الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - أبو عمرو البصري
:- اسمه ونسبه: هو الإمام الكبير والعلم الشهير، في علم القراءات واللغة العربية زبّان بن العلاء ابن العريان بن عبد الله التميمي المازني البصري أبو عمرو أحد القراء السبعة (1).
مولده وشيوخه: ولد بمكة سنة ثمان وستين للهجرة، وبدأ يطلب العلم يافعا، فقرأ بمكة والمدينة والكوفة والبصرة، ولقي كثيرا من العلماء والشيوخ، وحظي بالسماع من بعض الصحابة كأنس بن مالك رضي الله عنه، وقرأ على الحسن البصري، وحميد بن قيس الأعرج، وأبي العالية الرياحي، وسعيد بن جبير، وشيبة بن نصاح، وعاصم بن أبي النجود، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وابن كثير المكي وغيرهم (2).
بلغ اهتمامه بالعلم درجة كبيرة فأخذ عن عدد وافر من العلماء «وكانت كتبه ودفاتره ملء بيت إلى السقف» (3) وكان كثير المطالعة والبحث والتدقيق في مسائل العلوم، لا سيما القراءات والعربية والشعر وأيام العرب، يدل على ذلك ما رواه ابن الجزري قال:«مرّ الحسن بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف عليه فقال: لا إله إلا الله، لقد كادت العلماء أن يكونوا أربابا، كل عزّ لم يوطد بعلم فإلى ذل يؤول» (4).
وكان يقرئ الناس القرآن في مسجد البصرة (5)، وكان إذا دخل شهر رمضان لم يتمّ فيه بيت شعر (6) وذلك لانشغاله بالعلم والقراءة والإقراء، وتعظيمه شهر رمضان.
- ثناء العلماء عليه: أثنى عليه العلماء كثيرا وذكروا من فضائله وطيب خصاله ما يشهد له بالمقام الرفيع، فمن ذلك قول أبي عبيدة:
(1) ياقوت الحموي، معجم الأدباء (11: 156).
(2)
ابن الجزري، غاية النهاية في طبقات القراء (1: 288).
(3)
محمد بن شاكر الكتبي، فوات الوفيات (2: 29).
(4)
ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 134) دار الفكر.
(5)
محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي، طبقات النحويين واللغويين ص 35.
(6)
ابن الجزري، غاية النهاية، مرجع سابق (1: 291).
«أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب والشعر» (1).
وكان يونس بن حبيب يقول: «لو كان أحد ينبغي أن يؤخذ بقوله في كل شيء، كان ينبغي أن يؤخذ بقول أبي عمرو بن العلاء» (2).
وقال الأصمعي: «لم أر بعد أبي عمرو أعلم منه» (3).
وكان أبو عمرو يعرف نفسه جيدا ويعرف موضعه من العلم والمعرفة، وفي هذا يقول:
«ما رأيت أحدا قبلي أعلم مني» وقال للأصمعي: «لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري في صدرك لفعلت، لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا وكذا وذكر حروفا» (4).
وهذا القول يدل على حرص أبي عمرو على تعليم العلم وتبليغه للناس، كما يدل على حرصه وتثبته في الرواية فهو لا يقرأ إلا بما قرئ، لأن القراءة سنة متبعة، ولا تجوز القراءة بما صح لغة إذا لم يصح سنده ويثبت نقله.
وكان أبو عمرو عاملا بعلمه، صاحب زهد وتقوى يراقب الله ويخشاه، فقد استمر مدة طويلة «يختم القرآن في كل ثلاث ليال» (5) وهذا أمر لا يطيقه إلا عظماء الرجال وأصحاب الهمم العالية.
وكان قد نقش على فصّ خاتمه هذا البيت:
وإن امرأ دنياه أكبر همّه
…
لمستمسك منها بحبل غرور (6)
وهو بيت مشتمل على معان عظيمة في الزهد والتقلل من الدنيا وعدم الانشغال بها لأنها دار الغرور والفتنة.
(1) ياقوت الحموي، مرجع سابق (11: 160).
(2)
المرجع السابق (11: 160).
(3)
ابن الجزري، غاية النهاية، مرجع سابق (1: 290 - 291).
(4)
المرجع السابق (1: 290).
(5)
المرجع السابق (1: 290).
(6)
محمد بن شاكر الكتبي، مرجع سابق (2: 28)، والزبيدي الأندلسي مرجع سابق ص 38.
أما كراماته: فمنها ما ذكره صاحبه وتلميذه عبد الوارث، قال:«حججت سنة من السنين مع أبي عمرو بن العلاء وكان رفيقي فمررنا ببعض المنازل فقال: قم بنا، فمشيت معه، فأقعدني عند ميل وقال: لا تبرح حتى أجيئك، وكان منزل قفر لا ماء فيه، فاحتبس عليّ ساعة فاغتممت، فقمت أقفيه الأثر فإذا هو في مكان لا ماء فيه، فإذا عين وهو يتوضأ للصلاة، فنظر إلي فقال: يا عبد الوارث اكتم عليّ ولا تحدث بما رأيت أحدا فقلت: نعم يا سيد القراء. قال عبد الوارث: فو الله ما حدثت به أحدا حتى مات» (1)، وهذه الحادثة تؤكد منزلة أبي عمرو من الولاية وحسن الصلة بالله سبحانه، حيث فجّر له عين ماء في الأرض المجدبة، ليتوضأ ويشرب منها، وهو مع ذلك لا يفاخر ولا يريد أن يطلع أحد على هذا السر الذي بينه وبين ربه سبحانه وتعالى.
ولأن أبا عمرو بهذه المنزلة من العلم والزهد والصدق فقد أقبل عليه الناس ينهلون من علمه ويقرءون عليه القرآن، وقد توقع شعبة أن ستكون قراءة أبي عمرو هي القراءة المعتمدة بين الناس، قال وهب بن جرير: قال لي شعبة: تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا، قال ابن الجزري:
قرأ على أبي عمرو عدد كبير من الناس: فقد روى القراءة عنه عرضا وسماعا أحمد بن محمد بن عبد الله الليثي وأحمد بن موسى اللؤلؤي وإسحاق بن يوسف بن يعقوب الأزرق وحسين بن علي الجعفي والأصمعي وعبد الوارث بن سعيد ويحيى اليزيدي وغيرهم، وروى عنه الحروف محمد بن الحسن بن أبي سارة وسيبويه (3).
(1) ابن الجزري، غاية النهاية، مرجع سابق (1: 291).
(2)
المرجع السابق (1: 292).
(3)
المرجع السابق (1: 290).