المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف - مقدمات في علم القراءات

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات العشر المتواترة

- ‌المبحث الأول روايات حديث نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌أولا: بعض الأحاديث الواردة في أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف:

- ‌ثانيا: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة

- ‌ثالثا: الرأي المختار في معنى الأحرف السبعة:

- ‌رابعا: أمثلة للأحرف السبعة:

- ‌خامسا: الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌المبحث الثاني جمع القرآن الكريم في عهد عثمان رضي الله عنه والفرق بينه وبين جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المبحث الثالث الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات العشر المتواترة

- ‌المبحث الرابع خلاصة ما ينبغي اعتقاده في الأحرف السبعة والقراءات القرآنية العشر المتواترة وتاريخ المصحف الشريف

- ‌الفصل الثاني مفهوم علم القراءات، ونشأته والمراحل التي مر بها وشروط القراءة الصحيحة وأنواع القراءات

- ‌المبحث الأول مفهوم علم القراءات، والفرق بين القرآن والقراءات

- ‌أولا: تعريف علم القراءات:

- ‌ثانيا: مصدر القراءات

- ‌ثالثا: الفرق بين القرآن والقراءات

- ‌المبحث الثاني نشأة علم القراءات والمراحل التي مر بها

- ‌أولا: متى كانت الرخصة بالأحرف السبعة

- ‌ثانيا: التدرج التاريخي لنشأة علم القراءات:

- ‌اختيار ابن مجاهد للسبعة، وأثره في التأليف في القراءات:

- ‌ثالثا: القراءات القرآنية في عصرنا الحاضر:

- ‌1 - انتشار القراءات التي يقرأ بها في العالم الإسلامي:

- ‌2 - طباعة المصاحف بالروايات المتعددة:

- ‌3 - تسجيل الروايات صوتيا:

- ‌4 - قيام مؤسسات وكليات تعنى بعلم القراءات

- ‌المبحث الثالث شروط القراءة الصحيحة، وأنواع القراءات

- ‌القسم الأول: القراءة المتواترة

- ‌القسم الثاني: القراءات الشاذة:

- ‌تقسيمات أخرى للقراءات القرآنية:

- ‌الفصل الثالث التعريف بالقراء العشرة ورواتهم

- ‌المبحث الأول التعريف بالقراء العشرة

- ‌1 - نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم

- ‌2 - ابن كثير المكي:

- ‌3 - أبو عمرو البصري

- ‌4 - عبد الله بن عامر الشامي:

- ‌5 - عاصم الكوفي:

- ‌ أقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه

- ‌6 - حمزة بن حبيب الزيات الكوفي:

- ‌7 - الكسائي:

- ‌8 - أبو جعفر يزيد بن القعقاع:

- ‌9 - يعقوب بن إسحاق الحضرمي

- ‌10 - خلف بن هشام البزار:

- ‌أسانيد القراء العشرة

- ‌المبحث الثاني الرواة عن القراء العشرة

- ‌1 - راويا نافع

- ‌2 - راويا ابن كثير المكي

- ‌3 - راويا أبي عمرو البصري

- ‌4 - راويا ابن عامر الشامي:

- ‌ فضله وأقوال العلماء فيه:

- ‌5 - راويا عاصم الكوفي:

- ‌6 - راويا حمزة الكوفي:

- ‌7 - راويا الكسائي:

- ‌8 - راويا أبي جعفر المدني:

- ‌9 - راويا يعقوب البصري:

- ‌10 - راويا خلف:

- ‌الفصل الرابع التعريف بأصول القراءات وأصول القراء العشرة

- ‌المبحث الأول التعريف بأصول القراءات

- ‌المبحث الثاني التعريف بأصول القراء العشرة

- ‌1 - أصول قراءة نافع

- ‌أ- رواية قالون:

- ‌ب- أصول رواية ورش:

- ‌مثال لقراءة نافع: (سورة المعارج)

- ‌2 - أصول قراءة ابن كثير

- ‌مثال لقراءة ابن كثير: (سورة يوسف 1 - 20)

- ‌3 - أصول قراءة أبي عمرو

- ‌مثال لقراءة أبي عمرو: (سورة الصف)

- ‌4 - أصول قراءة ابن عامر

- ‌مثال لقراءة ابن عامر: (سورة الأحقاف)

