الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: إذا كان في سند الحديث راو ضعيف، فإنه لا يجوز نسبة ذلك الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم لضعف السند ولو كان ذلك الحديث موافقاً لآية في كتاب الله أو لبعض أصول الشريعة لأن العمل يكون حينئذ على تلك الآية أو ذلك الأصل، وكم من حديث وافق آية أو أصلا من أصول الشريعة وضعفه أئمة الحديث لضعف سنده كحديث:"لا بأس بقضاء شهر رمضان مفرقاً" فإنه حديث ضعيف ضعفه الألباني في السلسة الضعيفة "2/136" مع أنه يشهد له قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فأطلقت الآية القضاء بدون تقييد التتابع.
وكحديث: "إذا أذن المؤذن يوم الجمعة حرم العمل" قال الألباني في الضعيفة "5/230" بعد أن حكم على الحديث بأنه موضوع: ويغني عن هذا الحديث قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] الآية. انتهى.
ثانيا: مالا يصح تضعيف الحديث به:
أئمة الحديث إنما يضعفون الحديث إذا اختل منه شرط من شروط الحديث الصحيح، ولا يضعفون الحديث بغير ذلك، فإن وجدوا في المتن معنى غريب مع صحة السند لم يضعفوا الحديث وإنما يحاولون أن يحملوه على معنى من المعاني المحتملة إذا أمكن، وإلا فإنه يتوقف في تأويله ولا
يضعف من أجل ذلك.
فإن قيل: قد ذكر الأئمة قواعد يستدل بها على وضع متن الحديث فالجواب: أن هذه القواعد ليست أصلية، وإنما هي قواعد يصار إليها بعد النظر في السند، لأن هذه القواعد يُعمل بها دون النظر في السند، فإذا كان الإسناد غير صحيح فإنهم حينئذ يعملون بتلك القواعد ويضيفون إلى ضعف السند نكارة المتن فإن قيل: قد ورد عن بعض الأئمة تضعيف متون بعض الأحاديث مع صحة الإسناد.
فالجواب: أن هذا نادر والنادر لا حكم له، وأيضا تجد هذا الحديث الذي حكم على متنه بالنكارة من بعض الأئمة أحيانا يكون قد صححه البعض الآخر، كحديث "خلق الله التربة يوم السبت.." ضعفه البخاري وصححه مسلم ولم ير أن ما أعُلَّ به من نكارة متنه إعلال صحيح، وغير ذلك من الأحاديث فلو كان هذا منهجا لهم لم اختلفوا في تضعيف تلك الأحاديث وهذا مما يدل على أن تلك القواعد التي ذكرها الأئمة ليست أصلية، وإنما يصار إليها بعد النظر في الإسناد، القواعد التي ذكرها ابن القيم في المنار المنيف "35" لمعرفة الحديث الموضوع بغير نظر في إسناده، ذكر تحتها أحاديث أسانيدها جميعها هالكة وساقطة، بل قال: وإنما يعرف ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، ودخلت بدمه ولحمه وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيما يأمر به وينهى عنه. انتهى.