المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس وتسعمائة - مفاكهة الخلان في حوادث الزمان

[ابن طولون]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول

- ‌سنة أربع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ست وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وثمانمائة

- ‌سنة تسعين وثمانمائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة اثنين وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة أربع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة خمس وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة ست وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة سبع وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعة وتسعين وثمانمائة

- ‌سنة تسعمائة

- ‌سنة إحدى وتسعمائة

- ‌سنة اثنتين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وتسعمائة

- ‌سنة أربع وتسعمائة

- ‌سنة خمس وتسعمائة

- ‌سنة ست وتسعمائة

- ‌سنة سبع وتسعمائة

- ‌سنة ثمان وتسعمائة

- ‌سنة تسع وتسعمائة

- ‌سنة عشر وتسعمائة

- ‌سنة إحدى عشرة وتسعمائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

- ‌سنة أربع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة خمس عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ست عشرة وتسعمائة

- ‌سنة سبع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة ثمان عشرة وتسعمائة

- ‌سنة تسع عشرة وتسعمائة

- ‌سنة إحدى وعشرين وتسعمائة

- ‌القسم الثاني

- ‌سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة أربع وعشرين وتسعمائة

- ‌سنة ست وعشرين وتسعمائة

الفصل: ‌سنة خمس وتسعمائة

سراج الدين بن الصيرفي بعد صلاتها، وذهب الباش الثاني مع المذكور إلى تربته، ولم يحضره النائب وشاع أن النائب مطلوب إلى مصر، قيل ليولى الأمرة الكبرى، فلم يرض بذلك.

وفي عشية يوم الثلاثاء تاسع عشريه خرج من دمشق إلى مصر غالب العسكر المصري، صحبته الباش الثاني الرماح، ولم يتأخر منهم إلا الباش الكبير تنبك الجمالي وجماعته، وحطوا على داريا، قيل فوصل الخبر حينئذ من صفد بوفاة نائبها المولى جديداً يلباي الأينالي؛ وشاع أن علي دولات الغادري مات ببلاده.

وفي بكرة يوم الخميس ثاني الحجة منها، سافر من دمشق، راجعاً إلى مصر، الباش الكبير تنبك الجمالي، وخرج النائب لوداعه على العادة.

وشاع في هذه الأيام عزل قاضي المالكية شمس الدين الطولقي، وأن المنفصل عنه قد أعيد إليها، وهو الآن بمصر، ولم يمتنع عن الحكم، بخلاف قاضي الحنابلة نجم الدين بن مفلح، فإنه أشيع عزله بالقاضي بهاء الدين بن قدامة، الذي تولى قضاء الحنابلة بمصر قريباً، فإنه امتنع من الحكم.

وفي يوم الجمعة ثالثه أشيع بدمشق أن متسلم نائب حلب قصروه، واصل عن قريب، ليتسلم له دمشق، وأن نائبها يسافر إلى دمشق.

وفي هذه الأيام قل ركوب النائب واجتماعه بالناس، قيل لضعف حصل له، وقيل غير ذلك.

وفي يوم الخميس سادس عشره ظهر النائب للناس، وحكم في رجل أزعر من الصالحية بأن يخوزق وكذا في بنت خطا جارية بيضاء، اسمها جان سوار بأن تخوزق.

ثم في يوم الأحد تاسع عشره ضرب جماعة، منهم رجلاً يعرف بابن بيدمر. ضرباً مبرحاً، ثم دخل من فر مارتزفر.

وفيه اغتاض القاضي الشافعي على نائبه فخر الدين الحموي وعزله، قيل وعزل نائبه شعبياً أيضاً.

وفي يوم الأربعاء سادس عشريه مد القاضي الشافعي مدةً للنائب في الكججانية بالشرف الأعلى، مدة مفتخرة، وقدم له أشياء وأقام....

‌سنة خمس وتسعمائة

استهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه خال الملك الناصر كان، المعرف بيخشى؛

ص: 179

ونائبه بدمشق جان بلاط، وهو على طريقة غير مرضية، وتكلم الناس بعزله؛ والقضاة بها: الحنفي بدر الدين بن أخي القاضي الشافعي، والشافعي شهاب الدين بن الفرفور، والمالكي وظيفته شاغرة، ولكن يتعاطى الحكم بإشارة النائب شمس الدين الطولقي، والحنبلي وظيفته شاغرة أيضاً من نجم الدين مفلح، ثم وليها في أثناء السنة كما يأتي على عادته؛ والحاجب الكبير

؛ ودوادار السلطان جان بلاط.

