك المرحوم محمد بن عثمان، وصحبته ملكة في ثقل كبير، قاصداً الحج، وتلقاه أرباب الدولة: النائب، فمن دونه، ومشاة دمشق، وزعرها، بإشارةالنائب، إرهاباً للعدو، ودخل من المصطبة في أبهة حافلة.

وفي هذه الأيام قبض النائب على مقدم البقاع ناصر الدين بن الحنش، وكان حضر معه إليه أيضاً مقدم نابلس خليل بن إسماعيل، وخليل بن شبانة، وابن الجيوسي، وغيرهم من مقدمي البلاد ثم قبض على خليل بن إسماعيل وبقية المقدمين وجماعاتهم، وطلب من كل واحد من المقدمين وجماعته وبلاده، ومائة ألف دينار.

وفي يوم الخميس سلخه شكا جماعة من القبيبات للنائب، في رجوعه عليهم في الموكب، الفقر والعجز عن القيام بثمن الجمال، التي طرحها عليهم من كسب عرب آل مرى، فوقف في موكبه واستدعى منهم جماعة، واستعدى بالمشاعلية وغيرهم، وأمر بضربهم ضرباً مبرحاً، وهو حاضر قابض على فرسه إلى أن فرغ منهم، ثم ألزمهم بمال كثير عن الجمال التي طرحها عليهم، ولا قوة إلا بالله.

ثم عزل النائب لسودون شيخ القبيبات وولي مكانه ابن الدشاري، وطرح بقية الجمال والنوق وأولادهم على أهل دمشق، فالكبار على أهل الحارات كل واحد بأضعاف ثمنه، والصغار على الطباخين ونحوهم، وهي تجأر إلى الله من الجوع والعطش والفراق، وعدتها كثيرة، قيل ألفين، وهذا شيء لم يعهد مثله، فالله يريح المسلمين منه ومن أمثاله.

وفي عشية اليوم المذكور تراءى الناس الهلال على العادة، فرأوه خفيفاً جداً، فعلموا أن أول رمضان الجمعة، وتبين كذب من شهد، وردت شهادته، فأصبح الناس صياماً.

وفي يوم الأحد ثالث رمضان منها، أتى المقدم ناصر الدين بن الحنش إلى القاضي الشافعي، وقد أفلته النائب على نحو عشرين ألف دينار، فسلم على القاضي، ثم خرج

ص: 173

وركب، ثم غاب بجماعته ساعة، ثم أتى ودخل إلى القاضي المذكور، وفي وجهه حديث كثير كالمتحير، فأخربه أن النائب ولي على بلاده أخاه حسنا، وخرج حسن المذكور، ومعه مماليك النائب ليسلم البلاد، ثم خرج المقدم ناصر الدين من عند القاضي المذكور، وهرب، ثم خرج على المماليك بجماعته وعشيره، وكادوا يزحفون إلى دمشق، على ما قيل، فرجع المماليك خائبين آيسين من تسليم البلاد، فلما بلغ النائب ذلك غضب.

وفي يوم الأربعاء سادسه قبض جان بلاط، دوادار السلطان بدمشق، على المجرم إبراهيم بن عطا، أحد زعر الصالحية المفسدين،، وز عليه امرأة من القبيبات، وكان مختفياً هناك، وأتى به إلى النائب، فأمر بأن يشنكل ليقر بما نهب في وقعة الدوادار من القبيبات، فوعد، وهو معلق بشجرة قرب دار السعادة، بمبلغ مائة دينار ويطلق، فلما أراد النائب السفر في آخر النهار المذكور، إلى حصار بلاد ابن الحنش، وهو راكب تجاه دار السعادة، قال له جان بلاط دوادار السلطان المذكور: يخشى من أهل الصالحية في هذه الهرجة أن يأتوا وينزلوا هذا المشنكل من الشجرة وتذهب الحرمة، فأمر بإنزاله وتقريعه وشنقه، ففعل معه ذلك، فشنق مكانه والنائب راكب على فرسه.

ثم قال له جان بلاط المذكور: إن سافرت وتركت المقدمين ابن إسماعيل،، وابن شبانة، وابن الجيوسي في غير القلعة يخشى عليهم من الهروب، أو فتنة تقع بسببهم، فأمر بنقلهم إلى القلعة، لأجل المال المرتب عليهم، وأكد الاحتراس على ابن معن، لكون بلاده مجاورة لبلاد ابن الحنش، فرفعوا إلى القلعة، ورفع معهم ناظر الجيش الخواجا ابن النيربي، ثم سافر النائب إلى بلاد ابن الحنش، وأهل دمشق يومئذ في ضيق ووقوف حال بسبب ذلك وغيره.

