الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع خلاصة ما ينبغي اعتقاده في الأحرف السبعة والقراءات القرآنية العشر المتواترة وتاريخ المصحف الشريف
لقد لخص الإمام أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى جملة ما يجب على المسلم اعتقاده في الأحرف السبعة والقراءات القرآنية وتاريخ المصحف، مبينا أهم القضايا في هذه المسألة الهامة والحساسة والحاسمة في موضوع القرآن الكريم، وفيما يلي كلمات الإمام أبي عمرو الداني بنصها لأهميتها:
قال أبو عمرو الداني: «وجملة ما نعتقده من هذا الباب، وغيره: من إنزال القرآن، وكتابته، وجمعه، وتأليفه، وقراءته، ووجوهه، ونذهب إليه ونختاره، أن القرآن منزّل على سبعة أحرف: كلها شاف كاف، وحق وصواب، وأن الله تعالى قد خيّر القراء في جميعها، وصوّبهم إذا قرءوا بشيء منها.
وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة، وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى، ليس فيها تضاد، ولا تناف للمعنى، ولا إحالة ولا فساد، وأنا لا ندري حقيقة أي هذه السبعة الأحرف كان آخر العرض، أو آخر العرض كان ببعضها دون جميعها.
وأن جميع هذه السبعة أحرف، قد كانت ظهرت، واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضبطتها الأمة على اختلافها عنه، وتلقتها منه، ولم يكن شيء منها مشكوكا فيه، ولا مرتابا به.
وأن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن بالحضرة من جميع الصحابة، قد أثبتوا جميع تلك الأحرف في المصاحف، وأخبروا بصحتها، وأعلموا بصوابها، وخيروا الناس فيها، كما كان صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأن من هذه الأحرف حرف أبي بن كعب، وحرف عبد الله بن مسعود، وحرف زيد بن ثابت، وأن عثمان رحمه الله تعالى والجماعة؛ إنما طرحوا حروفا وقراءات
باطلة، غير معروفة، ولا ثابتة، بل منقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، نقل الأحاديث، التي لا يجوز إثبات قرآن وقراءات بها.
وأن معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله تعالى إلى من أضيف من الصحابة كأبيّ، وعبد الله، وزيد، وغيرهم من قبل أنه كان أضبط له، وأكثر قراءة، وإقراء به، وملازمة له، وميلا إليه، لا غير ذلك.
وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار، المراد بها أن ذلك القارئ، وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة، وآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه، حتى اشتهر وعرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه. فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد.
وأن القرآن لم ينزل بلغة قريش فقط، وإن كان معظمه نزل بلغة قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنّ جمع القرآن، وكتابته، وأمر بذلك، وأملاه على كتبته، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى حفظ جميع القرآن جماعة من أصحابه، وقد حفظ الباقون منه جميعه متفرقا، وعرفوه وعلموا مواقعه ومواضعه، على وجه ما يعرف ذلك اليوم، من ليس من الحفاظ لجميع القرآن.
وأن أبا بكر الصديق، وعمر الفاروق، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وجماعة من الأمة، أصابوا في جمع القرآن بين لوحين، وتحصينه، وإحرازه، وصيانته، وجروا في كتابته على سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنته، وأنهم لم يثبتوا منه شيئا غير معروف، ولا ما لم تقم الحجة به، ولا رجعوا في العلم بصحة شيء منه، وثبوته إلى شهادة الواحد والاثنين، وما جرى مجراها، وإن كانوا قد أشهدوا على النسخة التي جمعوها، على وجه الاحتياط، من الغلط، وطرق الحكم- أي توهمه-.
وأن أبا بكر رضي الله عنه، قصد في جمع القرآن إلى تثبيته بين اللوحين فقط، ورسم جميعه، وأن عثمان رحمه الله تعالى، أحسن وأصاب، ووفق لفضل عظيم، في جمع
الناس على مصحف واحد، وقراءات محصورة، والمنع من غير ذلك، وأن سائر الصحابة، من علي رضي الله عنه ومن غيره، كانوا متبعين لرأي أبي بكر وعثمان
في جمع القرآن، وأنهم أخبروا بصواب ذلك، وشهدوا به، وأن عثمان رضي الله عنه لم يقصد قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمع الصحابة على القراءات الثابتة المعروفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وألقى ما لم يجر مجرى ذلك، وأخذهم بمصحف، لا تقديم فيه ولا تأخير.
وأنه لم يسقط شيئا من القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا منع منها، ولا حظر القراءة بها؛ إذ ليس إليه، ولا إلى غيره أن يمنع ما أباحه الله تعالى وأطلقه، وحكم بصوابه، وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم للقارئ به أنه محسن مجمل في قراءته.
وأن القراء السبعة ونظائرهم من الأئمة متبوعون في جميع قراءاتهم الثابتة عنهم، التي لا شذوذ فيها، وأن ما عدا ذلك مقطوع على إبطاله وفساده، وممنوع من إطلاقه والقراءة به، فهذه الجملة التي نعتقدها ونختارها في هذا الباب، والأخبار الدالة على صحة جميعها كثيرة» (1).
(1) أبو عمرو الداني، الأحرف السبعة للقرآن، ص 60 - 63.