الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات العشر المتواترة
تقدم أن الأحرف السبعة هي الكيفيات المختلفة التي نزل بها القرآن الكريم، وأنه قد نسخ شيء منها في العرضة الأخيرة، وقد استقر الأمر- كما سيأتي- أن القراءات العشر هي المتواترة، وأنها جملة ما بقي في العرضة الأخيرة (1).
وعليه: فإن القراءات العشر المتواترة هي جملة ما بقي من الأحرف السبعة، وهو الصورة النهائية لكتاب الله عز وجل.
قال البغوي: «جمع الله تعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر بكتبته، جمعا بعد ما كان مفرقا في الرقاع ليكون أصلا للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان رضي الله عنه بنسخه في المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعا لمادة الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع، كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد، وهو الإمام للأمة
…
» (2).
فالأحرف السبعة هي الأعم، وأخص منها القراءات العشر المتواترة، وأخص منها القراءات السبع المتواترة، وأن ما سوى القراءات العشر المتواترة شاذ، وليس قرآنا ولا يقرأ به.
وعليه: فإن القراءات السبع والعشر المتواترة تعتبر جزءا من الأحرف السبعة التي نزلت على قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لكونه قد نسخ جزء منها في العرضة الأخيرة.
(1) تقدم قول الإمام الطبري في كون الأحرف السبعة هي حرف واحد اختاره عثمان رضي الله عنه، وعليه: فإن القراءات العشر المتواترة تعتبر حرفا واحدا من الأحرف السبعة، وقد نوقش هذا القول في موضعه، وتبين ضعفه.
(2)
أبو شامة، المرشد الوجيز، ص 144.
ولذلك فإنه يمكن وضع القاعدة التالية: «كل قراءة صحيحة متواترة هي من الأحرف السبعة، وليس كل شيء من الأحرف السبعة متواترا؛ لكونه قد نسخ شيء منها في العرضة الأخيرة» .
ثم علق الدكتور القارئ على قول ابن الجزري المتقدم بقوله: «هذا مقتضى التحقيق لأن بعض أفراد الأحرف السبعة نسخت تلاوته في العرضة الأخيرة، فلم يقرئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها فلا يعتبر بعد ذلك قرآنا ولذا لم يكتب في المصاحف العثمانية لأن عثمان رضي الله عنه، ورهطه رضوان الله عليهم كانوا يتحرون كتابة ما ثبت في العرضة الأخيرة
…
والحق الذي يعرفه كل محقق، أن ما أثبت في هذه العرضة من أحرف القرآن، والذي يمثل الصيغة الكاملة الأخيرة للقرآن قد كتب كله في المصاحف العثمانية، ولم يترك منه شيء، وقد اتفق المحققون على أن ما رواه الأئمة العشرة قد استوعب كل هذه الأحرف، واتفقوا على أن ما رواه غيرهم زائدا على ما رووه بجملتهم إما شاذ أو منكر أو ضعيف أو موضوع» (2).
وقال ابن الجزري: «الباب السادس: في أن العشرة بعض الأحرف السبعة، وأنها متواترة أصولا وفرشا
…
(1) ابن الجزري، منجد المقرئين، ص 21.
(2)
د. عبد العزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة، وصلتها بالقراءات القرآنية، ص 123 - 124.
(3)
ابن الجزري، منجد المقرئين، ص 54.
(4)
ابن الجزري، منجد المقرئين، ص 16.
وقال الإمام مكي بن أبي طالب: «إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف، مصحف عثمان الذي أجمع الصحابة ومن بعدهم عليه، واطّرح ما سواه مما يخالف خطه
…
وجمع المسلمين عليها، ومنع من القراءة بما خالف خطها، وساعده في ذلك زهاء- أي قدر- اثني عشر ألفا من الصحابة والتابعين، واتبعه على ذلك جماعة من المسلمين بعده، وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ وإن صحت ورويت» (1).
وقال أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت 440): «أصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك أن ما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن» .
(1) الإبانة عن معاني القراءات، تحقيق: د. عبد الفتاح شلبي، ص 33 - 35.
(2)
ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (9: 30).
(3)
أبو شامة، المرشد الوجيز، ص 141 - 142، وانظر: خالد السبت، مناهل العرفان، الزرقاني، دراسة وتقويم (1: 372).