وفي حال سفره عدا مملوك له ليلحقه، فصدمت فرسه صبياً مميزاً كان مع أبيه على الجسر الناصري، غربي التغرورمشية، فسقط في نهر بردى في قوة حمله، فلم يدركه أحد، ولا ميتاً، ولم يعلم أين ذهب، وكأنه لم يكن في ساعة واحدة ولا قوة إلا بالله.

وفي عشية يوم الخميس سابعه شاع بدمشق أن النائب حرق بيت ابن الحنش بقرية قبر إلياس، ونهب العسكر جميع ما وجدوه بالبقاع، ثم شاع بها بعد ذلك أن النائب دخل بيروت، وأخذ من الفرنج عدة أحجار فضة، تزيد على خمسين حجراً، وعدة خمسة عشر جوخ رفيع، وختم على بضائعهم، يعد تقويمها بأضعاف ثمنها، ليأخذ عشرها بأزيد من العادة، وأن الشيخ

ص: 174

تقي الدين بن قاضي عجلون ذهب إلى عنده ببيروت، وجالسه وحادثه، ولا قوة إلا بالله، ثم شاع بها بعد ذلك أنه دخل صيدا وشوش على قاضيها، وأمره أن يضبط له جهات ابن الحنش الهارب، ثم شاع بعد ذلك بها أنه أتى إلى دير زيتون وهو مفطر لم يصم، بل قيل ويشرب الخمر.

وفي يوم الأربعاء عشرينه، وهو أول أيام شهر الورد، بعث القاضي الشافعي دوادار الناصري بعدة أحمال بغالية هدايا، من قراصيا وسكر وتحف سنية إلى دير زينون للنائب.

وفي هذه الأيام خلع بأمرة الحاج على أبي قورة القجماسي.

وفي السبت ثالث عشريه أتى مهمندار النائب إلى بيت القاضي الشافعي، ومعه عدة نقباء من جماعته، واجتمع بالشافعي، ثم خرج ليركب، وإذا بالشهاب بن بري قد أتى من شرقي بيت الشافعي داخل البوابة، فقبض جماعة المهمندار عليه قبضاً منيعاً شنيعاً، ونزل المهمندار وساعد على قبضه، وذهبوا إلى باب المدرسة البادرائية، وأوصلوه إلى دوادار النائب، واحتفظوا عليه، قيل ووضع في زنجير وسيخ وضيق عليه، وأظهروا أن ذلك بمرسوم؛ وظن الناس أن النائب يريد مصادرته في ماله، بإشارة بعض السعادة كابن مصطى.

وفي بكرة يوم الأحد رابع عشريه وصل النائب إلى دمشق، ودخل دار السعادة على حين غفلة، فركب القضاة الكبار، وذهبوا للسلام عليه والتهنئه بالسلامة من سفره، وظن الناس أن القاضي الشافعي لا يرحع إلى بيته إلا بابن بري المذكور، وأنه يخصه مما هو فيه، فكلم الناس فيه، فأظهر له مرسوماً بالشكوى عليه، وأنه يقبض ويحرز فرجع الشافعي والقضاة، ولم يفلت.

وفي هذا اليوم شاع أن مهتارا دخل مع جماعة النائب إلى دمشق، ووعاء الخمر قدامه ظاهراً، وفيه الخمر؛ وأن ابن قاضي القضاة ابن المزلق المحبوس بمسجد الملك الأشرف، بدار السعادة، حبس الفرنح عنده في المسجد المذكور من مدة، وهم يشربون الخمر في رمضان بالقرب منه، وتأوه له الناس لأمور، منها عجزه عما صودر به.

وفي هذه الأيام شرع النائب في عمارة واسعة، إيوان وغيره، باصطبل دارالسعادة، وأضاف إليها أملاك الناس التي حوله، كحارة المغاني وغيرها.

وفيها أخرج ابن إسماعيل، وابن شبانة، وغيرهما من المقدمين، من القلعة، وأعيدوا إلى الاصطبل في جنازير.