- ‌5 - أصول قراءة عاصم

- ‌مثال لقراءة عاصم: (سورة هود 1 - 60)

- ‌ 6 - أصول قراءة حمزة

- ‌مثال لقراءة حمزة: (سورة الرحمن)

- ‌7 - أصول قراءة الكسائي

- ‌مثال لقراءة الكسائي: (سورة البلد)

- ‌8 - أصول قراءة أبي جعفر

- ‌مثال لقراءة أبي جعفر: (سورة الإنسان)

- ‌9 - أصول قراءة يعقوب

- ‌مثال لقراءة يعقوب: (سورة الرعد)

- ‌10 - أصول قراءة خلف العاشر

- ‌مثال لقراءة خلف العاشر: (سورة الإسراء 70 - 111)

- ‌الفصل الخامس المؤلفات في علم القراءات والعلوم المتصلة به

- ‌المبحث الأول المؤلفات في علم القراءات

- ‌أولا: كتب الرواية:

- ‌أ- أشهر المؤلفات في القراءات والتي تعد المراجع الأساسية في هذا العلم:

- ‌هـ- من المؤلفات في القراءات الثمان وحتى العشر:

- ‌ثانيا: الكتب المؤلفة في بيان معنى الأحرف السبعة والصلة بينها وبين القراءات:

- ‌ثالثا: الكتب المؤلفة في بيان أصول القراءات:

- ‌رابعا: الكتب المؤلفة في بيان صلة القراءات بالنحو واللغة أو في دراسة بعض الأصول القرآنية من الوجهة اللغوية

- ‌خامسا: الكتب المؤلفة في تتبع ظاهرة من ظواهر القراءات:

- ‌سادسا: كتب في دراسة تاريخ القراءات

- ‌سابعا: كتب في الدفاع عن القراءات القرآنية:

- ‌ثامنا: كتب في تطبيق القراءات القرآنية:

- ‌المبحث الثاني العلوم المتصلة بالقراءات

- ‌أولا: علم التجويد:

- ‌تعريف علم التجويد لغة واصطلاحا:

- ‌أهمية علم التجويد:

- ‌المصنفات في علم التجويد

- ‌الفرق بين علمي التجويد والقراءات

- ‌ثانيا: علم الرسم وعلم الضبط:

- ‌ثالثا: علم التحريرات:

- ‌رابعا: الوقف والابتداء:

- ‌خامسا: علم توجيه القراءات:

- ‌سادسا: علم تراجم القراء (طبقات القراء):

- ‌الصورة الأولى:

- ‌الصورة الثانية:

- ‌الصورة الثالثة:

- ‌الصورة الرابعة:

- ‌الصورة الخامسة:

- ‌سابعا: علم الفواصل:

- ‌ علماء العدد

- ‌علاقة علم العدد بعلم القراءات:

- ‌من المؤلفات في علم الفواصل:

- ‌الفصل السادس شبهات حول القراءات القرآنية وردها

- ‌الشبهة الأولى: عدم تواتر القراءات:

- ‌الرد على هذه الشبهة:

- ‌الشبهة الثانية: أن مصدر اختلاف القراءات رسم المصحف:

- ‌الرد على هذه الشبهة:

- ‌الشبهة الثالثة: جواز القراءة بالمعنى

- ‌الرد على هذه الشبهة

- ‌الشبهة الرابعة: تناقض معنى القراءات

- ‌الرد على هذه الشبهة

- ‌الشبهة الخامسة: مخالفة بعض القراءات اللغة العربية

- ‌الرد على هذه الشبهة

- ‌الخاتمة

- ‌الخطة الدراسية لدرجة البكالوريوس في القراءات القرآنية في كلية الدعوة وأصول الدين- جامعة البلقاء التطبيقية

- ‌الخطة الاسترشادية لدرجة البكالوريوس في القراءات القرآنية:

- ‌وصف المواد التي يطرحها قسم القراءات وتدرّس في بكالوريوس القراءات

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌خامسا: الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف

قرأ أبو عمرو- أي من رواية السوسي عنه- الرّحيم ملك بالإدغام، وباقي القراء بالإظهار (1).