وفي يوم الخميس مستهلها وصل من مصر إلى قبة يلبغا خاصكيان، أحدهما تمراز الزردكاش، والآخر تنم النجمي، الأول أتى لتسفير جان بلاط النائب، وإخباره بعزله من كفالة دمشق، وتوليته الأتابكية بمصر؛ والثاني أتى لتقليد قصروه نائب حلب كفالة دمشق؛ وفرح الناس بعزل النائب فرحاً شديداً لكثرة ظلمه وجرأته وقلة مبالاته بالأكابر.

وفيه قتل رجل أزعر بلاصيا، من رؤوس النوب بخان السلطان، قرب باب السريجة.

وفي يوم السبت ثالثه دخل الخاصكيان، المذكوران إلى دمشق، مخلوعاً عليهما بأخضر وطراز خاص، وتلقاها النائب المعزول، وأرباب الدولة على العادة، ثم لما نزلا باصطبل قرئت المراسيم الشريفة بما تقدم ذكره، والإنكار على أركماس المعزول من نيابة طرابلس، وعلى نائب صفد المعزول منها برد بك، وعلى قرقماش اليحياوي المعزول من حجوبية دمشق، لعدم سفرهم، لما عزلوا، إلى الأبواب الشريفة، وتطلبهم أيضاً؛ ولما قرئت المراسيم المذكورة امتنع المالكي شمس الدين الطولقي المعزول، لأنه إنما كان يحكم بإذن النائب له بالحكم، وأنه يراجع له وللقاضي الحنبلي نجم الدين بن مفلح، وعزم المالكي على السفر مع النائب المعزول إلى مصر.

وفي ليلة الأحد رابعه تسلم حاجب دمشق نيابة الغيبة، وطافها بالعسس ليلاً، وبطل حكم النائب.

وفي يوم الجمعة تاسعه، بعد صلاتها، بشباك الكاملية، أخبر القاضي الشافعي، أن الخاصكي تنم المتقدم ذكره سافر إلى حلب لتقليد قصروه كفالة دمشق، وترك ثقله بها، وكلفته كل يوم مبلغ أشرفياً على السادة القضاة، فتعجب الحاضرون من ذلك، ومنهم مؤقت النائب المعزول عبد العال، ولا قوة إلا بالله.

وفي يوم الاثنين ثاني عشره خرج النائب المعزول من دمشق، ومعه خلق كثيرة، وصحبته شمس الدين الطولقي المالكي المعزول، وخلق كثير، واستخدم عبيداً كثيرة، وهو

ص: 180

خائف من السلطان، وقيل إنه وصل له بالأمس من مصر قاصدان بالاستعجال، وخرج القضاة للسلام عليه آخر النهار، ورجعوا فوافق وودعوه، ثم رجعوا إلى دمشق، وتكلم الناس أن الزردكاش إنما تبعه كالمرسم عليه ليمسكه بوادي عارة مع نائب غزة ومشائخ تلك البلاد، سيما وقد قتل أحد مشائخها خليل بن إسماعيل وغيره، ثم إن النائب ومن معه رحلوا ثاني يوم بعد العصر، بعد أن خربوا ونهبوا شيئاً كثيراً.

وفي بكرة الأربعاء حادي عشره وصل متسلم النائب الجديد قصروه، واسمه مسيد، إلى دمشق؛ أتى على بعلبك، ثم على دمر، وبها صلى الصبح يومئذٍ، ثم مر على الصالحية إلى مصطبة السلطان، وفصل له القاضي الشافعي قماشاً، وركب لتلقيه بعد عصر اليوم المذكور، ومعه ابن أخيه الحنفي، وابن مفلح الحنبلي، وأما المالكي ابن يوسف الأندلسي فإنه سافر لتلقي النائب.

وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل المتسلم المذكور إلى دمشق، بخلعة من أستاذه، وأمر بالمناداة بالأمان وإبطال المحرمات على العادة، وخلع عليه القاضي الشافعي خلعة بفوى بفرو سمور وسلارى، بنحو مائة دينار جميعهم، ثم القاضي الحنفي أخرى، ثم نائب القلعة أخرى، ثم الحاجب أخرى، وعدتهم أربع خلع، وبهذا جرت العادة، وأتى صحبته من حلب إلى دمشق نقيب الأشراف بدمشق قبل الفتنة الدوادارية، السيد إبراهيم بن السيد محمد.

وفي يوم الجمعة ثالث عشريه صلى المتسلم بمقصورة الجامع الأموي، والعادة أنه لا يدخلها حاكم سياسي لصلاة إلا السلطان كما أخبر بذلك العلامة بدر الدين الأسدي.

وفي يوم الأحد خامس عشريه، وهو أول السنة الرومية أخبر القاضي الشافعي بعزل القاضي ناظر الخاص والكسوة الشريفة، نور الدين علي بن أحمد بن الصابوني الدمشقي ثم المصري، وبتولية ذلك الرملي، وأن قانصوه الذي كان حاجباً بدمشق، تولى نيابة صفد، وأن نائبها يلباي، الذي كان قد أشيع بدمشق موته ولم يصح، تولى نيابة طرابلس، وأن نائبها دولتباي، الذي كان نائب البيرة، ثم نائب قلعة دمشق، ثم نائب حماة، تولى نيابة حلب - وفي يوم الخميس ثامن عشريه دخلت كتب الوفد الشريف إلى دمشق، وأخبروا أن الوقفة كانت في يومي الخميس والجمعة، وأنها كانت حجة مشقة.

ص: 181

وفي يوم الاثنين رابع صفر منها، دخل الوفد الشريف إلى دمشق، وحط النائب الجديد قصروه، الذي أتى من نيابة حلب، على المصطبة.

وفي يوم الثلاثاء خامسه دخل النائب المذكور دخولاً حافلاً، وصحبته جماعة من الأمراء الذين كانوا مع آقبردي الدودار، الذي مات بحلب ودفن بها بتربة النائب أزدمر، ثم خشى عليه من نائب حلب الجديد دولتباي عدوه أن ينبشه من قبره ويحرقه، فأتى به صحبته من سحلية، ثم سير النائب تحت قلعة دمشق سبع مرات على العادة، وصحبته الحاجب، وخواص نفسه، ووقف العصاة قدام تربة تغري ورمش، ودخل من جسر من باب الجديد، وأتى إلى باب السر، ونزل فصلى على العادة، ثم ركب ودخل دار العدل.

وفي بكرة يوم الخميس سابعه ركب القضاة الأربعة إلى دار السعادة، ليلبسوا، خلعهم على العادة، فإن العادة أن كل نائب جديد يخلع عليهم عقب دخوله كفالته، فلم يخرج من مبيته لأحد، وقيل إنه ما هو طيب، وقيل ليقبض الهدايا ثم يفضل منها الخلع.

وفي هذه الأيام أمر النائب بشنق ابن الخنش؛ الذي قد كان سعى على ابن عمه ناصر الدين عند النائب المعزول، وأخذ منه البلاد، وكان السبب في نهبها، وهتك حريمها، وحريق زرعها وقتل كثير من أهلها؛ فلما شنق عاد ناصر الدين بن عمه، وفي يوم الجمعة ثامنه لبس القضاة خلعهم المذكورة. وفي عقب الصلاة بالجامع الأموي صلي غائبة على ثلاثة أنفس ماتوا بمكة، منهم الشيخ عبد المعطي.

وفي بعد العشاء ليلة الاثنين حادي عشره خرجت النار من دكان بالحصرية، خارج باب الفرج، فاحترق جميع الحوانيت التي حدها من الزقاق قبلي صفة الخضر حتى حاصل الخشابين، حتى وصلت النار إلى نهر بردى، وامتدت إلى جهة الغرب إلى قدام خان الليمون، ونهبت الأسواق التي بقربها، وهي حوانيت التجار شرقي الخان وغربيه، وحوانيت الخضريين شرقي الحريق، وقيسارية الدهانين غربيه، وما سلم من من الحوانيت بقية الصف القبلي من النقلية، وذهب للناس فيه مال كثير لا يمكن حصره.

