الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأذن الله به، ولمن حرم يأذن الله بتحريمه، فإذا كان هذا في المباحات فكيف بالمكروهات أو المحرمات؟!..، ثم قال: وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء والعباد يرون الشيء إذا لم يكن محرما لا ينهى عنه، بل يقال إنه جائز، ولا يفرقون بين اتخاذه ديناً وطاعة وبراً، ودبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة، ومعلوم أن اتخاذه ديناً بالاعتقاد أو الاقتصاد أو بهما أو بالقول أو بالعمل أو بهما من أعظم المحرمات وأكبر السيئات. انتهى.
القاعدة الخامسة عشر: المصلحة المرسلة ليست من البدعة في شيء
المصلحة المرسلة لا تعتبر بدعة، وذلك لأن الأدلة الشرعية دلت عليها بخلاف البدعة فالشرع جاء بتمكين المصالح وإلغاء المفاسد، وعلى هذا جرى عمل الصحابة، قال الشنقيطي في المصالح المرسلة "21": فالحاصل أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية. انتهى.
وأما البدعة فليس فيها مصلحة، وإن كان ظاهرها أن فيها مصلحة فحقيقة الأمر ليس كذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى "11/344": والقول الجامع: أن الشريعة لا تهمل مصلحة
قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، لكن ما اعتقده العقل مصلحة، وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له: إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر، أو إنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة، لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة، وكثيراً ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون منفعته مرجوحة بالمضرة. انتهى.
قلت: والضابط في تمييز المصلحة المرسلة من البدعة، هو أن المصلحة المرسلة لم يكن المقتضي لفعلها موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان المقتضي موجودا لها لكن كان هناك مانع يمنع منه، والبدعة بعكس ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم "2/594": فما رآه الناس مصلحة نُظر في السبب المحرج إليه: فإن كان السبب المحرج إليه أمراً حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منه، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعوا الحاجة إليه، وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته، وأما ما لم يَحدُث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا يجوز الإحداث فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً لو كان مصلحة ولم يُفعل أنه ليس بمصلحة.. إلى أن قال: فأما ما كان المقتضي لفعله موجوداً لو كان مصلحة وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما أدخله فيه من نُسب إلى
تغيير الدين من الملوك والعلماء والعباد، أومن زل منهم باجتهاد.. فمثال هذا القسم: الأذان في العيدين، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة، فلو لم يكن كونه بدعة دليلاً على كراهته، وإلا لقيل: هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله، فيدخل في العمومات كقوله تعالى:{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب: 36] وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} [فصلت: 33] أو يقاس على الأذان في الجمعة! فإن الاستدلال على حُسن الأذان في العيدين أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع! بل يقال ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم له مع وجود ما يعتقد مقتضياً وزال المانع: سنة كما أن فعله سنة..، فهذا مثال لما حدث مع قيام المقتضي له وزال المانع له، لو كان خيراً. فإن كل ما يبديه المحدث لهذا المصلحة أو يستدل به من الأدلة قد كان ثابتاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الترك سنة خاصة مقدمة على كل عموم وكل قياس. انتهى.
قال الشنقيطي في المصالح المرسلة "21": ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة عدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها، أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال. انتهى.