ص: 175

وفي عقب الجمعة تاسع عشريه، وهو ثاني عشر أيار، حضر القاضي الشافعي بولده ولي الدين محمد، وبدر الدين الحنفي ابن أخيه بولديه، والقاضي الحنبلي بأولاده الثلاثة، وأطفال كثيرة، منهم ولدا شيخنا محيي الدين النعيمي، ومحيي الدين يحيى، ومحب الدين عبد الله، وخلق كثير، بدار الحديث الأشرفية الدمشقية، للإسماع على عدة مشائخ، منهم العلامة أبو الفضل ابن الإمام، والعلامة أبو الفتح المقرئ، والمحدث جمال الدين بن عبد الهادي، وأصعد ولي الدين المذكور وقرأ الحديث المسلسل بالأولية، وأول ثلاثي في البخاري، ثم خمسة أحاديث من تتم الكتب الستة، من كل منها حديث، ثم أنزل، وأحضر عدة كتب نحو السبعين.

وكنت عينت لقراءة أبعاض منها، ففي المجلس اعتراني حمى مثلثة، وكان له نحو السنتين تأتي إلي، وكان يوم الجمعة هذا نوبتها، فأصعد عوضي الشيخ جمال الدين العسكري الحنبلي، فمسك عليه القاضي نجم الدين بن الخيضري بعض لحن فأنزل؛ ثم أمرني القاضي الشافعي بالصعود على الكرسي وأقرأ ما قصد من الكتب، وقال لي: لعل ببركة الحديث تذهب عنك هذه الحمى، فكان الأمر كما قال: فامتثلت ما أمرني به، ثم أنزلت، وصعد الشيخ شمس الدين الخطيب المصري الحنفي فدعا، ثم أنشد الريس ابن النحاس قصيدة، مدحاً في القاضي الشافعي وأهل الحديث، وكتب مسودة المجلس الشيخ شمس الدين الخطيب المذكور وبعض الشهود.

وفي ليلة السبت سلخه حضر الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، من بيروت إلى دمشق، والناس في قلاقل من جهة رؤية الهلال، وشاع بدمشق أن بعض الغوغاء رآه ليلة السبت هذه، وأقبل جماعات، مع قوم المؤقتين لأنه لا يمكن رؤيته ليلتئذ؛ ثم رئي ليلة الأحد على عادة ابن ليلة، فصلى الناس العيد يوم الأحد بدمشق ومصر وغالب البلاد؛ وصلى النائب العيد بمقصورة الجامع الأموي، وخطب القاضي الشافعي المشهور بالخليفتي خطبة جامعة وجيزة، ولما فرغ من صلاتها خلع عليه النائب بالمقصورة خلعة خضراء بسمور، وخرج معه إلى باب البريد، ثم رجع إلى بيت الخطابة.

وحينئذ أخبر بأن بهاء الدين بن قدامة الدمشقي، الذي كان قد سعى على نجم

ص: 176

الدين بن مفلح الحنبلي في قضاء الحنابلة بدمشق، وتولاها، ثم عزل عنها، قبل إتيانه إلى دمشق، قد تولى قضاء الحنابلة بمصر، عوضاً عن القاضي نجم الدين المذكور؛ ثم أصر النائب، عند ذهابه، للحنفي والمالكي الحاضرين فيها، والحنبلي الغائب عنه ببيته، أن يذهبوا إلى دار السعادة ليلبسوا خلعهم، فذهبوا.

وفي يوم الثلاثاء ثالث شوال منها، نادى منادٍ من قبل النائب، بإبطال المحرمات، وحرض على ذلك.

وفيه أفرج عن المقدمين خليل بن إسماعيل، وخليل بن شبانة، وابن الجيوسي، وغيرهم، على مال كثير.

وفي هذه الأيام أفلت شهاب الدين بن بري من النائب على مال، بعد أن ضربه مبرحاً.

وفي يوم الخميس ثاني عشره رجع علاء الدين البصروي من القدس إلى دمشق، وصحبته جماعة من أهل دمشق.

وفي هذه الأيام أخبر جماعة من حلب، أتوا، بأن الباش الكبير تنبك الجمالي، وباش المماليك الرماح، وآقبردي الدوادار العاصي، وجماعته، كل منهم طلب الصلح، وأنهم ساعون في أن يعطى طرابلس بتعلقاتها طرخانا، ويعزل عنها نائبها الجديد بها، الذي كان نائب حماة، دولتباي.

وفي بكرة يوم الخميس تاسع عشره، وهو الثلاثون من أيار، خرج الوفد من دمشق إلى قبة يلبغا، متوجهاً إلى الحجاز، وأمير الركب تمرباي القجماسي، الشهير بأبي قورة، وهو حج ثقيل من الأروام والحلبيين والشاميين.

وفي هذا اليوم اتفق خروج الوفد من مصر، كما نقل.

وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الدوادار آقبردي دخل إلى ميدان حلب، قبل يوم الاثنين تاسعه، وهو مفكك أزرار قماشه على هيئة المسلم نفسه طائعاً، وقيل إن الباش الرماح وهبه غالب موجوده، خياماً وخيلاً وجمالاً ومماليكاً وذهباً عيناً، ووافقه على ذلك نائب حلب قصروه وغيره، ثم انتقل وسكن ببيت أزدمر، قيل من فمه، وقيل غير ذلك، وهذا من العجب الذي هو عمل على غير القياس، والله يحسن عواقب الأمور.

وفي يوم الخميس سابع عشريه دخل المزيريبة، وقد أخذت العرب جماعة منهم؛ ووصل إلى النائب كتاب من أمير الحاج، بإن لم تدركونا إلا أخذنا من كثرة العرب، فخرج النائب بعسكره في اليوم المذكور إليهم.

وفي يوم الأحد تاسع عشريه لحق النائب جماعة، منهم نائب طرابلس المعزول دولتباي، الذي كان نائب حماة، ومن قبل ذلك كان نائب قلعة دمشق في حصار الدوادار لها، ومنهم جان بلاط دوادار السلطان بدمشق، ومنهم الحاجب الكبير ابن سلطان شركس، وأخذوا معهم بنت أمير بني لام مسلم، التي كانت استؤمرت لتسلم

ص: 177

لأبيها ويتسلم الحاج.

وفيه ورد الخبر أن الحاج سار من المزيريبة، ولم ينله أذى، وأن النائب لم يدركه، ثم إن النائب تطلب العرب، التي أخذت السرقة، الراجعين إلى دمشق.

وفي ليلة الثلاثاء ثامن ذي القعدة منها، رجع النائب إلى دمشق.

وفي يوم الخميس عاشره وصل الخبر من حلب إلى دمشق، بوفاة الدوادار آقبري العاصي بحلب، توفي يوم الخميس ثالثه، وخلع النائب على المبشر، ودقت البشائر، وذلك بعد أن دخل متسلمه إلى طرابلس، وجعلت له طرخانا، فسبحان القاهر فوق عباده؛ وبذلك كمل سعد السلطان وفقه الله تعالى للخير.

وفيه أخبر رجل مصري أن السلطان كان في أوائل رمضان ندب الأمير الكير الأتابك أزبك، للخروج إلى البلاد الحلبية لقتال العصاة، الدوادار آقبردي وجماعته، فادعى الفقر، وأنه إن خرج ما يخرج إلا للصلح، فخلع عليه بذلك، وفرح الناس؛ ثم بعد أيام يسيرة توعك، فظن الناس أن ابنه يحيى سحره، واستمر إلى أن توفي.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه وقعت فتنة بالشاغور من المماليك السلطانية، وعضدهم دوادار السلطان بدمشق، بسبب أنهم قبضوا على السيد قريش كبير الزعر بها، فخلصه منهم بقية زعر الشاغور، فأرسلوا إلى دوادار السلطان، جان بلاط المذكور، أن يمدهم بمماليكه، ففعل ثم حضر هو بنفسه وأراد إحراق الشاغور، فأخليت وما حولها.

وفيه مرض نائب القلعة يومئذ وهو الأمير آقباي الحواط على تركة اليحياوي، وهو من أكبر من قام على الدوادار آقبردي وجماعته وحاصرهم ومنعهم دمشق.

وفي بكرة يوم الخميس رابع عشريه لبس النائب لجان بلاط دوادار السلطان بدمشق، خلعة حمراء بمقلب سمور خاص، من القبة، ودخل دمشق ومعه القضاة وأرباب الدولة على العادة، وهي خلعة استمرار.

وفيه رجع من حلب إلى دمشق الباش الثاني أمير آخور الرماح؛ ثم تبعه الباش الكبير تنبك الجمالي، وبقية جماعته.

وفي ليلة يوم الجمعة خامس عشريه توفي الأمير آقباي الحواط على تركة اليحياوي، الذي كان من أكبر القائمين على الدوادار آقبردي، ثم تولى نيابة قلعة دمشق، قيل مسقياً، فما متع بعد موت عدوه بسوى عشرين يوماً؛ فلما بلغ الباش الثاني وفاته بادر ودخل القلعة وخاف عليها أن تؤخذ، وجهز آقباي، ثم أخرج قبل الصلاة إلى الجامع الأموي، فصلى عليه خطيبه

ص: 178