الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القواعد التي لا تصح لتصحيح الحديث أو تضعيفه
أولاً: ما لا يصح من القواعد لتصحيح الحديث
أجمع علماء الحديث أن الحديث الصحيح هو الذي تتوفر فيه خمسة شروط وهي:
1 -
اتصال السند.
2 -
عدالة الرواة.
3 -
ضبطهم.
4 -
السلامة من الشذوذ.
5 -
السلامة من العلة.
فمتى اختلَّ شرط من هذه الشروط الخمسة صار الحديث ضعيفاً، وهناك قواعد صححت بها بعض الأحاديث لم تتوفر فيها شرط من الشروط الخمسة المتقدمة وعليه فتكون تلك القواعد غير صحيحة، وهذه القواعد هي:
1 -
تصحيح الحديث لصحة معناه:
هناك بعض الأحاديث الضعيفة قد يكون معناها صحيح، لو ورد أدلة صحيحة دلت على معنى ذلك الحديث الضعيف أو لوقوع ما دل عليه ذلك الحديث لكن لا يجوز نسبة ذلك الحديث الضعيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس كل ما صح معناه قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الألباني في الضعيفة "3/36، 37": بعد أن ذكر ضعف حديث: "إذا أبغض المسلمون علماءهم، وأظهروا عمارة أسواقهم وتناكحوا على جمع الدراهم، رماهم الله عز وجل بأربع خصال: بالقحط من الزمان، والجور من السلطان، والخيانة من ولاة الحكام، والصولة من العدو".
قال الذهبي: منكر.
قال الألباني: كتب بعض الطلاب الحمقى وبالحبر الذي لا يمحى، عقب قول الذهبي المتقدم - نسخة الظاهرية -:"قلت بل صحيح جداً" وكأن هذا الأحمق يستلزم من مطابقة معنى الحديث الواقع أنه قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا جهل فاضح، فكم من مئات الأحاديث ضعفها أئمة الحديث وهي مع ذلك صحيحة المعنى، ولا حاجة لضرب الأمثلة على ذلك، ففي هذه السلة ما يغني عن ذلك، ولو فتح باب تصحيح الأحاديث من حيث المعنى دون التفات إلى الأسانيد، لا ندسَّ كثير من الباطل على الشرح، ولقال الناس على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ثم تبوؤا
مقعدهم من النار. انتهى.
2 -
تصحيح الحديث بالتجرة:
الحديث لا يصحح بالتجربة، وإنما يُصحح بناء على الإسناد، قال الشوكاني في تحفة الذاكرين "140": السنة لا تثبت بمجرد التجربة، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل منه وهو أرحم الراحمين، وقد تكون الاستجابة استدراجا. انتهى.
وقال الألباني في الضعيفة "2/108، 109" بعد أن ذكر ضعف حديث: "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أحبسوا عليَّ، فإن لله في الأرض حاضراً سيجبه عليكم".
قال السخاوي في الإبتهاج بأذكار المسافر والحاج "39": وسنده ضعيف، لكن قال النووي: إنه جربه وهو وبعض أكابر شيوخه. فتعقبه الألباني رحمه الله وقال: العبادات لا تؤخذ من التجارب، سيما ما كان منها في أمر غيبي كهذا الحديث، فلا يجوز الميل إلى تصحيحه بالتجربة. انتهى.
3 -
تصحيح الحديث بالكشف:
ذكر العجلوني في كشف الخفا "1/9" عن ابن عربي الصوفي ما حاصله أنه رب حديث ترك العمل به لضعف طريقه من أجل وضاع في رواته يكون صحيحا في نفس الأمر لسماع المكاشف له من الروح حين
إلقائه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
والجواب: أن حكاية هذا الكلام فيه غنية عن الردِّ عليه، لوضوح بطلانه، ومخالفته للشرع.
وإلا فما فائدة السند إذا كانت الحديث يعرف بالكشف، وما فائدة هذه الجهود الجبارة من علماء الحديث في تنقيح الأسانيد.
قال العلامة عليش في فتح العلي المالك "1/45": من المعلوم لكل أحد أن الأحاديث لا تثبت إلا بالأسانيد لا بنحو الكشف وأنوار القلوب، فما نقله السخاوي عن جماعة الشيخ إسماعيل اليمني، إن كان المراد صحة اللفظ توقف الأمر على السند، وإلا رُدَّ القول على قائله كائناً من كان، ودين الله لا محاباة فيه، والولاية والكرامات لا دخل لها هنا، إنما نرجع للحفاظ العارفين بهذا الشأن. انتهى.
وقال الألباني في الضعيفة "1/145" في حديث: "أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم اهتديتم" بعد أن حكم عليه بالوضع قال: وأما قول الشعراني في الميزان: [وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين فهو صحيح عند أهل الكشف] ، فباطل وهراء لا يلتفت إليه ذلك لأن تصحيح الأحاديث من طريق الكشف بدعة صوفية مقيتة، والاعتماد عليها يؤدي إلى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها وكذا الحديث. انتهى.
4 -
تصحيح الحديث لتلقي العلماء له بالقبول:
قال السيوطي في كتاب البحر الذي زحر "كما في التحفة المرضية/178""1" المقبول ما تلقاه العلماء بالقبول وإن لم يكن له إسناد صحيح فيما ذكره طائفة منهم ابن عبد البر، ومثلوه بحديث جابر: الدينار أربعة وعشرون قيراطا، أو اشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم فيما ذكره الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وابن فورك كحديث في الرقة ربع العشر وحديث لا وصية لوارث. انتهى.
وقال السخاوي: إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به، ولهذا قال الشافعي: حديث "لا وصية لوارث" لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية الوصية للوارث. انتهى.
قلت: الحديث الضعيف الذي تلقاه العلماء بالقبول له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك الحديث الضعيف أجمع العلماء على القول به، فيؤخذ بذلك الحكم الذي ورد في ذلك الحديث لإجماع العلماء عليه، ولا ينسب ذلك الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الإجماع إنما هو على الحكم الذي وقع في ذلك الحديث، والعمل به لا على نسبة ذلك الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مراد الشافعي المتقدم
"1 وهو مطبوع في آخر المعجم الصغير للطبراني.
بقوله: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول.
فانظر كيف حكم على الحديث بضعفه، والأخذ بالحكم الوارد فيه والعمل بمقتضاه للإجماع، ولذا قال الحافظ في الفتح "12/ " بعد أن ذكر الحديث:"لا وصية لوارث":
لكن الحجة في هذا إجماع العلماء على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره. انتهى.
قلت: على أن هذا الحديث قد ثبت إسناده بعض أئمة الحديث.
فالحاصل أن الحديث الضعيف الذي أجمع العلماء بالقول به، يؤخذ بالحكم الوارد فيه لإجماع العلماء عليه،، ولا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لضعف إسناده.
الحالة الثانية: أن يكون الحديث الذي قيل أنه متلقى بالقبول قد صرح بعض الأئمة بقبوله، وبعض الأئمة سكت عنه فلم يصرح بقبوله ولا برده، فلا يقال عن هذا الحديث أنه ملتقى بالقبول.
وذلك لسكوت بعض الأئمة عنه والساكت لا ينسب له قول.
5 -
تصحيح الحديث لموافقته لأصول الشريعة أو لآية من كتاب الله:
قال ابن الحصار كما في تدريب الراوي "25": قد يعلم الفقيه صحة الحديث إذا لم يكن في سنده كذاب بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة، فيحمله ذلك على قبوله والعمل به. انتهى.