‌خامسا: الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف

(2):

يمكن تلمس الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف بالنظر في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في معناها، وبما تتضمنه من اختلاف أوجه القراءة على النحو التالي:

1 -

تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين. وهذا واضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم:

«يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط» ، فقد كانت العرب قبائل متعددة، وكان بينها اختلاف وتباين في اللهجات واللغات وطريقة الأداء، فلو ألزمت الأمة بكيفية واحدة من كيفيات القراءة لشق ذلك على مجموع الأمة، وإن كان يخدم بعضها (3).

وهو تحقيق لقول الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17].

قال الحافظ ابن الجزري: «فأما سبب وروده على سبعة أحرف، فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها، وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق

وكما ثبت صحيحا: إن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد، وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبعثون إلى أقوامهم الخاصين بهم، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها عربيها وعجميها؛ وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم- أي لهجاتهم- مختلفة، وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج لا سيما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابا كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم، فلو كلفوا العدول عن لغتهم، والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع

» (4).

(1) مكي بن أبي طالب، الإبانة عن معاني القراءات، ص 131 - 135.

(2)

ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 52 - 53).

(3)

الزرقاني، مناهل العرفان (1: 145).

(4)

ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 22).

ص: 28

2 -

إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فتقلّب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات فيه زيادة في المعنى، وفيه دلالة على الأحكام التي يستنبطها الفقهاء (1) وذلك على أنواع:

النوع الأول: أن يكون مرجحا لحكم اختلف فيه، كقراءة «وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» في كفارة اليمين، بزيادة:«مؤمنة» ، وهي قراءة شاذة، في قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ [المائدة: 89]، فكان فيها ترجيح لاشتراط الإيمان، كما ذهب إليه الشافعي وغيره، ولم يشترطه أبو حنيفة.

النوع الثاني: أن يكون لأجل اختلاف حكمين شرعيين، كقراءة:«وَأَرْجُلَكُمْ» في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]، ففيها قراءتان صحيحتان:

القراءة الأولى: «وَأَرْجُلَكُمْ» بنصب اللام، وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب، وذلك عطفا على:«أَيْدِيَكُمْ» ، فيكون حكمها الغسل كالوجه.

القراءة الثانية: «وأرجلكم» بخفض اللام، وهي قراءة الباقين، وذلك عطفا على:«بِرُؤُسِكُمْ» لفظا ومعنى، أي المسح على الخفين.

وعليه: فإن قراءة الخفض تقتضي مشروعية المسح على الخفين، وقراءة الفتح تقتضي فرض الغسل للأرجل في الوضوء، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الغسل وجعله للرجلين في الوضوء، وجعل المسح على الخفين.

النوع الثالث: أن يكون لإيضاح حكم يقتضي الظاهر خلافه، كقراءة «فامضوا إلى ذكر الله» فإن قراءة «فَاسْعَوْا» يقتضي ظاهرها المشي السريع، فجاءت القراءة الأخرى وهي شاذة، لكي توضح أن المقصود هو الذهاب إلى المسجد بأي صورة من الصور سواء أكان ماشيا أم راكبا أم مهرولا

إلخ.

(1) الصفاقسي، غيث النفع في القراءات السبع، ص 15، والزركشي، البرهان في علوم القرآن (1: 227)، ومناع القطان، مباحث في علوم القرآن، ص 169.

ص: 29

النوع الرابع: أن يكون حجة لأهل الحق، ودفعا لأهل الزيغ، كقراءة:«وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً» ، ففيها قراءتان:

القراءة الأولى: «وملكا كبيرا» بكسر اللام، وهي من أعظم الحجج على رؤية الحق تبارك وتعالى في الدار الآخرة؛ لأنه سبحانه هو الملك وحده في الدار الآخرة:

لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16].

القراءة الثانية: «وملكا كبير» بضم الميم وسكون اللام، وهي قراءة الباقين، وهي القراءة المتواترة.

النوع الخامس: أن يكون حجة بترجيح قول بعض العلماء كقراءة: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» ، فإن اللمس يطلق على الجس والمس، كقوله تعالى: فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام: 7]، أي: مسوه.

النوع السادس: أن يكون حجة لقول بعض أهل العربية، وذلك نحو قوله تعالى:

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ [النساء: 1]، فقراءة حمزة: والأرحام بالخفض، حجة لأهل العربية على جواز أن يكون معطوفا على موضع الجار والمجرور، والمعنى:«تساءلون به وبالأرحام» ، وهذا العطف غير جائز عند بعض أهل العربية، وقراءة الباقين: وَالْأَرْحامَ، والمعنى:«اتقوا الأرحام أن تقطعوها» (1).