وفي صبحة يوم الاثنين المذكور أوكب النائب وطلب زعر أهل الشاغور وأنه يمر في موكبه على حارتهم، فأخذوا أموال خلق، وشعلوا له، وزينوا من عند زاوية المغاربة، إلى حارة القراونة، وعتا هؤلاء الزعر عتواً كثيراً، وكبيرهم رجل يزعم أنه شريف يعرف بقريش

ص: 182

مسك بعد أيام بالأمان، وقام في جانبه الحاجب الكبير، فأوصله دودار النائب إلى النائب، فضربه بالسياط، ثم المفارق، ثم شنقه عند سوق الخيل، إنكاء للحاجب لكونه من جهته. وفي هذا اليوم سافروا بالسحلية التي بها الدودار آقبردي إلى مصر.

وفيه لبس شمس الدين بن يوسف المالكي خلعته، التي أتت له من مصر، بعزل الطولقي.

وفي يوم الخميس رابع عشره لبس نجم الدين بن مفلح الحنبلي خلعته، التي أتت له من مصر، بعزل بهاء الدين بن قدامة، وولي قضاء الحنابلة بمصر، كما جرى له في ما تقدم، فهو كالمستجد المستعار.

وفي يوم الاثنين ثامن عشره لبس القاضي الشافعي خلعة جاءته من مصر على يد الرسول بدر الدين بن عدوس، وهي أول خلعة خلعها عليه هذا السلطان، ولونها أخضر بسمور خاص.

وفيه عقب خروج القضاة أمر النائب بتوسيط الشاب ابن الشيرازي المزي، لكونه أقر، بأنه أقر، أنه قتل أخا شعبان، الذي كان قد أعان على قتل أبيه عبد القادر بن الشيرازي كما تقدم، وكان قد أخذ دية والده منه ومن غيره.

وفي صبح ليلة الجمعة ثاني عشريه احترق الطباخ بجيرون شرقي الشادر، وأنه خرجت النار من حاصل خشب الجامع، فأخلى الذهبية والدهشة خوفاً من النهب، وكان ذلك لطفاً من الله، لكونه نهاراً، وكان أول الليل هواء، فلو كان فيه حال الهواء، لاحترق الجامع وما حوله.

وفي ليلة الخميس سادسه خرج النائب من دمشق بعسكر كثير إلى بني صخر، حتى جاوز أربد، فقتل منهم نحو العشرين، وقبض جماعة، وأخذ منهم كسباً، دواب كثيرة، غنماً، وإبلاً، وبقراً، ثم رجع إلى أربد يوم الأحد ثاني عشره، ثم أرسل مبشراً، فدقت البشائر بدمشق يوم الثلاثاء سابع عشره.

وفي عشية يوم الأربعاء خامس عشريه، رجع النائب إلى دمشق.

وفي يوم السبت ثامن عشريه جاء خاصكي من مصر وكان يوماً مطيراً، ثم قرئت المراسيم السلطانية؛ قيل بأن يعطى النائب ما أخذه قرضاً من النائب المتوفى كرتباي، وما أخذه من مال المتوفى آقبردي الدوادار بحلب؛ وبأن يذهب تنبك قرا، وبقية جماعة الدوادار إلى القدس؛ فصعب على النائب ذلك، حتى أنه لم يركب يوم الاثنين، وكذب الخاصكي في كون

ص: 183

المراسيم من السلطان، قيل فأقر بأنها من طوماي باي الدوادار، فأمره بالرجوع إلى مصر ومراجعة السلطان في ذلك.

وفي ليلة الجمعة رابع ربيع الثاني سافر الخاصكي المذكور على الهجن عجلاً، قيل غضباً على النائب، وقيل ليراجع السلطان في المراسيم.

وفي يوم السبت خامسه تعدى مماليك حلب على الناس، مارين إلى مصر، وخطفوا أموالهم، وقطعوا عصب محمود مملوك محمد بن الحصني، وكادوا يقتلوا أستاذه.

وفي يوم الاثنين سابعه دخل كاتب السر مجد الدين سلامة من مصر إلى دمشق بالوظيفة المذكورة، وصحبته ولده بوظيفة نظر الأسوار، وتلقاه النائب من تربة تنم الحسيني، ودخل على العادة.

