الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله:{قلْ أرَأيْتُم ما أنَزلَ الله لَكمْ مِنْ رزقٍ فجعَلتُمْ منْهُ حَرامًا وَحلالاً} [يونس: 59] انتهى.
القاعدة الثانية: ليس في الشرع بدعة حسنة بل كل بدعة هي ضلالة
عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل ببدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
صحيح: أخرجه أبو داود "5407" والترمذي "2676" وابن ماجة "42" وغيرهم.
هذا الحديث يدل على أنه ليس في الشرع بدعة حسنة، بل كل بدعة هي ضلالة، وهذا ما فهمه الصحابة فقد قال عبد الله بن عمر: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
أخرجه اللالكائي "1/92" بإسناد صحيح.
ومنه تعلم أن تقسيم بعض أهل العلم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومحرمة، ومكروهة، ومباحة، تقسيم ليس بصحيح لمخالفته للأحاديث ولفهم السلف الصالح فإنهم كانوا يرون كل بدعة ضلالة،
كما تقدم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ويحتج من يقول بالبدعة الحسنة بحديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
والجواب:
أن هذا الحديث لا حجة فيه، وذلك لأنه ورد في أمر ثابت في الشرع وهو الصدقة، فعن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال:" {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إلى آخر الآية {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} والاية التي تلي في {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18] تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، ولو بشق تمرة" قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء،
ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
أخرجه مسلم "1017".
قال الشاطبي في الموافقات "1/183": فتأملوا أين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سن سنة حسنة" تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه، حتى بتلك الصرة، فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال:"من سن في الإسلام سنة حسنة"، فدل على أن السنة هاهنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنة، فظهر أن السنة الحسنة ليست بمبتدعة. انتهى.
ويحتج أيضا من يقول بالبدعة الحسنة بقول عمر لما رأى الناس مجتمعين في صلاة التراويح نعمت البدعة هذه.
والجواب: قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم "2/589": أكثر ما في تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل، أو إيجابه بعد موته، أو دلَّ عليه مطلقاً ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته، صحَّ أن يسمى بدعة في اللغة لأنه عمل مبتدأ، كما أن نفس الدين الذي
جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يُسمى مُحدثا في اللغة، كما قالت رسل قريتين للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة:"إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ولم يدخلوا في دين الملك، وجاؤوا بدين محدث لا يُعرف" ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة وإن سمي بدعة في اللغة. انتهى.
وقال ابن رجب في جامع العلوم "233": وأما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية. انتهى.
ويحتج أيضا من يقول بالبدعة الحسنة بأثر: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن".
والجواب: قال ابن القيم في الفروسية "60": في هذا الأثر دليل على أن ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسنا عند الله فهو حسن، لا مارآه بعضهم فهو حجة عليكم. انتهى.
وقال الألباني في الضعيفة "2/17": إن من عجائب الدنيا أن يحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن في الدين بدعة حسنة، وأن الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها! ولقد صار من الأمر المعهود أن يبادر هؤلاء إلى الإستدلال بهذا الحديث عند ما تثار هذه المسألة. وخفي عليهم.
أ - أن هذا الحديث موقوف فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص القاطعة في أن "كل بدعة ضلالة" كما صح عنه صلى الله عليه وسلم.
ب - وعلى افتراض صلاحية الإحتجاج به فإنه لا يعارض تلك النصوص