النوع السابع: أن يكون للجمع بين حكمين مختلفين، ومثاله «يطهرن» بالتخفيف والتشديد، في قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة: 222].

فقد قرأ شعبة وحمزة والكسائي وخلف العاشر «يطّهّرن» ، بفتح الطاء والهاء مع التشديد فيهما، وهو مضارع «تطهر، وصيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وقرأ الباقون: «يطهرن» ، بسكون الطاء، وضم الهاء مخففة، مضارع «طهر» ، يقال طهرت المرأة إذا انقطع عنها الحيض، فالجمع بين القراءتين يعني: أن الحائض لا يقربها زوجها حتى تطهر بانقطاع دم حيضها، وتطّهّر بالاغتسال.

(1) ابن زنجلة، حجة القراءات، ص 188 - 190.

ص: 30

3 -

تعد هذه الأحرف من خصائص هذه الأمة، ومن المناقب التي امتازت بها عن غيرها من الأمم لأن كتب الأمم السابقة كانت تنزل على وجه واحد، وإنه من أعظم الخصائص لهذه الأمة أن الله عز وجل تكفل بحفظ كتابها، وهو على خلاف كتب الأمم السابقة، فقد وكل الله تعالى حفظها لهم فحرفوها وضيعوها.

ويترتب عليه: أن الله تعالى تكفل بحفظ سائر الأحرف القرآنية التي أنزلها؛ لأن كل حرف منها بمنزلة الآية فضياع شيء منها واندثاره يعني أن بعض أبعاض القرآن ضاعت، أو اندثرت وهذا يتنافى مع مقتضى الحفظ الرباني للقرآن (1).

كما أن في اختلاف القراءات نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز؛ إذ كل قراءة بمنزلة الآية؛ إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان في ذلك من التطويل (2).

4 -

أن الأحرف السبعة حفظت لغة العرب من الضياع والاندثار، فقد تضمنت خلاصة ما في لغات القبائل العربية من فصيح وأفصح (3).

5 -

أن في الأحرف السبعة برهانا واضحا ودلالة قاطعة على صدق القرآن، فمع كثرة وجوه الاختلاف والتنوع لم يتطرق إليه تضاد، ولا تناقض، ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، وبعضه يشهد لبعض على نمط واحد، وأسلوب واحد، وهذا دليل قاطع على أنه من عند الله عز وجل نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

6 -

أن نزول القرآن على سبعة أحرف فيه بيان لفضل الأمة المحمدية بتلقيها كتاب ربها هذا التلقي، والاعتناء به هذه العناية، وفيه إعظام لأجور الأمة المحمدية، ذلك أنهم يفرغون جهدهم في حفظ القرآن الكريم، وتتبع معانيه، واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ من ألفاظ الأحرف السبعة، وإنعامهم النظر

(1) د. عبد العزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة وصلته بالقراءات القرآنية، ص 96.

(2)

ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 52).

(3)

د. عبد العزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة، وصلته بالقراءات القرآنية، ص 102.

ص: 31

في الكشف عن التوجيه والتعليل والتخريج للروايات القرآنية، وبيان وجهها في العربية، وكشف وجه الفصاحة فيها، ولا ريب في أن هذه أجور عظيمة لهذه الأمة في خدمة كتاب الله عز وجل، ومن ناحية أخرى فإن انشغال أبناء الأمة الإسلامية في تدارس وحفظ القرآن والتمييز بين متشابهاته أمر مقصود ليبقى كل حافظ على اتصال بالقرآن الكريم وتعاهد له، وكذا يقال بالنسبة للعناية بقراءاته وتتبعها وبيان وجوهها، فإن ذلك يؤدي إلى انشغال الأمة بتعلم القرآن وتعليمه وبذلك يستمر تعلقهم به قراءة وتدبرا وعملا.

7 -

أن في الأحرف السبعة بيانا لظهور سر الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز، وصيانة كلامه المنزل، فقد قيض الله عز وجل في كل عصر وفي كل مصر من يحفظون كتاب الله عز وجل، بأوجهه المختلفة.

ص: 32