وفي بكرة الخميس رابع عشريه رجع إلى دمشق الخاصكي، الذي سافر على الهجن لمراجعة السلطان في أمر المراسيم، التي أنكرها النائب، وألبسه خلعة الشتاء، ودخل بها دمشق على العادة.

وفي يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى منها، بعد صلاتها، صلي بالجامع لأموي غائبة على الشيخ الشرابي، مات بحلب.

وفي ليلتي الاثنين والثلاثاء خامس وسادس جمادى هذه، خرج من دمشق جماعة من العصاة، الذين قاموا مع النائب من حلب، منفيين إلى القدس الشريف، منهم تنبك قرا، وولده، ومنهم آقباي نائب غزة كان؛ وأما جانم مصبغة فقيل أمر بلزوم بيته بدمشق، وأما قنبك نائب إسكندرية، فقد قيل إنه رسم له بالعود إلى حلب، فامتنع خوفاً من نائبها دولتباي عدو الدوادارية، فاستشفع بالمراجعة ليؤمر به إلى المرقب أو غيره.

وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل من مصر خاصكي كبير، للكشف على الأوقاف.

وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة منها، اجتمع أهل محلة مسجد القصب، وكبروا على بعض حاشية النائب، لكونهم رموا عليهم رمية كثيرة، لأجل قتيل وجد بتلك المحلة، فلما بلغ النائب ذلك أخرج لهم جماعة ملبسين، وأمر بتوسيط رجل من تلك المحلة كان ممسوكاً عنده فوسط مظلوماً، وكان حصول فتنة، ولم يكن الحاجب الكبير ودوادار السلطان حاضرين، بل مسافرين، فذهب القاضي الشافعي، ومعه الحنبلي، فاجتمعا بالنائب، وحفظاه، فنادى بالأمان، فسكن الخوف.

والناس يومئذٍ في ضيق كثير من أمر الخاصكي، وانتصب لأخذ أموال الأوقاف، بحجة هذا الخاصكي، الدوادار الثاني للنائب، وعبد الله بن أحمد القرعوني، وزادا على ظلم من

ص: 184

تقدم، وضوعف المأخوذ بسبب خط بعض من مات، فإنه أضاف الكلفة إلى المأخوذ ولم يفردها، فأفردوا كلفة ثانة، على كل خمسة أشرفية أشرفي، ومن أمر الرمية على أهل محلة مصلى العيدين، لكونه رجل من الزعر ضرب رجلاً شريراً، يعرف بخدا الفيلة اللبان....

إلى نائب الشام، فربما ينعم عليه بها أيضاً، فدخل معهم في اليوم لمذكور في أبهة حافلة، ولم تخرج الناس والصبيان في هذا اليوم، خوفاً من المناداة التي أمر النائب بها؛ ونزل الباش بقصر السلطان الملك الظاتهر بالمرجة.

وفي عشية اليوم المذكور ضرب النائب مهمندار، الذي كان حبسه عقيب خلعة أتت على يديه من مصر، ضرباً مبرحاً، قيل اتهم بشيء من الأشياء المضرة نقلت إليه عنه؛ ثم أمر بقلبه فصلب وقت الغروب، وله حريم وأولاد صغار، ولكن قيل عنه إنه جريء، قليل الحساب للعواقب.

وفي يوم الأحد مستهل ذي الحجة منها، أخبر الموقع جمال الدين بن كريم الدين، أن سامري النائب أخبره، أن النائب قصروه نفقته كل يوم ألف دينار، ومن الشعير ثلاثون غرارة، ومن اللحم عشرون قنطاراً، ومن الدجاج عدة مائة، ومن الأوز عشرون، ومن الخرفان الهميس عشره، وأنه على كرمٍ كثير.

وفي يوم الاثنين ثانيه أوكب النائب في الميدان الأخضر، ومعه الباش بعسكره المصري على العادة؛ ثم أتوا إلى المقعد الجديد بالاصطبل وحضر القضاة، وأحضر كتاباً، وأظهر أنه من السلطان الملك الأشرف قانصوه خمسائة، وأنه حي باق، ونودي له بالسلطنة، وفرح الحاضرون وتخلقوا، ودقت البشائر لذلك، وسيأتي أن السلطان جان بلاط تسلطن بمصر في هذا اليوم، وربما يكون في هذه الساعة، وهو من العجائب؛ وخلع النائب قصروه في هذه الساعة على قانصوه اليحياوي نائب صفد، وعلى خير بك بنيابة غزة.

وفي يوم الجمعة سادسه حضر النائب خطبة الجمعة، وقد أخليت له المقصورة، وعين في الخطبة مولانا السلطان الملك الأشرف، يعني قانصوه خمسمائة، والنائب يسمع، فلما فرغ من الصلاة، بلغني أن بعض المماليك المصرية هدد الخطيب، وقال له: أنت شيخ يقتدى بك في الدين، وتقلد في الكذب.

ثم عقيب الصلاة بعد وصول النائب منزله، شاع بدمشق أنه

ص: 185

أتى من مصر أمير له ستة أيام عنها، وأخبر أن طومان باي الدودار الكبير دخل من الصعيد إلى مصر بعسكر كثير، وتلقاه منها خلق كثير، فحاصر قلعة مصر، وقبض على قنبك الرماح، وعلى ططر الذي ولي الدوادارية مكانه، وعلى جماعة أخر، وأن الأمير الكبير جان بلاط نزل إليه طائعاً؛ وأرسل يستحث النائب في الحضور إلى مصر، وأنه قتل خلق كثير.

وفي يوم الأحد ثامنه شاع بدمشق أن السلطان الملك الظاهر المنتصب، اختفى من قلعة مصر، قيل خرج منها في زي امرأة وتسحب، فالله يحسن العاقبة.

وفيه سافر خير بك نائب غزة الذي خلع عليه النائب، مع نائب صفد، وخرج الناس لوداعه، وأخرج معه جماعة من المماليك إعانة له

وفي يوم الثلاثاء عاشره، وهو عالشر تموز، عيد الناس؛ وخرج النائب إلى المصلى في أبهة حفلة على العادة، وخطب على منبر المصلى القاضي الشافعي، وخطب للملك الأشرف، فلما فرغ من الخطبة خلع عليه خلعة حمراء بمقلب سمور خاص، وعلى المرقي خلعة أخرى حمراء صوف؛ ثم خرج النائب على العادة إلى المنحر، ونحو أضحية كثيرة، ثم ركب والقضاة والباش والأمراء المصرية ورجع على العادة.

وفي ليلة الأربعاء حادي عشره رجع إلى دمشق دوادار النائب، الذي كان خرج بالعسكر إلى غزة، وقد تفرق جماعته عنه بغير صنجق، ولا أبهة، بل خفية ليلاً.

وفي هذه الأربعاء شاع أيضاً بدمشق، أن السلطان قانصوه الظاهر خلع نفسه بحضرة تنبك الجمالي وغيره، لما سمع بأن طومان باي الدوادار الكبير قبض على قنبك الرماح، وعلى ثلاثة أخر معه، ثم دخل الحريم وخرج معه الحريم في زي امرأة، واستمر الملك شاغراً عدة أيام؛ وأن جان بلاط، الأمير الكبير بمصر، تسلطن ولقب بالأشرف، كما قد خطب بذلك على منابر دمشق لقانصوه خمسمائة، وأن تسلطنه كان يوم الاثنين ثاني ذي الحجة هذه.

ثم اختلفوا بدمشق فيمن تولى الأمرة الكبرى بمصر، فقيل الدوادار الكبير طومان باي، وقيل بل بعثوا يخيروا نائب الشام قصروه، في أن يستمر في نيابة الشام، ويلبس خلعة بعثت له، وبين أن يسافر إلى مصر ويتولى الأمرة الكبرى؛ وقيل بل ولوا الأمرة الكبرى تنبك الجمالي، وأن طومان باي أبقى على الدوادارية على عادته، وأضيف إليه وظائف أخر؛ ثم إن أرباب التقويم أخبروا بأن جان بلاط لا يقيم في الملك كثيراً، بل إن طالت مدته فإلى نصف سنة؛ ولما بلغ نائب الشام توليته، لم يرض به سلطاناً، وأنه لا يطيعه بل يسافر إلى مصر لخلعه.

ص: 186